الحفاظ على الأمن القومى لأى دولة لا يقتصر فقط على القوة العسكرية لها، بل يتحقق ذلك بمجموعة من عناصر وأشكال القوى التى تتضافر جميعًا لتحقيق مفهوم قوة شاملة للدولة. وتعى الدولة المصرية الأهمية الكبيرة لقوتها الشاملة؛ لذلك تسعى دائمًا إلى زيادة قدراتها الشاملة تحقيقًا لمفهوم الردع فى ظل إقليم ملىء بالأزمات والصراعات.
رؤية الدولة المصرية واضحة، وتعتمد على تحقيق التنمية والحفاظ على مقدرات شعبها دون الانخراط فى أزمات جيوسياسية تعوق ذلك الهدف، وهو ما يعيه جيدًا المواطن المصرى البسيط الذى يقف تمامًا إلى جوار قيادته السياسية بثقة كبيرة. الخبراء يسلطون الضوء على عناصر القوة الشاملة للدولة المصرية، وكيفية تحقيق الردع ضد أى تهديدات.
أوضح اللواء محمد الغبارى، مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق والخبير الاستراتيجى، أن «قوة الدولة الشاملة تتألف من ثمانية عناصر متنوعة، بعضها صلبة مثل الكتلة الحيوية والقدرة الاقتصادية والقدرة العسكرية، والبعض الآخر قوى ناعمة مثل السياسة الخارجية والداخلية (الحراك الجمعى للدولة)، والقدرة الإعلامية وتكنولوجيا المعلومات والروح المعنوية»، لافتًا إلى أن أهم عناصر القوى الشاملة هى الكتلة الحيوية والقدرة العسكرية. والكتلة الحيوية تتمثل فى الموقع الجغرافى لمصر، الذى ليس له مثيل فى العالم، الأمر الذى يوفر ميزة حرص دول العالم على الحفاظ على علاقات دبلوماسية جيدة مع الدولة المصرية، بجانب التعداد السكانى للدولة، الذى يمثل قوة عاملة ضخمة شابة منخفضة التكلفة ومطلوبة فى سوق العمل العربى والدولي.
«الغبارى» أشار إلى أن أبرز عناصر القوى الناعمة هى السياسة الخارجية للدولة، التى تمر بفترة مميزة حاليًا وتحقق مبدأ القيادة السياسية الذى أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن سياسة مصر الخارجية تُبنى على المصالح المشتركة والمتبادلة، الأمر الذى جنّب الدولة المصرية أن تكون تابعة لأى قوة عظمى. منوّهًا بأن السياسة الداخلية تشمل الحراك المجتمعى، وإصدار القوانين، مرورًا بالمؤسسات التشريعية والأحزاب والنقابات، وتُقاس السياسة الداخلية بمدى قدرتها.
وأضاف أن الدولة المصرية عكفت على تحديث القدرات العسكرية والدفاعية للدولة، للدفاع عن كامل القطر المصرى ضد أى تهديدات، بل وتوفير القوة الرادعة لأى عدوان على مصر.
وأفاد «الغبارى» باهتمام الدولة المصرية بعنصر القوة التكنولوجية والرقمية، ومنذ تولى الرئيس السيسى، أطلقت الدولة استراتيجية نحو التحول الرقمى والتشجيع على الرقمنة والتوسع فى الاعتماد على التكنولوجيا، بجانب إقامة المدن الذكية مثل العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين. لافتًا الانتباه إلى أن عنصر الروح المعنوية هو الذى يساعد المواطنين على تحمّل الصعاب والوقوف فى صف الدولة المصرية، كما هو الحال خلال السنوات الأخيرة، حيث تحمّل الشعب المصرى أعباء الإصلاح الاقتصادى ولا يزال يضرب المثل فى التحمل من أجل الوصول بسفينة الوطن إلى بر الأمان.
وأكد مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق أن ثورة «30 يونيو» ساهمت فى تغيير الاستراتيجية العسكرية المصرية، بداية من التوسع الكبير فى تنويع مصادر التسليح، وشاهدنا جميعًا القوات المسلحة تُبرم صفقات تسليحية كبيرة من روسيا وفرنسا وألمانيا وكوريا وأمريكا، فضلًا عن التوسع فى إنشاء عددٍ من القواعد العسكرية مثل قاعدة محمد نجيب وقاعدة برنيس العسكرية، وقامت الدولة المصرية بتسليحها طبقًا لاحتياجاتها فى مواجهة التحديات القادمة من هذا الاتجاه وتحقيق الردع المطلوب عن طريق التهديد باستخدام القوة، وليس استخدامها، كما حدث عندما حدد الرئيس السيسى خط «سرت - الجفرة» داخل الأراضى الليبية كخط أحمر لا يمكن تجاوزه؛ حفاظًا على الأمن القومى المصرى، وقد كانت القوات المسلحة المصرية جاهزة لتنفيذ هذا القرار والدفاع عنه.
