يلعب اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺰراﻋﻲ دوراً مهماً ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎدات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻧﻈﺮاً لمساهمته ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻷﻣﻦ اﻟﻐﺬاﺋﻲ وﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﺪﺧﻞ ﻟﻨﺴﺒﺔ ﻏﻴﺮ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺎن وﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﻴﺔ ﻟﻠﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﺤﻮﻳﻠﻴﺔ، ومن هنا يلبي القطاع الزراعي احتياجات قطاع كبير من المجتمع العُماني من المواد الغذائية، وتوفير فرص عمل للعديد من العُمانيين، خاصة في المناطق الريفية.
يعتبر قطاع الزراعة والثروة السمكية في سلطنة عُمان من الركائز الحيوية لدعم الاقتصاد الوطني وتحقيق الأمن الغذائي، وفي ظل التحديات العالمية المتزايدة المتعلقة بتأمين الغذاء، تتبنى عُمان رؤية شاملة ترتكز على تعزيز إنتاج المحاصيل الزراعية وتوسيع نطاق الاستزراع السمكي.
وتأتي هذه الجهود ضمن إطار رؤية عُمان 2040 التي تهدف إلى تحقيق استدامة الموارد الطبيعية، وتطوير البنية التحتية الزراعية والسمكية، وتحفيز الاستثمار الخاص في هذه القطاعات الحيوية.
وقد شهدت سلطنة عُمان نمواً ملحوظاً في مساهمة قطاع الزراعة والحراجة وصيد الأسماك في الناتج المحلي الإجمالي، إذ بلغ إجمالي مساهمته 1.17 مليار دولار، في النصف الأول من عام 2024، بزيادة قدرها 6.6% مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2023.
وثمة اهتماماً كبيراً لدى حكومة سلطنة عُمان لإسهام القطاع الزراعي والثروة الحيوانية في صالح تحقيق الأمن الغذائي، ودعم رؤية السلطنة 2040، بهدف تنوع مصادر الدخل الوطني.
ورغم وقوع عُمان في مناطق جافة، فإنها تملك مقومات مهمة للاستصلاح الزراعي والقيام بنهضة زراعية وحيوانية، في ظل وجود شبكات للري، فضلاً عن موقعها على البحار، إذ تمتد عُمان على ساحل بحري طويل ومناسب وغني بالثروات السمكية، فنمو هذا القطاع يسهم في إضافة قيمة للدخل الوطني والأمن الغذائي، فضلاً عن دعم خطط تنويع مصادر الدخل.
ويُعد الأمن الغذائي من الدعائم الأساسية للأمن الوطني لأي دولة، إذ يتساوى في أهميته الاستراتيجية مع المجالات الأخرى مثل الجوانب الجيوسياسية والاجتماعية والسياسية والأمنية. ووفقاً للتقارير الاقتصادية الدولية، يتحقق الأمن الغذائي حينما يستطيع الأفراد في أي وقت الوصول إلى إمدادات غذائية كافية، آمنة، ومغذية تلبي احتياجاتهم الصحية والغذائية.
وحققت سلطنة عُمان تقدماً ملحوظاً في مؤشر الأمن الغذائي العالمي لعام 2022، الذي أصدرته مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية، حيث احتلت المرتبة الـ35 عالمياً مقارنةً بالمرتبة الـ40 في عام 2021، وجاءت في المرتبة الثالثة بين الدول العربية.
كما أطلقت عُمان فعاليات مختبر الأمن الغذائي لعام 2024 بتنظيم وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، وبالتعاون مع عدد من البرامج الوطنية والشركات الخاصة، ويهدف المختبر إلى تعزيز الاستثمارات المحلية والأجنبية في قطاعات الأمن الغذائي ضمن رؤية عُمان 2040، إلى جانب تطوير الفرص الاستثمارية وتحقيق التحول الرقمي في هذا المجال.
ويرتكز المختبر على خمسة محاور رئيسية تشمل التحول الرقمي، والتخطيط الاستراتيجي، والاستثمار، والممكنات، والمحتوى المحلي، وتركز هذه المحاور على تعزيز الكفاءة المؤسسية، ودعم الاستثمارات، وتفعيل دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
التكنولوجيا الزراعية ليست خياراً ترفيهياً
المؤكد أن الابتكارات العُمانية في التكنولوجيا الزراعية، والذكاء الاصطناعي، والتقنيات الحيوية، تمثل أحد أبرز الأدوات التي يمكن أن تسهم في تحسين الإنتاجية الزراعية، وتقليل الفاقد، وتعزيز الاستدامة البيئية، كما أن تطوير أنظمة ذكية لإدارة الموارد، وتطبيق نماذج زراعية حديثة مثل الزراعة العمودية والزراعة الدقيقة، يفتح آفاقًا جديدة لضمان توفر الغذاء بشكل مستدام وآمن.
يعد الاستثمار العُماني في الحلول الابتكارية ليس خيارًا ترفيهيًّا، بل ضرورة استراتيجية لضمان مستقبل غذائي آمن للأجيال القادمة، حيث يعمل الابتكار إلى تحويل التحديات إلى فرص، تحقق نقلة نوعية في كيفية إنتاج الغذاء وتوزيعه واستهلاكه.
وفي ظل التحدّيات المتزايدة التي تواجه العالم اليوم، من تغير المناخ وتناقص الموارد الطبيعية إلى النمو السكاني السريع، أصبح الأمن الغذائي قضية مركزية تمس حياة ملايين من الناس، إذ إن الأساليب التقليدية في إنتاج وتوزيع الغذاء لم تعد كافية لمواكبة التحدّيات، مما يستدعي تبني حلول ابتكارية قادرة على إحداث تحول جذري في منظومة الغذاء العالمية.
