واجهت الدولة المصرية العديد من التحديات بعد ثورة يونيو، ومن أبرزها الحرب المقصودة من الجماعة الإرهابية ضد الاقتصاد بتفجير مئات أبراج الكهرباء والعمليات الإرهابية لخلق مناخ طارد للاستثمار، مع العمل على حرمان وصول تحويلات المصريين بالخارج، والسعى لخلق سوق موازٍ للعملة، ورغم حالة الاضطراب الاقتصادى إلا أن القيادة السياسية لم تستسلم، بل أخذت على عاتقها إعداد برنامج وطنى للإصلاح الاقتصادى ورفع كفاءة البنية التحتية لجذب المزيد من الاستثمارات، لتنجح الحكومات المتعاقبة فى إعادة الروح من جديد للجسد الاقتصادى والذى يتعافى بقوة وثبات.
شهدت مؤشرات الاقتصاد المصرى قبل ثورة 30 يونيو أداء سلبيا، فتراجع الاحتياطى النقدى ليقترب من 13 مليار دولار خلال 2013 وهى لا تجاوز واردات 3 أشهر، كما شهدت تلك الفترة وجود سعرين للدولار مع ازدهار السوق السوداء للعملة بعكس المرونة الحالية فى سعر الدولار والقضاء على السوق السوداء، أيضا ارتفعت معدلات البطالة لأقصى درجة مسجلة 13,2 فى المائة خلال عام 2013، لكن فترة مابعد الثورة شهدت تحسنا كبيرا فى معدل نمو الاستثمارات المباشرة، فخلال العام المالى «2012 – 2013» لم تتجاوز قيمته 3,8 مليار دولار وتزايدت تلك المعدلات كنتيجة مباشرة للإصلاح الاقتصادى حاليا لتسجل 46,6 مليار دولار.
حظيت مصر بدعم أوروبى كبير بجانب دعم المؤسسات المالية العالمية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولى، والبنك الدولى، وكل المؤسسات العالمية التى آمنت بقوة ونهوض الاقتصاد المصرى.
ثورة يونيو هى «ثورة التنمية»، حيث واكبها انطلاقة صناعية فوضعت الدولة خطة طموحة لتوطين العديد من الصناعات، وبالفعل استطاعت الحكومة جذب العديد من الاستثمارات الأجنبية نظرا لاستقرار الأوضاع الداخلية، إضافة إلى ثورة زراعية من خلال مشروع المليون ونصف المليون فدان و100 ألف صوبة زراعية، حيث زادت الرقعة الزراعية من 8,92 مليون فدان خلال «2013 -2014» لتصل حاليا إلى 10,4 مليون فدان، كما زادت الصادرات الزراعية من ملايين الدولارات لتحقق 4,13 مليار دولار حاليًا.
«نجح الاقتصاد المصرى خلال 12 سنة فى أن يكون أكثر صلابة، ومرونة، وذكاء، واخضرارا، وإنصافا وعدلا»، هذا ماكشفه الدكتور فخرى الفقى، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، والخبير الاقتصادي، موضحًا أن صلابة الاقتصاد وتحسنه رغم التحديات العالمية من تفشى فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وبعدها حرب غزة وآخرها الصراع الإيرانى الإسرائيلى حاليًا، نبعت من توافر الاستقرار الأمنى والسياسى فتم محاربة الإرهاب مع إعادة بناء الدولة المصرية، سواء وضع الدستور والبرلمان، وكذلك تم وضع برامج للإصلاح الاقتصادى لمعالجة التشوهات والاختلالات الهيكلية فى جسد الاقتصاد، سواء سعرية ومحاربة السوق غير الرسمى فتم عمل 3 برامج للإصلاح خلال 10 سنوات منحت الاقتصاد المصرى المزيد من الصلابة.
«الفقي»، أضاف: الاقتصاد أكثر مرونة بما يعنى قدرته على تفادى الصدمات بمرونة فلديه القدرة على المناورة، ويحدث ذلك من خلال القطاع الخاص، والذى يمتلك القدرة على اتخاذ القرارات بسرعة بخلاف البيروقراطية الحكومية، وبالفعل هناك توجه حكومى لزيادة مشاركة القطاع الخاص فى الاقتصاد المصرى، فمنذ ثلاث سنوات كانت استثمارات القطاع الخاص تشكل 25 فى المائة فى حين باقى النسبة من نصيب الاستثمارات العامة، لكن خلال السنة المالية المنتظر انتهاؤها خلال بضعة أيام يقدر حجم استثمار القطاع الخاص بها نحو 50 فى المائة ومن المنتظر عام «2025-2026» أن تصل مشاركة القطاع الخاص إلى 65 بالمائة، ويأتى ذلك فى إطار تطبيق وثيقة سياسة ملكية الدولة.
