رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

فى رحاب المفكر الإسلامى الكبير «خالد محمد خالد» (٤)


27-10-2025 | 11:52

.

طباعة
بقلـم: سناء السعيد

ويستمر حديثى مع المفكر الإسلامى الكبير «خالد محمد خالد» حول موضوع الديمقراطية السياسية وأبادر بسؤاله حول معرض الخلاف المصرى العربى فى هذه القضية؛ حيث يتراءى للكثيرين غرابة الموقف العربى وغموضه لا سيما بعد ميثاق «قمة فاس» عام 82 والذى كان شبه مصادقة ضمنية على وثيقة كامب ديفيد والسياسة التى تبنتها مصر من مبادرة السادات عام 77 واعترفت فيه الدول العربية ضمنيا بوجود إسرائيل. 

 

وفى معرض التعقيب يقول «السادات»: «قلنا إن بعض الدول العربية تقودها عقدة الخوف، وتبدو من تصرفاتها تعوق حل القضية الفلسطينية»، وكأن مشكلة الفلسطينيين تميمة يظنون أنها ما دامت قائمة فهم فى خير وسلام. وعلى أية حال نحن ننتظر المساعى المبذولة لإشراك الفلسطينيين والأردنيين فى مفاوضات يقال إنها مقبلة. وعندئذ تكشف حقيقة النوايا،. خذى مثلا الفقرة التى وردت فى حوارك القيّم الذى دار يوما على صفحات المصور مع الدكتور «بطرس غالى» وزير الدولة للخارجية. فعندما وجهت له سؤالا حول صحة ما يقال من أن هناك اتصالا جرى بين بعض الدول العربية المعتدلة ومصر، ولماذا لم تذع مصر تفاصيل هذه الاتصالات؟ أجاب قائلا: «إن هذه الدول طلبت إلينا عدم الإعلان عن هذا الاتصال فاحترمنا مشيئتها»، وأردف قائلا: «إن مسئولية الدول العربية عن القضية العربية عامة والقضية الفلسطينية خاصة تهيب بهم أن ينسوا كل شىء، وأن يرفعوا لأنفسهم وشعوبهم هدفا واحدا لا يحيدون عنه ولا يختلفون فيه وهو استخلاص كل شبر من الأراضى المحتلة سعيا لإقامة الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة».

وأعود بالسؤال إلى المفكر الإسلامى الكبير «خالد محمد خالد» وأسأله: كل الدلالات توحى بأن العرب كثيرا ما يفشلون فى أن يصونوا قضاياهم. وأكبر مثال على ذلك مضىّ إسرائيل فى بناء المستوطنات فى الضفة الغربية؛ لتصبح الأراضى العربية آخذة فى الزوال تحت الخرسانة الإسرائيلية؟ فيقول:

(تصورى ما حدث فى لبنان، ثم المذبحة التى وقعت فى «صبرا وشاتيلا»، ثم إقدام إسرائيل على بناء المستوطنات دون حياء ودون خوف.. لقد كان يمكن ألا يحدث هذا لو أن الدول العربية سعت نحو التضافر فيما بينها فى تضامن حقيقى)؟.

وأسأله عن وجهات نظر يمكن أن تضيف الجديد إلى رصيد الإنسانية؛ كى تصبح الحقيقة هى المثال الذى نتوجه نحوه وبه نستعين؟. فيقول:

(أنا أردد دائما ما قاله «ماكسيم جورجى» (جئت للحياة لأعترض، فأنا فى كل الأحوال لا أصلح للمناصب الحكومية أو الحاكمية؛ حيث أجد نفسى دائما أحمل مصباح «ديوجين» الفيلسوف اليونانى، أبحث بواسطته فى رائعة النهار عن الحقيقة»).

