رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«العلمين الجديدة».. العاصمة الصيفية


9-8-2025 | 14:33

.

طباعة
تقرير: أحمد جمعة

لم تعد العلمين الجديدة مجرد «مدينة على البحر» يقصدها الملايين كل عام من خارج مصر وداخلها، بل باتت واحدة من أبرز تجليات «الجمهورية الجديدة»، ليس فقط كوجهة سياحية فاخرة لا مثيل لها فى العالم، بل كعاصمة صيفية تستضيف اجتماعات الرئاسة والحكومة، فى تجسيد عملى لفكرة المدن الذكية المتكاملة التى تجمع بين الإقامة والعمل والحكم فى آن واحد.

ومنذ وضع حجر الأساس، ارتبط اسم «العلمين الجديدة» بمشروعات كبرى تعبر عن روح «الجمهورية الجديدة» التى أعلنها الرئيس عبدالفتاح السيسى، فهى بالأساس مدينة ذكية، تضم بنية تحتية متطورة، وحدات سكنية فاخرة، مؤتمرات دولية، ومرافق تعليمية وثقافية وسياحية متكاملة، لكنها مع ذلك باتت أكثر من مجرد مشروع عمرانى على ساحل البحر المتوسط، إذ تحولت إلى مركز صيفى لصنع القرار، حيث تُعقد فيها اللقاءات الرئاسية، والاجتماعات الأسبوعية للحكومة، وتستقبل ضيوف مصر من القادة والمسئولين، وتُدار منها ملفات الأمن والاقتصاد والسياسة الخارجية.

هذا التحول بدأ بتخصيص مناطق حكومية متكاملة داخل المدينة، تشمل القصر الرئاسى الذى بات يستخدم فى فصل الصيف لعقد اللقاءات الرسمية، واستقبال القادة والمسئولين الدوليين، إلى جانب المقر الصيفى لمجلس الوزراء بما فى ذلك مقرات للوزارات المختلفة، وبذلك بات لمصر أكثر من “مركز قرار»، يوزع أعباء الإدارة بين العاصمة الإدارية شرقًا، والعلمين غربًا، فى إعادة صياغة لخرائط السياسة والحوكمة.

الرئيس عبدالفتاح السيسى يعقد أيضاً اجتماعاته مع قادة وزعماء الدول، ومع رئيس مجلس الوزراء ووزراء الحكومة بالقصر الرئاسى بمدينة العلمين الجديدة، حيث سبق أن استقبل فيها الدكتور حسن شيخ محمود رئيس جمهورية الصومال؛ لبحث سُبُل تعزيز العلاقات الثنائية، والتشاور بشأن قضايا السلم والأمن، والأوضاع الإقليمية والقارية، وكذلك استقبل فيها الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السودانى، كما سبق أن التقى فيها مع القائد العام للجيش الوطنى الليبى المشير خليفة حفتر.

وخلال العام الماضى، حظيت جولة الرئيس السيسى، مع الرئيس الإماراتى الشيخ محمد بن زايد فى العلمين الجديدة، بتفاعل كبير، وهى الجولة التى ظهر فيها الرئيسان خلال تجولهما بالمدينة، كما تفقدا عدداً من الفعاليات المنظمة ضمن «مهرجان العلمين».

وقبل 6 سنوات، عقد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، أول اجتماع لمجلس الوزراء بمقر الحكومة بمدينة العلمين الجديدة، وحينها ذكر أن هذه المدينة ستصبح فى المستقبل العاصمة الثانية للدولة، وستكون الواجهة الشاطئية للمدينة ليتمتع بها جميع المصريين. 

وكان توجيه رئيس الوزراء من حينها واضحًا بأن المدينة لن يقتصر عملها على مدى شهرين أو ثلاثة بالصيف فقط، بل ستكون مدينة مستدامة بالأنشطة والخدمات، مثلها مثل الإسكندرية، وسيستفيد بها المصريون طوال العام، وستستغل الاستثمارات بها الاستغلال الأمثل، خاصة أنها تضم عدداً كبيرًا من المشروعات التى تم تنفيذها؛ سواء الجامعة الأهلية، أو فرع الأكاديمية العربية للعلوم والنقل البحرى، أو مدينة الثقافة والتراث، إلى جانب الوحدات السكنية مختلفة الشرائح، والمنطقة الصناعية، والخدمات المختلفة الأخرى بالمدينة.

الأمر الأكثر أهمية فى هذه المدينة هو إطلاق منظومة التحول الرقمى بها عن طريق إتاحة عددٍ من الخدمات المختلفة المقدمة للمواطنين إلكترونياً، وهو ما أحدث نقلة نوعية فى مجال توفير الخدمات للمواطنين فى مختلف القطاعات، بما سيُسهم فى تيسير الإجراءات وتحسين مستوى تقديم هذه الخدمات، وفى الوقت نفسه التخفيف من المعاناة التى كان من الممكن التعرض لها فى وقت سابق.

«استراتيجية “المدينة العصرية»

انطلق مشروع مدينة العلمين الجديدة فى مارس 2018 ضمن خطة مصر لبناء مدن الجيل الرابع، على مساحة تُقدّر بنحو 50 ألف فدان، وتستهدف استيعاب أكثر من 3 ملايين نسمة، وجرى تصميمها لتكون مدينة ذكية ومستدامة، تضم مناطق سكنية وتجارية وسياحية، ومراكز ثقافية وتعليمية أبرزها جامعة العلمين الدولية، إلى جانب دار أوبرا ومكتبة ومتحف.. كما تشمل مشروعات الأبراج الشاهقة مثل “البرج الأيقونى» بارتفاع يقارب 300 متر (68 طابقًا)، فضلًا عن أبراج «North Edge» و«The Gate Towers» التى بدأت فى استقبال الزوار تدريجيًا منذ عام 2021.

وفى يونيو الماضى، أعلنت المنظمة العربية للسياحة اختيار مدينة العلمين الجديدة عاصمة للمصايف العربية لعام 2025، وذلك بعد استيفائها للمعايير التى أعدتها المنظمة والتى تتمثل فى الإدارة والعمل التنظيمى بالمصيف، والبنية التحتية له، وأنماط وموارد الاستجمام والترفيه، والحفاظ على البيئة وحمايتها، والأمن والسلامة والصحة، والاستجابة للمستجدات السياحية، ونتائج قياس وتحليل الأداء .

الدكتور حمدى عرفة، أستاذ مساعد الإدارة الحكومية والمحلية، أكد أن اعتبار مدينة العلمين الجديدة «العاصمة الصيفية» للدولة المصرية يحمل لعا أبعادًا استراتيجية تتجاوز الطابع الرمزى، إذ يُعزز مناخ الأمان والثقة لدى كبار المستثمرين، ويدعم بيئة الاستثمار باعتبار أن وجود مجلس الوزراء وعدد من الإدارات العليا مؤشرًا على الجدية والاستقرار.

وأوضح عرفة أن هذا الانتقال لا ينعكس فقط على المستثمرين، بل يمتد تأثيره إلى المواطنين ورواد المدينة والمتطلعين للإقامة بها، حيث ينظرون إلى توافر الخدمات الحكومية المتكاملة التى تقدمها الوزارات الـ33، وفى مقدمتها وزارات النقل، والسياحة، والثقافة، والتنمية المحلية، باعتبارها أحد المعايير الحاسمة فى قرار السكن أو الاستثمار طويل الأجل، كما أن وجود القيادات العليا وممثلى الحكومة يسهم فى طمأنة المطورين العقاريين، ويُعطى انطباعًا قويًا بأن الدولة جادة فى ترسيخ حضورها الإدارى والاقتصادى بالمدينة.

وفيما يخص البنية التحتية، شدد الدكتور عرفة على أنها تُعد من أبرز نقاط القوة فى مدينة العلمين الجديدة، حيث تم تنفيذ بنية تحتية قوية ومتطورة، تشمل مشروعات متقدمة فى مجالات تحلية المياه، وتكنولوجيا الاتصالات، والمرافق الذكية، فضلًا عن وجود حوافز استثمارية واضحة وتسهيلات ملموسة تسهم فى جذب رؤوس الأموال والمشروعات العمرانية الكبرى، والمستهدف هو أن تحتضن المدينة قرابة 3 ملايين نسمة، ما يجعلها مدينة مكتملة الأركان لا تقتصر على كونها “عاصمة صيفية«، بل تتجه لتكون مركزًا حضريًا متكاملًا يعمل طوال العام.

