«تطور ملحوظ»، الوصف الذى ينطبق على مجريات الأمور داخل قطاع السيارات فى مصر، لا سيما منذ بداية العام الجارى، حيث شهدت القطاعات العديد من القرارات والتحركات الإيجابية المدفوعة بتوجيهات رئاسية، بعدما أعلنت الدولة المصرية عن مسار واضح نحو توطين الصناعة كحل جذرى ومستدام، ووُضعت «صناعة السيارات» على رأس أولوياتها، ما أثمر عن تحركات قوية ومبادرات ملموسة داخل السوق المحلية، بداية من التعديلات الوزارية وحتى جذب الاستثمارات الأجنبية، والتى كان أبرزها موافقة مجلس الوزراء على برنامج حوافز إنتاج السيارات الجديد، وهو برنامج يأتى فى إطار الاستراتيجية الوطنية لصناعة السيارات فى مصر، وذلك فى ضوء ما تحظى به صناعة السيارات من اهتمام من جانب الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتوجيهاته المستمرة بضرورة العمل على تنمية وتوطين هذه الصناعة الواعدة التى تعد ركيزة مهمة للاقتصاد، من خلال المساهمة فى جذب الاستثمارات، ومضاعفة حجم الصادرات، وذلك استغلالا لما نمتلكه من مقومات وإمكانات، تسهم فى النهوض بهذه الصناعة المهمة.
ويأتى برنامج الحوافز الجديد بهدف بناء قاعدة صناعية قوية تنافسية لصناعة السيارات والصناعات المغذية فى مصر، حيث يستهدف البرنامج العمل على تهيئة مناخ الاستثمار لتوطين وتعميق التصنيع المحلى فى صناعة السيارات، والحد من الواردات وتحفيز الصادرات وتعظيم الاستفادة من الاتفاقيات الدولية.
كما يسعى البرنامج الجديد إلى زيادة القيمة المضافة المحلية لتصل إلى 60 فى المائة، وزيادة المكون الصناعى المستهدف ليصل إلى ما يزيد على 35 فى المائة، وكذا زيادة الإنتاج الكمى السنوى ليصل إلى 100 ألف سيارة، إضافة إلى تحفيز التحول إلى السيارات صديقة البيئة، وإنشاء مصانع فى المناطق ذات الأولوية لتنميتها، كما يتيح البرنامج الجديد المزيد من المزايا الإضافية، وخاصة للشركات المصدرة، حيث يوفر لها الحصول على الحوافز تشجيعًا للتصدير، فضلا عن وضع حوافز إضافية للشركات التى تحقق الزيادة عن مستهدفات البرنامج.
وفى هذا السياق، أكد أسامة أبوالمجد، رئيس رابطة تجار السيارات، خبير قطاع السيارات، أن «القيادة السياسية اتخذت قرارات حاسمة بعد الأزمة الاقتصادية التى واجهت مصر فى 2024، أهمها التوجه نحو دعم الصناعة والزراعة كحلول جذرية»، موضحا أن «صناعة السيارات كانت على رأس هذا التوجه، لما لها من تأثير مباشر على النمو الاقتصادى وتوفير فرص العمل».
«أبو المجد»، أضاف أن «من أبرز الخطوات التى اتخذتها الدولة، فصل وزارة الصناعة عن وزارة التجارة، وتكليف الفريق كامل الوزير بإدارة وزارة الصناعة، حيث بادر بعقد خمسة اجتماعات متتالية مع كبرى شركات تصنيع السيارات العالمية، بهدف فتح قنوات تواصل فعالة وجذب استثمارات مباشرة فى هذا القطاع الحيوى».
وأوضح أن «التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، خاصة فى ظل السياسات الضريبية العشوائية التى تبناها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب -دفعت الصين إلى البحث عن بدائل للأسواق الأمريكية، ومثّلت مصر واحدة من أكثر الدول الجاذبة فى هذا السياق، بفضل موقعها الاستراتيجى وعدد سكانها، ما جعلها بوابة مثالية لنقل الصناعات الصينية إلى منطقة الشرق الأوسط».
