رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

هل استنساخ عقلية المرأة الكورية هو الحل؟!


4-5-2025 | 14:14

.

طباعة
بقلم: محمد الحنفي

فى ظل معاناة مصر من الزيادة السكانية الرهيبة، وتحذير الرئيس عبدالفتاح السيسى، المتكرر من خطورتها وتأثيرها على الموارد والخدمات وخطط التنمية.. تعجبت كثيراً عندما طالعت آخر إحصائيات معدلات الإنجاب فى كوريا الجنوبية، التى شهدت نهضة تعليمية كبرى، وأصبحت بفضلها واحدة من النمور الآسيوية ذات القلاع الصناعية الضخمة، القائمة على السياسات العلمية والتكنولوجية، وقفزت بمتوسط دخل الفرد لـ«35 ألف دولار سنويا»، ورغم ذلك لا تزال كوريا تحتل المرتبة الأولى فى ترتيب الدول الأقل إنجاباً!

وازدادت دهشتى عندما علمت أن معدل الإنجاب فى كوريا الجنوبية ظل ثابتاً عند 0.7 طفلاً لكل سيدة طوال حياتها خلال النصف قرن الأخير، دون أن يتغير، رغم تبدل مستوى المعيشة من الفقر إلى الغنى والثراء، نتيجة نمو اقتصادى وتقدم تكنولوجى وصناعى سريع ومذهل، ما حدا بالدولة الكورية إلى إطلاق وزارة جديدة تشجع على الإنجاب وتجعل التخلص من انخفاض معدلات المواليد فى صدارة أهدافها القومية، بل وتتطلع إلى الوصول لمعدل إنجاب قدره 2.1 طفلاً لكل امرأة، ولهذا الغرض ضخت الحكومة 200 مليار دولار خلال السنوات الست عشرة الماضية، ورغم ذلك لا تزال معدلات الإنجاب المنخفضة مستمرة !

حقيقةً .. تساءلت عن الطرق والوسائل والأساليب التى انتهجتها كوريا خلال الـ 50 عاما الأخيرة، حتى وصلت إلى الحد الأدنى من الإنجاب على مستوى العالم، فى تجربة فريدة استوقفت الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ونالت إعجابه بدرجة جعلته يطالب شعبه بتطبيقها !

سبحان الله.. كوريا الجنوبية التى يبلغ تعداد سكانها 51 مليون نسمة تخطط حالياً لوصول معدل الإنجاب عندها لنفس النسبة التى نعانى منها فى مصر حتى تمنيت شخصياً أن نتبادل الأماكن أو نتعلم ونستفيد من تجربتها على الأقل!

التجربة الكورية صاحبة أقل معدل إنجاب فى العالم، والأولى بالاهتمام والدراسة ومحاولة التطبيق لم تتحقق بفرمان رئاسى أو قرار حكومى، بل تحققت بعقلية وإرادة ووعى وقناعة المرأة الكورية وشعورها وإدراكها وتحملها للمسئولية .. المرأة الكورية التى أثبتت للعالم أنها المتحكم الأول فى هذه التجربة، ارتأت ضرورة الحد من المواليد فى مواجهة تحديات اقتصادية تمثلت فى موجات غلاء أسعار لا تسمح بزيادة جديدة للأعباء المالية ترهق كاهل الأسر الكورية، وتفرض عليهم حالة فقر لا قِبل لهم بها !

فالمرأة العاملة فى كوريا والتى تمثل نسبة كبيرة بين السيدات، أصبحت «بإنجابها المتكرر» تتحمّل أعباء إضافية عند عودتها إلى بيتها، لا سيما المسئوليات المنزلية ومهام تربية الأطفال، وتواجه عنفاً أسرياً دون مقابل، ومن ثم صارت نموذجاً منفراً ومرفوضاً، جعل نساء كثيرات يكتفين بإنجاب طفل واحد أو البقاء عازبات هرباً من أعباء قد لا تناسبهنّ، (على العكس تماماً عندنا فى مصر، فنساء المناطق الأكثر فقراً هن الأكثر إنجاباً بكل أسف).

الخبراء فى كوريا الجنوبية يرون أن من أسباب التغيرات المحورية فى الثقافة الإنجابية، انخفاض الأجور، وارتفاع تكاليف المعيشة، وارتفاع أسعار العقارات وتكاليف تربية الأطفال فى مجتمع تنافسى من الصعب أن يعثر السكان فيه على وظائف توفر لهم دخولاً جيدة.

الشعب الكورى ممثلاً فى المرأة، لا يزال متمسكاً بهذا المعدل المنخفض للمواليد رغم جهود الحكومة الكورية التى تنبهت إلى حجم وخطورة الظاهرة عندما اكتشفت تقدم مجتمعاتها فى السن بسرعة (20 فى المائة من السكان تجاوزوا سن 65 عاماً)، بعد عقود قليلة من تحولها الصناعى السريع وما أعقبه من نمو اقتصادى كبير، ومن ثم فإنها تبذل الآن جهوداً ضخمة للحفاظ على العدد الحالى للسكان (51 مليون شخص)، وتطالب النساء بإنجاب 2.1 طفل فى المتوسط خلال حياتهن، خشية ثبات معدل الإنجاب عند 0.7 طفل لكل سيدة، لأن ذلك يعنى انخفاض عدد سكان كوريا الجنوبية إلى النصف تقريبا عام 2100، بحسب معهد القياسات والتقييم الصحى فى جامعة واشنطن بولاية سياتل الأمريكية وهو أمر لا تتمناه الحكومة الكورية أبداً !

وإذا كانت أمريكا صاحبة أقوى اقتصاد فى العالم، بجلالة قدرها، تحاول استنساخ عقلية المرأة الكورية حتى تحد من معدلات الإنجاب، فلماذا لا تحاول المرأة المصرية استنساخها؟، لاسيما وأننا من أكثر الدول التى تعانى زيادة سكانية رهيبة؟، زيادة أصبحت تمثل عبئاً شديداً على كاهل الدولة، وآفة تلتهم ثمار التنمية وتؤثر سلباً فى قدرة الحكومة على استمرار جهودها الرامية إلى تحقيق التنمية المستدامة، بل إنها باتت واحدة من أخطر معوقات التقدم والنمو، وتجلت آثارها الاقتصادية السلبية فى زيادة معدلات استهلاك الأفراد، وزيادة نفقات الدولة على الخدمات، وانتشار ظاهرة البطالة، وانخفاض نسب الأجور فى القطاعين العام والخاص، وارتفاع أسعار الوحدات السكنية والزحف العمرانى على الأراضى الزراعية، وانهيار المرافق العامة.

إن مشكلة الزيادة السكانية فى مصر تحتاج منا الوقوف طويلًا أمامها، وفهم أسبابها ومحاولة علاجها كى لا تؤدى إلى خلق مجتمع تختل فيه القيم، وتنتشر الجريمة نتيجة تفشى البطالة وقلة فرص العمل وانخفاض المستوى المعيشى، وكثرة الخلافات الأسرية، وارتفاع معدلات الطلاق وضعف الرقابة الأسرية نتيجة انشغال الوالدين، وزيادة الضغط النفسى والعصبى عليهما.

إن من أهم أسباب الزيادة السكانية التى تمثل تحدياً قويا وصداعاً فى رأس الحكومة، عدم التوازن بين معدلات الإنجاب ومعدلات الإنتاج والتنمية، حين تعجز موارد الدولة عن تحمل تكاليف الخدمات الأساسية المترتبة على الزيادة السكانية السنوية، وما يترتب على ذلك من مخاطر اجتماعية قد تهدد الأمن القومى! وما ارتفاع أسعار السلع والأغذية والشقق السكنية وانتشار العشوائيات والمناطق الفقيرة، ومشاكل الحصول على فرص عمل إلا نتاجاً طبيعياً لآفة الزيادة السكانية التى تنخر فى عظام مصر على مدى عقود طويلة، والتى دأبت على عرقلة جهود الحكومة فى التنمية المستدامة بأبعادها المختلفة أو منظورها الشمولى .

نعم.. تبقى الدولة مسئولة عن توعية أفراد المجتمع بأخطار معدلات الإنجاب المرتفعة على الصعيد الوطنى، وأخطار الإنجاب المتكرر والمتقارب على صحة الأم والطفل، وتوفير خدمات تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية بجودة مرتفعة بالمجان للأسر محدودة الدخل وتطبيق الحوافز الإيجابية لتشجيع مفهوم الأسرة الصغيرة.

ولكن تظل المشكلة السكانية بأبعادها المختلفة بحاجة ماسة إلى ضرورة تضافر الجهود التطوعية التى تستوجب مشاركة الجمعيات الأهلية والمجتمع المدنى والقطاع الخاص، كما تتطلب تطبيق اللامركزية فى إدارة الخطط السكانية، بما يزيد من فاعليتها وكفاءتها، وتستلزم أيضاً خطاباً دينياً جديداً، منفتحاً ومتفتحاً ينهى حالة الجدل فى قضية شائكة مثل تنظيم النسل، خطاباً دينيا ًيواكب متغيرات العصر !

والأهم من ذلك يجب الاستفادة من التجربة الكورية بالعمل على تغيير عقلية وثقافة المرأة المصرية؛ لتصبح أكثر وعياً بخطورة كثرة الإنجاب لاسيما فى المحافظات الأكثر إنجاباً مثل مطروح وأسيوط وسوهاج وقنا والمنيا وبنى سويف، التى سجلت معدلات مواليد أكبر من المعدل العام للجمهورية بواقع 23 طفلاً تقريباً لكل 1000 من السيدات سنوياً، وتشير الأرقام أيضاً إلى أن معدلات الإنجاب فى الريف تتجاوز 3.8 طفل لكل امرأة مقارنة بـ 2.5 طفل فى المدن الكبرى !

وإذا كنت أثمن الإنجاز السكانى غير المسبوق لأول مرة منذ 18 عاماً بتحقيق أدنى معدل إنجاب عام 2024، لم يتجاوز 1.968 مليون مولود، مقارنة بـ 2.045 مليون مولود فى عام 2023، بانخفاض قدره 77 ألف مولود بنسبة 3.8 فى المائة، وانخفاض معدل الإنجاب الكلى إلى 2.41 مولود لكل سيدة مقارنة بـ 2.54 مولود ى 2023، وفق ما أعلن الدكتور خالد عبدالغفار، وزير الصحة والسكان، الأمر الذى عكس تحولًا مجتمعيًا محموداً نحو التخطيط الأسرى الواعى بفضل الجهود والاستراتيجيات الصحية التى تبنتها الدولة للحد من النمو السكانى المخيف، الذى ربما يقفز بتعداد مصر من 112 مليون نسمة إلى أكثر من 330 مليون نسمة عام 2100 «إن استمر على نفس الوتيرة» .. فإننى أيضاً أتطلع لإنجاز أكبر تسجل فيه معدلات المواليد 10 أطفال لكل 1000 سيدة سنوياً وتنخفض النسبة من 2.1 طفل إلى طفل واحد فقط، لضمان تحقيق التوازن بين النمو السكانى وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة، وضمان مستقبل أكثر رفعة وازدهارًا للأجيال القادمة، وأحلم بيوم تطالب فيه الدولة المواطنين بكثرة الإنجاب.

وإذا كنا نخوض حالياً معركة بناء الوعى فإن التصدى لظاهرة الزيادة السكانية أهم جبهاتها!

أخبار الساعة

الاكثر قراءة