رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

أعياد يغفل عنها الناس


27-6-2025 | 12:21

.

طباعة
بقلـم: محمد الشافعي

تحرص كل الدول على أن تحتفى وتحتفل بالأيام المجيدة فى تاريخها، بل إن بعض الدول تضفى أهمية خاصة على بعض أيامها حتى تحتفل بها.. ففى فرنسا مثلاً يحتفلون بيوم الهدنة فى الحرب العالمية الأولى.. وفى إسبانيا يحتفون بيوم اسمه (عيد المتوفين).. وتنفرد مصر بين كل دول العالم بكثرة أيامها المجيدة.. لدرجة أن بعض الأيام تحمل أكثر من حدث مهم فى اليوم الواحد.. وقد مر علينا فى الأسبوع الماضى واحد من هذه الأيام.. يوم الثامن عشر من يونيه.. حيث يعد هذا اليوم فى مقدمة أيام مصر المجيدة خلال العصر الحديث.. حيث كان نهاية لمراحل تاريخية صعبة وبداية أمل لمراحل أكثر تقدمًا وإنتاجًا..

 

حيث مرت مصر طوال تاريخها بأنظمة مختلفة للحكم.. وقد انحصرت كلها فى إطار (الملكية).. سواء كانت دولة مستقلة.. كما كان الوضع طوال تاريخ مصر القديم.. الذى امتد على مدى ثلاثين أسرة.. وبعدها تحولت مصر إلى إمارة فى كيان أكبر.. مع الإغريق ثم مع الرومان.. ثم مع الفتح الإسلامى فى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.. ثم الدولة الأموية.. ومن بعدها الدولة العباسية.. وقد شهدت مصر خلال انضوائها تحت لواء الدولة العباسية أكثر من محاولة للاستقلال.. من خلال الدولة الطولونية.. والدولة الإخشيدية.. والدولة الأيوبية.. حتى انتهى الأمر إلى دولة المماليك.. ومن بعدهم جاء الاحتلال العثمانى عام 1517.. الذى جثم على صدر البلاد لعقود طويلة.. حتى جاء محمد على ابن الاحتلال العثمانى.. والمدعوم من فرنسا.. ليحكم مصر تحت مظلة العثمانيين فى عام 1805.. وقد حاول الخديو إسماعيل حفيد محمد على خلال فترة حكمه (1863- 1879).. أن يستقل بمصر عن الدولة العثمانية.. ولكن محاولاته لم تنجح .. وجاء من بعد ابنه الخديو توفيق.. الذى ارتكب جريمة كبرى فى حق مصر.. فبدلاً من أن يحتوى الحراك الوطنى بقيادة أحمد عرابى.. عمد إلى استدعاء الإنجليز ليقدموا له الحماية من أبناء الوطن الذى يحكمه.. لتقع مصر تحت احتلالين.. الاحتلال العثمانى .. الذى صار مثل (خيال المآتة).. له السلطة الإسمية من خلال أحفاد محمد على.. الذين توالوا على حكم مصر.. والاحتلال الإنجليزى الذى صار المتحكم فى كل شيء بالدولة المصرية.. لدرجة أن آخر حكام أسرة محمد على الملك فاروق.. تعرض لإهانة بشعة من الإنجليز.. عندما خيره السفير الإنجليزى يوم الرابع من فبراير عام 1942.. إما أن يقوم بتعيين مصطفى النحاس رئيس حزب الوفد.. رئيساً للوزراء.. وإما أن يتنازل عن حكم مصر.. ورضخ الملك بنصيحة من رئيس ديوانه أحمد حسين.. وقِبل بتعيين النحاس رئيساً للوزراء.

وعلى مدى مئات السنين.. تناوب على حكم مصر العشرات من الحكام.. ليسوا من أبنائها .. ولكنهم استنزفوا خيراتها.. وتعاملوا مع شعبها من أبراج عاجية.. واستمر هذا الوضع البائس إلى أن جاءت ثورة يوليو المجيدة.. بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر فى الثالث والعشرين من يوليو 1952.. وسارت الثورة بخطوات وئيدة ومدروسة.. حيث عملت فى البداية على التخلص من الملك فاروق.. الذى غادر مصر فى السادس والعشرين من يوليو.. وتنازل عن الحكم لابنه الرضيع تحت مظلة مجلس وصاية.. وراحت الثورة تعيد لأبناء مصر حقوقهم التى حرموا منها لقرون طويلة.. فصدرت العديد من القوانين المهمة مثل قانون الإصلاح الزراعى – قانون منع الفصل التعسفى للعمال.. الخ.