وتابع: الصين تستحوذ على نحو ثلث إنتاج السيارات فى العالم، وتسيطر على حوالى 60 فى المائة من سوق السيارات الكهربائية، ومع تطور العلاقات الثنائية، بدأت الصين فى تحويل استثمارات ضخمة إلى مصر، ما جعل عام 2025 عامًا انتقاليًا مهمًا فى ملف توطين صناعة السيارات، بينما ينتظر أن يكون عام 2026 هو عام الحصاد الفعلى للنتائج.
وكشف رئيس رابطة تجار السيارات، بدء عدة علامات تجارية كبيرة فى التصنيع المحلى داخل مصر، من بينها جيلي، أوبترا، جيتور، والمنصور MG، بالإضافة إلى زيادة استثمارات شركة نيسان، فى مؤشر واضح على تحسن مناخ الاستثمار الصناعي، كما أشار إلى توقيع العديد من البروتوكولات مع شركات صينية لنقل التكنولوجيا والخبرات، حيث تم حتى الآن إنشاء أكثر من أربعة مصانع صينية للسيارات الكهربائية منذ بداية عام 2025، مع توقعات بزيادة العدد إلى أكثر من عشرة مصانع قبل نهاية العام.
كما لفت «أبوالمجد» إلى أن «الصين تنظر إلى مصر كشريك استراتيجى فى المنطقة، وتسعى إلى تحويلها إلى قاعدة صناعية رئيسية للسيارات، تنطلق منها إلى دول الشرق الأوسط، فى ظل ما تمتلكه مصر من بنية تحتية وقدرات لوجستية ومهارات بشرية مؤهلة».
بدوره، قال علاء السبع، عضو شعبة السيارات باتحاد الغرف التجارية: إن «السوق المصرية شهدت منذ بداية 2025 تحسنًا ملحوظًا، نتيجة تطبيق برنامج تنمية صناعة السيارات الذى أعدته الحكومة، ما أسهم فى دخول طرازات جديدة للسوق، وبدء بعض الشركات الأوروبية تدشين خطوط تجميع محلية».
وأضاف «السبع»، أن «هذا التوجه ساعد فى توفير كميات أكبر من السيارات، وساهم بشكل مباشر فى استقرار الأسعار، بل وشهد بعض الطرازات انخفاضًا ملحوظًا بفضل زيادة المعروض وتنامى حجم المنافسة داخل السوق المحلية»، مشيرا إلى أن بيئة التصنيع المحلية أصبحت أكثر جاذبية للمستثمرين، ومؤكدًا أهمية استكمال الدولة لهذا البرنامج الطموح، سواء من حيث تعميق التصنيع المحلى، أو تنظيم عمليات الاستيراد.
عضو شعبة السيارات باتحاد الغرف التجارية، توقع أن يشهد النصف الثانى من عام 2025 مزيدًا من الاستقرار فى السوق، مع استمرار التوسع فى خطوط الإنتاج وزيادة المعروض من السيارات، إلى جانب تقديم الشركات طرازات متنوعة تناسب مختلف الشرائح، مؤكدا أن هذا من شأنه أن ينعكس إيجابًا على المستهلك، ويعزز من تنافسية السوق المصرية ليكون أحد المراكز المحورية فى صناعة وتجارة السيارات فى المنطقة، متابعًا فى ظل الإجراءات الجريئة التى اتخذتها الدولة، والدعم الحكومى المتواصل للقطاع، تبدو ملامح مستقبل صناعة السيارات فى مصر أكثر وضوحًا وإشراقًا، ومع استمرار توطين الصناعة وتزايد الاستثمارات الأجنبية، خاصة من الجانب الصيني، تقترب مصر من تحقيق هدفها بأن تصبح إحدى القلاع الصناعية الكبرى فى قطاع السيارات داخل الشرق الأوسط.
«السبع»، أوضح أيضا أن «قرار تنمية قطاع صناعة السيارات فى مصر قرار استراتيجى، ويعكس رؤية ثاقبة لأوضاع السوق المحلية، لكنه يتطلب من الدولة تهيئة المناخ المناسب واتخاذ عدة محاور رئيسية ووضع خطط طويلة المدى تحكمها ضوابط محددة ومحفزة للاستثمار، ويُراعى فيها التنسيق بين الجهات المعنية وعقد الاتفاقيات وتبادل الخبرات فى مجال صناعة السيارات مع الكيانات المتخصصة فى هذا المجال ووضع الإطار العام للإصلاح التشريعى والإداري، ومن متطلبات عملية التصنيع من واقع دراسة متعمقة لمتطلبات السوق المصرية، البداية بالتركيز على التعاون بين وزارة التجارة والصناعة ووزارة المالية، حيث يجب أن يُمنح المستثمرون امتيازات اقتصادية مغرية، سواءً من منح التسهيلات البنكية والجمركية الإعفاءات الضريبية، وتخصيص الأراضى لإقامة المصانع، وتوفير العمالة ماهرة، وكل ما يسهّل مهمتهم، وبناء على ذلك ستُقام صناعة حقيقية على أرض مصر».
وأضاف: من ضمن العوامل التى تطالب بها شعبة السيارات هى رفع الضرائب عن المكون المحلى، وذلك أسوة بالإعفاء التام الذى تمنحه الدولة لمستورد السيارة الكاملة التصنيع، ويرى أنه من باب أولى أن يرفع الحد الضريبى عن المستوردين للمكون المحلى.
واختتم «السبع» حديثه، بقوله: تحقيق النجاح الحقيقى فى أية صناعة لا يبدأ من الصفر، وإنما يتحقق عندما نكمل طريقًا بدأه السابقون لنا فى التصنيع ونزيد عليه ونبنى ونطور ونعمق الصناعة، وهو أمر لطالما أكدت عليه القيادة السياسية بالدعوة المستمرة بتوطين الصناعة الخارجية لمصر، وحتى ننهى النظرة بأننا بلد مستهلكين ولسنا مُصنعين، فضلا عن أن التصدير لجميع أنحاء العالم سيدرّ عائدًا ماديًا واقتصاديًا ويوفر حصيلة كبيرة للخزانة العامة للدولة، كما يسهم فى صقل الخبرات والعمالة الماهرة والخبرة والتكنولوجيا.
من جهته، لفت عمر بلبع، رئيس الشعبة العامة للسيارات، إلى أن «الدولة قدمت طوق النجاة لتلك الصناعة، وأن التوجه لتوطين صناعة السيارات والنهوض بها هو هدف قومى رائد، وسيكون له أبلغ الأثر على تنمية الاقتصاد الوطنى مستقبلا، والأمل فى فتح أسواق خارجية وإدخال عملة صعبة، وواقعيا يلزم لتحقيق ذلك تطبيق بعض الآليات؛ منها (تقديم حوافز تشجيعية للمستثمر الأجنبي، وإعفاءات جمركية وإعفاءات ضريبية طويلة المدى، فضلًا عن تنمية الكفاءات والاستعانة بخبرات الأفراد وتجارب الدول المتميزة فى التصنيع)، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار عن طريق ربط الحافز بالإنتاج».
وأعرب «بلبع» عن تفاؤله بأن يشهد سوق تطوير الصناعة زيادة نسبة المكون المحلى وضخ المزيد من الصناعات المغذية لقطاع السيارات، وأن تزيد نسبة التجميع المحلى من 45 فى المائة إلى نسب أعلى تدريجيا للمحافظة بالكفاءة بالتوازى مع الكمية، حتى نتمكن فى مزاحمة التصدير وتوفير عملة صعبة يُعاد تدويرها للقطاع ومستلزماته المستوردة، لافتًا إلى أن «مصر تتمتع بمزايا إقليمية كبيرة تمكّنها من فتح آفاق واعدة مستقبلًا، فعلى سبيل المثال لديها احتياطى من الغاز الطبيعى وتمتعها بمواقع استراتيجية لإقامة المشروعات، ومساحات الأراضى الشاسعة والمدن الصناعية العملاقة .. كل ذلك له اعتبارات لوجستية كبيرة فى حالة تطبيق الشروط السابقة».
