في خطوة وُصفت بالإيجابية وقد تمهد لإنهاء حرب الإبادة المستمرة في قطاع غزة منذ عامين، أعلنت حركة حماس موافقتها على الإفراج عن جميع أسرى الاحتلال الإسرائيلي لديها، أحياءً وجثامين، وفق صيغة التبادل الواردة في المقترح الأمريكي، مع الاستعداد للدخول فورًا عبر الوسطاء في مفاوضات لمناقشة التفاصيل.
وأكدت الحركة أن القضايا المتعلقة بمستقبل القطاع وحقوق الشعب الفلسطيني ستُبحث في إطار وطني جامع، وبالاستناد إلى القرارات الدولية ذات الصلة.
ورحبت القوى الفلسطينية والأطراف الدولية برد حماس، معتبرة أنه بادرة إيجابية تمهد لحقن دماء الشعب الفلسطيني، وتعكس رغبة صادقة في إنهاء الإبادة الإسرائيلية المرتكبة ضد المدنيين العزل.
وبدورها، أعربت مصر – كأحد الوسطاء – عن أملها في أن يؤدي هذا التطور الإيجابي إلى أن ترتقي كافة الأطراف إلى مستوى المسؤولية، من خلال الالتزام بتنفيذ الخطة الأمريكية على الأرض، وإنهاء الحرب، وضمان نفاذ المساعدات الإنسانية عبر الآليات الأممية دون قيود، إضافة إلى إطلاق سراح المحتجزين، بما يؤسس لمرحلة جديدة نحو السلام.
وأوضحت مصر، أن هذه المرحلة تبدأ من التفاوض على التفاصيل والآليات اللازمة لوضع الرؤية الأمريكية موضع التنفيذ على الأرض، في إطار أفق سياسي يقود إلى حل الدولتين الذي توافق المجتمع الدولي على مرجعيته، بما يحقق السلام والازدهار في المنطقة.
واتفق خبراء على أن موقف حركة حماس شكّل انحيازًا للموقف العربي، الذي اعتبر وقف حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة أولوية قصوى، وهو ما تحقق في ضوء الخطة الأمريكية، رغم وجود بعض البنود غير المقبولة عربيًا وفلسطينيًا.
تعامل ذكي
وفي غضون ذلك، يرى منير أديب، الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية وقضايا الأمن القومي، أن حركة حماس تعاملت بفطنة وذكاء شديد فيما يتعلق بقبول الخطة الأمريكية، مؤكدًا أن لديها بطبيعة الحال بعض الملاحظات، وأن ثمة بنودًا في الخطة ترفضها بشكل تام.
وأوضح أديب، في حديثه إلى "دار الهلال"، أن قبول الخطة كان خطوة ذكية، لفتح باب التفاوض حول البنود محل الخلاف، أو على الأقل إعلان رفضها لهذه البنود، لا سيما ما يتعلق بمسألة تسليم السلاح أو فرض إدارة دولية على قطاع غزة.
وفي ما يخص مسألة السلاح، قال إن تسليمه يعني إنهاء المقاومة، وإنهاؤها يعني ضياع القضية الفلسطينية، سواء على صعيد الأراضي المحتلة أو الأراضي التي يسعى الاحتلال إلى ضمها.
أما بشأن الإدارة الدولية، فيوضح أنها ستكون بمثابة احتلال جديد لقطاع غزة، محذرًا من أنها قد تمثل امتدادًا للاحتلال الإسرائيلي ولكن في صورة أخرى.
وفي المحصلة، يضيف الخبير السياسي والاستراتيجي أن قبول حركة حماس للخطة جاء مقابل تسليم الأسرى الإسرائيليين ووقف إطلاق النار وانسحاب قوات الاحتلال، مع تمسك الحركة بأن يكون القطاع تحت إدارة فلسطينية من "التكنوقراط"، في حين ترفض نزع سلاحها.
وأكد أن هذا الموقف لا يعكس فحسب ذكاء حماس، بل يمثل أيضًا انحيازًا للموقف العربي، وبخاصة مصر وقطر، اللتين تسعيان إلى احتواء الأزمة وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني.
وأشار إلى أن الموقف العربي كان يقدّر أن قبول الخطة الأمريكية ضرورة، حتى لو كان عليها تحفظات، وهو ما أخذت به حماس باعتباره بداية للمسار الصحيح.
