رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

نحن وإدارة ترامب


4-4-2025 | 16:49

.

طباعة
بقلم: حلمى النمنم

يبدو أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لا يتورع عن أى شيء لتنفيذ ما يراه صحيحًا أو يقتنع به، فى أوكرانيا يريد إنهاء الصراع، فلم يتردد فى قطع إمدادات السلاح عن أوكرانيا وتوقف التعاون المخابراتى معها، وإغضاب الحلفاء فى أوروبا، بل وصل الأمر حد إهانة الرئيس الأوكرانى زيلنيسكى وطرده من البيت الأبيض.

 
وفى منطقتنا هو مقتنع بتحويل غزة إلى ريفيرا الشرق الأوسط، بما يعنى طرد كل سكانها ومقتنع أن مساحة إسرائيل صغيرة ويجب أن تتسع، لذا لا يتردد عن اتخاذ أى إجراء فى سبيل ذلك، حتى لو بدا أنه يتراجع تكتيكًا، بنفس السيكولوجية – فى موقفه من حرب أوكرانيا - يتحرك فى منطقتنا حتى لو بدا لنا أن هناك تباينًا فى الموقفين، سمح لإسرائيل بشن ضربات فى غزة، دون الحديث عن تأمين المدنيين أو توفير سبل الإعاشة لهم من مأكل وعلاج، حتى لو كان مجرد تصريحات كما كان يفعل بايدن، ويوجه ضربات نحو اليمن ويخير إيران بين الموافقة على ما يراه أو الغارات العسكرية.

إلى جوار ذلك يريد فرض التطبيع قسرًا على الدول العربية، كما هو الحاصل مع لبنان وسوريا، غارات متواصلة من إسرائيل على البلدين، والحل لوقف هذه الغارات هو أن تجلس كل حكومة مع إسرائيل للتفاوض المباشر.. من قبل كانت القاعدة أن الأرض مقابل السلام، وهذا ما فعلته مصر زمن الرئيس السادات سنة 1979 والأردن فى اتفاق وادى عربة سنة 1994 فى عهد الملك الراحل حسين، حيث استردت مصر سيناء كاملة وقامت العلاقات الدبلوماسية ثم أراد بنيامين نتنياهو فى رئاسة ترامب الأولى تغيير المعادلة لتصبح السلام مقابل السلام، وتمت الاتفاقات الإبراهيمية مع كل من الإمارات والبحرين ومع السودان ولم تكن هناك مشكلة كبيرة ذلك أن هذه الدول الشقيقة ليست مجاورة لإسرائيل، ومن ثم لا أراضى محتلة لديها ولا خاضت حروبًا مباشرة مع إسرائيل، الآن يريد الرئيس ترامب ونتنياهو إرساء معادلة الحرب والغارات المكثفة المتواصلة على المناطق السكنية أو التطبيع المباشر.

هنا يصبح السؤال وماذا عن مصر فى هذه السياسة التى يريد أن ينتهجها الرئيس الأمريكى وشرع فى تنفيذها..؟!

جهورية مصر العربية هى الدولة الأولى التى بادرت بتحقيق السلام منذ أيام الرئيس محمد أنور السادات، بل يمكن أن نعود بمشروع السلام إلى ما قبل ذلك حين قبلت مصر فى صيف سنة 1970 مبادرة روجرز وزير الخارجى الأمريكى والتى بمقتضاها توقفت حرب الاستنزاف، ومصر كذلك تعد دولة صديقة للولايات المتحدة تعاونت الدولتان فى كثير من المواقف والأزمات الدولية الكبرى، حدث ذلك سنة 1990 فى حرب تحرير الكويت حين غزاها وضمها إليه صدام حسين، وحدث كذلك أيام الحرب على الإرهاب بعد 11 سبتمبر 2001، ومنذ أحداث السابع من أكتوبر سنة 2023 هناك تعاون ثلاثى مصرى - قطرى – أمريكى للوساطة فى إنهاء الحرب فى غزة واستعادة الرهائن.

ولما جاء الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض فى 20 يناير الماضى، تفتق ذهنه عن مشروع «ريفيرا الشرق الأوسط»، واختار له غزة حيث ساحلها الممتد على البحر المتوسط يقوم المشروع على تهجير كل سكان غزة إلى مصر والأردن، وتحويل غزة إلى منتجع سياحى عالمى، يعنى الإدارة ستكون عالمية والشركات كذلك والسياح من كل مكان، أى لم تعد غزة وطنًا لأصحابها ولا مكانًا يقام عليه دولة أو يصير جزءًا من دولة فلسطينية، من اللحظة الأولى أعلنت مصر رفضها التام لهذا المشروع وكذلك الأردن ثم دول الخليج.

وحتى لا يكون الرفض رفضًا فى المطلق أو رفضًا للرفض، جهزت مصر بديلًا وهو مشروع إعادة إعمار غزة دون تهجير أى من سكانها، المشروع نال موافقة فلسطينية، تم عرضه على الجامعة العربية فى قمة القاهرة ونال موافقة الدول العربية مجتمعة، نال كذلك رضا الأمين العام للأمم المتحدة الذى شارك فى القمة ثم حظى بموافقة الاتحاد الأوروبى.

