رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

تحالفـات الرئيـس

17-7-2025 | 16:14
طباعة

تنوع الخيارات مع الندية فى التعامل مسار ممتد، ومبدأ راسخ فرضته القاهرة فى كل تحركاتها الدبلوماسية ومواقفها الإقليمية والدولية، فلم تتراجع قيد أنملة - رغم التحديات الضخمة - عن استقلالية قرارها، ولم تتوانَ لحظة عن حماية سيادتها وضمان أمنها القومى على المستويات كافة مهما تضاعفت الضغوط، ومهما تزايدت الإغراءات، ورغم أن الدولة المصرية فتحت أبواب الشراكة الاستراتيجية مع دول مختلفة، وتوسعت فى علاقاتها مع قوى شتى، إلا أنها ألزمت الكل بثوابتها الوطنية وقواعدها القومية، من خلال التعاون فى إطار الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية مع الحفاظ على دولة المؤسسات، بحكم أنها الأساس المتين فى الاستقرار الإقليمى والقارى والدولى، وبلغة الأفعال كانت ومازالت الدولة المصرية سباقة فى هذه السياسة الرشيدة، وتلك القيادة الحكيمة مما جعلها وسيطا موثوقا به فى جميع القضايا، وكل الملفات.

مسيرة الجمهورية الجديدة تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى رفض “التبعية” لأى دولة أو تكتل انتقل بالتتابع من المواقف الدبلوماسية والأمور السياسية إلى القضايا الاقتصادية، فلا اتفاقيات تعاون مقابل فرض شروط تنتقص من مكانة القاهرة، ولا خضوع لأية إملاءات خارجية لضخ استثمارات معينة، ولا قبول لأوامر عند إقامة مشروعات محددة، وكل التفاصيل تخضع للدراسة والتقييم واختيار أفضل العروض من الناحية المالية والفنية، ومصلحة الشعب المصرى فى المقام الأول، فلا مانع من الشراكات الاقتصادية التى تقوم على المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، وتحقيق مكاسب أكبر للاقتصاد الوطنى، وفقا للمعادلة الوطنية التى تجعل الأمن القومى المصرى فوق أية اعتبارات مادية أو مكاسب متوقعة.

ولا يخفى على أحد أن الرئيس السيسى يمارس الدبلوماسية الرئاسية فى جولاته المتعددة، وزياراته المتتابعة فى مختلف الدول وجميع المحافل الدولية دعما للاقتصاد المصرى، ورغبة فى توقيع شراكات المستقبل عبر اتفاقيات التعاون وتبادل الخبرات فى كل المجالات، بهدف تحقيق التكامل الاقتصادى مع كل الدول الصديقة، مما يضع مصر على خريطة الاستثمار العالمية كحلقة وصل بين الغرب والشرق، كما أنها بوابة الدخول إلى إفريقيا ذات الإمكانيات الكبيرة والموارد الضخمة، فضلا عن أنها سوق واعدة لكل الجادين فى الاستثمار المستدام، فعدد سكان القارة أكثر من 1.4 مليار نسمة، وإجمالى إنتاجها المحلى تجاوز 3.1 تريليون دولار فى 2023، ناهيك عن سيطرتها على موارد هائلة من المعادن والأراضى الخصبة وغيرها من الثروات.

وعلى ذكر قارتنا السمراء، من المعلوم بالضرورة، والموثق بالصوت والصورة أن الرئيس السيسى يعتبر القاهرة صوت الأفارقة فى جميع المحافل الدولية والمنتديات العالمية، وتحمل قضاياهم وتنشغل بهمومهم وتتبنى مصالحهم شعوبا وحكومات، وعلى رأسها قضية التنمية الشاملة والمستدامة عن طريق التكامل بين دولها اقتصاديا من ناحية، ثم الدخول فى اتفاقيات عادلة مع الدول والقوى العالمية، وهذا ما تجسد أمامنا بداية هذا الأسبوع خلال مشاركة الرئيس السيسى فى الدورة السابعة لاجتماع القمة التنسيقى لمنتصف العام للاتحاد الإفريقى، والتى عقدت بمدينة مالابو عاصمة غينيا الاستوائية، فرغم أن أجواء التحديات الجيوسياسية المعقدة والمتشابكة من النزاعات المسلحة، مروراً بتفشى آفة الإرهاب، وصولاً إلى الجريمة المنظمة العابرة للحدود، فضلاً عن تداعيات تغير المناخ، لفت الرئيس السيسى أنظار الحضور من الاتحاد الإفريقى، ورؤساء الدول إلى أن هذه المشكلات تهدد التنمية فى إفريقيا، وتستلزم تضافر جهود مواجهتها، لأن السلم هو أساس التنمية، والتكامل هو الطريق نحو مستقبل أفضل للقارة الإفريقية.

