رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

تصحيح المسار.. د. رامى عطا صديق يحدد 5 رسائل مهمة لـ"ثورة 30 يونيو "


3-7-2025 | 20:27

.

طباعة
بقلـم: د. رامى عطا صديق

لم تقم ثورة المصريين فى 30 يونيو 2013م من فراغ، بل كان للثورة أسبابها، حيث قامت بشكل أساسى ضد جماعة أرادت الانحراف بمسيرة الوطن والعمل على تغيير هويته التى ترسخت عبر آلاف السنين، جماعة أرادت «أخونة» وطن بأكمله، ومارست السياسة على أرضية دينية، ما يبعدنا عن مفهوم الدولة المدنية الحديثة، التى تستوعب جميع المواطنين دون تفرقة ودون تمييز، فالدولة المدنية تفصل الدين عن السياسة ولا تخلط بينهما، دون أن تفصل الدين عن المجتمع، لأن الدين مقدس، أما السياسة فهى متغيرة ومتقلبة.

 

تردد الإخوان فى الالتحاق بثورة 25 يناير 2011م، ثم أدركوا أنها فرصتهم للوصول إلى الحكم، فأيدوها وانضموا إليها، ولما وصلت الجماعة إلى الحكم وتربعت لمدة عام (2012-2013م) فإنها اصطدمت بكثير من مكونات الجماعة الوطنية المصرية، من خلال تصريحات وممارسات غير مسئولة تبعد عن سياسات الدول الحديثة ونهجها، حيث اصطدمت بالمواطنين الأقباط والمرأة والفنانين والصحفيين والإعلاميين ورجال الجيش والشرطة والقضاء وغيرهم.

لقد مارس أعضاء جماعة الإخوان ومؤيدوهم حالة من التشفى والكيد والتكبر والتعالى، حيث استخدموا خطابًا سياسيًا لا يلائم تطورات العصر، ولا يليق بمصر القرن الحادى والعشرين، خطابًا يفرّق ولا يُجمّع، خطابًا لا يحترم التنوع ولا يؤمن بالتعددية، على الرغم من أن سمة التعددية والتنوع واحدة من أبرز السمات التى يتميز بها المجتمع المصرى منذ مئات السنين، حيث يعيش المصريون فى إطار من الوحدة الحاضنة للتنوع، وكان من المُلاحظ أن هذا الخطاب قد أخذ يزداد ويمتد ويتعالى يومًا بعد آخر، فمن كان يصدق عودة أفكار وأحاديث بالية، مثل فرض الجزية على المواطنين الأقباط فى مقابل عدم التحاقهم بالخدمة العسكرية/ الجيش!! والدعوة لحصر دور المرأة المصرية فى أدوار تقليدية ومناداة البعض بعودتها إلى المنزل!! فضلًا عن مهاجمة الفن والفنانين، ومعاملات غير لائقة للصحفيين والإعلاميين!! وغيرها من ممارسات، ما أساء للدولة المصرية ومواطنيها سواء فى الداخل أو فى الخارج.

من هنا جاءت ثورة 30 يونيو، وما تبعها من تحرك القيادات المصرية فى 3 يوليو وكان الاختيار الأنسب فى تلك اللحظة، فى شكل التفاف وتجمع حول الوطن مصر، من حيث استيعاب ماضيه والتفكير فى حاضره والتطلع إلى مستقبله، وجاءت ثورة المصريين تعبيرًا عن رغبة حقيقية فى تصحيح المسار وإعادة توجيه البوصلة من خلال العودة بمصر مرة ثانية وطنًا للجميع، يحتضن الكل ويستوعب الكل، وطنًا لا يستبعد أحدًا ولا يقصى أيًا من مكوناته، فالجميع مدعو للتكاتف والعمل والاشتراك والتعاون من أجل تحقيق الصالح العام والخير العام.

لم يرض المصريون باختطاف مصر، من خلال تيار بعينه، فى اتجاه يمارس العمل السياسى على أساس دينى، ويمارس الاستبعاد والتهميش والإقصاء للآخرين والمختلفين، وبالإجمال يُقزّم من حجم الدولة المصرية لصالح توجهات بالية عفى عليها الزمن، ولم تعد تصلح لدولة مدنية حديثة، جديدة وراقية.