وأضاف أن القوات المسلحة أيضًا حافظت على تشكيلاتها وكونت عناصر جديدة من أجل مكافحة الإرهاب الذى كان منتشرًا فى سيناء والقضاء عليه.
وسلّط «الغبارى» الضوء على أن تماسك الشعب ووحدة صفه ووعى المواطنين هو أهم العوامل التى تساعد على استقرار الدولة والحفاظ عليها فى ظل التحديات الراهنة التى تمر بها المنطقة. فضلًا عن أن مقدار الوعى لدى المصريين أهّلهم لتجاوز العديد من الأزمات الطاحنة التى مرت بالمنطقة، وذلك بعدما اصطف الشعب وأيّد قرارات الرئيس السيسى فى العديد من المواقف، ودائمًا ما كان الشعب المصرى مصرًّا على تنفيذ التخطيط الاستراتيجى الذى وضعته الدولة من أجل تحقيق التنمية المستدامة، بل ولا يقبل بأن يتم الحياد عن هذا المسار بأى شكل.
واستشهد «الغبارى» بالموقف المصرى الداعم للقضية الفلسطينية حكومة وشعبًا، إلا أن الجانب الإسرائيلى وإغلاقه المعابر ورفضه دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، حال دون دخول آلاف من الأطنان من المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية والطبية إلى الفلسطينيين.
كما استضافت مصر عند معبر رفح من جانبها أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، إلا أنه لم يستطع الدخول إلى القطاع لرفض الجانب الإسرائيلى، وكذلك كان الحال مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، الأمر الذى يؤكد على دور الدولة المصرية فى حشد الرأى العام الدولى والعالمى ضد إسرائيل ولصالح حل الدولتين. لذلك رفضت جموع المصريين دخول القافلة السلمية التى تسعى لفك الحصار عن غزة، ووقفوا خلف موقف الدولة منها الرافض لدخولها الحدود المصرية سوى بوجود تأشيرة دخول الأراضى المصرية معتمدة من سفارات وقنصليات مصر فى الخارج.
وأشاد «الغبارى» بيقظة عناصر الأمن فى مصر، الذين رصدوا محاولة دخول عدد كبير من مساندى تلك القافلة جوًّا عبر المطار، إلا أنهم فوجئوا بيقظة عناصر الأمن المصرية، التى قامت بإعادة ترحيلهم مرة أخرى إلى بلادهم، بالإضافة إلى أن قوة الدولة المصرية ساهمت فى اتخاذ القرار الصائب فى تلك الأزمة والعديد من القرارات الأخرى التى بنت لدى أبناء الشعب المصرى ثقةً فى قرارات القيادة السياسية ودعمًا مطلقًا لها.
وأكد «الغبارى» أنه فى ظل التصعيد المستمر فى المنطقة، أصبح لزامًا علينا التصدى للتحديات والتهديدات الراهنة، حيث تُعتبر التحديات هى كل إجراء يُوقف مصالح الدولة فى السلم، أما التهديد فهو التهديد باستخدام القوة فى إيقاف مصالح الدولة.
وأضاف أنه بالنظر إلى الاتجاهات الاستراتيجية للدولة المصرية نجد أن هناك تحديًا كبيرًا فى الاتجاه الشمالى الشرقى متمثلًا فى إسرائيل ومساعيها نحو تنفيذ مخططاتها التهجيرية لأهالى قطاع غزة إلى أرض سيناء، وتقابل الدولة المصرية هذا التهديد من خلال الردع باستخدام القوة.
أما الاتجاه الشمالى، وفقًا لـ«الغبارى»، فنجد أن هناك تهديدات تتعلق بثروات الدولة المصرية الاقتصادية، وبالاتجاه الغربى نجد أن هناك انتشارًا للعديد من العناصر الإرهابية فى الغرب الليبى، والتى تسعى للدخول إلى الأراضى المصرية بشتى الطرق، حتى وإن كانت التقديرات تُشير إلى احتمالية تسلل بعض تلك العناصر خلال القافلة. ولا تختلف الحال كثيرًا فى الاتجاه الجنوبى وما يشهده السودان من اضطرابات تنعكس آثارها اقتصاديًا واجتماعيًا وعسكريًا على الدولة المصرية، بالإضافة إلى التهديدات المتعلقة بالبحر الأحمر، خاصة من مضيق باب المندب والتأثير على حركة الملاحة البحرية خلاله، وانعكاسات ذلك على حركة الملاحة البحرية داخل قناة السويس، التى تُعد أحد أهم مصادر الدخل القومى للدولة المصرية.
