رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

فى ظل تصاعد الحرب التجارية العالمية المحــاور الغائبـــة فــى السياســـات البتروليـــة الحاليـــة


18-4-2025 | 16:56

.

طباعة
بقلـم: غالى محمد

لا خلاف على أهمية المحاور الستة التى يكررها وزير البترول دائمًا منذ أن تولى مهام وزارة البترول كدستور حاكم لأهداف التحرك والعمل فى قطاع البترول.

هذه المحاور الستة التى تحكم رؤية المهندس كريم بدوى، وزير البترول والثروة المعدنية، قد تمت صياغتها منذ عدة أشهر، ولكنها بكل أسف ثابتة لا تتحرك ولا تتصف بالمرونة مع الأحداث العالمية.

وها هى الحرب التجارية قد فجّرها الرئيس ترامب لتطول الجميع دون استثناء، سواء إيجابا أم سلبا، خاصة فى مجال الطاقة، والتى تأتى فى مقدمتها أسعار الزيت الخام والمنتجات البترولية والغاز الطبيعى المسال، الأمر الذى يحتم أن تكون هناك رؤى ومرونة من جانب وزير البترول للتفاعل مع آليات هذه الحرب التجارية التى انعكست على قطاع الطاقة على المستوى العالمي.

ومع ذلك لا يزال المهندس كريم بدوى لا يتفاعل مع هذه التغيرات، ويردد فقط المحاور الستة التى تم وضعها منذ عدة أشهر، وذلك دون مرونة أو إضافة محاور جديدة تتفاعل مع المتغيرات فى سوق وصناعة البترول التى أدت إليها هذهالحرب التجارية التى تحتم أن يكون هناك محاور جديدة، إضافة إلى المحاور الستة التى يكررها الوزير دائمًا دون تفاعل مع المتغيرات العالمية.

وقد حدث ذلك من خلال اجتماع الوزير مع كافة قيادات قطاع البترول مؤخرا والذى لم يخرج إطاره عن المحاور الستة، كما وضح فى البيان الصحفى الإلكتروني.

وإذا تركنا تصريحات الوزير إلى تصريحات الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء حول آثار هذه الحرب التجارية على سوق وصناعة البترول، فسوف نجد أنها أكثر تفاعلا من هذه المتغيرات التى أوجدتها تلك الحرب التجارية، وأنها تعبر عن قلق مسئول مثل رئيس الوزراء، يتفاعل دائمًا مع أية متغيرات.

وإن كان هناك مَن يختلف مع رئيس الوزراء حول الدوافع التى أدت إلى زيادة أسعار الوقود البترولى بكافة أنواعه فى هذا التوقيت، فإننى أختلف مع هؤلاء لأن تداعيات هذه الحرب التجارية، وإن انخفضت أسعار الزيت الخام والغاز الطبيعى المسال فى الوقت الحاضر، نتيجة الركود العالمى المنتظر، فهذا أمر تجارى وقتي، سرعان ما يؤثر سلبا على تدفق الاستثمارات فى الصناعة البترولية على المستوى العالمى لتنكمش هذه الاستثمارات، ويعود الإنتاج على المستوى العالمى إلى التراجع جبرًا حتى لا تزيد خسائر الشركات العالمية العاملة فى هذه الصناعة، ولينخفضالمعروض فى السوق العالمى، وتعود أسعار خامات الزيت الخام والمنتجات البترولية والغاز الطبيعى المسال إلى الارتفاع عالميا.

وهذا سوف ينعكس سلبا مرة أخرى على مصر، وتزيد الأسعار، ويزيد الدعم مرة أخرى بعنف، ولهذا فإن استجابة الحكومة فى هذا التوقيت لقرار لجنة تسعير المنتجات البترولية، برفع الأسعار فى هذا التوقيت رغم التراجع العالمى فى الأسعار البترولية، إنما هو قرار صحيح مائة فى مائة بغض النظر عما يحققه من موارد، وذلك حتى نتجنب آثار تضخم دعم المنتجات البترولية مرة أخرى مع عودة الأسعار البترولية للارتفاع عالميا.

وإذا ما تأخر قرار الحكومة فى الرفع الأخير لأسعار الوقود لأسباب مؤقتة، قد لا تستمر أسبابها، إذا ما حدث فى أى وقت احتواء للحرب التجارية الشرسة بين أمريكا والصين، أو إذا ما عادت الأسعار العالمية للبترول للارتفاع بسبب انكماش الاستثمارات ونقص المعروض فإن الآثار السلبية على الاقتصاد المصرى سوف تكون خطيرة. 

