فى ضوء ما أعلنه مجلس الوزراء فى بيانه الأخير بشأن تنفيذ قانون الإيجار القديم، بدأت وزارة التنمية المحلية فى تفعيل آليات العمل الميدانى عبر تشكيل غرفة عمليات مركزية لمتابعة أعمال اللجان المختصة على مستوى الجمهورية، وتأتى هذه الخطوة فى إطار خطة واضحة تستهدف حصر وتصنيف المناطق العقارية بجميع المحافظات، تمهيدًا لتحديد القيم الإيجارية العادلة وفقًا للضوابط التى أقرها القانون الجديد، على أن تتركز مهمة هذه اللجان فى حصر العقارات وتصنيفها إلى ثلاث فئات رئيسية: مميزة، متوسطة، اقتصادية، وذلك استنادًا إلى مجموعة من المعايير تشمل طبيعة المبنى (خرسانى أو بدائي)، ومدى توافر المرافق الأساسية، وواقعه داخل الحيز العمرانى أو خارجه، فضلًا عن حالة الطرق والمرافق المحيطة به.
تشمل المنظومة الجديدة 27 لجنة رئيسية على مستوى المحليات، يرأس كل منها السكرتير العام للمحافظة، وتضم فى عضويتها ممثلين عن الإدارات المعنية مثل التخطيط العمراني، الأملاك، الضرائب العقارية، والسكان، إلى جانب جهات أخرى ذات صلة، وتشرف هذه اللجان الرئيسية على عمل 248 لجنة فرعية موزعة بعدد المراكز والمدن فى المحافظات، بما يضمن شمولية ودقة الحصر فى كافة أنحاء الجمهورية.
ومن المقرر أن تستغرق عملية الحصر ثلاثة أشهر، تعلن بعدها النتائج النهائية لكل منطقة عبر الوحدات الإدارية المختصة، وأكدت الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية أنها ستتابع بانتظام أعمال اللجان من خلال اجتماعات دورية مع المحافظين خلال هذه الفترة، لضمان دقة التنفيذ والالتزام بالتوقيتات المحددة.
وتعد هذه الخطوة امتدادًا للإطار الذى وضعه القانون الجديد للايجار القديم، الذى يمنح فترة انتقالية مدتها 7 سنوات للوحدات السكنية و5 سنوات للوحدات الإدارية، قبل أن تنتقل صلاحية البت فى الإخلاءات إلى قاضى الأمور الوقتية.
وفى هذا السياق، أكد اللواء عبدالله عاشور، سكرتير عام الأقصر، أن العمل يتم من خلال لجنة رئيسية و7 لجان فرعية «الأقصر – الزينية – البياضية – الطود – أرمنت – إسنا – القرنة», حيث عُقد اجتماعان لمناقشة البنود التى ستعمل عليها تلك اللجان، موضحًا أن دور اللجنة الرئيسية يقتصر على متابعة أعمال اللجان الفرعية، مشيرًا إلى أن هذه اللجان غير مختصة بشئون الورثة أو الملكية أو النزاعات، وإنما تتحرك وفقًا للضوابط التى أقرها مجلس الوزراء، والتى تقوم على تقسيم المناطق إلى ثلاث فئات.
وأشار «عاشور» إلى أن عملية الحصر تشمل رصد العقار والمرافق وفقًا للآليات المحددة، ونوّه بأن مدة الحصر تستغرق ثلاثة أشهر، على أن يتم إعلان نتائج الحصر لكل منطقة من خلال الوحدات الإدارية التابعة لها، وبناءً على ذلك يتحدد الإيجار المناسب لكل عقار.
وأضاف أنه بعد انتهاء المدد الانتقالية، تنتقل الملفات إلى قاضى الأمور الوقتية الذى يصدر قرارات الإخلاء، على أن تتولى المباحث مهمة التنفيذ، موضحًا أن التظلم الذى قد يقدمه المؤجر لا يوقف تنفيذ قرارات قاضى الأمور الوقتية داخل كل محافظة، لافتًا إلى أن دور اللجان يقتصر على تصنيف المناطق وحصرها فقط، دون التعامل المباشر مع المواطنين، على أن يتم إعلان نتائج أعمالها فور الانتهاء منها.
بينما أوضح المهندس إبراهيم الحفيان، وكيل أول وزارة الإسكان بمحافظة مطروح، أن الدراسة العامة ولجان الحصر بينت أن النسبة الأكبر من حالات الإيجار القديم تتركز فى إقليم القاهرة الكبرى (القاهرة، الجيزة، القليوبية) بالإضافة إلى الإسكندرية، حيث تمثل هذه المحافظات الكتلة الأكبر من حيث الكثافة السكانية وتشكل ما يقرب من 58 فى المائة من حجم الإيجارات القديمة، مضيفًا أن المحافظات الحدودية مثل مطروح والوادى الجديد وأسوان تشهد نسبًا محدودة من الإيجارات القديمة، مشيرًا إلى أن مطروح تتميز بارتفاع معدل التوافق بين المالك والمستأجر، والذى يصل إلى نحو 95 فى المائة.
وأكد «الحفيان» أن لجان الحصر تعمل على تصنيف جميع الحالات وتحديد احتياجات كل منطقة، وهو ما سيسهم فى مساعدة وزارة الإسكان على وضع خطط واضحة لتوفير وحدات بديلة مناسبة سواء بنظام التقسيط أو بنظام الإيجار التمليكي، بما يضمن توازن العلاقة بين الطرفين، لافتًا إلى أن الإيجار القديم كان يمثل عبئًا كبيرًا على المالك فى ظل تدنى قيمته المالية مقارنة بالظروف الاقتصادية الحالية، فى حين أن القانون الجديد جاء ليعيد التوازن وينظم العلاقة بشكل أكثر عدالة بين المالك والمستأجر، مع مراعاة البعد الاجتماعى وحقوق الطرفين.
وفى سياق متابعة أعمال لجان الحصر، أوضح المستشار القانونى أيمن الحرس، أن الدولة وفرت بدائل مناسبة للمستأجرين، وأتاحت روابط إلكترونية للتقديم على وحدات بنظام «الإيجار التمليكي» بمساحات مختلفة، بما يعكس حرصها على عدم ترك أى مواطن دون بديل.
ولفت إلى أن تطبيق القانون الجديد المنظم لعلاقة المالك والمستأجر أفرز عددًا من النقاط القانونية التى تحتاج إلى مناقشة وإيجاد حلول عملية، من بينها وضع الأسر الممتدة داخل العقار الواحد، حيث يقوم الأب أحيانًا بتزويج ابنه فى نفس العقار، خاصة فى الوحدات ذات المساحات الكبيرة، وهو ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان من حق الأب والابن التقدم بشكل منفصل للحصول على وحدات بديلة لكل منهما، أم الاكتفاء بوحدة واحدة للأسرة.
كما نوه بأن بعض الإشكاليات العملية برزت مؤخرًا بشأن العقود المشهرة التى تنص على التجديد «شهرًا بشهر»، حيث لجأ عدد من الملاك إلى القضاء لطرد المستأجرين بنهاية الشهر، وهو ما انقسم بشأنه القضاة بين رأى يعتبر أن «العقد شريعة المتعاقدين»، وآخر يرى أن استمرار إقامة المستأجر سنوات طويلة داخل الوحدة –قد تصل لأكثر من 25 عامًا– يستوجب تفسير نية المتعاقدين بما يحقق استقرار العلاقة الإيجارية، وبالتالى اعتبار مدة العقد ممتدة حتى 59 عامًا على غرار بقية عقود الإيجار القديم.
وأوضح أيمن الحرس أن القانون الجديد عالج مسألة انتهاء العلاقة الإيجارية بوضوح، حيث يحق للمالك بعد انتهاء مدة العقد طرد المستأجر واسترداد الوحدة، واللجوء إلى قاضى الأمور الوقتية فى حال رفض المستأجر الإخلاء، على أن يتم التنفيذ فورًا، بخلاف ما كان يحدث سابقًا، حيث كانت القضايا تستمر فى المحاكم سنوات، مضيفًا أن هناك تساؤلات متزايدة حول مبالغ «الخلو» المدفوعة سابقًا، وما إذا كان استردادها سيتم وفق قيمتها وقت السداد أم وفق القيمة الحالية.