منذ أن كتب «خالد محمد خالد» (من هنا نبدأ) عام 1950 وأحدث ما أحدث من الدوى أدرك أن دوره فى الحياة أن يعيش كاتبا صادقا شجاعا، وظل مثابرا حريصا على ألا يتنكر لنعمة الله هذه. لقد عرض المفكر الكبير من خلال آرائه الجريئة ونظرياته التى تثير الجدل فى أكثر الأوساط وجهة نظره عن الديمقراطية والحكم، وهو ما قد نختلف معه حوله؟ ولكن لا نملك إلا أن نحترم الرجل ونحترم وجهة نظره فى النهاية.

أخرج قبل الثورة وفى العهد الملكى كتابه «من هنا نبدأ»، وكتابه «مواطنون لا رعايا»، وفى الشهور الأولى لقيام الثورة قدم كتابه «الديمقراطية أبدا»، وكتابه «لكى لا تحرثوا فى البحر»، «فى البدء كانت الكلمة»، «أزمة الحرية فى عالمنا». هذا عدا مكتبة إسلامية زاخرة تصدرها «رجال حول الرسول». وهنا وفى هذا الحوار نتحدث عن أكثر القضايا حساسية وهى المجتمع والديمقراطية، وأبادر بسؤاله: القضية التى قد يقف المرء طويلا عندها هى الانفصام الحادث بين الإسلام والمجتمعات الإسلامية، فهل يمكن القول إن المجتمعات الإسلامية أساءت إلى الإسلام وأعطت انطباعا مشوها عنه؟ فيقول:

(التشوه الخلقى موجود بين جميع سكان الأرض لا بأسلوب يشمل الأغلبية، ولكن ممثلا فى أقليات تنحرف فيصيب الأغلبية منها السوء،. ولو أنصفنا لقصرنا حكمنا بالانحراف على الأقليات وحدها. هذا أولا، وهناك أمر آخر نلحظه عبر التاريخ فكلما كان المجتمع أقرب إلى التحضر الحقيقى كانت نسبة التشوه الخلقى فيه قليلة. ولقد شاءت ظروف المجتمع الإسلامى السياسية والاقتصادية والاجتماعية أن يتخلف عن الركب بعد أن كان فى الصدارة من هذا الركب، وبعد أن كان معلما حقيقيا لأوروبا، بيد أن هذا التخلف لم يخرجه عن الخط الأخلاقى بصورة كبيرة، ذلك لأن القيم الدينية والخلقية التى تسود هذا المجتمع كانت ولا تزال أقوى من كل دواعى التخلف الحضارى، ومن كل دواعى الانحراف الجماعى. على أننا لا ينبغى أن ننسى اختلاف مفهوم الأخلاق بين الشرق والغرب، وعلى سبيل المثال فإن دولة كبريطانيا وجدت الشجاعة المؤلمة فى أن يجتمع برلمانها ويقرر بأغلبية تشبه الإجماع إباحة المثلية الجنسية، ولا يرون فى هذا أى انحراف خلقي. وهذا أمر لا يمكن قط أن يحدث فى مجتمع إسلامى تحت كل الظروف).

وهنا أعلق قائلة: هل أثر هذا السلوك على الزواج؟ فيقول:

(بالطبع. ولاحظ المختلطون بالمجتمع الإنجليزى أن الزواج هناك يسير فى طريق الانقراض. وأن الفتى والفتاة يعشقان بعضهما ويلتقيان جنسيا ويعيشان كزوجين دون الحاجة إلى الرباط المقدس الذى يجعل منهما زوجين أمام الله وأمام الناس، والذى يضمن الحقوق المدنية لكل منهما وللأبناء بصفة خاصة. كذلك نسمع فى دولة كالولايات المتحدة الأمريكية عن نوادى تبادل الزوجات التى تعمل تحت سمع القانون وبصره. كذلك نسمع عن «آل كابوني»، و»المافيا،» و«الألوية الحمراء» فى إيطاليا، و«بادر ماينهوف» فى ألمانيا. وهذا كله يتخذ صورة السلوك الجماعى). وللحديث بقية.. 

أخبار الساعة