واختتم «الغبارى» حديثه بالإشارة إلى تهديد أخير مستمر منذ أعقاب ثورة 25 يناير، ويحاول التأثير على الدولة المصرية والمصريين، من خلال حروب الجيل الرابع، وممارسة أشكال الحروب النفسية، وبث الشائعات فى الداخل المصرى لزعزعة الاستقرار وروابط الصلة بين الشعب وقيادته.
اللواء طيار دكتور هشام الحلبى، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، أكد أن مستوى الوعى لدى المواطنين المصريين شهد زيادةً بشكل ملحوظ عقب 2011؛ نظرًا للأحداث المتلاحقة التى مرت بها مصر والإقليم، لكن هذا الوعى يجب أن تتم مراعاة تعزيزه باستمرار والحفاظ عليه فى أعلى درجاته.
ووصف «الحلبى» تصرف الدولة المصرية تجاه الدعوات الأخيرة التى نادت بالسماح بمرور القافلة عبر حدودها وصولًا إلى معبر رفح بأنه يتسم بالشكل القانونى، حيث شددت الدولة المصرية على ضرورة الحصول على تأشيرة الدخول إلى أراضيها، وذلك احترامًا للسيادة المصرية، وهو إطار قانونى صحيح يُعمل به فى كل دول العالم وليست مصر فقط، مضيفًا أن إصرار الدولة المصرية على حصول الراغبين فى دعم القضية الفلسطينية من أمام معبر رفح على التصاريح الأمنية اللازمة ينبع من خصوصية هذه المنطقة، فضلًا عن أن مصر فى توقيت سابق سمحت لعدد من المصريين والأجانب بالذهاب إلى معبر رفح، منهم على سبيل المثال وليس الحصر، الملحقون العسكريون المعتمدون لدى مصر، وأيضًا المراسلون الأجانب والمسؤولون، وعدد كبير من منظمات المجتمع المدنى الأجنبية، ولكن عن طريق الالتزام بالإجراءات القانونية الصحيحة المتعارف عليها بالنسبة للأجانب، بالحصول على تأشيرة والتصاريح الأمنية للوصول إلى هذه المنطقة.
وسلّط «الحلبى» الضوء على التصعيد الراهن بالمنطقة، موضحًا أن إسرائيل انتقت أهدافها بعناية شديدة بناءً على معلومات استخباراتية تم جمعها منذ فترة طويلة، والأهداف المضروبة شملت مجموعات متنوعة، منها القيادات العسكرية الإيرانية من الحرس الثورى وقيادات أخرى، بالإضافة إلى علماء الذرة، وهو ما وصفه بالاستهداف بدقة عالية جدًا، والذى حقق نتائجه واعترفت به إيران.
وأشار إلى أن المجموعة الثانية من الأهداف تمثلت فى الدفاع الجوى الإيرانى، والذى كان مهمًا فى بداية الضربة لتمكين بقية الطائرات من تدمير الأهداف الأخرى، كما شملت الأهداف منظومات الصواريخ أرض-أرض، وبعض المنشآت النووية، والأهداف المدنية مثل المطارات.
وأكد «الحلبى» أن الدولة المصرية تضع القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها منذ أربعينيات القرن الماضى فى كل أبعادها، كما كانت السياسة المصرية واضحةً فى هذا الشأن بترجمتها إلى أفعال، ومنها المحاولات المصرية لإيقاف الحرب واستضافة المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، فضلًا عن المحاولات المستميتة لإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، واستضافة عدد كبير من الفلسطينيين لتلقى العلاج داخل المستشفيات المصرية، بجانب تقديم مقترح وتصور لخطة إعادة إعمار قطاع غزة وعرضها على «الجامعة العربية» فى قمة القاهرة الطارئة فى مارس الماضى، والوقوف والتصدى المستمر لكافة مخططات التهجير بشكل قوي. كما أن الدولة المصرية تتحمل العديد من الضغوط الصعبة نتيجة وقوفها إلى جوار القضية الفلسطينية.
وشدد «الحلبى» على أن كافة المواقف نابعة من المستويين الرسمى والشعبى، وهناك تضامن كبير على المستويين الشعبى والرسمى فى نفس الإطار والقوة، منوهًا بأن القوات المسلحة المصرية على درجة عالية جدًا من الاستعداد لمواجهة أى عدائيات حالية أو محتملة، وهى الدرع والسيف لشعب مصر. كما أن الدولة المصرية بوجه عام ترصد كل ما يدور فى العالم والمنطقة، وتتصرف بصورة تضمن المصالح المصرية فى ظل وجود حالة التفاف واصطفاف شعبى واضحة خلف القيادة المصرية، ولكن بعض الأوضاع والأحداث التى تدور حولنا ملتبسة، والإعلام والصحافة لهما دور كبير فى تعزيز الوعى لدى المواطنين فى هذا التوقيت الدقيق.