كما أنه خلال مشاركة الرئيس السيسى فى أعمال الدورة السابعة لاجتماع القمة التنسيقى تصدرت المناقشات جهود التكامل والاندماج القارى، وسبل تحرير التجارة البينية، ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية بما لها من تأثير على التنمية فى القارة، وهنا تحدث الرئيس فى كلمة اللجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات الوكالة الإنمائية للاتحاد الإفريقى “النيباد”، - التى يترأسها فى دورتها الجارية-، عن ضرورة سد الفجوة التمويلية للتنمية، وتنفيذ أجندة إفريقيا التنموية 2063، مع التأكيد على وجود فرص عديدة أمام القارة الإفريقية لتحقيق الازدهار، فعلى مدى العامين الماضيين أصبح على يقين أن إفريقيا، التى نريدها، ليست حلماً، وإنما واقع قريب المنال، بدليل أنه بالرغم من كل الظروف الصعبة، نجحت العديد من الدول الإفريقية فى تحقيق معدلات نمو فاقت المعدلات العالمية، وقطعت شوطاً طويلا فى التعامل مع التحديات، من توطين الصناعات الحيوية، وتحسين مناخ الاستثمار، وتعزيز التجارة البينية، إلى إحراز تقدم فى تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية.

ولدى قناعة أن رسائل الرئيس السيسى إلى الزعماء الأفارقة وصلت، فهم يعلمون علم اليقين أن مصر تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى جعل القارة السمراء من خلال التجمعات الاقتصادية المعتمدة بها ومنها السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا “الكومسا”، وتجمع الساحل والصحراء وغيرها، قوة اقتصادية عالمية خصوصا إذا نجحت جهود ومساعى العمل الجماعى الإفريقى، ومن المنطقى أن التكامل الإقليمى يعزز النمو الاقتصادى المتواصل والمتوازن من خلال تفعيل الأسواق المشتركة، وساهم فى توافر اقتصاديات الحجم فى الإنتاج وتخفيض التكاليف مع تنوع وتحسين جودة السلع الاستهلاكية وتوسيع نطاق السوق، والقاهرة لديها الاستعداد لقيادة هذا التحالف، وقد أكدت السنوات العشر الماضية أن الدائرة الإفريقية محور رئيسى فى اهتمامات السياسة الخارجية المصرية على الأبعاد كافة، ومنها البعد الاقتصادى، فالقاهرة تريد التكامل الاقتصادى بين دول القارة، أولا لزيادة مساحة نفاذ البضائع المصنعة فى جميع الدول الإفريقية، وتحقيق قيمة مضافة للسلع المصنعة سواء فى مصر أو غيرها، فضلا عن رفع القدرة التنافسية لتلك السلع، وتعزيز حركة التجارة البينية، والاستفادة من الموارد الخام والثروات الطبيعية، ثم إقامة الشراكات التنموية المتوازنة مع التكتلات خارجها، والمحصلة النهائية هى مصلحة شعوبها من توافر فرص العمل إلى رفع مستوى المعيشة، وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.

وبعيدا عن مخططات التدخل فى الشئون الداخلية، أو فرض الشروط والإملاءات من الآخرين، لا تتوقف القاهرة عن ضخ الاستثمارات فى عدة دول إفريقية لزيادة التكامل القارى والإقليمى، ومدها بالخبرات المطلوبة فى جميع القطاعات، وتنفيذ مختلف المشروعات خصوصا فى مجال البنية التحتية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، مشروعات الربط الكهربائى والسكك الحديدية، ومشروع الممر الملاحى النهرى بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط من أجل وصول البضائع الإفريقية إلى الأسواق العالمية، بالإضافة إلى قائمة طويلة من الشركات المصرية التى لديها اتفاقيات تعاون مع دول القارة ومنها المقاولون العرب، السويدى إليكتريك، أوراسكوم، وتقوم بمشروعات ضخمة فى الطرق والإسكان وحفر الآبار الجوفية وإقامة السدود ومحطات توليد الكهرباء.