وشدد على أن استمرار الحرب لم يكن يعني سوى المزيد من الخسائر في صفوف الشعب الفلسطيني، وأنه لا يمكن تحقيق أي تقدم في ظل بقائها، لافتًا أن الرؤية المصرية كانت تدعم التوجه نحو قبول المقترح الأمريكي باعتباره مخرجًا من الأزمة الراهنة.
غير أنه أكد أن الخطة الأمريكية في صورتها الأولية لم تكن خطة للسلام بل للحرب، لكن العرب والفلسطينيين اضطروا لقبولها، مع السعي إلى إدخال تعديلات عليها بما يجعلها أكثر اتساقًا مع مصالح الشعب الفلسطيني.
وبشأن الموقف المصري المرحب برد حماس، أكد أديب أن القاهرة مع وقف الحرب وتدعم التفاوض على المقترح، مشيرًا إلى أن مصر ضغطت على الولايات المتحدة وإسرائيل من أجل أن تتضمن الخطة وقفًا للحرب ومنعًا للتهجير، وهو ما انعكس في بنودها.
واعتبر أن بعض التحفظات التي أبدتها حماس، والتي من المتوقع أن يفتح الوسطاء نقاشًا بشأنها، قد تدفع الولايات المتحدة وإسرائيل إلى إجراء تعديلات، بما يضمن إنهاء الحرب المستمرة منذ عامين، على أن يعقبها فصل جديد من الصراع والمواجهة مع إسرائيل.
لا مفر من هذا الخيار
ومن جانبه، أكد الدكتور أحمد عبد المجيد، خبير العلاقات الدولية، أن رد حركة حماس بقبول المقترح الأمريكي جاء انطلاقًا من أنها لم تعد تملك ما تخسره، وفي الوقت نفسه لم يعد أمامها بدائل أخرى.
وأوضح عبد المجيد، في حديثه لـ"دار الهلال"، أن هذا الموقف تزامن مع ضغوط عربية دفعت نحو قبول المبادرة، انطلاقًا من أن الأولوية القصوى تتمثل في إنهاء حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة منذ عامين، إلى جانب التصعيد الميداني الإسرائيلي، خصوصًا في مدينة غزة، والذي يشكّل تهديدًا مباشرًا لحياة الفلسطينيين، بعضهم قد لا يهتم في الأساس بمصير حركة حماس أو استمرار وجودها.
وأشار خبير العلاقات الدولية إلى أن هناك شبه إجماع على أن هذه الحرب لا منتصر فيها، فاستمرارها لن يحقق نصرًا للإسرائيليين ولا للفصائل الفلسطينية، موضحًا أن المكاسب الإسرائيلية تقتصر على تدمير قطاع غزة، في مقابل خسائر كبيرة على الصعيد الدولي، تجلّت في تزايد عدد الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية، بما في ذلك بعض دول أوروبا الغربية.
وأضاف أن الجهود الدولية والعربية، إلى جانب الدورين المصري والقطري، أسهمت في بلورة الخطة الأمريكية، التي تضمنت وقف الحرب، وهو ما يمثل انتصارًا كبيرًا للشعب الفلسطيني.
وشدد على أن الاهتمام الأول والأخير لدى الأطراف الدولية كان يتمثل في إنهاء الحرب ومعاناة الفلسطينيين، وهو ما يفسر رد حماس الإيجابي الداعم لهذا التوجه.
وفيما يتعلق بالترحيب المصري بموقف الحركة، أوضح عبد المجيد أن القاهرة، عبر وزارة خارجيتها، اعتادت صياغة بياناتها بلغة دبلوماسية احترافية، حيث حمّل البيان الولايات المتحدة مسؤولية استمرار الحرب الإسرائيلية في غزة، من خلال إلزامها بدور الضامن لوقفها.
وشدد عبد المجيد على أن واشنطن تُعد الضامن الرئيسي للخطة، باعتبار أنه لا أحد يثق في التزام إسرائيل، حتى الولايات المتحدة نفسها، غير أن البيان المصري حرص على تحميلها هذه المسؤولية، في محاولة على الأقل تصحح صورتها بعد أن سمحت لإسرائيل بارتكاب حرب الإبادة.