وكان لا بد من التخلص من هذه الملكية.. التى تحمل بين طياتها كل ذكريات الاحتلال العثمانى البغيض.. فأعلنت الثورة يوم 18 يونيه 1953.. تغيير نظام الحكم فى مصر ليصبح جمهورياً.. وتصادف أن أعلن هذا القرار الفنان يوسف وهبى الذى كان يقدم فقرات إحدى الحفلات الفنية المهمة وتصادف أيضًا بعد إعلانه لهذا القرار الذى أبهج كل المصرين.. تقديمه للمطرب الشاب عبدالحليم حافظ الذى ارتبط اسمه بعد ذلك بكل إنجازات ثورة يوليو.. وبعد أن نجحت الثورة فى إزاحة النظام الملكى.. ليتحول الحاكم إلى واحد من الشعب.. يحكم باسم الشعب ولصالحه.. راح قائد الثورة جمال عبدالناصر.. يعمل على التخلص من الاحتلال الإنجليزى البغيض.. فدخل معهم فى مفاوضات عسيرة كان يقودها بنفسه داخل مقر مجلس الوزراء المصرى.. ومن اللفتات المهمة خلال هذه المفاوضات إيعاز عبدالناصر للمصورين الصحفيين.. بأن يلتقطوا صورة للوزير الإنجليزى وفوق رأسه صورة الزعيم أحمد عرابى.. وتم نشر هذه الصور فى كل وسائل الإعلام.. فها هو أحمد عرابى الذى ظلمه الإنجليز وحاكموه ونفوه خارج مصر فوق رؤوسهم.. وانتهت هذه المفاوضات العسيرة فى أكتوبر عام 1954 بتوقيع اتفاقية الجلاء بين مصر والمملكة المتحدة.. تلك الاتفاقية التى تنص على جلاء آخر جندى إنجليزى عن مصر فى 18 يونيه 1956.. وكان الإنجليز يرون فى قاعدة قناة السويس.. أهم قواعدهم الاستعمارية.. فتلك القاعدة تتحكم فى شبكة الطرق العالمية.. وتتحكم أيضًا فى حركة الملاحة بقناة السويس.. كما أنها نقطة انطلاق إلى مناطق النفوذ الإنجليزى فى الهند.. ولكل ذلك وضع الإنجليز الكثير من العقبات أمام إنجاح مفاوضات الجلاء عن مصر.. وكان فى مقدمة هذه العقبات العلاقة مع السودان.. ومن المعروف تاريخيًا أن السودان ليست جزءًا من الأراضى المصرية.. حيث دخلها محمد على فى عام 1820.. وضمها إلى مصر عام 1922.. واحتلها الإنجليز عندما احتلوا مصر.. وكان يحكمها حاكم إنجليزى منذ عام 1899 وحتى عام 1956.. طبقًا لما أطلق عليه اتفاقية الحكم الثنائى للسودان بين مصر وإنجلترا.. وكان الأوربيون عندما أجبروا جيوش محمد على فى عام 1840 على الانسحاب من كل المناطق التى سيطرت عليها فى الشام .. الجزيرة العربية وإفريقيا.. الخ.. ثم وقعوا اتفاقية كان أهم الموقعين عليها إنجلترا وفرنسا وروسيا.. تؤكد على انسحاب جيوش محمد على.. مع احتفاظه هو وابناؤه من بعده بحكم مصر والسودان.. وعندما صدر دستور 1923 رفض الإنجليز على أن ينص هذا الدستور على وحدة أراضى مصر والسودان.. وكان عبدالناصر دارساً واعياً للتاريخ.. كما كان مفاوضًا يمتلك كل أدوات المفاوض العنيد.. الذى لا يتنازل عن أى حق.. والأهم كيف يمكن الحصول على هذا الحق.. ولذلك عندما وضع الإنجليز عقبة مسألة السودان أثناء مفاوضات الجلاء.. رد عبدالناصر بأن الأمر فى يد السودانيين أنفسهم وأن مصر مع أى اختيار يختاره السودانيون، وكان كل المصريين على ثقة بأن السودانيين سوف يختارون الوحدة مع مصر.. خاصة أن مَن كان يحكم السودان فى ذلك الوقت قيادات الحزب الاتحادى .. إسماعيل الأزهرى ومحمد أحمد محجوب.. ذلك الحزب الذى تقوم شرعيته على الوحدة مع مصر.. ولكن الإنجليز استطاعوا استمالة الرجلين.. ليقررا التصويت على القرار فى مجلس النواب.. وليس من خلال استفتاء الشعب السودانى.. ونجحت ضغوطات الإنجليز ليخرج تصويت مجلس النواب السودانى بأغلبية ساحقة.. مع استقلال السودان عن مصر وعدم الوحدة معها.. على أن يتم إعلان ذلك الاستقلال فى الأول من يناير عام 1956.. ولم يكن فى يد أى مصرى أن يغير هذا القرار.. ولم يكن فى يد القيادة المصرية أن تفرض الوحدة على السودانيين بالقوة.. ولذلك قبلت مصر انفصال السودان.. ذلك المطلب الذى كان أكبر عقبات مفاوضات الجلاء.. ولم يجد الإنجليز أمامهم أى مفر فوافقوا على الجلاء عن مصر.. وبالفعل خرج آخر جندى إنجليزى من مصر فى 18 يونيه 1956.. ليتحول هذا اليوم إلى نجم ساطع فى تاريخ مصر الحديث.. والحقيقة أن كل دول العالم التى تعرضت لاحتلال أجنبى.. تحرص على أن تحتفل بيوم الجلاء والاستقلال عن هذا الاحتلال الوحشى.. ومن المصادفات أن دولة سيشل تحتفل هى الأخرى بعيدها الوطنى يوم 18 يونيه ولكننا فى مصر ورغم أهمية هذا اليوم.. نجد أن الناس ومنذ سنوات طويلة يغفلون عن الاحتفال به.. والاحتفال ليس مقتصراً على يوم إجازة من العمل.. ولكن الأهم هو التذكير بالدروس والعبر والتضحيات التى تمت خلال هذه الأيام المجيدة.. حتى يطلع شباب الأجيال الجديد على تاريخ وطنهم.. ليس من باب الحكايات.. ولكن من باب التحفيز على تحقيق إنجازات جديدة تضاف إلى أيام الوطن المجيدة.. أو على الأقل الحفاظ على أيام التاريخ المجيدة.. لتكون دوماً نبراسًا وقدوة للأجيال الجديدة

 
 
 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة