تكثف سلطنة عمان جهودها لتحويل العديد من محافظاتها، بما في ذلك مسندم، إلى مراكز اقتصادية رئيسية تلعب دوراً محورياً في جذب السياح والمستثمرين من مختلف أنحاء العالم، حيث تتمحور هذه الجهود حول مجموعة من المشاريع التنموية الطموحة التي تهدف إلى تحقيق النمو الاقتصادي، وتحسين جودة الحياة في المنطقة. ومع موقعها الاستراتيجي الفريد، الذي يشكل همزة وصل بين الخليج العربي وبحر عُمان، تتجه الأنظار إلى مسندم بوصفها وجهة رئيسية للتنمية.
محافظة مسندم الساحلية واحدة من أجمل المناطق الطبيعية في سلطنة عُمان، حيث تلتقي الجبال الشاهقة بالشواطئ الرملية الخلابة والوديان الخضراء المدهشة، وتعكس جمالًا طبيعيًا فريدًا، وتحتضن جبالها العديد من الأنهار والوديان التي تجري على مدار العام، مما يخلق مناظر طبيعية ساحرة تجذب السياح والمستكشفين.. كما توفر الشواطئ الساحرة في مسندم فرصا مثالية للاسترخاء والاستمتاع بالمياه الفيروزية الصافية.
ومسندم إحدى محافظات سلطنة عُمان الاحدى عشر وهي جزء أصيل من التراب العُماني، وتاريخها قديم قدم الإنسان العُماني فيها، وقد ارتبط تاريخها بأهمية موقعها الإستراتيجي، حيث تشرف على أهم معبر بين بحر عُمان والخليج العربي؛ وهو مضيق مسندم المعروف عالميا اليوم بمضيق هرمز.
ويمثل الموقع الاستراتيجي لمحافظة مسندم في أقصى الشمال من السلطنة وبسواحلها المطلة على بحر عُمان والخليج العربي، قيمة جغرافية مهمة على المستويين الإقليمي والعالمي، كما يمكن النظر إليه في السلطنة على أنه بمثابة رأس مال سياسي واقتصادي وأمني، إذ تطل المحافظة على أهم ممرات الملاحة البحرية في العالم ، وهو مضيق هرمز أحد أكثر الممرات الدولية أهمية وحيوية.
ومن هنا، تتبنى سلطنة عمان رؤية واضحة لتعزيز الاستفادة من هذا الموقع، من خلال تطوير قطاعي السياحة والاستثمار، وتعزيز البنية التحتية البحرية والجوية، وتوسيع شبكة الطرق، لتمكين المحافظة من لعب دور أكثر تأثيراً في حركة التجارة العالمية.
إذ تعمل الاستراتيجية الشاملة للتنمية الاقتصادية والتخطيط الشامل لمحافظة مسندم (2040م) على تنويع مصادر الدخل، ورفع مستوى معيشة الأفراد، وإيجاد تنمية اقتصادية مستدامة في مختلف المجالات، والحفاظ على المقومات الثقافية والطبيعية التي تزخر بها المحافظة، كما تسعى الاستراتيجية إلى تطوير البنية الأساسية والمرافق العامة، والتركيز على التنويع الاقتصادي من خلال تطوير أبرز القطاعات الاقتصادية المتمثلة في القطاع اللوجستي، وقطاع السياحة لتطوير الاقتصاد المحلي، والتجارة والصناعة كون الاقتصاد محركًا أساسيًا في التنمية المستدامة.
وتمضي قاطرة المشاريع التنموية والاستراتيجية في قطاعي الموانئ والسدود بوتيرة متسارعة في محافظة مسندم، حيث تقترب وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه من إنجاز مشروع توسعة وتطوير ميناء الصيد البحري في ولاية دبا، والذي بلغت نسبة الإنجاز فيه 92% الذي يمثل ثاني أكبر موانئ الصيد في سلطنة عمان.
ومن المرتقب أن يشهد العام الجاري 2025 الافتتاح الرسمي للميناء، بالإضافة إلى مشاريع إنشاء مرافئ غمضاء والجري بولاية بخاء، إذ بلغت نسبة الإنجاز 99%، ومشروع تأهيل وصيانة ميناء ليما ومشروع تأهيل وصيانة وتعميق ميناء بخاء، وبلغت نسبة الإنجاز 65% ومشروع تأهيل وصيانة ميناء كمزار، كما تقوم الوزارة بمشروع سد نيابة ليما بولاية خصب، بالإضافة إلى مشروع صيانة 6 سدود أخرى بمحافظة مسندم.
ووفقاً للخطط الاستراتيجية العُمانية، يتواصل العمل على تهيئة الظروف المناسبة لسفن الصيد في هذه الموانئ الخمس، إذ يصل إجمالي سفن الصيد الحرفي في مسندم إلى 86 سفينة، وقرابة 2392 قارب صيد، ويصل إجمالي الصيادين المسجلين إلى 4036 صيادا.
