رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

المجموعة تخطط لـ«إنهاء الهيمنة الغربية» وتطالب بـ«إصلاح صندوق النقد الدولى»..«بريكس» ومعركة «الاقتصاد المتعدد»


13-7-2025 | 12:45

خلال القمة الـ17 لمجموعة بريكس للاقتصادات الناشئة في ريو دي جانيرو

طباعة
تقرير: سلمى أمجد

فى خطوة غير مسبوقة لكسر الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي، وإعادة تشكيل النظام المالى الدولي، دعا وزراء مالية مجموعة «بريكس» للاقتصادات الناشئة إلى إصلاحات شاملة فى صندوق النقد الدولي، بما فى ذلك توزيع جديد لحقوق التصويت وإنهاء التقليد القائم على تولى إدارة أوروبية رئاسة الصندوق. وتعد هذه المرة الأولى التى تتفق فيها دول التكتل على موقف موحد بشأن الإصلاحات المقترحة مما يبرز طموحات دول المجموعة فى إحياء عالم متعدد الأقطاب فى ظل الحمائية الأمريكية وتفاقم التوترات الجيوسياسية.

كما اتفق الدول الأعضاء على دعم الاقتراح المشترك فى اجتماع مراجعة صندوق النقد الدولى المقرر انعقاده فى ديسمبر المقبل، والذى سيناقش التغييرات فى نظام الحصص الذى يحدد المساهمات وحقوق التصويت داخل المؤسسة الدولية، فضلًا عن إجراء مناقشات لإنشاء آلية ضمان جديدة مدعومة من بنك التنمية الجديد، وهو بنك متعدد الأطراف ممول من مجموعة البريكس، تهدف إلى خفض تكاليف التمويل وتعزيز الاستثمار فى الاقتصادات النامية. كما دعا الوزراء إلى اعتماد صيغة جديدة تأخذ بعين الاعتبار الناتج المحلى الإجمالي، والقوة الشرائية، والقيمة النسبية للعملات، بما يعكس بصورة أدق واقع الاقتصادات منخفضة الدخل، وفقًا لما أفادت به وكالة «رويترز» للأنباء.

هذه ليست المرة الأولى التى تدعو فيها دول «بريكس» لمواجهة الهيمنة الغربية، حيث سبق ودعا التكتل لإنهاء الدولرة بإنشاء عملة للمجموعة وفى تحذير صارم، هدد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى يناير الماضى بفرض «رسوم جمركية بنسبة 100 فى المائة على دول بريكس» فى حال دعمها فكرة «العملة الموحدة»، أو حتى دعمت عملة أخرى لتحل محل «الدولار الأمريكى العظيم».

واستضافت العاصمة البرازيلية ريو دى جانيرو القمة الـ17 لمجموعة «بريكس» للاقتصادات الناشئة، يومى السادس والسابع من يوليو الجارى، تحت شعار «تعزيز التعاون العالمى بين دول الجنوب لحوكمة أكثر شمولًا واستدامة»، وتم تناول عدد من الملفات الساخنة على رأسها بحث سبل تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، وتوسيع استخدام العملات المحلية، وإصلاح الحوكمة العالمية، والتكامل فى مجالات الطاقة، والذكاء الاصطناعى، وحماية المناخ، والتنمية المستدامة.

جدير بالذكر أن القمة جاءت فى وقت حساس للغاية مع اقتراب انتهاء مهلة الـ90 يومًا التى كان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قد منحها لدول العالم قبل فرض رسوم جمركية «متبادلة» مما يزيد حالة عدم اليقين الاقتصادى العالمى، وتفاقم الأزمة الإنسانية فى غزة، واستمرار الحرب الروسية - الأوكرانية للعام الرابع، فضلًا عن أن التوسع السريع فى مجموعة البريكس الآونة الأخيرة أثار قلق العديد من المحللين الاقتصاديين. فعلى الرغم من أنه منح المجموعة نفوذًا دبلوماسيًا أكبر، فى ظل سعيها لتمثيل الاقتصادات الناشئة فى الجنوب العالمى والدفع نحو إصلاح المؤسسات المالية العالمية التى تهيمن عليها القوى الغربية منذ عقود، لكنه كذلك أضعف من تماسكها.

فى هذا السياق، أوضح الدكتور مصطفى رضوان، أستاذ الاقتصاد والمالية العامة، فى تصريحات خاصة لـ«المصور» أن الدعوة تهدف بالأساس إلى تعزيز التمثيل الإقليمى فى إدارة صندوق النقد الدولي، وتجاوز اتفاق ما بعد الحرب العالمية الثانية الذى يبدو غير ملائم للنظام العالمى الحالى، ومن ثم فإنه من الأفضل وفقا لرؤى الدول الأعضاء بتكتل البريكس الاقتصادى أن يعكس هيكل صندوق النقد الدولى، إحدى الأذرع الاقتصادية للنظام الاقتصادى العالمى، الأوزان النسبية للدول فى الاقتصاد العالمى من خلال إعادة توزيع الحصص الاقتصادية داخل الصندوق مع حماية حصص الدول الأفقر.