«عرفة» لفت إلى أن النظرة إلى المدينة يجب ألا تُختزل فى كونها وجهة سياحية أو منطقة شاطئية ذات فنادق فاخرة، بل ينبغى الاقتداء بتجارب المدن العالمية الكبرى مثل دبى، ونيويورك، ولندن، التى نجحت بفضل التركيز على البُعد الخدمى، والنقل الذكى، وتكامل التكنولوجيا، وتوافر السلع والخدمات الأساسية، فى بناء مدن ديناميكية جاذبة للعيش والعمل والاستثمار على مدار العام.

بدوره، أكد الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادى وأستاذ التمويل والاستثمار، أن اختيار مدينة العلمين الجديدة كمقر صيفى للقاءات الرئاسية واجتماعات الحكومة وكبار المسئولين، يمثل أحد أساليب التسويق الحضارى للمدن الجديدة، ويعكس توجهاً استراتيجياً لجذب الأنظار نحو منطقة بكرٍ لم تكن محل اهتمام كافٍ فى السابق.

وأوضح بدرة أن «من مبادئ التسويق الأساسية أن يكون للموقع طابع جاذب، وأن يتم توطين شخصيات قيادية فيه، لإحداث زخم تنموى ومجتمعي، متسائلا: هل كان يمكن لتلك المناطق أن تحظى بأولوية دون زيارات الرئيس واجتماعات الحكومة بها؟، مضيفا: «بالطبع لا.. فتلك التحركات ترسل رسائل ضمنية للمستثمرين والمواطنين بأن الدولة تضع هذه المناطق ضمن أولويات التنمية».

واستشهد بتجارب سابقة قائلاً: «فى التسويق السياسى، فإن تواجد مسئول رفيع فى المشهد يسهم فى استعادة الثقة، ونفس المنطق ينطبق على الفعاليات الفنية الكبرى التى تُقام فى العلمين، فعندما يُعلن عن حفل لفنان كبير كعمرو دياب أو محمد منير، فإن الآلاف يتوجهون إلى المدينة، وهذه ليست حفلات ترفيهية فقط، بل أدوات تسويق مدروسة تساهم فى تنشيط الاقتصاد المحلى».

وأضاف: «للأسف، هناك تساؤلات تُطرح أحياناً بنبرة سلبية مثل: لماذا العلمين؟ لماذا تُباع الأراضى والفنادق هناك بهذه الأسعار؟ لكن لا أحد يسأل: كيف نجحت الدولة فى تحويل أرض كانت مليئة بالألغام ومهملة لعقود إلى مدينة متكاملة؟، وهذا فى حد ذاته فكر اقتصادى ذكى يستحق الإشادة بالتأكيد».

وشدد بدرة على ضرورة النظر للمردود الأوسع للمشروعات السياحية، قائلاً: “السياحة تجر خلفها أكثر من 70 قطاعاً، من النقل والمطاعم والفنادق، إلى المفروشات والمنتجات الحرفية، وهذا يعنى تشغيل آلاف العمال وتحقيق عوائد ضريبية للموازنة العامة.

وأكد الخبير الاقتصادى أننا أمام مشروع وطنى كبير، والهدف هو خلق نشاط اقتصادى مستدام يعود بالنفع على الدولة والمجتمع معاً، وما تحقق فى مدينة العلمين الجديدة من طفرة عمرانية واقتصادية غير مسبوقة، جعلتها نموذجًا فريدًا للتنمية المتكاملة فى الساحل الشمالى.

وأضاف أن المدينة تحولت فى سنوات قليلة إلى واحدة من أبرز المقاصد الاستثمارية والسياحية فى مصر، بفضل تخطيط عمرانى حديث، وشبكة مرافق متطورة، وبنية تحتية تضاهى المعايير العالمية، ما يعكس جدية الدولة فى بناء مدن ذكية ومزدهرة قادرة على المنافسة وجذب رؤوس الأموال.

وشدد على أن مدينة العلمين باتت تمثل بوابة مصر الحديثة نحو الاقتصاد الترفيهى والعقارى والسياحى، وهو ما يُسهم فى تنويع مصادر الدخل القومى، وخلق فرص عمل حقيقية، وتحقيق نقلة نوعية فى نمط الحياة بالساحل الشمالى.

 
 
 

الاكثر قراءة