تشهد القارة الاوروبية ارتفاعا في درجات الحرارة بوتيرة أسرع من أي قارة أخرى، وبينما تبدو آثار هذه الحرارة على الجسم واضحة، أظهرت العديد من الدراسات أيضا آثارا ضارة على الصحة النفسية.
وذكر راديو فرنسا الدولي ان أقسام الطوارئ النفسية تشهد زيادة في عدد المرضى خلال الايام الاعلي حرارة . هذا هو الحال، على سبيل المثال، في مستشفى سانت آن في باريس، ولكن أيضا في الولايات المتحدة. وفقا للمجلة العلمية "جاما للطب النفسي" تزداد زيارات غرف الطوارئ بنسبة 8% عندما تكون درجة الحرارة أعلى بنسبة 5% من المعتاد.
ويشكل التأثير غير المعروف للحرارة على الصحة النفسية مصدر قلق لمقدمي الرعاية الصحية. قد نعتقد أننا لا نتأثر لمجرد صغر سننا او لصحتنا الجيدة. لكن هذا سيؤثر على الأصحاء بقدر ما سيؤثر على الفئات الأخرى، وفقا لسوزانا أندريه، الأمينة العامة للاتحاد الفرنسي للطب النفسي.
واشارت الى ان الاشخاص الأكثر تأثرا بهذه الظاهرة هم الذين يعانون بالفعل من حالة طبية حتى لو كانت خفيفة، فإنها ستتفاقم بسبب موجة الحر، التي تستنزف موارد التكيف الجسدية والنفسية للفرد.
ووفقا لدراسة نشرت في المجلة الدولية لبحوث البيئة والصحة العامة، فإن المصابين بالاضطراب ثنائي القطب أكثر عرضة لتدهور حالتهم النفسية خلال ارتفاع درجات الحرارة.
وفي حالات الأزمات، لا يسهم تناول الأدوية في تحسن الوضع دائما بل على العكس تماما. وكما يعاني المرضى الذين يخضعون للعلاج من أمراض نفسية من عواقب الحر فان للجفاف تأثير سلبي اذ يرتفع تركيز الأدوية في الدم مما يجعل الآثار الجانبية أكثر إزعاجا من المعتاد.
واضافت الدراسة انه عندما ترتفع درجة الحرارة، تكون ردود فعل الجسم أحيانا مؤلمة. ولذلك، يصاب بعض الأشخاص بأمراض جسدية (اضطرابات جسدية ناجمة عن عوامل نفسية). وكما توضح سوزانا أندريه: "فحوصاتهم الصحية مطمئنة، لكن القلق لا يزال قائما. لذا، قد يحتاجون إلى استشارة طبية. وفي هذه الحالة، يتفاعل الجسم بإنتاج الكورتيزول، هرمون التوتر. ويعمل هذا الهرمون على تنظيم التوتر عندما يشعر الجسم بتهديد أو خطر ما يسمح له بالتكيف مع تغيرات درجة الحرارة، سواء كانت مرتفعة جدا أو منخفضة جدا. ولكن بعد مستوى معين، تصاب آليات التكيف بالارهاق."
وتابعت قائلة :" هذا هو الحال خلال موجات الحر الشديدة التي تستمر لأيام. إذا لم يعد هذا النظام التنظيمي يعمل على النحو الأمثل، فقد يغمر الشخص بمشاعر التوتر."
وكان يونيو 2025 الشهر الأكثر حرارة على الإطلاق في أوروبا الغربية. وبعيدا عن كونها ظاهرة معزولة، فإن درجات الحرارة القياسية هذه هي أحد أعراض الاحتباس الحراري. ونتيجة لذلك، يتزايد مستوى "القلق البيئي" - وهو مصطلح يشير إلى المخاوف الشديدة بشأن الأزمة البيئية المستمرة - بين بعض الفئات السكانية.
ولم يصنف القلق البيئي كاضطراب حتى الآن. ومع ذلك، يلاحظ الأطباء النفسيون تزايدا في هذه الظاهرة. "ويمكن أن يؤثر على الأشخاص الذين لم يكن لديهم سابقا أي ضعف في الصحة النفسية. وأحيانا، يصاب به الأشخاص المنخرطون بشدة في الحياة المجتمعية والملتزمون بشدة بمستقبلها، كما تشير سوزانا أندريه. "قد يسبب هذا الخوف اضطراب قلق أوسع نطاقا."
ووفقا لدراسة أوروبية أُجريت عام ٢٠٢٣،فان الشباب أكثر عرضة للقلق البيئي. فقد أفاد ٤٥٪ من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ١٦ و٢٥ عاما بأن هذا القلق كان له تأثير كبير على حياتهم اليومية.
وعندما يتعلق الأمر بالتوتر والأمراض والقلق البيئي، ليس جميع الأفراد متساوين. اذ تحدد ظروف المعيشة التعرض للحرارة الشديدة، وبالتالي التأثير المحتمل على الصحة النفسية. العيش في منزل معزول جيدا، أو العمل في بيئة باردة، أو سهولة الوصول إلى طبيب نفسي. وتعتمد هذه العوامل على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للفرد. وغالبا ما يحرم الأكثر ضعفا من الوصول إلى هذا العلاج.
وأخيرا، فإن مشاهدة الكوارث المناخية مباشرة تؤثر أيضا على الصحة النفسية. وقد لاحظ الاتحاد الفرنسي للطب النفسي ذلك خلال الحرائق التي ضربت مرسيليا في أوائل صيف عام ٢٠٢٥. و في هذا الصدد اشارت سوزانا أندريه إلى أن "هذا يسبب ضغطا نفسيا حادا لسكان المنطقة، ويؤدي إلى ضعفهم، وربما إلى ضائقة نفسية طويلة الأمد، أو حتى إلى اضطراب ما بعد الصدمة".