تحل اليوم، 19 يوليو، ذكرى وفاة المطرب الشعبي محمد أبو دراع، أحد أبرز أعلام الغناء الشعبي في مصر خلال القرن العشرين. ورغم فقدانه لذراعه منذ طفولته، إلا أنه استطاع أن يترك بصمة لا تُنسى في الفن الشعبي، بصوته الحزين الذي عبّر عن أفراح وهموم البسطاء.
النشأة والبداية الصعبة
ولد محمد أبو دراع، واسمه الحقيقي محمد رمضان سيد أحمد البطاوي، في 25 نوفمبر عام 1919، بقرية "درين" التابعة لمركز طلخا في محافظة الدقهلية، فقد والده وهو في الخامسة من عمره، وعاش طفولة صعبة تأثر فيها بانفصال والديه وسوء معاملة زوجة أبيه.
اشتهر بلقب "أبو دراع" بعد أن فقد ذراعه في حادث أثناء عمله في أرض والده، حين علقت يده بساقية ري، هذا الحدث ترك أثراً كبيرًا في نفسه، لكنه لم يُثنه عن مواصلة حلمه في عالم الفن.
بداياته في المحلة والموالد الشعبية
انتقل أبو دراع إلى المحلة الكبرى مع والدته، وهناك بدأ في التردد على الموالد الشعبية مثل مولد السيد البدوي بطنطا، ومولد الدسوقي، وقد لعبت تلك الأجواء دورًا مهمًا في تشكيل موهبته الغنائية.
لم يحصل على تعليم مدرسي، لكنه تعلم القراءة من واجهات المحال، اكتشفه الشاعر الشعبي مصطفى مرسي والمطرب يوسف شتا، حيث بدأ الغناء في حفلاتهم، ولفت الأنظار بصوته المميز وطريقته الخاصة في إلقاء المواويل.
القاهرة.. من بيع الصحف إلى الغناء في الحسين
سافر إلى القاهرة عام 1935، وعمل في البداية بائعًا للصحف. لكنه سرعان ما انضم إلى فرقة موسيقية، وبدأ الغناء في موالد السيدة زينب والحسين، وأصبح نجمًا معروفًا في ليالي الخميس الرمضانية في حي الحسين.
عمله في المسرح وانطلاقته مع زكريا الحجاوي
انضم إلى المسرح الشعبي مع زكريا الحجاوي، الذي كلفه بجمع أبرز أصوات الغناء الشعبي في مصر. وكان له صوان ثابت في حي الحسين خلال رمضان، أصبح قبلة لعشاق الفن الشعبي.
ظهر أبو دراع في السينما لأول مرة في فيلم "ابن الحداد" (1944) مع يوسف وهبي ومديحة يسري، وغنى فيه مواله الشهير "دا انت فريد المحاسن يا وحيد العصر"، ثم شارك في فيلم "الفنان العظيم" عام 1945، ومسلسل "الهروب" (1969) مع صلاح قابيل ويوسف فخر الدين.
في حفل عيد الثورة عام 1961، غنى أبو دراع أمام الرئيس جمال عبد الناصر، وارتجل موالاً يطلب فيه وظيفة تناسب ظروفه الصحية، استجاب له عبد الناصر، وتم تعيينه مطربًا بالمسرح العسكري.
أبرز المواويل والأغاني الوطنية
قدم محمد أبو دراع باقة من المواويل والقصص المغناة التي تركت أثرًا كبيرًا في وجدان الجمهور، من بينها "قصة بدرية" و"قصة عادل وعدلية"، وهما من أشهر المواويل التي جسدت صراعات الحب والظلم في قالب شعبي مؤثر، إلى جانب مواله الشهير مع الفنانة هدى سلطان "يا صاحب إن بعتني خلي الثمن غالي"، والذي عبّر فيه عن كرامة الإنسان في مواجهة القهر. ولم يكتفِ أبو دراع بالغناء العاطفي فقط، بل ساهم في تشكيل الوجدان الوطني بأغنياته الثورية مثل "ثورة يوليو"، و"يا جمال جمايلك جميلة"، و"شموع الحرية"، و"ياللي انكويت من الكويت يا استعمار"، حيث دمج بين الإحساس الشعبي والرسالة الوطنية في أعماله الخالدة.
برع أبو دراع في القصة الشعبية المغناة، وعبر عن الفقر والظلم والكرامة بصوت نقي صادق، كانت مواويله تعبر عن هموم "العشرين مليون كادح"، كما وصفه الأديب يوسف إدريس في كتابه "جبرتي الستينيات".
وفاته وغياب غير مستحق
توفي محمد أبو دراع عام 1988، بعد مسيرة حافلة بالفن الأصيل والمواويل التي ما زال صداها يتردد، ورغم مكانته الكبيرة، إلا أن العديد من أعماله غابت عن البرامج الرسمية في المناسبات الوطنية.