وقال خالد سعد، خبير السيارات، وأمين عام رابطة مُصنعى السيارات، أن «البرنامج الوطنى لتنمية صناعة السيارات يتضمن حزمة متكاملة من الحوافز المشروطة تستهدف تعميق الصناعة المحلية وتعزيز تنافسية السوق المصرية»، مضيفًا أن «الحوافز تشمل دعمًا ماليًا مباشرًا مرتبطًا بزيادة نسبة المكون المحلي، إلى جانب مزايا إضافية تُمنح للمستثمرين الملتزمين بتصدير جزء من إنتاجهم، كما يقدم البرنامج حوافز خصوصًا لتصنيع السيارات الكهربائية، ويشجع على ضخّ استثمارات جديدة فى الصناعات المغذية وتوسيع القدرات الإنتاجية، بما يسهم فى رفع القيمة المضافة للاقتصاد الوطنى».
وأوضح «سعد»، أن «مناقشات جرت لتعديل بعض الحوافز، أبرزها آلية احتساب نسبة المكون المحلي، التى كانت تُحسب سابقًا من إجمالى القيمة النهائية للسيارة بعد التجميع، ما أدى إلى ظهور نسب مرتفعة رغم الاعتماد على مكونات مستوردة. أما التعديل الجديد، فيقضى باحتساب النسبة بناءً على قيمة المكونات الفعلية فقط، بما يضمن توجيه الحوافز للمُصنعين الجادين فى تعميق الصناعة محليًا».
كما أكد الأمين العام لرابطة مُصنعى السيارات، أهمية الترويج بشكل أكبر للحوافز الحكومية لتعريف الشركات العالمية بالمزايا المتاحة، مشيرًا إلى أن غياب الوضوح فى بعض التفاصيل قد يحدّ من جذب استثمارات جديدة، وموضحًا أن أسباب ارتفاع مبيعات السيارات بنسبة 76 فى المائة خلال الربع الأول من 2025، يعود إلى انخفاض أسعار السيارات المحلية مقارنة بالمستوردة، إلى جانب القضاء على ظاهرة الـ«أوفر برايس»، متوقعًا استمرار النمو خلال الربع الثانى مع توفر السيارات بأسعار تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطنين.
كذلك، أشار إلى أن «قرار الحكومة بتوفير الموافقة المسبقة على نظام (ACI) عبر النظام الجمركى سيساهم بشكل واضح فى تنشيط المعاملات التجارية الخاصة باستيراد السيارات من الخارج، مما يتيح وفرة فى المعروض والمخزون، وقد يساهم فى انخفاض الأسعار وزيادة المبيعات وفقا لنظرية العرض والطلب.
وتابع: من خلال تطوير منظومة الجمارك، فإنه بات واضحا أن هناك إجراءات كثيرة قد تم دمجها وتقليص مدتها، بحيث يساهم ذلك فى تخفيض زمن الإفراج الجمركى عن الشحنات والبضائع بالموانئ، خاصة تلك التى تتعلق بالصناعات المغذية لصناعات رئيسية يتم توطينها فى إطار الاستراتيجية الوطنية لتوطين الصناعات فى مصر، على سبيل صناعة السيارات يأتى ذلك عبر التنسيق المستمر بين الجهات المختلفة المعنية بعملية الاستيراد والتصدير والإنتاج، ومن خلال زيادة فاعلية لجان الفحص المشترك للرقابة على البضائع المستوردة والمصدرة، وكذا تفعيل دليل التشغيل والإجراءات الخاصة بمنظومة التسجيل الآلى للأصناف فى المنافذ الجمركية.
وأشار الأمين العام لرابطة مُصنعى السيارات، إلى أن «توافر مستلزمات إنتاج السيارات وخامات الصناعات المغذية لصناعة السيارات سوف يؤدى إلى إنعاش السوق المحلى عبر زيادة معدلات الإنتاج، وبالتالى انتعاش حركة شراء وبيع السيارات، مما يساهم فى مواجهة حدة الأسعار المطردة مع الأسعار العالمية، ويتماشى ذلك أيضا مع توفير السلع الأخرى الضرورية للمواطن المصرى، والتى تحتاج إلى نفقات كبيرة لأجل استيرادها من الخارج مما يخفف العبء عن كاهل الموازنة العامة للدولة، هذا بالإضافة إلى أن تقليل حجم الفاتورة الاستيرادية لمنتجات يتم تصنيعها محليا».