والسؤال فى ظل هذه الحرب التجارية وقيام الحكومة برفع أسعار الوقود البترولى فى هذا التوقيت: هل هذا يكفى أم أن هناك محاور غائبة ينبغى أن يلجأ إليها المسئولون عن قطاع البترول فى ظل جمود المحاور الستة؟

لا خلاف على أن هناك محاور ينبغى أن نسارع بها فى هذه الحرب التجارية ولتحقيق الآثار الإيجابية من الرفعالأخير لأسعار الوقود البترولى، حتى لا تكون هناك أعباء كبيرة غير مباشرة على المواطن المصري.

أول هذه المحاور الغائبة، التى ينبغى أن يتحرك إليها رئيس الوزراء، وكافة المسئولين فى قطاع البترول لا الوزير فقط، أن تتوفر كل الاستثمارات المطلوبة من العملات الصعبة، لكى يعود المشروع القومى لتوصيل الغاز إلى قوته والتى حددها الرئيس عبدالفتاح السيسى من قبل بضرورة توصيل الغاز الطبيعى إلى أكثر من مليون وحدة سكنية سنويا، بل وأن يتم توصيل الغاز الطبيعى إلى أكثر من مليونى وحدة سكنية سنويًا.

ولا أقول هذا الكلام دون هدف، وليس من أجل نشر الوقود الحضارى النظيف وتحقيق الأمان للمصريين من خطرالتوسع فى استخدام أسطوانات البوتاجاز، ولكن أقول هذا، بهدف تحقيق الهدف الاستراتيجي، بضرورة إحلال الغاز الطبيعى محل استخدام أسطوانات البوتاجاز وبشكل يزيد من دعم غاز البوتاجاز الذى يتزايد بمعدلات كبيرة جدًا، جعلت تكلفة سعر الأسطوانة يتجاوز 350 جنيهًا، فى حين أن سعرها بعد الزيادة الأخيرة قد قفز إلى 200 جنيه للأسطوانة.

وتحقيقا لأرقارم وزارة البترول بأننا نستورد نحو 50 فى المائة من غاز البوتاجاز فإن الحل لخفض هذا الرقم، الذى يتزايد سنويا، نتيجة التوسع العمرانى وتراجع مشروع توصيل الغاز الطبيعى للمنازل، فإن هذا أصبح يمثل عبئًا كبيرًا على توفير الاعتمادات من العملات الصعبة لاستيراد غاز البوتاجاز.

وهنا نسأل: أين الإدارة الاقتصادية فى القطاع الذى يجعلنا نوفر كامل الاعتمادات من العملات الصعبة لاستيراد غاز البوتاجاز الذى يتزايد استهلاكه وبشكل أعاد مافيا أسطوانات البوتاجاز، التى ترفع الأسعار فى السوق السوداء، ولا نوفر الاعتمادات من العملات الصعبة لاستيراد الخامات والمستلزمات لمشروع توصيل الغاز الطبيعى للمنازل وهى بالأساس المستوردة، وذلك لعدم اتخاذ قرارات بالاتجاه إلى تصنيعها محليا من المواسير الصلب وعدادات الغاز وغيرها؟

والنتيجة أن أصاب الشلل شركات توصيل الغاز الطبيعى للمنازل، وانخفضت معدلات التوصيل إلى أقل من 600 ألفوحدة سنويا، يذهب معظمها لقرى «حياة كريمة».

وزادات معدلات الطاقة العاطلة وبدأ تسريح العمالة اليومية، وبدأت الشركات تشكو من انخفاض الموارد لتوفير الأجور والمرتبات.

وبغض النظر عن تجاهل المسئولين فى هذه الشركات لتلك الآثار السلبية، فالسؤال: أين رئيس الوزراء من ذلك؟ ولماذا لا يوفر كامل الاعتمادات من العملات الصعبة لاستيراد المستلزمات والخامات للمشروع القومى لتوصيل الغاز الطبيعى للمنازل، ويتم توفيرها للتوسع فى استيراد غاز البوتاجاز حتى لا تعود مرة أخرى لعصر سيطرة أسطوانة البوتاجاز وما يتبعها من عودة مافيا رفع أسطوانة البوتاجاز إلى أكثر من 280 جنيهًا فى السوق السوداء؟

وأعتقد أن حصار الدعم فى أسطوانة البوتاجاز، ليس برفع الأسعار فقط وما يسببه ذلك من موجات كبيرة لرفع أسعار الكثير من السلع خاصة فى غذاء المصريين، وإنما ينبغى أن يكون ذلك بالأساس فى التوسع فى المشروع القومى لتوصيل الغاز الطبيعى للمنازل ولا سيما مع التوسع العمرانى الضخم، إضافة إلى التوسع فى استخدام الطاقة الشمسية فى هذه التوسعات العمرانية.

