رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

من الحرائق الواسعة إلى الجفاف الشديد.. العالم يواجه اختبارات المناخ القـاسيـــــــة


18-7-2025 | 10:01

.

طباعة
تقرير: أميرة صلاح

يشهد العالم موجة حرّ خانقة لم ترحم قارة دون أخرى، درجات الحرارة فى العديد من الدول كسرت حاجز الأربعين درجة مئوية، حتى فى مناطق لم تكن تعرف هذا النوع من التطرف المناخى. أما فى بعض المناطق، تخطت الحرارة 50 درجة، ما أوجد بيئة خصبة لاشتعال الحرائق وانتشارها بسرعة هائلة، يصعب على الإنسان السيطرة عليها، وبينما يحترق الشجر، تختنق الأرض، ويتقلّص الغطاء النباتى الذى كان يومًا ما «رئة الكوكب».

لم يعد تغير المناخ مجرد «تحدٍ بيئى» مؤجل، بل أصبح واقعًا يفرض نفسه على اليابسة والإنسان والنظام البيئى بأسره، ففى السنوات الأخيرة، بات من المألوف أن تجد غابات مشتعلة، ومدنا مغطاة بالدخان، من الولايات المتحدة إلى كندا، ومن أوروبا إلى شمال إفريقيا، ترتفع ألسنة اللهب وتتسع رقعة الخراب، بينما ترتفع درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة.

وفى الولايات المتحدة، اشتعلت غابات كاليفورنيا مجددًا بحريق وصفه المسئولون بأنه الأكبر هذا العام، فالنيران التى اندلعت فى غابة لوس بادريس الوطنية امتدت خلال ساعات لتلتهم أكثر من 52 ألف فدان، مهددة نحو 50 مبنى، وأجبرت السلطات على إغلاق الطرق السريعة وفرض إخلاءات جماعية، وعلى الرغم من الجهود الجبارة التى تبذلها فرق الإطفاء، لم يتم احتواء سوى 5 فى المائة من الحريق حتى ظهر الخميس.

وبالتزامن مع حريق كاليفورنيا، اجتاحت فيضانات مدمرة وسط ولاية تكساس، تسببت فى وفاة 13 شخصًا على الأقل، وفقدان 23 فتاة من مخيم صيفى بعد أن ارتفع منسوب نهر غوادالوب ثمانية أمتار فى أقل من ساعة. الحادثة التى صدمت المجتمع الأمريكى جاءت وسط جدل بشأن خفض الإنفاق الفيدرالى على الوكالات المعنية بمواجهة الكوارث المناخية، فى وقت تبدو فيه الحاجة ملحّة لتعزيز إمكانات الاستجابة السريعة.

أما فى تركيا، شهدت مناطق شمال شرقى البلاد تساقطا غير معتاد للثلوج فى شهر يوليو، تحديدًا فى محافظات ريزى وطرابزون، وهو ما فاجأ السكان المحليين. وفى المقابل، تكافح مناطق الجنوب التركى حرائق غابات ضخمة، مما يعكس تناقضات مناخية غير مسبوقة.

وفى مصر تفاجأنا بأمطار غزيرة وسيول فى ذروة الصيف، حيث شهدت العديد من المحافظات فى مصر سقوط أمطار غزيرة تحولت لسيول تزامنًا مع موجات حرارة مرتفعة، وهو ما أثار القلق فى صفوف المواطنين، خاصةً أن هذه الظواهر لم تكن معتادة فى فصل الصيف.

من جانبه، قال عبد المسيح سمعان، أستاذ الدراسات البيئية بجامعة عين شمس، وعميد معهد الإدارة بكلية رمسيس للبنات: «إن العالم يعانى من تغير المناخ بسبب زيادة نسبة ثانى أكسيد الكربون المسبب لظاهرة الاحتباس الحرارى، ويوجد غازات مساعدة مثل الميثان وأكاسيد النيتروجين، كانت نسبة ثانى أكسيد الكربون 1860 فى الجو 280 جزءا فى المليون، واليوم وصلت إلى 420 جزءا فى المليون بمعنى أنها زادت بسنة 50 فى المائة».

وبيّن «سمعان» بأن سبب ارتفاع الحرارة هو أن أشعة الشمس تنزل أطوال موجية قصيرة، وعندما تمتص الأرض أشعة الشمس يقف ثانى أكسيد الكربون عائقا يمنع خروج هذا الطول الموجى الجديد وبالتالى ينعكس مرة أخرى، مما أدى لارتفاع درجات الحرارة، حيث إنها زادت مرة ونصف المرة عن عام 1860، ويمكن تكون ارتفعت حرارة الكرة الأرضية بمقدار 1.5 ، وهذه الدرجة قد تبدو بسيطة ولكنها ليست كذلك لأننا نتحدث عن مناخ وليس طقسا، فهذه الزيادة البسيطة قد تسبب تداعيات ضخمة جدا منها إذابة للقطبين الشمالى والجنوبى، وبالتالى المياه نتيجة الإذابة تزيد البحار والمحيطات ما يزيد احتمالات سيول وأيضا يمكن أن تغطى المناطق الشاطئية وبعض الجزر.