ومن القارة السمراء إلى روسيا تتواصل خطوات الرئيس السيسى فى تعدد التحالفات الاقتصادية لاستكمال مسيرة “شراكات المستقبل” لتحقيق نقلة نوعية فى مسار الاقتصاد الوطنى ليس فى هذه المرحلة فقط بل لصالح الأجيال القادمة، بشرط لا يقبل النقاش، وخارج نطاق المباحثات وهو أن «التبعية» خارج الحسابات المصرية، والحقيقة أن موسكو لم تضبط متلبسة بهذه الخطيئة خصوصا منذ زيارة الرئيس السيسى لروسيا فى 2015، فالعلاقات الاقتصادية فى تطور مستمر، والتعاون الاستثمارى متواصل، ولا عقبات فى التجارة البينية، فالاستثمارات الروسية لدينا تبرهن على الشراكة القوية بين الدولتين، وتترجم التوافق فى الرؤى بين الزعيمين السيسى وبوتين، ووفقا للتقديرات، 467 شركة روسية تستثمر فى مصر عبر مجالات متنوعة من النفط والغاز الطبيعى إلى الصناعة وتكنولوجيا المعلومات مرورا بالخدمات المالية وغيرها، كما أن المنطقة الصناعية الروسية فى شرق بورسعيد فى طريقها لتجسيد هذه الشراكة الاقتصادية لأنها ستجذب 7 مليارات دولار، وتوفر 35 ألف فرصة عمل من خلال إقامة مشروعات عملاقة فى صناعة السيارات والمعدات الزراعية وتدوير المخلفات وغيرها من القطاعات الحيوية.

ومن المعروف أن درة التعاون المصرى الروسى هى مشروع محطة الضبعة النووية، فى اتجاه الدولة إلى تنويع مصادر الطاقة، وحسب الخبراء والمتخصصين توقيع تلك الاتفاقية كان خطوة تاريخية لعدة أسباب، أهمها أنها نموذج للتعاون التكنولوجى بلا إملاءات سياسية ولا فرض توجهات تمس خيارات الدولة المصرية، بالإضافة إلى إنشاء أول محطة نووية سلمية لتوليد الكهرباء بتكلفة تتعدى 10 مليارات دولار للمرحلة الأولى، تتحمل منها موسكو نحو 80 فى المائة من خلال قرض طويل الأمد فى حين أن النسبة المتبقية ستوفرها الحكومة المصرية، فضلا عن أن معدلات التنفيذ تسير وفق الجدول المتفق عليه مما يؤكد رمزية المشروع فى الشراكة الاستراتيجية الشاملة وفقا للتكافؤ والاحترام المتبادل، ومن الإنصاف أن نشير إلى أن العرض الروسى كان الأفضل من حيث أحدث التقنيات، والجيل الثالث من المفاعلات، وتوفير الوقود النووى طوال عمر المحطة والمساعدة فى تدريب الكوادر المصرية، مع تقديم الدعم فى عمليات التشغيل والصيانة.

وسيرا على نهج إقامة علاقات متوازنة مع جميع القوى، تعتبر العلاقات المصرية الصينية مثالا واضحا على الشراكة بـ “ندية” على مدى سنوات طويلة، وتضاعفت هذه الأواصر بالمزيد من المشروعات فى الجمهورية الجديدة وفقا لأجندة التنمية الشاملة دون الخضوع لأية إملاءات، وبكين من جانبها لا يشغلها إلا البحث عن مصالحها الاقتصادية، وتوفير الحوافز والتيسيرات للمستثمرين الصينيين بعيدا عن الشئون الداخلية سواء فى مصر أو غيرها، وهو ما أكدته أيضا زيارة رئيس مجلس الدولة الصينى لى تشيانغ والوفد المرافق له إلى القاهرة أخيراً.

وعلى نفس المستوى تسير العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى منذ رفعها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة فى يناير 2024، ثم تبعها زيارة وفد أوروبى رفيع المستوى للقاهرة برئاسة أورسولا فون دير لاين الرئيسة المفوضية الأوروبية، تأكيدًا على المكانة المحورية لمصر، بدليل أنها الدولة الوحيدة بالمنطقة التى وصلت لهذا المستوى من العلاقات مع أوروبا.

والخلاصة، أن الجمهورية الجديدة نجحت بامتياز فى إدارة مصالحها من منطلق الشراكة وليس التبعية، ولم ترضخ لإملاءات خوفا من أى قوى، ولم تقدم تنازلات للحصول على رضاء أى دولة، ولم تقبل أى ثمن للتراجع عن ثوابتها، وهذا بشهادة العدو قبل الصديق، ولنا فى رفض مخطط التهجير عبرة وآية، كما أن القاهرة امتلكت أدوات التأثير وحازت القدرة على الحل، وهو ما يجعل صوتها مسموعا، ورأيها مقدرا على المستويات كافة، وفى الملفات عامة.

حمى الله مصر وشعبها وقيادتها 

ومؤسساتها الوطنية من كل سوء.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة