وسجلت الموازنة العامة المصرية نحو 4.6 تريليون جنيه، بزيادة 18 فى المائة فى الإنفاق، و19 فى المائة فيما يخص الإيرادات، مع عجز مستهدف يبلغ حوالى 1.5 تريليون جنيه.
المخصصات فى الموازنة العامة تعكس اهتمام الدولة بالحماية الاجتماعية، لكنها لا تعكس دائمًا حجم الفجوة الحقيقية فى الدخول وتكاليف المعيشة، خاصة فى ظل معدلات التضخم العالية وزيادة الأسعار التى تأثر بها الاقتصاد العالمى والمحلى على حد سواء.
وتشهد الموازنة تحسنًا فى مؤشرات الدعم الاجتماعى واستهداف الفئات الأولى بالرعاية، كما تم رفع مخصصات برنامج «تكافل وكرامة» من 40 مليار جنيه إلى 54 مليارا فى الموازنة الجديدة، مما يتيح زيادة عدد الأسر المستفيدة، وضمان حصولهم على الدعم النقدى المشروط، خاصة بعد صدور قانون الدعم بشكله المستحدث.
وهنا نتطرق إلى مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، التى بلغت 732.6 مليار جنيه، بارتفاع 15.2 فى المائة سنويًا، منها: دعم السلع التموينية (مثل الخبز والسلع الأساسية): 160 مليار جنيه، وهو أعلى مستوى على الإطلاق، مقارنة بالأعوام السابقة.
بينما سجل دعم الطاقة: 150 مليار جنيه للمشتقات البترولية والكهرباء، بجانب تخصيصات منفصلة للغاز.
أما برنامج «تكافل وكرامة» فسجل زيادة بنسبة 35 فى المائة، ليبلغ حوالى 54–55 مليار جنيه، مع العلم أن «تكافل وكرامة» يعتبر إحدى نقاط القوة لمنظومة الحماية الاجتماعية المصرية.
دعم الأدوية والعلاج: بلغ نحو 45 مليار جنيه للأدوية والمستلزمات «زيادة 26 فى المائة» و15.1 مليار جنيه للعلاج على نفقة الدولة «زيادة 50 فى المائة».
خدمات عامة: 27 مليار جنيه للنظافة وجمع المخلفات (+35 فى المائة).
دعم الإسكان للفئات غير القادرة: 13.6 مليار جنيه (+14.3 فى المائة)، وربط الغاز الطبيعى للمنازل: 3.5 مليار جنيه.
دعم النقل: 5.2 مليار جنيه للسكك الحديدية، 1.8 مليار جنيه لدعم النقل للطلاب والمترو، و2.5 مليار جنيه للنقل العام فى القاهرة والإسكندرية.
هذه الأرقام، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن الدعم موجه للأسر الفقيرة والأكثر احتياجا، كما أن هناك خلفية وربطا للتوسع فى الدعم، بمتوسط التضخم السنوي، وكان يقارب 13.9 فى المائة فى يوليو 2025، بعد أن وصل إلى ذروته عند نحو 33 فى المائة فى مارس 2023.
وهناك أهمية كبيرة لدعم وحماية الفئات غير القادرة، وتتمثل فى:
1. توفير الأساسيات فى مواجهة التضخم، حيث إن الدعم يساهم فى ضبط أسعار السلع الأساسية (كالخبز والسلع التموينية)، مما يخفف العبء عن الأسر ذات الدخل المحدود، بالإضافة إلى دعم الطاقة، الذى يحد من ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل مباشر، إذ يمثل ذلك حماية حقيقية فى ظل التضخم المرتفع.
2. الحد من الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث إن نحو 34 فى المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، فيما نسبة أكبر مهددة بالتراجع إلى ذلك، ومن ثم فإن برامج مثل “تكافل وكرامة” تقدم دعمًا نقديًا مستمرًا، مع توسيع نطاق الخدمات، كالتعليم والرعاية الصحية، ما يعزز العدالة الاجتماعية، ويمنح ذوى الاحتياجات فرصة للاستقرار المالى.
3. دور الدعم فى الاستقرار الاجتماعى والسياسى.. فتاريخيًا، سياسات تقليص الدعم فجأة أثارت احتجاجات شعبية، كما حدث فى «انتفاضة الخبز» عام 1977 التى أدت إلى انتشار العنف والمواجهات بسبب رفع أسعار السلع الأساسية، لذا فإن الدعم من اليوم هو أداة استقرار، واستُخدم لتفادى حدوث موجات احتجاجية جديدة فى ظل ضغوط اقتصادية عنيفة.
4. ربط الدعم بالإصلاح طويل الأجل.. وبالفعل قد توجه الموازنة نحو تعزيز الإنفاق المنتج (مثل الصناعة والسياحة والتصدير)، فى حين تُرشد الدعم لحماية الفئات الأقل قدرة، ويُترجم ذلك فى توجيه الدعم بشكل أكثر استهدافا نحو البرامج الاجتماعية (مثل “تكافل وكرامة”) وتحويل الدعم العام نحو التنمية الاقتصادية.
وكل ذلك يأتى فى إطار الجهود الحكومية المبذولة لتوفير دعم فى حدود 26 فى المائة من حجم المصروفات والإنفاق الحكومي، رغم وجود عدة تحديات تواجه توفير الدعم فى ظل نسب ومعدلات التضخم، منها:
العبء المالى على الموازنة: فالعجز العام فى الموازنة 2025/2026 يتجاوز 1.5 تريليون جنيه (4 فى المائة من الناتج المحلي)، بينما إجمالى الدين العام - الداخلى والخارجي، يشكل ضغطًا كبيرًا على الموارد، والحكومة تسعى لخفض النسبة من 92 فى المائة إلى 83 فى المائة من الناتج المحلي، وقد يؤدى زيادة الدعم إلى تباطؤ فى تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والتوسع فى الإنفاق على الخدمات الأخرى من الصحة والتعليم والبحث العلمي، ويزيد الضغط على الموازنة.
وهناك تحدٍّ آخر، متمثلًا فى فعالية الدعم وتركيزه، وهذا ما تسعى إليه الحكومة، ووصول الدعم لمستحقيه، حيث تشير التقديرات والدراسات إلى أن الدعم الموسع (مثل دعم الطاقة غير المستهدف) يفيد الطبقات الأكثر ثراءً نسبيًا، حيث إن نحو 80 فى المائة من المستفيدين من الدعم هم من الطبقة التى لا تستحقه فعليا، بينما الفقراء قد لا يستفيدون بنفس النسبة، ومن ثم جاءت فكرة التحول نحو دعم نقدى موجه مثل“تكافل وكرامة”، كونه يُعد أكثر فعالية وكفاءة.
كذلك هناك الأزمة الخارجية وتأثيرها على التمويل، كأحداث مثل حرب غزة، وتوترات البحر الأحمر التى أثّرت على إيرادات قناة السويس، وخفضت مليارات الدولارات من التمويلات المتوقعة، مما ضاعف من التحديات أمام الحكومة فى تمويل الدعم، أيضًا، النزاعات الإقليمية التى ترفع تكاليف الاستيراد وتؤثر على السيولة الخارجية.
أما على صعيد سُبل تعزيز فعالية الدعم واستدامته، فنذكر عدة نقاط:
تحسين استهداف الدعم: الانتقال من دعم الطاقة الشامل إلى دعم نقدى موجه للفقراء.
توسيع «تكافل وكرامة»: الاستمرار فى زيادة المبالغ المخصصة للبرنامج وتحسين الشمولية.
تحفيز القطاع الخاص كجسر تنموي: الاستثمار فى مجالات إنتاجية يدعم النمو ويخفف الاعتماد على الدعم.
تحسين الإدارة والشفافية: فالكشف عن تفاصيل الدعم وطرق توزيعه يسهم فى تقليل الفساد ونسبة الهدر.
ضرورة وجود برامج تتبنى المرحلة الانتقالية: توفير شبكة أمان مؤقتة أثناء تقليص الدعم، وذلك لتحييد أى آثار سلبية على الفقراء.
مما سبق، فإن الدعم فى الموازنة العامة المصرية للعام المالى 2025/2026 يعد أداة حيوية لحماية الفئات غير القادرة من آثار التضخم والاستقرار الاجتماعي.. والتوسع فى مخصصات الدعم، خاصة السلع التموينية والبرامج الاجتماعية مثل “تكافل وكرامة”، يعكس التزام الحكومة رغم الضغوط المالية والتضخم.
ومع ذلك، يواجه الدعم تحديات عديدة من ضمنها محدودية الموارد، ضعف الاستهداف، والتزام الإصلاحات، إلى جانب التوترات الإقليمية.