تابع:«يؤثر أيضا على زيادة درجات الحرارة فى الجو مع وجود الرياح يؤدى لحرائق غير مسبوقة فى الغابات، وأمطارًا غزيرة فى فصل الصيف نتيجة تحرك السحب بفعل الرياح، وكأننا نعيش أجواء استوائية غير معتادة».

وأشار «سمعان» إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة ولايات الغرب مثل كاليفورنيا، أصبحت ساحة مشتعلة سنويًا للحرائق الضخمة التى تلتهم الغابات والمنازل، وتهجّر آلاف السكان. كما أن كندا، هذا العام تحديدًا، شهدت موجات نيران غير مسبوقة امتد دخانها إلى مدن أمريكية، فى مؤشر مقلق على اتساع رقعة الأزمة.

أما بالنسبة للتأثير البيولوجى، أوضح «سمعان» أن كل النباتات والحيوانات تتأثر، ومعظم المحاصيل الزراعية تقل نسبتها بين 20-25 فى المائة، لأن المحصول يتكيف مع درجات الحرارة، وعندما تتغير درجات الحرارة تقل الإنتاجية، جراء عدم حدوث الإنتاج الكامل فيما عدا محصول واحد وهو محصول القطن.

وأضاف «سمعان» بالنسبة للكائنات الحية، كل مخلوق متكيف مع درجات حرارة معينة، وإذا زادت درجات الحرارة تتعرض للموت، موضحا أن كل كائن حى له فائدة ضمن السلسلة الغذائية، وبالتالى إذا نقص جزء من السلسة الغذائية يتضرر نظام الغذاء ككل، بحسب «سمعان».

كما أشار «سمعان» إلى أن تغير المناخ يؤثر على صحة الإنسان، فقد يتعرض لضربة شمس تؤدى إلى الوفاة نتيجة عدم فقد الحرارة، ما ينتج عنه الهجرة البيئية، مؤكدا أن مصر لديها استراتيجية 2050 «الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ» وتسعى الاستراتيجية إلى تحقيق مستويات مرتفعة من النمو الاقتصادى «المراعى للشروط البيئية والمناخية» الأقل ضرراً على الانسان وبيئته، من خلال تخطيط وإدارة ظاهرة تغير المناخ على مختلف المستويات والقطاعات المسئولة عن عملية التنمية فى مصر، من خلال التركيز على مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة وزيادة نسبة الاعتماد عليها (ولا سيما أنه وفقاً لتقرير التنمية منخفضة الانبعاثات الصادر فى 2018، فإن نسبة مساهمة الطاقة «غير النظيفة» من الوقود والفحم وغيرها فى حدوث الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحرارى تبلغ نحو 64,5 فى المائة من إجمالى الانبعاثات، كما وصل حجم إسهام الطاقة المتجددة «من الطاقة الشمسية والرياح» فى إنتاج الطاقة الكهربائية فى مصر نحو 4,4 فى المائة عامى 2019 - 2020 ويستهدف أن تصل هذه النسبة إلى نحو 42 فى المائة بحلول عام 2035.

وتابع «سمعان» أن تخفيض الانبعاثات البيئية الضارة بالمناخ الناتجة عن استخدام المنتجات البترولية غير النظيفة. (بلغ استخدام مصر من الغاز الطبيعى بمحطات الكهرباء «كبديل أكثر أمناً يقلل من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحرارى» نحو 94,1 فى المائة عامى 2019-2020، فضلاً عن تحقيق فائض من إنتاجه خلال السنوات الماضية، وذلك بالتوازى مع خفض نسب استخدام المازوت والسولار أيضاً).

أما فى منطقتنا العربية، فقد بدأت علامات التغير تظهر بوضوح. فى سوريا مثلًا، اندلعت حرائق مؤخرًا فى بعض الغابات، ساهمت فى تأجيجها الرياح والحرارة المرتفعة. وفى مصر، سُجّلت موجات حرّ قاسية تخطت الـ40 درجة، تبعتها أمطار مفاجئة فى أكثر من محافظة، فى مشهد غير مألوف. ويعلق «سمعان»: «نعيش نوعًا جديدًا من المناخ، لا يمكن التنبؤ به، يوم حر شديد ويوم مطر، وهذا دليل على الاضطراب المناخى الذى نحذّر منه منذ سنوات».

ويختم الخبير البيئى حديثه برسالة تحذيرية: «العالم بحاجة إلى تحرك عاجل. لا يكفى تحليل الأرقام كل عام بينما تتزايد الكوارث».

فيما أكد السفير مصطفى الشربيني، الخبير الدولى فى الاستدامة وتقييم مخاطر المناخ، سفير ميثاق المناخ الأوروبي، وعضو مجموعة العمل الثالثة بمنظمة الصحة العالمية، على أن التغيرات المناخية حاليا تشغل الساحة الدولية كلها. وهذا لا يقتصر على الطقس والمناخ ولكن يؤثر تأثيرا مباشرا على دخل الفرد ويؤثر تأثيرا مباشرا أيضا على الأمن القومى من خلال التصدير فى مشاكل بخصوص الانبعاثات الكربونية.

وأوضح أنه «قام بعمل دراسة بشأن تغير المناخ خلال أشهر الصيف، واستعان فيها ببرنامج كوبرنيكوس الذى أنشأه الاتحاد الأوروبي، لرصد حالة المناخ والهيئة العالمية للأرصاد الجوية».وبخلاف التقارير العلمية لـ «إى. بى. سى. سى» الأمم المتحدة. التقرير السادس، قائلًا:»نحن رأينا تفاقم المشكلات الصحية والتأثير المناخى على المياه وعلى الزراعة وعلى القطاعات الاقتصادية والسياحة، وهذا يؤثر على العدالة المناخية سواء فى السياق المصرى أو على مستوى العالم كله».

تابع السفير:»خلال الدراسة قدمت بعض الاحتمالات والتأثيرات المناخية على النظم البيئية والاقتصادية والمجتمعات. فى صيف 2025 مصر شهدت موجات حر غير مسبوقة واضطرابات مناخية أثرت على الموارد الطبيعية، كالسيول والأمطار والعواصف على الإسكندرية وأثرت أيضا على الصحة العامة وعلى الزراعة والإنتاج الزراعي. وهذا سبب كبير ووجيه لارتفاع أسعار الخضار والمحاصيل».

وكشف «الشربينى» عن التداعيات التى يسببها تغير المناخ وأثره على العالم وعلى مصر بصفة خاصة، قائلا:» التغيرات المناخية ليست مجرد ظاهرة ولكن أصبحت أزمة عالمية، مصر من أكثر الدول تأثرا بها وتعتبر رقم 19 فى الدول الأكثر تأثرا. لأن البيئة عندنا هشة أمام تغير المناخ. البيئة الصحراوية تفتقد الكثير من المقومات مثل المياه ونعتمد على نهر النيل فقط. فبالتالى أى موجات جفاف أو حرب تؤثر علينا أكبر تأثير».

وهذا ما أكده تقرير الهيئة الحكومية الدولية «أى بى سى سى». السادس الذى صدر منذ سنتين حذر من أثر تغير المناخ على الشمال الإفريقى ومنها مصر، وتحدث أيضا عن موجات الحر الأكثر تطرفا. وهذا ما رأيناه فى الإسكندرية، لافتا إلى أن احتمالية تكرار هذه العواصف والفيضانات التى تأتى بصورة متطرفة ولا يمكن التنبؤ بها.

ونوه إلى أن مصر دولة فى قلب الأزمة المناخية، وتعيش هذا الفصل الأكثر حرارة وجفافا منذ عقود. عند درجة حرارة تقريبا46 فى معظم المحافظات، وموجات حر تستمر لفترات غير معتادة، ما أدى لتأخر موسم هطول الأمطار وأزمة فى المحاصيل الصيفية مثل محاصيل «الأرز والذرة».

كما لفتت البيانات التى أصدرها كوبرنيكوس الأوروبى لرصد حالة المناخ، يظهر أن شهر مايو ويونيو فى 2025 شهدا درجات حرارة قاسية سواء على المستوى المحلى المصرى أو على مستوى الشمال الإفريقي، فشهدت بعض المناطق الساحلية مثل الإسكندرية علامات مقلقة لارتفاع متوسط سطح البحر.

فيما شدد «الشربينى» على أن نعيد الثقافة المناخية ونعمل على نشر توعية ليس فقط فى مصر بل العالم، لأن القضية تتطلب تضامنا عالميا وليس مصر فقط، حتى أوروبا التى كانت بعيدة عن التغيرات رأينا إسبانيا وصلت درجة الحرارة 46 درجة مئوية وأيضا بعض الدول الأخرى الأوروبية. حالة المناخ حالة شديدة الخطورة تؤثر على الاقتصاد القومى كله سواء فى مصر أو أى دولة حول العالم».

أخبار الساعة

الاكثر قراءة