«رضوان» أشار إلى الظروف الاقتصادية العالمية باعتبارها المحرك الرئيسى لتلك الدعوات خصوصًا فى ظل تهديدات ترامب برفع الرسوم الجمركية على دول مجموعة البريكس، وبالتالى تسعى تلك الدول لتعزيز التبادل التجارى والتكنولوجى بينها لمواجهة التهديد الأمريكى هذا من جانب، ومن جانب آخر تسعى هذه الدول سعيًا حثيثًا لإعادة رسم وهيكلة القوى الاقتصادية الفاعلة؛ حفاظًا على حقوقها الطبيعية فى التنمية والنمو وتحقيق طموحات شعوبها والوفاء بمتطلباتها الأساسية فى حياة إنسانية كريمة.

وبسؤاله عما إذا كانت دول مجموعة البريكس قادرة على إرغام القوى العالمية الأخرى للموافقة على إعادة هيكلة موازين القوى داخل النظام الاقتصادى العالمى بداية من إعادة هيكلة صندوق النقد الدولى، أكد «رضوان» أن دول «بريكس» تسيطر على أسواق مهمة فى العالم، بما فى ذلك 40 فى المائة من إنتاج النفط العالمي، بفضل أعضائها الجدد مثل إيران والإمارات العربية المتحدة. كما تسيطر المجموعة أيضًا على نحو ثلاثة أرباع المواد الأرضية النادرة، فضلا عن كون أن التبادل التجارى بين الدول الأعضاء تجاوز بالفعل تريليون دولار أمريكى؛ كل هذه العوامل وأكثر تجعل من دول البريكس قادرة على التأثير على المشهد الاقتصادى العالمى، ولعب دور فاعل فيه.

وعما إذا كانت الدعوات لإعادة هيكلة صندوق النقد الدولى مناهضة لأوروبا أم دعوة لشراكة أكثر توازنًا، أوضح «رضوان» أن «دول المجموعة دعت إلى تعزيز التكامل الاقتصادي، وحماية المناخ، والتنمية الاجتماعية. وتُتيح هذه الأهداف فرصًا لأوروبا للعمل على مشاريع مشتركة تتجاوز مجرد العلاقات التجارية، ويمكن أن يشمل التعاون مجالات مثل الطاقة المتجددة، التحول الرقمي، والصحة العامة، وهى ميادين تتكامل فيها نقاط القوة بين دول مجموعة البريكس وأوروبا. ولعل تلك الدعوة تستهدف تعزيز التعاون العالمي، وتمثل جرس إنذار لأوروبا حتى لا تُفوّت الفرص الاقتصادية والسياسية، وأن تحافظ على نفوذها الجيواقتصادى فى عالم يتجه إلى المزيد من التشرذم».

من جانبه، قال الدكتور إبراهيم مصطفى، الخبير الاقتصادى، إن «جميع المؤسسات الدولية الاقتصادية، بما فيها البنك الدولى، وصندوق النقد الدولي، بحاجة ماسة إلى إصلاح لأنها أصبحت مسيّسة تخضع لسلطة الدول الأعضاء الأكثر تمويلًا لها، وتحديدًا دول أوروبا وأمريكا، بعيدًا عن ما يصبّ فى مصلحة الدول النامية التى تحتاج إلى تنمية حقيقية على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية بشكل مستدام، ولهذا تتحول الدول إلى التكامل والتحالف الإقليمى للتقليل من سيطرة تلك الدول على المؤسسات الدولية، والذهاب إلى مؤسسات أخرى أقل تشددًا فى التمويل وأكثر مرونة فى التعامل مع الدولة النامية، وهو ما ظهر جليًا بسبب سياسات الدول الأوروبية وأمريكا».

وعن التحديات التى تواجه «بريكس»، أشار «مصطفى» إلى أن «التجمع لا يزال تجمعا إقليميا ناشئا من أطراف متباعدة ولا يعبر عن إقليم محدد، وبالتالى من الصعب أن تظهر له أنياب فى الوقت الحالى، لأن الدول الأعضاء ليسوا على قلب رجل واحد، خاصة فى ظل رسوم ترامب الجمركية التى لم يستطِع حتى الاتحاد الأوروبى الوقوف أمامها، مما دفع الصين إلى التوجه نحو الدول المحيطة بها ودول القارة السمراء مثل مصر للتغلب على التحديات التى فرضتها رسوم ترامب، لذلك إصلاح هذه المؤسسات يحتاج إلى توحد حقيقى، وأن يكون لدى كل الأطراف مصالح مشتركة فى إصلاح هذه المؤسسات الدولية، ودور التصويت فيها».

 
 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة