رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الكرة المصرية حائرة بين الاحتراف والأهواء الشخصية


3-8-2025 | 19:39

.

طباعة
تقرير: أحمد المندوه

كرة القدم المصرية تعيش تناقضا صارخا، بين حديث دائم عن «الاحتراف» كشعار ترفعه الأندية والاتحادات، وواقع يعج بالممارسات الاحترافية التى تحول اللاعبين إلى رهائن للعواطف والصراعات، كرة القدم هنا ليست رياضة فحسب، بل خيال متجسد فى الملاعب وشغف يلهب القلوب من الإسكندرية إلى أسوان، يتنفس المشجعون أحلاما ذهبية عن «احتراف» يضاهى عمالقة أوروبا، يصورون أنديتهم قلاعا للانضباط والجودة، وأبطالهم نماذج عالمية فى المهنية والتفانى، لكن ظل الواقع يلاحق بريق الحلم، بين أضواء الشهرة الخادعة وصرخات الجماهير الهائجة، فهل تستطيع كرة القدم المصرية أن تبنى أهرامات جديدة من الاحتراف الحقيقى فوق رمال متحركة؟ الساحة مفتوحة، والكرة فى ملعب الإدارة، فى هذا التحقيق، نستعرض آراء خبراء اللعبة، مع تسليط الضوء على التحديات والحلول التى يواجهها تطبيق الاحتراف الحقيقى للكرة المصرية.

محمود سعد المدير الفنى لاتحاد الكرة السابق، يرى أن الاحتراف فى مصر ليس شهادة نعلقها على الحائط، بل نظام متكامل. إذا أردناه، فلنبدأ بتطبيق القانون على الجميع دون استثناء، تطبيق الاحتراف فى مصر لم يطبق بالشكل الكامل، لعدة أسباب أهمها أن إدارات الأندية تترنح بين العشوائية والمصالح، ومعظمهم لديهم بنية تحتية تئن تحت وطأة الزمن، وتقلبات فى الانضباط والتدريبات التقليدية تكسر استمرارية التطور.

وأشار إلى أن تطبيق الاحتراف الحقيقى بمعناه الشامل، لا بد أن تكون الإدارة رشيدة ولديها تخطيط علمى واستثمار ذكى ورعاية متكاملة، ولكن لا يزال حلما يسبق الواقع بكثير، ويسير على أرض مهتزة بين طموح جامح وإمكانيات تبحث عن طريقها نحو التحول من الخيال الجميل إلى واقع ملموس.

وأوضح أن هناك شواهد على غياب الاحتراف، لعل أبرزها انتقالات اللاعبين التى تحولت إلى معارك ساخنة، وتكشف كيف يوصم اللاعب بـ«الخيانة» رغم شرعية الانتقال، وأيضا هناك غياب تطبيق القوانين التى تهمل لصالح «العرف»، بالرغم أن المادة 57 من القانون الرياضى تجيز انتقال اللاعب بعد انتهاء عقده، لكن الأندية تتعامل معه كـ«هروب»، هذا كله بجانب أن الإدارة العشوائية للأندية تضع اللاعب بين خيارين وهما التهديد والاستبعاد، عاملين بشعار «الشركة ما بتقفش على حد» وهذه الجملة تقال للموظف «اللاعب» المغادر، رغم تأثير الرحيل على الفريق، وخير مثال على ذلك انتقال لاعب الزمالك السابق أحمد سيد زيزو إلى النادى الأهلى.

وأكد «سعد» أن تشخيص الأزمة يكمن فى «غياب البنية التحتية للاحتراف»، لاسيما وأن الملاعب فى مصر ليست خمسة أو أربعة استادات كما نراها فى التليفزيون، ولكن هناك ملاعب الدرجة الثانية والثالثة معظمها عشب صناعى باهت كذكرى غابرة، ومقاعد جماهير تصرخ بالألم مع كل حركة، حتى مع إنشاء أكاديميات رياضية خاصة، فهى مراكز تدريب تزين كواجهات زجاجية، لكن روح الاحتراف تغيب عن قاعاتها، أحدث الأجهزة تحفظ فى صناديق كالمومياوات، بينما يلهث اللاعبون وراء كرة واحدة، على الرغم من تدفق الأموال كالنيل فى الفيضان بتلك الأكاديميات، لكنها تهدر فى رمال الصحراء، مدربون من عصر المماليك يمسكون بالبلوتوث، وخبراء التغذية يوزعون «فول وطعمية» كوصفات سحرية، أى احتراف هذا الذى يركض بقدمين عاريتين على جمر التخلف.

وأضاف أن البنية التحتية ليست حجارة فقط، بل نظام كروى معاصر لا بد من تطبيقه، عن طريق ربط الطب الرياضى بالتطوير التكنولوجي، وإعادة بناء الجسور المهدمة بين الأكاديميات والفرق الأولى بالأندية، وعلاج جذور الإعاقة الخفية، والقضاء على الفساد الرياضى الذى بدوره يعيق بوصلة تخطيط المواهب، الاحتراف لا يسقط من السماء، إنه يبنى حجرا حجرا على أرض صلبة، وأرضنا ما زالت تنتظر البنائين الحقيقيين.

الاحتراف فى مصر ليس مستحيلا، كلمات ألقاها علاء نبيل، المدير الفنى لاتحاد الكرة كحجارة فى بركة راكدة، لكن أمواجها تتسع لتكشف بحرا من التحديات التى تواجه الكرة المصرية، ليست المسألة نقاشا فى إمكانية التحول نحو الاحتراف، بل هى معركة على ثلاث جبهات، إرادة الأندية، وتمويل البنى التحتية، وتغيير العقلية الرياضية من جذورها، وكما يقول «نبيل» بحكمة: «الطريق يبدأ من المدارس الرياضية، لكنه يحتاج إلى جيش من المبادرين».

وتابع، عندما أعلن اتحاد الكرة المصرى فى 1985 منع ضم المحترفين الأجانب، لم يكن قرارا معزولا، بل حلقة فى سلسلة قرارات ارتجالية طمسَت رؤية استراتيجية للعبة، فالقرار كما تكشف الوثائق نبع من صراع بين الأندية الكبرى حول المنافسة، لا من خطة لتطوير المنتخب أو بناء منظومة احترافية، اليوم يعيد التاريخ نفسه بأشكال جديدة، قرارات متسرعة، غياب تشريعات داعمة، وغياب تام للتنسيق بين الاتحاد والأندية، وفى المقابل، يقدم الاتحاد المغربى نموذجا ملهما «شركة تطوير كرة القدم» التى أطلقتها مجموعة OCP المملوكة للدولة برأسمال 38 مليون دولار، ليست مجرد كيان تمويلي، بل هى آلية تنسيق بين مراكز التدريب والأندية تحت مظلة اتحادية موحدة الرؤية، الإرادة هنا ليست شعارات، بل مؤسسات فاعلة.

وأشار إلى أن تمويل البنية التحتية، تم مناقشته فى مؤتمر «سبورتس إكسبو 2025»، والذى كشف عن الفجوة التمويلية الهائلة التى تعانيها الكرة المصرية، حيث يندر التمويل المستدام بينما تعتمد الأندية على دعم حكومى متقطع أو رعايات مؤقتة، لكن الصورة ليست قاتمة تماما، نأخذ المغرب كمثال فهم يستثمرون 950 مليون دولار لتأهيل 6 ملاعب وفق معايير الفيفا استعدادا لكأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، الأهم من المبالغ هو آلية التمويل والتى بدورها تتمثل فى شراكة بين الحكومة وصندوق الإيداع والتدبير، مع خطة مرحلية تمتد حتى 2028، وفى مصر تلوح فى الأفق إشارات أمل «الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للتمويل» التى أطلقتها الحكومة بالتعاون مع الأمم المتحدة، تهدف إلى سد الفجوات التمويلية عبر شراكات القطاعين العام والخاص، لو خصص جزء من هذا التمويل لبرامج التأهيل الرياضي، فقد تكون البداية الحقيقية.

وأكد «نبيل» أنه لن يتحقق الاحتراف بمجرد رغبة المدير الفني، بل عبر ثلاثية متكاملة، وهى إرادة مؤسسية عن طريق تحويل الاتحاد إلى هيئة تخطيط على غرار النموذج المغربى فى توحيد الرؤية بين الاتحاد والشركات الوطنية، تمويل ذكى من خلال (الشراكات طويلة الأمد - الربط بين الاستثمار والأحداث الرياضية)، وربطها ببرامج مصرية مثل الاستراتيجية الوطنية للتمويل، وعن طريق تحويل الأكاديميات من «مراكز تدريب» إلى «مصانع بشرية» تدمج بين العلم والرياضة والأخلاق، كما تفعل الدول المتقدمة، مع إرسال اللاعبين فى مسارات احترافية متدرجة كتجربة محمد صلاح، الاحتراف ليس حلما بعيدا، بل هو هرم نبنيه حجرا حجرا،»الإرادة، التمويل، الثقافة» وعندما يكتمل، سنكون أساطير جديدة يحكى عنها، المعركة ليست ضد المستحيل، بل ضد الروتين والقصور الذاتي، والأمل ليس فى النجوم التى تضيء الملاعب، بل فى إشعال شمعة صغيرة فى كل مدرسة رياضية، كل أكاديمية، كل عقل يصدق أن مصر قادرة على صنع نهضتها الكروية.