كما أشار إلى أن «الإنصاف الاقتصادى ناتج عن توافر شبكة حماية اجتماعية كبيرة، ومنها زيادة الأجور سنويا بما يقترب من معدلات التضخم، فارتفعت الأجور فى الموازنة الأخيرة من 575 مليار إلى 680 مليار جنيه بالموازنة القادمة، إضافة إلى تكافل وكرامة وزيادة قيمة الدعم السلعى والخبز سنويا، مع حوكمة دعم الوقود مؤخرا، بخلاف الاهتمام بمشروع التأمين الصحى الشامل وزيادة مخصصات العلاج على نفقة الدولة».
وتابع: الاقتصاد أصبح أكثر ذكاء عبر التحول الرقمى بما يقلص البيروقراطية المعوقة للتنمية، وهناك ميكنة للضرائب وغيرها، وأخيرا أصبح الاقتصاد أكثر اخضرارا عبر التوسع فى مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة، ومنها مشروع بنبان فى أسوان أكثر من مشروع بخليج السويس لطاقة الرياح، وأيضا محطة الضبعة فى طريقها للدخول للخدمة خلال السنوات القادمة بخلاف مشروعات الهيدروجين الأخضر.
«د. فخرى»، لفت إلى أنه « هناك 6 مؤشرات تؤكد تحسن الأداء الاقتصادى أولها معدل النمو، فمن المنتظر أن يكون 4 فى المائة هذا العام ويزيد إلى 4,5 فى المائة العام القادم، ثانيا تحسن معدل التشغيل وقدرة الاقتصاد على خلق المزيد من فرص العمل والتى تتراوح بين 900 ألف إلى مليون فرصة عمل سنويا والبطالة خلال ديسمبر 6,4 فى المائة بعد أن كانت 13,7 فى المائة منذ 13 عاما، ثالثا تحسن مناخ الاستثمار وزيادة معدلاته العام والخاص إلى 2 تريليون جنيه، يتمثل المؤشر الرابع فى انخفاض معدل التضخم من 33 فى المائة العام الماضى ليسجل 19 فى المائة العام الجارى، ومتوقع وصوله إلى 13 فى المائة العام القادم، أما خامسا عجز الموازنة 7,6 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى بعد أن كان 14 فى المائة منذ 12 عاما، سادسا وأخيرا الدين العام منذ 10 سنوات كان 108 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى، لكن فى الموازنة الحالية وصل إلى 88 فى المائة ومنتظر انخفاضه إلى 82 فى المائة العام القادم ».
من جانبه أكد الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، نائب رئيس الاتحاد العربى للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربى بجامعة الدول العربية لشؤون التنمية الاقتصادية أن الاقتصاد المصرى قبل ثورة 30 يونيو كان على وشك الانهيار، وكادت مصر تدخل فى نفق مظلم، لكن بعد الثورة أصبح الاقتصاد المصرى متنوعا وشاملا وقويا، وقد استطاع الصمود أمام كل الأزمات الاقتصادية العالمية والجوائح، مقارنًا بين معدل النمو الاقتصادى قبل وبعد ثورة 30 يونيو، مؤكدا أنه بعدما كان معدله 2.9 فى المائة خلال عام «2013 -2014»، فقد وصل لنحو 6.6 فى المائة خلال العام المالى «2021- 2022»، إضافة إلى أن الناتج المحلى الإجمالى خلال عام «2013- 2014» بلغ نحو 2.130 تريليون جنيه، ومن المتوقع أن يبلغ حجم الناتج المحلى المصرى بالقيمة الاسمية نحو 345.9 مليار دولار فى 2025، وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، بنسبة نمو متوقعة 4,1 فى المائة.
وأضاف «غراب»، أن إيرادات قناة السويس خلال العام المالى «2013 - 2014» حققت نحو 5.37 مليار دولار، بينما بعد ثورة 30 يونيو تم إنشاء قناة السويس الجديدة، والتى أسهمت فى زيادة عدد السفن المارة بها وزيادة حركة التجارة، ما أسهم فى زيادة حجم إيراداتها، والذى قارب الـ 10 مليارات دولار خلال العام المالى «2022- 2023»، إضافة إلى أن قطاع السياحة شهد طفرة كبيرة جدا بعد ثورة 30 يونيو فقد حققت خلال عام 2024 نحو 15.3 مليار دولار، حيث زار مصر نحو 15.8 مليون سائح، بينما حققت خلال العام المالي» 2013 – 2014» نحو 5.1 مليار دولار، كما ارتفعت إيرادات السياحة المصرية خلال النصف الأول من العام المالى الحالى «2024-2025» لتسجل 8.7 مليار دولار، مقابل 7.8 مليار دولار فى النصف الأول من العام المالى الماضى.
كما أوضح أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج قد شهدت خلال العام الماضى 2024 زيادة كبيرة جدا فقد حققت خلال 11 شهرا فى الفترة من مارس 2024 وحتى نهاية فبراير 2025 زيادة بنسبة 72.4 فى المائة وبمقدار 13.7 مليار دولار لتصل إلى نحو 32.6 مليار دولار، بينما سجلت فى العام المالى «2013- 2014 « نحو 18.5 مليار دولار، كما زاد الاحتياطى النقدى الأجنبى المصرى خلال الأيام الماضية ليتجاوز أكثر من 48 مليار دولار مقارنة بنحو 25.8 مليار دولار فى عام» 2013- 2014».
وأشار «غراب» إلى أن الدولة بعد ثورة 30 يونيو اهتمت بزيادة نسبة مشاركة القطاع الخاص والتوسع فى المشروعات الإنتاجية الصناعية والزراعية والسياحية، إضافة إلى زيادة حجم الصادرات المصرية والتى تسعى مصر لوصولها 100 مليار دولار، فقد ارتفعت قيمة الصادرات المصرية خلال 2024 لتحقق 44.9 مليار دولار، وذلك مقابل 22 مليارا و236 مليون دولار خلال عام 2014، إضافة لبلوغ صافى الاستثمار الأجنبى المباشر فى عام «2013-2014 « بنحو 3.1 مليار دولار، بينما بلغ صافى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر نحو 46.1 مليار دولار بنهاية العام المالى الماضى «2023-2024».
فى نفس السياق أكد الدكتور مصطفى رضوان، أستاذ الاقتصاد والمالية العامة، أن الدولة اهتمت على مدار السنوات الماضية بتحسين البنية التحتيه، خاصة أن أهم معوقات جذب الاستثمار الأجنبى بعد الثورة عدم وجود بنية تحتيه مجهزة ونقص فى محطات الكهرباء بما كان يؤثر سلبا على التكاليف الإنتاجية للمشروعات، أيضا عدد وطبيعة الموانئ كانت طاردة للاستثمار، لكن هناك تطورا وتنوعا فى الموانئ البحرية والبرية والجوية، وتطور كبير فى البنية التحتية، فالدولة المصرية قامت بدورها فى تمهيد بيئة الاستثمار لجذب الاستثمارات الخارجية، وبالطبع هناك تحسن ملحوظ فى معدلات الاستثمار، لكن ليست بالنسب المأمولة والمستهدفة ويرجع ذلك للتحديات والظروف الجيوسياسية المحيطة بنا فى منطقة الشرق الأوسط، وحتى ظروف الشحن الدولى تأثرت بالأحداث العالمية.
وأشار إلى أن «من أهم القطاعات التى اهتمت الحكومة التركيز عليها خلال السنوات الماضية وضع أطر حاكمة للبيانات داخل المجتمع، سواء الحكومية أو الأكاديمية والاقتصادية وغيرها، فالبيانات تعد مصدرا هاما من مصادر الثروات للدول والتنمية الاقتصادية أيضا، فالحكومة بدأت توجه الجهات التشريعية لوضع أطر قانونية لحوكمة البيانات، بما ينعكس إيجابا على منظمة التنمية الاقتصادية».
كما شدد «د. مصطفى»، على أن المجهود داخل وزارة الصناعة خلال الفترة الأخيرة منظم وهادف وموجه ليس فقط لجذب الاستثمار الأجنبي، ولكن لدعم بيئة الاستثمار المحلى، فمنذ 5 سنوات كان الاقتصاد المصرى طارد للمستثمر المحلى عبر البيروقراطية، لكن المجهود الحالى برعاية رئاسة الوزراء أصبح هناك اهتمام كبير بالمستثمر المحلى والعمل على توفير أراضٍ له عبر أطروحات مستمرة وتيسير إجراءات التراخيص والاهتمام بسياسة شباك اليوم الواحد، وهناك سعى لتوطين العديد من الصناعات لتقليل الاستيراد وتعظيم الواردات، فالاقتصاد المصرى يسير فى الطريق الصحيح».