ويتم العمل على إنشاء سوق للأسماك بميناء الصيد البحري في ولاية خصب بتكلفة 3 ملايين ريال (7.8 مليون دولار)، بهدف تعزيز منظومة التسويق السمكي والإسهام في زيادة حجم الاستثمارات المرتبطة بالصيد البحري. وفي هذا السياق، تم توقيع اتفاقية لتمويل مشروع استزراع الأحياء المائية في خصب، بقيمة 4 ملايين ريال (10.4 ملايين دولار)، بطاقة إنتاجية تصل إلى 7 آلاف طن سنوياً، مما يعزز الأمن الغذائي.
كما يتم العمل على مشروع استزراع الأسماك الزعنفية في ولاية خصب بمحافظة مسندم، بتكلفة تقدر بنحو 10.3 مليون ريال (26.78 مليون دولار). حيث يقع في منطقة الحرف على مساحة 32.7 هكتار، ويهدف لتعزيز الأمن الغذائي وزيادة فرص العمل في القطاع، من خلال استخدام نظام الأقفاص العائمة لاستزراع الأسماك الزعنفية، وتم تركيب وتثبيت قفص بحري ليصل الإجمالي إلى 7 أقفاص، ويجري حاليا الحصاد التجريبي استعدادا لبدء الحصاد التجاري، كما تم طرح موقعين للاستزراع السمكي بولاية دبا في منصة «تطوير» بوزارة الإسكان والتخطيط العمراني.
يرتبط تطوير الموانئ في مسندم بمشروع السدود، حيث تعكف الحكومة في عُمان على تنفيذ العديد من المشروعات في قطاع السدود ومنها مشروع سد نيابة ليما بولاية خصب إذ يجري العمل حاليا على تحليل عطاءات المقاولين لإنشاء السد، كما تقوم بمشروع صيانة 6 سدود أخرى بمحافظة مسندم، إضافة إلى مشروع إنشاء حائط الحماية بقرية الشرية العقة بولاية دبا.
كما يأتي مشروع توسعة وتطوير ميناء الصيد البحري بدبا على مساحة 774 ألف متر مربع، يتوزع المشروع على أربعة أجزاء منها جزء للصيادين وكل ما يتعلق بقطاع الصيد، وقسم خاص للقطاع السياحي ومنها العبارات السريعة واليخوت، وسفن كروز، وقسم ثالث خاص بالشحن والنقل البحري، والقسم الرابع مخصص للجهات الأمنية، وبلغت النسبة الكلية للمشروع 92 بالمائة.
يكمن القسم الأكبر في مشروع توسعة وتطوير ميناء الصيد البحري في دبا في القسم السياحي الذي يتضمن مبنى للمسافرين، ومباني سياحية مخصصة للمكاتب السياحية والمعارض، والمطاعم، والمصليات، ومراسي عائمة خصصت لليخوت والسفن الصغيرة، أو لإنزال المسافرين عبر سفن الكروز، بالإضافة إلى رصيف بطول 570 مترا، وأرض مخصصة لإقامة مشروع فندقي بمساحة 5000 متر مربع تبعد عن الشاطئ قرابة 1000 متر.
إذ تعد مسندم وجهة جاذبة للسيّاح من مختلف دول العالم طيلة العام وخاصة خلال الموسم السياحي الشتوي؛ نظراً لما تزخر به المحافظة من مقومات ومفردات متعددة بطبيعتها الخلابة وجبالها الشاهقة التي تتناغم مع مياه البحر وتكوّن جزرا وخيرانا تلفت الأنظار.
ويتوافر في المحافظة عدد من المقومات السياحية الفريدة من نوعها والتي تمزج بين سياحة المغامرات والثقافة والتراث والترفيه، وهي من الوجهات للسياحة البحرية كذلك، وتتيح للزائر الاستمتاع بالرحلات البحرية لمشاهدة الدلافين، والغوص لاستكشاف الأعماق التي تزدهر بالشعاب المرجانية، ورحلات الصيد والتجديف والتخييم وغيرها.
ويعد مركز مغامرات عُمان إحدى الوجهات السياحية في ولاية خصب التابعة لمحافظة مسندم إضافة نوعية في مجال السياحة الترفيهية، حيث يتيح للزائر تجربة العديد من الأنشطة الترفيهية كالسلك الانزلاقي الذي يعد أطول سلك انزلافي فوق الماء في العالم.
كما تعد المتاحف والقلاع والحصون التاريخية مثل: حصن خصب وحصن الكمازرة وحصن بخاء وحصن البلدة وقلعة دبا ومتحف مدحاء وجهةً مثالية لمحبي الثقافة والتاريخ العريق للمحافظة، إضافة إلى العديد من الوجهات السياحية الأخرى كخور نجد (أكبر الأخوار في مسندم) الذي يتميّز بتضاريس فريدة، والقرى الجبلية والمناطق البحرية التي تنفرد بشواطئها الرملية الخلابة.
مع هذه التحولات الطموحة، تواصل مسندم مسيرتها نحو تحقيق رؤية «عُمان 2040»، التي تركز على تنويع الاقتصاد وتعزيز التنمية المستدامة. ومن خلال المشاريع الجارية، من المتوقع أن تصبح المحافظة مركزاً رئيسياً للسياحة والاستثمار، يجذب الزوار والمستثمرين من مختلف أنحاء العالم، ويؤكد مكانة عُمان بوصفها محوراً استراتيجياً في المنطقة.