وحملت ثورة المصريين عدة دروس مُهمة ومجموعة من الرسائل الكاشفة لطبيعة المصريين، والمُعبرة عن هويتهم الثقافية والحضارية التى تشكلت عبر مئات السنين، من خلال الكثير من التجارب والمواقف والأحداث والأفكار، وأستعرض هنا بعض هذه الرسائل:

الرسالة الأولى: أن مصر صنيعة المصريين وحدهم، وأولًا وأخيرًا، بقدر ما يجتهدون وبقدر ما يخططون ويعملون، وبقدر النضج والوعى الذى يمتلكونه بحقيقة التغيرات المحلية والإقليمية والدولية، وغيرها من المتطلبات والمشكلات أو التحديات التى يواجهونها، ويعملون على حلها، ذلك أن «مصر هبة المصريين»، بتعبير الأستاذ محمد شفيق غربال فى مفتتح كتابه «تكوين مصر».

الرسالة الثانية: يعيش المصريون معًا على الرغم من تنوع الانتماء الدينى فيما بينهم، وعلى الرغم من أى تنوع يميزهم،على أساس الدين أو المذهب الدينى داخل الدين الواحد، أو لون البشرة، أو النوع الاجتماعى (رجل وامرأة)، أو المستوى الاقتصادي- الاجتماعى، أو الموقع الجغرافى، أو الانتماء الفكرى والأيديولوجى، أو الانتماء الرياضى، وغيرها من انتماءات فرعية ضيقة، ولعل هذا هو جوهر مبدأ المواطنة، الذى يستوعب الجميع، لأنه يُجمّع ولا يُفرّق.

الرسالة الثالثة: يتميز المجتمع المصرى بسمة التنوع فى إطار الوحدة، أو بتعبير آخر هى الوحدة الحاضنة للتنوع، وهى سمة أصيلة مثلت مشهدًا بديعًا- فى الأغلب الأعم- أكد لنا كيف أن مصر دولة ثرية وغنية ذات تنوع مبدع وتعدد خلاق، وهو ما عبر عنه الكثير من حوادث التاريخ ومواقفه، علاوة على رؤى مثقفيه ومفكريه التى احتضنتها صفحات الصحف وبطون الدراسات والمؤلفات والكتب التى اختصت بحركة المصريين فى مختلف المجالات.

الرسالة الرابعة: ارتباط المصريين بمؤسسات الدولة، فى علاقة صحية تستهدف الخير العام وصالح الجميع، كما أنهم يعتزون بمختلف مصادر ومظاهر القوى الناعمة والذكية، وكل فئات المجتمع، حيث أدرك المصريون أهمية الاستقرار والتنمية والبناء، وأنه ليس من الحكمة أن يخسروا أيًا من مصادر قوتهم.

الرسالة الخامسة: الحضور المشترك للمصريين، من مسلمين ومسيحيين، فى مختلف المواقف والمناسبات، وهو حضور قوى يتجلى دومًا بوضوح مع وجود أهداف ومشروعات قومية، كما يتجلى فى الأحداث المجتمعية الكبرى، بالإضافة إلى الممارسات الاجتماعية ومعاملات الحياة اليومية، التى تعكس وتؤكد وحدة شعب مصر، وأن ما يجمعهم أكثر كثيرًا مما يفرقهم، ومن تلك العناصر التى تجمع المصريين: اللغة- الهوية- الثقافة- المصلحة المشتركة- رابطة الدم، بالإضافة إلى حوار الحياة اليومية المشترك الذى يستمر ويتجدد كل يوم.

نعم، لاتزال هناك تحديات كثيرة ومشكلات كبيرة، فى ظل ظروف محلية وأوضاع إقليمية ودولية، يواجهها المصريون أملًا فى تحسين الحاضر وبناء مستقبل أفضل، ومن ذلك مثلًا مشكلات الزيادة السكانية، ومشكلة والتضخم وارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى مشكلة التطرف والتشدد، فضلًا عن النزاعات الإقليمية والصراعات الدولية، وهى بالطبع تحديات ومشكلات من شأنها تعطيل كل خطوة تستهدف التنمية والإصلاح، ولكن يبقى الأمل دائمًا ما دامت الحياة مستمرة.

وتبقى مصر «هبة المصريين» وصنيعة أبنائها وبناتها، ويبقى الأمل دائمًا مع كل صباح كل يوم جديد، نؤمن فيه بمبدأ المواطنة، حيث المشاركة والمساواة فى الحقوق والواجبات دون تفرقة ودون تمييز بين مواطن وآخر، وطن يؤمن بقيم الإنتاج والعمل، والحوار والتعاون والعيش المشترك والتسامح والسلام الإيجابى، من أجل حاضر أفضل ومستقبل أكثر إشراقًا، لنا ولأولادنا من بعدنا.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة