رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

سعيد الكفراوى الذى كان راهبًا للقصة القصيرة


3-5-2025 | 15:02

.

طباعة
بقلـم: يوسف القعيد

وهكذا حدث ما لم يتوقعه أحد فى ذلك الزمان البعيد عندما حصل المرحوم سعيد الكفراوى «1939  14 نوفمبر 2020» على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب من المجلس الأعلى للثقافة. وذلك يعتبر استحقاقًا تأخر عن تاريخه كثيرًا بالنسبة لسعيد الكفراوى. فربما كان سعيد الكفراوى الأخير فى أبناء جيل الستينيات الذين حصلوا على جائزة الدولة التقديرية. وعندما رُشِّحَ لها، كان الكل يسألنى هل معقول أن سعيد الكفراوى لم يحصل على جائزة الدولة التقديرية سوى هذا العام؟ كنت أقول له: نعم. كان يستغرب ردى ولا يصدقه. ويوشك أن يطلب منى دليلًا يؤكد صدق كلامى.

وسعيد الكفراوى الوحيد من بين جيلنا الذى أخلص بلا حدود لكتابة القصة القصيرة. وعندما تحولنا جميعًا لكتابة الرواية. ظل هو مخلصًا لما يؤمن به. ولم يتحول عن كتابة القصة القصيرة أبدًا. ورغم أنه أعلن كثيرًا جدًا أنه بصدد كتابة رواية. إلا أن هذه الرواية لم تخرج إلى الوجود أبدًا. ولم تعرف طريقها للنشر رغم كل ما قاله عنها. لدرجة أننى تصورت أنه يتحدث عن كتابة رواية لم يكتبها لأسباب غامضة لم أعرفها.

عرفت سعيد الكفراوى مبكرًا جدًا. بعد أن جئت من قريتى الضهرية مركز إيتاى البارود محافظة البحيرة إلى القاهرة مجندًا فى القوات المسلحة المصرية. وذهبت إلى مقهى ريش لمقابلة نجيب محفوظ لإهدائه روايتى الأولى: الحِداد التى صدرت على نفقتى الخاصة. يومها كان سعيد الكفراوى أهم الذين سمعتهم يتكلمون. وقد حسدته على كلامه. كان يتناوب الكلام فى جلسة نجيب محفوظ ثلاثة: أمل دنقل، ويحيى الطاهر عبد الله، وسعيد الكفراوى. وكنت أنظر إليهم كما لو كانوا قد جاءوا من المريخ. فهم يفعلون ما لا أجرؤ على فعله.

أديبٌ من المحلة الكُبرى

جاء سعيد الكفراوى من المحلة الكبرى ضمن مجموعة جاءت من هناك. أذكر منهم الآن الناقد الأدبى الكبير الدكتور جابر عصفور، ابن المحلة الكبرى، والمفكر المعروف الدكتور نصر حامد أبو زيد، والروائى والقاص وكاتب السيناريو الدكتور محمد المنسى قنديل. وجار النبى الحلو، جاءوا من قرى المحلة أو من المحلة نفسها إلى القاهرة. جاءت بهم مواهبهم الفنية وكتاباتهم الأدبية.

عندما ظهر سعيد الكفراوى على مقهى ريش. كان يسكن على حواف مدينة القاهرة. لكنه كان يتميز بشيء لم نعرف الطريق إليه أبدًا. ألا وهو تغيير مسكنه أكثر من مرة. وتلك شجاعة لا تتوفر لنا كثيرًا. ربما جاء به إلى مقهى ريش المرحوم جمال الغيطانى. وقد يكون جاء من تلقاء نفسه. لكن مجيئه إلى ريش ارتبط فى ذهنى بجمال الغيطانى. لأسباب ربما تاهت من الذاكرة الآن.

انتقل سعيد الكفراوى إلى مدينة نصر. سكن فى شارع قريب من كازينو لاباس القديم وعاش فيه. عندما زرته فى سكنه لفت نظرى مكتبة عامرة بازخة فيها الكثير من الأعمال الأدبية المهمة الجديدة. وكان سعيدًا كريمًا جدًا فى إعارتنا كتب هذه المكتبة.. وكنا نستعير الكتب منه ونقرأها وربما لا نردها إليها.

رحلة أطراف القاهرة لوسطها

ترك سعيد مسكنه الذى يقع عند حدود القاهرة فى عزبة النخل، التى كانت بعيدة فى تلك السنوات البعيدة.. لكنه كان سعيدًا بالحياة فيها. ويحدثنا عن الرحلة منها إلى وسط القاهرة كما لو كانت من الرحلات الجميلة والسهلة فى حياته.. لكنه لم يبق فيها طويلًا.

هاجر سعيد بعد إقامته فى مدينة نصر إلى حى المقطم. وسكن قريبًا جدًا من السكن الذى كان يعيش فيه إبراهيم أصلان- يرحمه الله رحمة واسعة - زرته فى بيت المقطم مرة أو مرتين. وتمت كلاهما بالمصادفة. وكانت معه نفس المكتبة العامرة بالجديد من الأعمال الأدبية الصادرة.. خصوصًا فى بيروت أو دمشق. كان نشيطًا جدًا فى اقتناء الكتب الجديدة. وكان يحدثنا عنها وكأنه يحرضنا كى نستعيرها لقراءتها. ولم يطلب أبدًا إعادتها له مرة أخرى.

ورغم حبه لتغيير مسكنه.. إلا أن إقامته فى المقطم طالت كثيرًا. ويبدو أن التقدم فى العمر يحرم الإنسان من شجاعة تغيير مسكنه كجزء من المغامرة التى نعيشها فى مراحل شبابنا وتتخلى عنا أو نتخلى عنها كلما تقدمنا فى العمر.. وهكذا ظل سعيد الكفراوى فى المقطم.

ابن سعيد

ابنه عمرو الكفراوى الذى ترك مصر مؤخرًا ليعيش فى كندا. احترف تصميم أغلفة الكتب. وأصبح علامة يشار لها بالبنان. عندما ذهبت لأحضر عقد قران عمرو اكتشفت أن الشابة التى اختارها لتكمل معه رحلة عمره هى الشقيقة الصغرى للمذيعة التليفزيونية والإعلامية المصرية منى الشاذلى.. وعندما رأيت منى الشاذلى فى المسجد الذى عقد قرانه على شريكة عمره. قلت لنفسى كم تبدو الدنيا واسعة وضيقة فى نفس الوقت. من كان يتصور هذا؟ ومنى نفسها دهشت كثيرًا جدًا عندما رأتنى. رغم أن علاقتى بسعيد لا تثير دهشة أحد. بل ربما كانت من الأمور الطبيعية جدًا.

صعب أن يكتب الإنسان عن سعيد ولا يكتب عن أحلام شريكة عمره ورفيقة دربه، والتى تبدو جزءًا من ذكريات كل واحد منا عندما يحاول أن يتذكر سعيد الكفراوى.. وقد جعلت من بيت سعيد بيتًا لنا جميعًا. ترحب بنا وتطعمنا كأننا أشقاء لها. أو أعضاء فى أسرتها الصغيرة. وتكرمنا وتحتفى بنا دون كلمات. تقدم أهم ما عندها لنا وكأنها تقدم ذلك لأبنائها أو أشقائها أو أقربائها.

كان سعيد يحدثنا عن النصوص التى ينشغل بكتابتها. وقد ذكرنى بذلك بيحيى الطاهر عبد الله، الذى كان يتلو علينا من ذاكرته قصصه التى يحاول كتابتها. كان يحفظها عن ظهر قلب. ويتلوها علينا كما لو كانت قصائد شعر، سواء من شعر العامية أو الفصحى.

جائزة لنا جميعًا

يوم أن حصل سعيد الكفراوى على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب. شعرت كأننى أنا الذى حصلت عليها. أو شاركته فيها. أو أن لى نصيبًا منها. ويبدو أن وصولها إليه متأخرة جعل لها طعمًا يختلف عن الطعم الذى يشعر به من يحصلون عليها فى وقت مبكر. فكلما طال زمن حصول الإنسان على شيء أو تأخر عليه. فإن ذلك يضفى على الجائزة طعمًا من نوع خاص.

بقى أن تعرف أن سعيد الكفراوى ولد عام 1939 بقرية كفر حجازى بمحافظة الغربية.. إن رأيته لن تصدق أبدًا أنه فى السابعة والسبعين – يرحمه الله رحمة واسعة - وأنه بدأ كتابة القصة القصيرة من الستينيات ليصبح أحد أعلامها. صدر له اثنتا عشرة مجموعة قصصية تعد إضافة مهمة لفن القصة القصيرة مصريًا وعربيًا. وأن من مجموعاته القصصية:

بيت العابرين، حكايات عن ناس طيبين، مدينة الموت الجميل، البغدادية، يا قلب من يشتريك، دوائر من حنين. وقد صدرت له فى أخريات عمره مختارات قصصية.

 
 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة