أولا: مفهوم الخيال العلمى
«أدب الخيال العلمى هو ذلك النوع من الأدب الذى يتخذ من الحقائق العلمية الثابتة إطارا له ومنطلقا منها نحو أحداث المستقبل بما فيه من مكتشفات علمية ومخترعات وتطورات تقنية.. من خلال أحداث درامية تعتمد على ما تعتمد عليه الألوان الأدبية الأخرى من حبكة جيدة وتصاعد درامى وصراع وأسلوب أدبى رصين مع توافر التبرير العلمى والمنطقي.. بعيدا عن الخرافة والفانتازيا واللامعقول»..
وهو بهذا يختلف تمام الاختلاف عن تبسيط العلوم الذى يقوم بشرح المعلومات والنظريات العلمية بطريقة مبسطة يستطيع أن يستوعبها النشء.. فأدب الخيال العلمى غير معنىّ بتبسيط العلوم ولا تقديم المعلومة؛ لأنه بذلك سوف يقتل فنية العمل الأدبي..
ثانيا: ماذا يحدث لو؟
والسؤال الذى يجب أن يتبادر إلى ذهن كاتب الخيال العلمى هو «ماذا يحدث لو»؛ ولكى يجيب كاتب الخيال العلمى عن هذا السؤال عليه أن يكتب مئات القصص التى تتناول المستقبل والظواهر الكونية الغريبة والخوارق ومدن المستقبل واليوتوبيات وتحكم الآلات وارتياد الفضاء والعوالم الخفية، فرواية الخيال العلمى ليست فقط مرآة لزمانها، وإنما هى بمثابة كشاف الضوء الذى يسلط أشعته على المستقبل محاولا التنبؤ به وكشف أسراره.
ومن خلال دراسة كاتب الخيال العلمى لإنجازات العلم فى الماضى يمكنه استشراف المستقبل مستندا على حقائق علمية محاولا أن يقيم لها دراسة ذهنية، لما يمكن أن تكون عليه هذه الحقيقة العلمية فى الزمن القادم.
أدب الخيال العلمى فى مصر:
أما بالنسبة لأدب الخيال العلمى فى المنطقة العربية ومصر تحديدا، فيرجع اهتمامنا بالخيال العلمى ليس لكونه مادة للتسلية والإثارة والغموض بقدر اهتمامه بمصير الإنسان والمجتمع والكون بأسره.. فى ظل المتغيرات التى تميز الحضارة الإنسانية المعاصرة والقفزات الهائلة فى مجال العلم والتكنولوجيا والتقنيات الحديثة.. وكثير من الكتاب العرب منْ لديهم هذا الهم الكبير بقضايا المجتمع ومشاكله وحاجات الإنسان اليومية والحياتية من مأكل وملبس.. وعلى رأسهم بالطبع «توفيق الحكيم»..
فى الخمسينيات من القرن الماضي، كتب توفيق الحكيم قصة فى سنة مليون، ثم مسرحيته رحلة إلى الغد 1958، ومسرحيته لو رجع الشباب.. بصفة عامة فإن أعمال توفيق الحكيم بالرغم أنها لا تنتمى إلى أدب الخيال العلمى لعدم توفر عناصر القص العلمى فيها من حيث المنطقية العلمية والأساس العلمى القائم عليه العمل؛ فإنها تعد بدايات جيدة لهذا اللون الأدبى فى مسيرة الخيال العلمى العربي..
ثم جاء الدكتور مصطفى محمود.. وقد نجح فى تحقيق المصالحة بين العلم والدين فكريا من منطلق أنه لا يمكن تصور أن ينفصل العلم عن الإيمان، فكلما توغلنا فى العلوم زاد إيماننا وكلما تعمق إيماننا ازداد إدراكنا بالنواحى العلمية.. ليس هذا فقط.. فقد تميزت كتابات مصطفى محمود بالاستشرافية وقراءة المستقبل اعتمادا على تفهمه واستيعابه لمجريات الأحداث، فقد تنبأ مصطفى محمود بكل ما وقع من أحداث خلال هذه الفترة .. من خلال عدة أعمال مثل: العنكبوت، ورجل تحت الصفر، والخروج من التابوت.
وتعتبر رواية أرض النفاق ليوسف السباعي، من الأعمال التى تبشر بأدب الخيال العلمى لدينا، لما لها من رؤية غرائبية تتماس بشكل أو بآخر مع أدب الخيال العلمي.. وأنا أرى أن الرواية لا تنتمى إلى قصص الخيال العلمى بشكل مباشر.. حيث إنها لا تستند إلى المنهج العلمي.. ولكن التساؤل الذى يمكن أن يطرح هل يمكن فى المستقبل استخلاص الصفات كالأخلاق والشجاعة والكرم... إلخ؟ وتعبئتها وحقنها لمن نريد، فنجعل البخيل كريما والجبان شجاعا.. أم أنها درب من دروب الفانتازيا..
حتى مجيء نهاد شريف.. بروايته قاهر الزمن.. فلا يذكر الخيال العلمى إلا ويذكر نهاد شريف.. فهو الوحيد من الكتاب ليس فى مصر وحدها أو فى الوطن العربى فحسب، بل فى العالم كله الذى اتخذ من الخيال العلمى أسلوبا وهدفا وقرر ألا يكتب فى غيره، ولو أنه يستطيع، وهذا يؤصل لنهاد شريف إخلاصه لأدب هذا النوع ومثابرته عليه طوال ما يقرب من نصف قرن قدم خلالها أعمالا متنوعة ما بين قصص الفضاء والأطباق الطائرة إلى الخلية الحية والهندسة الوراثية، فالطاقة المختزنة داخل الجسم البشرى وطاقة الإرادة إلى نظرته الواعية إلى المستقبل.. والذى يميز كتابات نهاد شريف، تلك النظرة الواعية للمستقبل، وتأكيده على البعد القومى سواء كان عربيا أو محليا.. كذلك البعد الدينى والأخلاقى، فقصصه لا تخلو من لمسات تشى بطبيعة الكاتب وتمسكه بهذه الفضائل.. فقد وضع على عاتقه الاتجاه نحو هذا المجال والتخصص فيه ورسم حدوده.. ولم يكتفِ نهاد شريف بهذا، بل ساهم فى خلق جيل منتمٍ لهذا اللون الأدبى أتشرف بأننى كنت واحدا منهم..
وقد حاولت منذ لقائى بنهاد شريف فى بداية الثمانينيات وحتى لحظة كتابة هذه السطور أن أوازن فى كتاباتى التى تجاوزت ثمانين مؤلفا أكثر من نصفها ينتمى إلى أدب الخيال العلمى ما بين السرد العلمى الذى يعتمد على المنطقية العلمية وإمكانية التحقيق وفنية العمل الأدبى من لغة وأسلوب وصراع وحبكة إلى آخره..
وأشير هنا إلى أن شعبة الخيال العلمى باتحاد كتاب مصر هى شعبة متخصصة فى أدب الخيال العلمى، ضمت العديد من كتاب الخيال العلمى، منهم د. عطيات أبو العينين وفايزة شرف الدين وغادة السيد ود. حسن صبرى وإبراهيم مغاورى وغيرهم، وأصبح لها نقاد متخصصون فى هذا اللون المهم مثل د. حمادة هزاع، ود. السيد نجم ود. محمد خليفة، وأخيرا انضم إليها بعض العلماء من المركز القومى للبحوث وأكاديمية البحث العلمى لضبط إيقاع التخيل العلمى مع سرده الأدبي.. وكذلك مجموعة من شباب العلماء فيما يعرف بـ(Science Café) وبعضهم يكتب القصة العلمية.
وضع الخيال العلمى فى مصر مبشر، ولو أن البعض يخلط فى كتاباته بين الفانتازيا والخيال العلمى وأدب الخوارق، وهذا يؤثر كثيرا على مسيرة أدب الخيال العلمى المصري.
فى النهاية لابد من التأكيد على المضمون العلمى للعمل الأدبى الموجه للطفل، سواء كان ارتياد الفضاء أو اكتشاف عوالم جديدة، أو سبر أغوار الخلية الحية ومعرفة مكوناتها، أو التحذير من عبث العلماء فى المستقبل ومصير البشرية، وغير ذلك من الموضوعات التى تزخر بها كتابات الخيال العلمى..