وقال محمد فضل الله، خبير اللوائح الرياضية: إن تطبيق اللوائح فى نظام الاحتراف كمثل «البرديات المنسية»، الاحتراف الحقيقى ليس مجرد رواتب ضخمة، بل هو نظام كروى متكامل، وعقود تحترم بدقة الساعات السويسرية ،أندية تدفع المستحقات قبل نزول المطر، هيئات تحترم القانون أكثر من رغبات رؤساء الأندية، ولكن الواقع الكروى المصرى يعيش فى «القرون الوسطى الإدارية»، أندية كبرى تمنح «استثناءات» كالسحر الأسود لتجاوز شروط الترخيص، لاعبون يعلقون فى «قوائم الانتظار» كأسماك خارج الماء.

وتابع، «المحسوبية قاتل الاحتراف الأول»، وخير دليل على ذلك نادى «النجوم» (درجة ثالثة) ينتظر 5 سنوات لتنفيذ حكم «فيفا» بمليون دولار، بينما أحكام الأهلى والزمالك تنفذ كالبرق، لأن لائحة شئون اللاعبين الجديدة المتفقة مع «فيفا» ما زالت حبيسة الأدراج منذ أبريل الماضى.

وأوضح أن هناك فوضى فى النظام الكروى المصرى، وتوجد سياسة متبعة وهى «ثقافة الإفلات من العقاب»، لاسيما وأن الأندية الكبرى تعرف أن العقاب وهمى فلماذا تلتزم، ففى كثير من الأحيان يوجد لاعبون كثر يوقعون 4 نسخ عقود، لكن نسخة اللاعب «تختفي» كالسحر عند النزاع، وأندية تتلاعب بـ «رسوم موارد الدولة» لتجميد صفقات المنافسين، كما حدث مع الزمالك، والكل يلوح فى الآفاق أن اللوائح هى السبب.

وأكد «فضل الله» أن نظام قيد اللاعبين الحالى هو بمثابة «فخ بيروقراطي»، فعلى اللاعبين أثناء إبرام العقد أن يشترط فى عقده إلغاء التعاقد إذا تم تعطيل القيد، فبعض الأندية تدفع اللاعبين لتصبح سجينة بلا ملعب، لأن لجان الاستئناف الرياضية فى اتحاد الكرة المصرى تصدر قرارات متضاربة كأمواج البحر.

وأشار الى أن من معوقات تطبيق الاحتراف فى الملاعب المصرية، هو وجود «انتماءات سامة» داخل الاتحادات الرياضية، فعندما يتحول المسئول إلى مشجع هنا تكمن الكارثة، فهناك بعض المسئولين يخلعون رداء الاتحاد ليرتدوا ألوان أنديتهم قبل اتخاذ القرارات، فذلك يولد انعكاسات مدمرة ويولد تضاربا فى المصالح، والتى بدورها تفقد الثقة فى هيئات التحكيم، والتى تخلق قرارات «الانتقام الرياضي» والتى تحول شكل الكرة المصرية إلى ساحة حرب قبائل.

ويرى أن لتطبيق الاحتراف الحقيقى فى مصر لا بد من مشروع لوائح موحدة، يستلهم نظام «الفيفا» بدقة، مع تعديل المواد الملغومة مثل قوائم الانتظار غير القانونية، تأسيس محكمة رياضية مستقلة تنهى احتكار اتحاد الكرة للقضاء الرياضي، ولا بد من وجود شفافية من خلال وجود منصة رقمية مفتوحة تعلن جميع العقوبات والصفقات فى الوقت الفعلي، ليس بعد أسبوع أو شهر من التقصى والتحقيق كما يحدث الآن، ومثال على ذلك عندما أتم لاعب الزمالك السابق أحمد زيزو انتقاله إلى النادى الأهلى من شهر فبراير الماضى أعلن بعدها بثلاثة أشهر، وهذا ليس منطقيا ويخلق نوعا من الاحتقان الجماهيرى وكثرة الشائعات حول اللاعب نفسه، تنفيذ عقوبات مالية تصاعدية تبدأ بخصم 6 نقاط وتصل إلى الهبوط للمخالفين، وليس كما نراه اليوم من تخبط فى اتخاذ القرارات.

الاكثر قراءة