الإدارة الأمريكية لم تبدِ معارضة للمبادرة المصرية العربية، لكنها قررت الالتفاف عليها وأن تعود إلى مقترح ترامب الأول، عبر عدة خطوات.

الأولى.. كانت السماح لإسرائيل بشن غارات مكثفة مجددًا على غزة وإخلاء بعض المناطق من سكانها، تجدد القتال وإشعال المنطقة يعنى توقف الحديث عن إعادة الإعمار، أى أن خطة الإعمار تصبح بلا فاعلية لأن الانشغال – كما هو الآن - سوف يكون بالسعى نحو وقف الغارات وتأمين السكان المدنيين، الإدارة قدمت دعمًا كبيرًا للغارات وللحكومة الإسرائيلية سوف نلاحظ أن الغارات هذه المرة تركز على اغتيال القيادات السياسية لحماس، أى زيادة الجراح وزيادة اشتعال الموقف ودفع حماس لتجنب إمكانية الوصول إلى حل سريع.

الثانية: أكاذيب مبعوث ترامب ستيف ويتكوف فى حديثه مع المذيع الأمريكى الشهير كارلسون، سأله كارلسون عن مخاوف الأردن ومصر والسعودية من جراء ما يجرى فى غزة واليمن.. السؤال طبيعى ومفهوم فى سياق ما يجرى من أحداث، لكن ويتكوف ذهب بالسؤال إلى الأوضاع الداخلية فى مصر وذكر أن البطالة هنا 45فى المائة، قال أشياء أغرب، للوهلة الأولى يندهش المرء من مستوى ضحالة المعلومات عن مصر لدى مثل هذا المسئول، معلومات ضحلة وكاذبة، ويمكن للمرء أن يندهش من عدم قدرته على فهم مغزى السؤال والذهاب به بعيدًا، لكن بمعيار «الكذب السياسى».. يمكن إدراك أن الرجل قرر شن حرب نفسية على مصر كى تكف عن رفض مقترح ترامب وتقبل بهجرة سكان غزة.

فى البدء قالوا لنا لديكم حوالى 11 مليون عربى مهاجرون أو لاجئون، من سوريا والعراق وليبيا والسودان، ما المانع أن تضيفوا إليهم مليونًا أو مليونى فلسطيني، لكن الأمر فى الحالة الفلسطينية جد مختلف، ثم عرضوا على الدولة إسقاط الديون المصرية ودفع خمسين مليار دولار لإنعاش الاقتصاد المصري، وكان رد الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى سمعناه جميعًا، «لن نخون دماء الشهداء»، باختصار يقول لنا ويتكوف.. إذا لم تقبلوا بعرضنا فاقبلوا الأكاذيب والتشهير والتهديد، لكن لن نقبل. مصر أكدت وكررت رفض هذا المقترح.

لم تكن أكذوبة ويتكوف المقصودة هى الأكذوبة الوحيدة، إشاعة أن مصر قبلت بالفعل تهجير نصف مليون فلسطينى إلى سيناء واندفع بعض غوغاء وجماعة الإرهاب ليرددوا هذه الأكذوبة، لكن بيان هيئة الاستعلامات كان ناصعًا، واضحًا تمامًا، بالرفض المطلق اليوم وغدًا.

فى هذا الموقف ليست القضية هى «استيف ويتكوف» فهو جزء من فريق كامل وإدارة يعمل من خلالها ويحقق رغباتها، وتكون مؤشر على المدى الذى يمكن أن يذهبوا إليه فى الحرب النفسية على الدولة وعلى المجتمع المصرى كله.

الخطوة الثالثة.. إنشاء وكالة إسرائيلية هدفها دفع الفلسطينيين إلى الهجرة الطوعية أو القسرية من وطنهم، من يريد أن يهاجر سوف يتم تسهيل مهمته، توفير إقامة له فى أوروبا أو أى بلد آخر، سوف تتولى الوكالة تدبير المكان وإمداده بالمال اللازم، على غرار الوكالة اليهودية فى أوائل القرن العشرين التى جلبت اليهود إلى فلسطين، هذه المرة هجرة معكوسة.

الواضح أن الإدارة الأمريكية قررت أن تمضى فى مشروع التهجير والإخلاء لسكان غزة.. وهى الفكرة التى تسيطر على حكومة اليمين فى إسرائيل، ويبدو أن إسرائيل استوعبت بعض تجارب التاريخ وتجربتها هى الخاصة، فى التاريخ نجحت الخطة فى إسبانيا والأندلس سنة 1492 حين قررت الملكة إيزابيلا وزوجها إخلاء الأندلس من كل سكانها العرب، حتى يتخلصوا منهم، وأقاموا محاكم التفتيش، ونجحت تلك الخطة، خلال مائة عام أو أكثر قليلًا فى إخلاء الأندلس تمامًا ونهائيًا من كل العرب ولغتهم وثقافتهم.

غير تجربة الأندلس: لدينا فى التاريخ تجربة المهاجرين الجدد إلى العالم الجديد، الذى أصبح اسمه الولايات المتحدة، هؤلاء تعاملوا بمنطق الإبادة مع السكان الأصليين لتلك البلاد «الهنود الحمر».

والتجارب عديدة فى التاريخ الإنسانى.

فى حرب 1948 حاولت إسرائيل، ونجحت جزئيًا فى طرد السكان الفلسطينيين، أكثر من 80 ألف وقتها تم تهجيرهم قسريًا، لكن بقى بعض السكان العرب هناك، هم حاليًا يشكلون حوالى 22فى المائة من سكان إسرائيل، بينهم أعضاء بالكنيست فضلاً عن أن بينهم من قبلوا التجنيد الإجبارى فى جيش الدفاع، لكن مجرد وجودهم هناك يمثل إزعاجًا وقلقًا للإسرائيليين، أن يحدث تطور ديموغرافى يومًا ما ويصيروا أغلبية، وقد يصبح رئيس الحكومة أو وزير الدفاع عربيًا.

لهذا كله تريد إسرائيل التخلص من سكان غزة، ساعتها لن يتبقى سوى الضفة الغربية وهذه يسهل التعامل معها بطرق أخرى، وتكون إسرائيل اتسعت مساحتها كما يحلم دونالد ترامب وكما هو المشروع الإسرائيلى.

مجددًا نؤكد أن المشاريع الغربية والإسرائيلية يمكن أن يتم تأجيلها بعض الوقت، لكن تظل حية فى وعيهم بانتظار الفرصة المناسبة.. ولذا فإن مشروع التهجير، قد يتعطل وقد يتأجل، لكن سوف يظلون يعملون عليه، حين رفضت مصر بإصرار تهجير الفلسطينيين، راحوا يبحثون عن بدائل أخرى فى جمهورية الصومال وفى بعض مناطق السودان، وفكروا من قبل فى أمريكا اللاتينية، وسوف يظلون يفكرون ويفكرون لكن الأسهل لهم، هو أن يهاجروا إلى الدول المجاورة، مصر.. الأردن.. سوريا وهكذا.

هذا يعنى أننا فى مصر سوف نظل موضع ضغط من الإدارة الأمريكية، ومحاولات ابتزاز سياسة، هنا سوف تكثر الأكاذيب على غرار أكذوبة ويتكوف، لكن علينا أن نتوقع المزيد من الأكاذيب، هل تذكر أكذوبة الـ70 مليار دولار فى أول فبراير 2011؟

مع الأكاذيب لا مانع من تحريك بعض الجهات الدولية وبعض الأذناب هنا وهناك فى قضايا تتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية والوضع الاقتصادى مرة، وغير ذلك.. أمور مفتعلة وأخبار مختلقة، لا يجب أن نستبعد ذلك، بل نتوقعه.

من وسائل الضغط الغارات على اليمن، هم يعرفون جيدًا، أن هذه الغارات سوف تقود إلى وقف عبور السفن فى القناة، بما يعنى المزيد من الخسائر المادية لمصر، (800 مليون دولار شهريًا) يتحملها الاقتصاد المصرى دون أى تعويض من أى جهة.. وهكذا سوف تكون الضغوط.

هذا يعنى أننا بحاجة فى الفترة القادمة إلى التدقيق فى كل ما يُقال عنا وحولنا، من معلومات وأخبار، لا يخيفنا ضخامة أو أهمية منصب المتحدث أو موقعه، هناك أكاذيب يتم دسها ومعلومات يتم اختلاقها، هنا علينا الانتباه والحذر، أثق أن الهيئة العامة للاستعلامات، وكذلك الصحف والمواقع والقنوات المصرية سوف تقوم بدورها فى ذلك جيدًا، الدور الوطنى المعهود فى وسائل الإعلام والصحف المصرية. ويفرض ذلك الحذر من مطلقى الشائعات والانتباه إليهم وتفنيد كل ما يرددون أولًا بأول.

يُضاف إلى ذلك ضرورة التماسك الوطنى والشعبى، سوف تحدث محاولات وقيعة بين المصريين، مرة بدوافع طائفية أو اجتماعية وخلاف ذلك.

الأهم من ذلك هو الاصطفاف الوطنى والالتحام بين القيادة والشارع، ليس هذا وقت البحث عن خلافات ولا إثارة مطالب فئوية وغير ذلك.. نحن أحوج ما نكون إلى الاصطفاف والتلاحم، وفق تعبير توفيق الحكيم المفضل فى «عودة الروح».. «الكل فى واحد».

الخطر يمكن أن نلمح بداياته، لكن مآلاته ونهاياته لا يعلمها إلا الله، لذا علينا التمسك والاصطفاف والالتحام الوطنى، لأن مشروع التهجير قد يبدأ فى غزة، لكن قد تعقبه مشاريع أخرى تدمر المنطقة ونحن فى القلب منها.