وفي هذا الشأن تقوم الحكومة العُمانية ممثلة في وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه ، بدور في دعم الابتكارات الزراعية، لتعزيز الأمن الغذائي العُماني، عبر تنفيذ عدد من البرامج منها، الإرشاد الزراعي حول التقنيات الزراعية الحديثة والاستدامة، والزراعة الذكية والعضوية.
وتُنفذ عُمان مشروع الزراعة التكاملية الذي يتم من خلاله تقديم الدعم الفني والمالي للمشروعات الصغيرة التي يوجد بها أفكار مبتكرة، بالإضافة إلى مبادرات التمويل والدعم المالي من خلال صندوق التنمية الزراعية والسمكية، والبرامج التوعوية حول التسويق الزراعي عبر المنصات الرقمية، والمعارض الزراعية.
وتعمل الحكومة العُمانية على تنفيذ مشروعات التطوير والبحوث في الزراعة من خلال التعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث، إلى جانب التشجيع على استخدام إنترنت الأشياء في المزارع.
خطط تعزيز الابتكار
ثمة مجموعة من الخطط والبرامج التي تنفذها الحكومة العُمانية، لتعزيز الابتكار في عدة مجالات كتحسين المحاصيل، وتقنيات الري الحديثة، والزراعة الذكية وكذلك تحسين الشتلات من خلال الزراعة النسيجية، كما تعمل بالتعاون مع المنظمات الدولية، ذات العلاقة مثل المنظمة العربية للتنمية الزراعية ومنظمة الأغذية والزراعة "فاو" على تبني الري الحديث في توفير المياه، واستخدام الري الذكي حسب احتياجات النباتات، وإعادة استخدام المياه المعالجة في الزراعة.
فضلاً عن الجهود العُمانية لترسيخ التشريعات التي تدعم الابتكار الزراعي، والشركات الناشئة المعتمدة على التكنولوجيا الزراعية المتقدمة ومنها قانون حماية الملكية الفكرية (براءات الاختراع)، الذي يختصُّ بتشجيع الباحثين والمزارعين والمبتكرين على تسجيل ابتكاراتهم في مجال التقنيات الزراعية والأسمدة الحيوية وأنظمة الري الحديثة وإعفاء الشركات الناشئة في القطاع الزراعي من ضريبة الدخل لفترة من 5 إلى 10 سنوات، والإعفاء الجمركي من استيراد التقنيات الزراعية الحديثة مثل أجهزة الاستشعار الذكية والزراعة من غير تربة "الهيدروبونيك" بالإضافة إلى التشريعات المعنية بتعزيز الاستثمار في القطاع الزراعي، وتسهيل إجراءات ترخيص المشروعات التي تعتمد على الطاقة المتجددة وتقنيات الزراعة.
وقد تبنت الحكومة العُمانية استراتيجية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وعملت على تشجيع الشراكات بين المؤسسات البحثية والشركات الزراعية لتطوير الحلول المبتكرة التي تلبي احتياجات السوق وتسهم في تحقيق الأمن الغذائي، عبر طرح العديد من الفرص الاستثمارية، عن طريق منصة تطوير التي تؤكد ضرورة أن تستخدم المشروعات المبتكرة التقنيات الحديثة.
كما قامت الحكومة العُمانية ممثلة في وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، بتدشين نافذة (اقترح مشروعك) بمنصة تطوير التي تهدف إلى جذب المستثمرين الراغبين في إقامة المشروعات المميزة والمبتكرة وفق الشروط والمعايير الموضوعة في الخدمة، من أهمها: الزراعة العضوية، والمشروعات البحثية، ومشروعات الصناعات التحويلية والقيمة المضافة.
يُشار في هذا السياق، إلى افتتاح معرض الأمن الغذائي الأول بمحافظة ظفار في العاشر من أغسطس الحالي، بمشاركة أكثر من ٧٥ شركة عمانية في مجال الأغذية، بهدف تعزيز الاستدامة في قطاع الغذاء، يجمع المعرض بين الابتكار والإنتاج والتجارة في القطاعات التي تُعد حجر الزاوية لتحقيق الأمن الغذائي ودعم الاقتصاد الوطني.
يُشكل هذا الحدث فرصة لتعزيز "رؤية عُمان 2040" عبر دعم الأمن الغذائي والاستدامة في النظم الزراعية والغذائية، مما يُسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما يعمل على تنشيط الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل من خلال تحفيز الاستثمار في قطاعات الزراعة والغذاء والثروة السمكية، وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي.
يهدف المعرض إلى إبراز المنتجات العُمانية عالية الجودة، مثل التمور والعسل واللبان، والترويج لها على المستوى المحلي، مما يُعزز من مكانة ظفار كمركز للإنتاج الغذائي ويساعد على دمجها في سلاسل الإمداد الوطنية. كما يفتح المعرض آفاقًا جديدة أمام المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ويُمكّن رواد الأعمال في مجالات الزراعة وتكنولوجيا الغذاء الحديثة.
لا شك أن كل هذه الجهود تؤكد التزام سلطنة عُمان برفع كفاءة الأمن الغذائي وتطوير القطاعات المرتبطة به لتحقيق التنمية المستدامة وتحقيق مستهدفات رؤيتها المستقبلية 2040، وتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية.
