رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

عزيز عثمان من المونولوج إلى شاشة السينما

20-9-2025 | 11:49

عزيز عثمان

طباعة
ولاء الكومي
يعد الفنان عزيز عثمان واحداً من أبرز رواد الكوميديا والغناء الساخر فى مصر، فقد صنع لنفسه مدرسة خاصة اتسمت بخفة الظل والتلقائية والبساطة، وجعلت منه أيقونة للضحك والغناء، ورغم أنه لم يحظَ بفرصة البطولة المطلقة، فإن حضوره الطاغى وأدواره المميزة فى نحو ثلاثين فيلماً خلال أقل من عقد جعلت الجمهور يحفظ أغنياته ومشاهده عن ظهر قلب، حول مسيرته الفنية وما قدمه للفن المصري تأتي هذه الرحلة.
بدأ عزيز عثمان مشواره السينمائى متأخراً فى سن الخمسين بفيلم «لعبة الست» عام 1946، ليؤكد من خلاله أن الموهبة الحقيقية لا تعترف بعمر، بل بقدرة الفنان على انتزاع الضحكة وترسيخ اسمه فى ذاكرة الفن المصرى. كان الفنان عزيز عثمان قد ولد فى الثالث والعشرين من يناير عام 1893، داخل بيت يتنفس الفن، إذ كان والده الموسيقار الكبير محمد عثمان أحد أعمدة الموسيقى الشرقية وروادها الأوائل، هذا الجو الفنى كان الشرارة الأولى التى صاغت موهبة عزيز منذ طفولته، حيث التحق بفرق الإنشاد الدينى فى سنوات دراسته الأولى، فأبدع وترك بصمة مبكرة لفتت الأنظار، ومع تقدمه فى العمر، لازم والده فى حفلاته، وتدرب عن قرب على أجواء الموسيقى، حتى شاركه أحياناً بعض الفقرات الغنائية، ورغم بدايته بالتواشيح الدينية، إلا أنه اختار أن يسلك درباً مغايراً تماماً، فقادته خفة روحه وحسه الكوميدى إلى عالم المونولوج الساخر، ليصنع لنفسه أسلوباً متفرداً رفضه والده فى البداية، لكنه سرعان ما أثبت نجاحه وأصبح اسمه يتردد على ألسنة الجمهور بأغنياته الطريفة وأدائه المختلف. السينما بدأ عزيز عثمان مسيرته العملية مبكراً بالانضمام إلى «فرقة على الكسار»، حيث برع فى أداء المونولوج الساخر، حتى قال عنه الكسار إنه الفنان الوحيد القادر على إضحاكه بخفة دمه وإفيهاته اللاذعة رغم ملامحه الحزينة.. بعدها التحق بـ«فرقة بديعة مصابنى» التى كانت بوابته الذهبية إلى السينما، ومنها لفت أنظار نجيب الريحانى الذى منحه أول أدواره فى فيلم «لعبة الست»، ورغم امتلاكه موهبة فريدة منذ شبابه، لم يظهر على الشاشة إلا وهو يقترب من الخمسين، لكنه خلال 8 أعوام فقط قدم نحو 30 عملاً ترسخ بها كأحد أبرز وجوه الكوميديا الشعبية الساخرة فى تاريخ الفن المصرى. «لعبة الست».. الانطلاقة الذهبية شهد عام 1946 البداية الحقيقية له على شاشة السينما من خلال فيلم «لعبة الست»، إحدى العلامات البارزة فى تاريخ الفن المصرى, فى هذا العمل تألق بدور «محمود بلاليكا» ابن خالة البطلة تحية كاريوكا، مجسداً شخصية الرجل المنافس على قلبها أمام نجيب الريحانى فى إطار كوميدى ساخر أظهر خفة ظله وحسه الفكاهى المميز، وخلال الفيلم قدم أغنيته الشهيرة «بطلوا ده واسمعوا ده» التى تحولت إلى تراث شعبى بعد نجاحها الكبير. من «غني حرب» إلى «عنبر».. تألق متصاعد واصل عزيز عثمان حضوره اللافت على شاشة السينما، فشارك عام 1947 فى فيلم «غني حرب» مجسداً شخصية «عباس الجن»، إلى جانب نخبة من كبار النجوم بينهم بشارة واكيم، حسن فايق، مارى منيب، ليلى فوزى، فريد شوقى، كمال الشناوى، وإلهام حسين، فى عمل كتبه أبو السعود الإبيارى وأخرجه نيازى مصطفى. بعدها بعام فقط، قدم أحد أهم كلاسيكيات السينما المصرية بفيلم عنبر (1948)، حيث جسد شخصية «عم سكر» أمام الفنانة ليلى مراد فى عمل ضم نخبة من كبار الفنانين مثل أنور وجدى، فريد شوقى، حسن فايق، إسماعيل ياسين، استيفان روستى، عبد الوارث عسر، شكوكو وزينات صدقى. قدم خلال الفيلم أوبريت «اللى يقدر على قلبى»، الذى جمع بين الطرب الأصيل وفن المونولوج الساخر، ودارت أحداثه حول منافسة طريفة بين عمالقة الكوميديا والغناء: شكوكو، إسماعيل ياسين، أنور وجدى، وإلياس مؤدب، للفوز بقلب ليلى مراد، فيما أضفى عزيز عثمان لمساته الكوميدية بأغنيته الشهيرة «سيبك منهم ده مفيش غيرى.. قيمة ومركز ووظيفة ميرى». فى عام 1949، عزز حضوره بمشاركة مميزة فى فيلم «أسير عيون» مجسداً دور «سيكا» صاحب الفرقة الغنائية، وذلك بمشاركة محمد الكحلاوى، ليلى فوزى، على الكسار، مارى منيب، وزينات صدقى، فى عمل شارك بتأليفه أبو السعود الإبيارى وبيرم التونسى ومحمد الكحلاوى، وأخرجه إبراهيم حلمى. «أبو الفصاد» فى ست الحسن.. كوميديا بطعم الخيال فى عام 1950 قدم عزيز عثمان واحداً من أبرز أدواره على الشاشة من خلال الفيلم الخيالى «ست الحسن»، حيث جسد شخصية «أبو الفصاد» فى عمل مليء بالفانتازيا والمفارقات الكوميدية. تدور أحداث الفيلم بين ولايتين خياليتين: الخردل التى يحكمها الوالى الشرير، والشمردل التى يقودها الوالى العادل، ولإنهاء الحروب المتكررة بينهما، يقترح أحد حلاقى الشمردل أن تتم مصاهرة بين الأسرتين الحاكمتين، فيختار الأمير حسام ليتزوج من «ست الحسن»، ابنة والى الخردل، غير أن القدر يتدخل، فيهرب كل من العروسين من موكبهما، ويلتقيان صدفة دون أن يعرف أحدهما هوية الآخر، لتبدأ قصة حب تتكشف حقيقتها فى النهاية بزواج «ست الحسن» من الأمير حسام. الفيلم ضم نخبة من النجوم بينهم كمال الشناوى، ليلى فوزى، سامية جمال، فريد شوقى، فؤاد شفيق، إسماعيل ياسين، وشهد الظهور السينمائى الأول للفنانة هدى سلطان. رحلة قصيرة حافلة بالضحك والغناء واصل عزيز عثمان تألقه على شاشة السينما فى سلسلة من الأدوار التى جمعت بين الكوميديا وخفة الظل والغناء الشعبى الساخر، فظهر فى أعمال بارزة مثل بنت المعلم بدور «لذيذ»، والستات عفاريت عام 1947 بدور «دكتور حمزة»، وأيام شبابى بشخصية «الأستاذ سيكا ميكا»، وأفراح مجسداً «فاكر بيه»، وآخر كدبة عام 1950 بدور «المهراجا»، كما برع فى أدواره المتنوعة فى أفلام مثل مشغول بغيرى، خبر أبيض (1951)، متقولش لحد، على كيفك (1952)، لسانك حصانك، وأخيراً ابن للإيجار عام 1953. كانت خاتمة مشواره السينمائى بفيلم «يا ظالمنى» عام 1954، الذى عرض قبل رحيله بأشهر قليلة، وشارك فى بطولته حسين صدقى، صباح، محمود المليجى، سناء جميل، والطفلة لبلبة، لتكون تلك المحطة الأخيرة قبل أن يودع الحياة فى التاسع من يوليو 1954. ثنائيات غنائية خالدة على الصعيد الغنائى، ترك عثمان بصمة لا تنسى عبر أغنيات ساخرة تحولت إلى جزء من الفلكلور المصرى، من أشهرها: «بطلوا ده واسمعوا ده»، «يا سيدى أزيك»، «تحت الشباك لمحتك يا جدع»، «يا نسمة طلى»، «يا ليالى الفرح»، «إنت إنت ولا أنتش دارى»، «مين كان يصدق تبيعينى». كما تميز بتقديم الدويتوهات والأوبريتات مع كبار نجوم الغناء، فغنى مع شادية «قلتى إيه يا مرات أبوه»، ومع سعاد مكاوى «إنتى اللى عليكى العين»، ومع كارم محمود «يا فتاح من غير مفتاح»، إضافة إلى ثنائيات شهيرة جمعته مع شكوكو وإسماعيل ياسين، ما جعل إرثه الفنى قصيراً فى الزمن، لكنه ثرى ومؤثر فى وجدان الجمهور. «أونكل عزيز» يتزوج فرجينيا فى عام 1944 ارتبط الفنان عزيز عثمان بالفنانة الجميلة ليلى فوزى، وهى الزيجة التى أحدثت جدلاً واسعاً داخل الأوساط الفنية والطبقات الأرستقراطية، بسبب فارق السن الكبير بينهما الذى تجاوز 25 عاماً. عزيز عثمان كان صديقاً مقرباً لوالد ليلى، التى أُطلق عليها آنذاك لقب فرجينيا جميلة الجميلات، وكانت تناديه بـ«أونكل عزيز» لاعتباره بمثابة أحد أفراد العائلة، غير أنها لم تدرك أن زياراته المتكررة كانت تحمل فى طياتها رغبة عميقة بالزواج منها. عثمان يودع ليلى فوزى مكتئباً حتى الرحيل فى الوقت الذى أحبها فيه الفنان أنور وجدى وطلب يدها بعد أن وقفت أمامه فى فيلم من «الجانى»، رفض والدها العرض بحجة صغر سنه، لكن حين تقدم عزيز عثمان للزواج، وافقت ليلى هروباً من تسلط والدها ورغبةً فى الانطلاق إلى عالم الفن. أحبها عثمان حباً جارفاً وأسس لها بالفعل شركة إنتاج سينمائى لدعم مسيرتها، لكنها اكتشفت سريعاً أنه الوجه الآخر لصرامة والدها، مع غيرة شديدة وخشونة فى التعامل، فطلبت الطلاق بعد عامين فقط. رفض عثمان فى البداية، خاصة بعد علمه برغبة أنور وجدى فى الارتباط بها، وتمسك بها بعناد، لكن المخرج حلمى رفلة تدخل وأقنعه بالانفصال، فتم الطلاق أخيراً، إلا أن صدمة الفراق أودت به إلى نوبة اكتئاب حادة لم يحتملها، ليرحل بعد أيام قليلة حزناً على فقدانها. وقد شبه الكثيرون قصتهما بفيلم «أين عمرى» لإحسان عبد القدوس (1956)، حيث جسدت ماجدة شخصية ليلى فوزى بدور «علية»، فيما قدم زكى رستم شخصية «عمو عزيز» المستوحاة من عزيز عثمان. ورغم قصتهما المأساوية، جمعتهما الشاشة فى نحو 13 فيلماً، من أبرزها «مشغول بغيرى»، «المرأة كل شيء»، «حلاوة»، «على كيفك»، «أفراح»، «أنا ذنبى إيه»، «جوز الاتنين». رحيل ملك المونولوج الحزين فى التاسع من يوليو عام 1954 أُسدل الستار على حياة الفنان عزيز عثمان، الذى رحل مكسور القلب بعد فراق محبوبته ليلقب آنذاك بـ«ملك المونولوج الحزين»، إذ ارتبطت نهايته الدرامية بقصة حب مأساوية تركت أثرها فى الوسط الفنى والجمهور. ورغم الرحيل المبكر، فإن عزيز عثمان خلف وراءه إرثاً فنياً ثرياً جمع بين الكوميديا الساخرة والغناء الشعبى الكوميدى، ليبقى ما قدمه علامة بارزة فى ذاكرة الفن المصرى، يضحك الأجيال ويُحيى حضوره على مر الزمن.