وهذا فى حد ذاته يساهم فى رفع المعاناة عن المصريين نتيجة التوسع فى الاعتماد على أسطوانات البوتاجاز وما يتبعها من مخاطر لصالح الغاز الطبيعى، هذا الوقود الذى يصل إلى المنازل من خلال العودة إلى زيادة معدلات التوصيل للمنازل.

ثانى هذه المحاور الغائبة والتى تفرضها الحرب التجارية العالمية ألا وهو ضرورة تطوير الآليات لاستيراد الزيت الخام والمنتجات البترولية والغاز الطبيعى المسال.

فقد كشف الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، أن مصر تعتمد فى استيراد الوقود البترولى على نظام العقود الطويلة، والتى تتحدد أسعارها لمعادلة سعرية طيلة فترة التعاقد، ويتم سداد جزء مقدما من قيمة هذه العقود، ويتم سداد البقية -غالبا- فى نهاية فترة التعاقد، الأمر الذى يجعل مصر لا تستفيد من انخفاض الأسعار، كالذى حدث حاليا والذى يتم بنظام الشراء الفورى ودفع الأسعار فى الحال.

وهذا لا تلجأ إليه كثير من الدول، لأنه لا يحقق الاستقرار فى الأسعار بدرجة كبيرة مثل الذى يحقق نظام الشراء بالعقود فى حالة الارتفاع الكبير فى الأسعار.

ولا نختلف كثيرًا مع رئيس الوزراء، لكن هذا لا يمنع أن تكون هناك آليات جديدة وأفكار خارج الصندوق للجميع بين نظام الشراء بالعقود الطويلة، ونظام الشراء الفورى للشحنات فى حالة انخفاض الأسعار، كما حدث مؤخرًا كنتيجة لتلك الحرب التجارية.

وهذا يتطلب أن يكون لدى قطاع البترول وفرة وكاش فى العملات الصعبة لنظام الشراء الفوري، ولكن بكل أسف هذا لا يتحقق، ويظهر ذلك فى التباطؤ الآن فى سداد مستحقات الشركاء الأجانب.

ومن هنا، فإننا نقترح على رئيس الوزراء أن يدرس فتح الباب لتأسيس شركات بين البنوك وقطاع البترول، ورجال أعمال لتقوم بشراء الوقود البترولى بالنظام الفورى فى وقت انخفاض الأسعار، كما هو الآن، وكما حدث فى سنوات سابقة.

وإن كانت هناك عقبات تتمثل فى احتكار هيئة البترول لعمليات استيراد الوقود البترولي، فلا مانع أن تصدر موافقات بالاستيراد لصالحها من قِبل هذه الشركات بعد الاتفاق على النظام الذى يحقق أرباحا بهذه الشركات دون مغالاة.

وفى هذه الحالة، يمكن أن يتم ملء كافة المستودعات بالوقود الرخيص وقت انخفاض الأسعار العالمية دون الإخلالبنظام العقود، ليكون هناك متوسط سعرى يؤدى إلى خفض أعباء الدعم فى الجانب الآخر، والذى يصل إلى 11 مليار جنيه شهريا.

كما أن هذا من الممكن أن يساعد فعليا على أن تكون مصر مركزا إقليميا للطاقة، خاصة مع تنامى مشروعاتالطاقات الجديدة.

ودون ذلك، فإن أرقام وزارة البترول باستيراد نحو 50 فى المائة من غاز البوتاجاز، و40 فى المائة من السولار، و25 فى المائة من البنزين، بخلاف استيراد الخامات لتشغيل معامل التكرير -تجعلنا نقول إن هذا لا يساعد فعليا على أن تكون مصر مركزًا إقليميًا لتجارة وتداول الطاقة، إضافة إلى تناقص إنتاج الغاز الطبيعى إلى نحو 4 مليارات قدم مكعب فى اليوم.

تلك هى بعض المحاور الغائبة العاجلة، لكن هناك محاور غائبة أخرى لا بد أن نستعد لها فى ظل تصاعد الحرب التجارية العالمية، ولا يقف الأمر عند المحاور الستة التى لا بد أن تتفاعل مع كافة المتغيرات العالمية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة