ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن أفغانستان وباكستان توصلتا إلى هدنة "هشة" بعد أسبوع دام من المواجهات الحدودية، حيث أعلنت أفغانستان وباكستان، الأحد الماضي، عن اتفاق لوقف إطلاق النار بعد أكثر من أسبوع من الاشتباكات، وذلك عقب مفاوضات رعتها كل من قطر وتركيا.
ويعد التصعيد الأخير هو الأعنف بين البلدين منذ عودة طالبان إلى الحكم عام 2021، إذ أسفرت الضربات الجوية الباكستانية وعمليات الرد الأفغانية عن مقتل العشرات، وسط اتهامات متبادلة من الجانبين
وترى المجلة الأمريكية أن بوادر التهدئة بين البلدين لم تدم طويلا. فبعد إعلان الهدنة، تم، على الأرجح، وتحت ضغط من طالبان، تعديل البيان الرسمي حول الاتفاق، حيث تم حذف الإشارة الخاصة ب "خفض التوتر على الحدود بين البلدين" من البيان.
وأوضحت المجلة أنه لم يكن هذا مجرد تعديل لغوي، بل أعاد فتح جرح تاريخي عميق يتمثل في الخلاف حول خط دوراند (الحدود الجبلية الوعرة التي تفصل البلدين).
خط دوراند.. إرث استعماري
وقد تم ترسيم خط دوراند عام 1893 عقب مفاوضات بين "هنري مورتمر دوراند"، وزير خارجية الهند البريطانية آنذاك، و"عبد الرحمن خان" الحاكم الأفغاني المعين من قبل بريطانيا بعد احتلالها المؤقت لأفغانستان.
ومع تقسيم الهند عام 1947، تحول هذا الخط إلى الحدود الفاصلة بين أفغانستان والدولة الباكستانية الجديدة.
وتقبلت باكستان والمجتمع الدولي الخط باعتباره حدودا رسمية، لكن أي حكومة أفغانية لم تعترف به يوما، إذ تعتبره قرارا استعماريا تم فرضه على الأفغان. وخلال السنوات الأخيرة، برز الخلاف مجددا في صورة هجمات يشنها مسلحون أفغان على قوات باكستانية أثناء بناء أسوار حدودية، مقابل اتهامات باكستانية لكابول بتغذية النزعات الانفصالية.
ويقسم الخط أيضا قبائل البشتون بين البلدين، وقد ألهم ذلك حركات تطالب بإقامة منطقة مستقلة تحت اسم "بشتونستان"، حيث تقول السلطات الباكستانية وبعض الباحثين إن الاستخبارات الأفغانية دعمت تلك الدعوات تاريخيا، فيما ما يزال حتى اليوم، كثير من الأفغان ينظرون إلى المناطق البشتونية داخل باكستان كجزء من وطنهم التاريخي. ولهذا السبب، تنظر المؤسسة الأمنية الباكستانية بارتياب إلى نشطاء حقوق البشتون.
هدنة هشة ومستقبل غامض
وترى مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أنه رغم وقف إطلاق النار، إلا أن استمرار الهدنة غير مضمون. فحركة طالبان نادرا ما تتخلى عن حلفائها المتشددين، مثل حركة طالبان باكستان (TTP) التي كثفت هجماتها انطلاقا من الأراضي الأفغانية. وإذا استمرت هذه الهجمات ضد القوات الباكستانية، فلن تتردد إسلام آباد في تنفيذ ضربات جديدة.
وأكدت المجلة أن مسألة الحدود تفاقم أيضا مناخ انعدام الثقة، وتجعل من الصعب على البلدين التوصل إلى تفاهمات أوسع حول قضايا الأمن والإرهاب. كما أن القضاء على الجماعات المسلحة لن يحل جوهر المشكلة المتمثل في النزاع الحدودي، ما يعني أن العلاقات الثنائية ستظل متوترة على المدى الطويل.
ونبهت المجلة إلى أن هذا التوتر ستكون له انعكاسات اقتصادية قاسية، إذ تعتمد أفغانستان على باكستان كمصدر رئيسي للتجارة والعمل والتعليم والرعاية الصحية، في حين تجد إسلام أباد نفسها أمام تحدي التعاطي مع ثلاث جبهات حدودية في آن واحد: أفغانستان غربا، والهند شرقا، وإيران في الجنوب الغربي.
وعليه، فإن أي حل للخلافات الباكستانية الأفغانية يحتاج لمعالجة السبب الرئيس للخلاف، وهو الحدود الموروثة من الحقبة الاستعمارية، وإلا فإن أي هدنة بين الجانبين ستظل مهما طالت هشة.