مع انخفاض درجة الحرارة فى فصل الشتاء، يبدأ الكثيرون خاصة كبار السن في الشعور بآلام مزعجة وتيبس في مفاصل الركبتين، مما يحول متعة الأجواء الباردة إلى معاناة يومية ولكن هل هذه الآلام حكر على الكبار.. وما طبيعة هذه الآلام التي تتفاقم في البرد.. ولماذا تختلف شكوى الطفل عن شكوى جده؟ في هذا الحوار، نستضيف الدكتور إبراهيم جادو استشاري جراحة العظام والمفاصل، للإجابة عن هذه التساؤلات وتقديم نصائحه القيمة للحفاظ على صحة الركبتين في كل الفصول وفي كل الأعمار.
في البداية، لماذا تزداد آلام الركبة بشكل ملحوظ في فصل الشتاء؟
هذه ظاهرة شائعة ولها عدة تفسيرات علمية أولاً: انخفاض الضغط الجوي، في الطقس البارد ينخفض الضغط الجوي، مما يؤدي إلى تمدد السوائل والغازات داخل المفصل وهذا التمدد يزيد من الضغط على الأنسجة الملتهبة أو التالفة مسبقاً، خاصة الغضاريف والأعصاب المحيطة، فيشعر المريض بالألم والضيق.
ثانياً: لزوجة السائل الزلالي وهو السائل الموجود داخل المفصل والذي يعمل كمزلق ومانع للاحتكاك ويصبح أكثر لزوجة في البرد، مما يقلل من كفاءته ويؤدي إلى تيبس المفصل وصعوبة في الحركة.
ثالثاً: انقباض العضلات والأوعية الدموية، لأن الجسم يحاول الحفاظ على حرارته المركزية، فيقل تدفق الدم إلى الأطراف، مما يقلل من تغذية المفاصل ويجعل العضلات حول الركبة أكثر توترا وأقل مرونة، وهو ما يزيد الإحساس بالألم.
وأخيراً، هناك عامل سلوكي، ففي الشتاء تقل حركة الناس ويصبحون أكثر خمولاً، وقلة الحركة نفسها تسبب تيبسا وآلاما في المفاصل.
هل يمكن أن نفصل بين طبيعة آلام الركبة عند الكبار مقارنة بالصغار؟
بالتأكيد.. آلام الركبة عند الكبار وخاصة من هم فوق الخمسين ترتبط في الغالب بحالات التآكل وأشهرها:
- خشونة الركبة وهو السبب الرئيسي، فمع تقدم العمر يتآكل الغضروف المبطن للمفصل، مما يؤدي إلى احتكاك العظم ببعضه ومع البرد تزداد حدة هذه الآلام كما شرحنا.
- التهاب المفاصل الروماتويدي: مرض مناعي يهاجم المفاصل مسبباً التهابات شديدة وتقلبات الطقس يمكن أن تثير نوبات الألم.
- هشاشة العظام: حيث تصبح العظام أكثر ضعفاً وعرضة للكسور الصغيرة أو الإجهاد وخاصة عند النساء.
- إصابات الماضي، أي إصابة قديمة في الرباط الصليبي أو الغضروف الهلالي تترك المفصل ضعيفا وأكثر حساسية للتغيرات المناخية، وألم الكبار غالباً ما يكون ألما مزمنا ويوصف بأنه «ألم عظمي» ويزداد مع الوقوف الطويل أو صعود الدرج ويصحبه تيبس صباحي وتورم أحياناً.
ماذا عن آلام الركبة عند الصغار والأطفال؟
هنا الوضع مختلف تماما.. فآلام الركبة عند الصغار نادراً ما تكون مرتبطة بالتآكل فالأسباب عادة ما تكون:
- آلام النمو وهي الأكثر شيوعاً وتحدث بين عمر 3-12 سنة وتظهر على شكل آلام متقطعة في الساقين وخلف الركبتين في المساء أو الليل، وتزول تلقائياً ولا تصاحبها تورم أو احمرار والطفل يستطيع الحركة بشكل طبيعي في الصباح.
-الإصابات الرياضية: الأطفال كثيرو الحركة واللعب يتعرضون للالتواءات أو تمزق الأربطة أو إصابات الغضروف الهلالي.
- التهاب المفاصل الشبابي المجهول السبب هو مرض مناعي مشابه لما يحدث للكبار ولكن عند الأطفال.
- مرض «أوسجود-شلاتر» وهو عبارة عن التهاب في لوحة النمو أسفل الركبة وهو شائع جدًا في المراهقين الرياضيين ويسبب ألما وتورما أسفل الركبة الأمامية، وألم الصغار يكون سطحيا أكثر، ومرتبطا بحركة محددة وقد يظهر فجأة بعد نشاط بدني مكثف.
هل هناك ما يسمى بـ «طقس التهاب المفاصل»؟ أم أنها مجرد خرافة شعبية؟
ليست خرافة فالأبحاث العلمية - رغم أنها لا تزال مستمرة تؤكد وجود هذه العلاقة والعديد من الدراسات وجدت أن غالبية مرضى التهاب المفاصل، وخاصة الروماتويدي وخشونة الركبة يشعرون بزيادة في الألم وتيبس المفاصل مع التغيرات في الطقس وخاصة انخفاض درجات الحرارة وارتفاع الرطوبة، فالجسم ليس معزولاً عن البيئة المحيطة، والتغيرات الفيزيائية في الجو تؤثر بشكل مباشر على السوائل والأنسجة داخل أجسامنا.
ما أهم النصائح التي تقدمها للكبار للتعامل مع آلام الركبة في الشتاء؟
التركيز يجب أن يكون على «الوقاية والتدفئة والنشاط» حيث إن الحركة هي الدواء الأول وتجنب الخمول والمشي داخل المنزل، تمارين الثني والمد البسيطة للركبة تحافظ على ليونة المفصل وتدفق الدم له، التمرين المنتظم خاصة تمارين تقوية عضلات الفخذ الأمامية هي حجر الزاوية في حماية الركبة، حيث إن العضلة القوية تدعم المفصل وتقلل الحمل عليه ، بالإضافة إلى ارتداء الملابس الثقيلة، واستخدام البطانيات وأخذ حمام دافئ يمكن أن يرخي العضلات ويقلل التيبس ويمكن استخدام كمادات دافئة على الركبة لمدة 15-20 دقيقة والحفاظ على وزن صحي، فكل كيلوجرام زائد يضع ضغطا إضافياً بمقدار 4 كجم على ركبتيك عند صعود الدرج، والإكثار من الأطعمة المضادة للالتهابات مثل: الأسماك الزيتية أوميجا 3 والخضراوات والفواكه وتناول فيتامين D الذي ينخفض مستواه في الشتاء.
وبالنسبة للأطفال، كيف يمكن للآباء تمييز آلام النمو البسيطة عن مشكلة خطيرة تستدعي زيارة الطبيب؟
آلام النمو لها علامات مميزة وهي أن تكون الآلام متقطعة «تأتي وتذهب»، أو تحدث في المساء أو الليل وتزول بحلول الصباح، وألا تمنع الطفل من ممارسة أنشطته المعتادة، وألا ترافقها حرارة أو تورم أو احمرار في المفصل أو فقدان للشهية.
أما العلامات التحذيرية التي تستدعي زيارة الطبيب فوراً فهي ألم مستمر ومتزايد، تورم أو احمرار أو دفء في الركبة، ارتفاع درجة حرارة الجسم، العرج أو عدم القدرة على تحميل الوزن على الرجل وظهور الألم بعد إصابة واضحة سقوط أو التواء وإذا صاحب الألم طفح جلدي أو إعياء عام في هذه الحالات لا يجب الانتظار واعتبارها أنها «مجرد آلام نمو»
كلمة أخيرة تود توجيهها لقرائنا للحفاظ على رُكبة سليمة؟
أود أن أقول إن الركبة كنز، فحافظوا عليها... والاستثمار في صحة مفاصلك يبدأ من الشباب، حافظوا على وزن مثالي ومارسوا الرياضة بانتظام خاصة السباحة والمشي وتجنبوا الجلوس في أوضاع خاطئة مثل «قرفصاء» استمعوا إلى أجسادكم؛ فألم الركبة هو إنذار لا تهملوه خصوصا إذا كان يتكرر أو يمنعكم من ممارسة حياتكم الطبيعية، فالوقاية خير من قنطار علاج، والحركة هي سر حياة المفاصل حتى في أبرد أيام الشتاء.