رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الفهلوة والمتاجرة بصحة الشعب


12-6-2025 | 20:42

.

طباعة
بقلـم: أحمد النبوى

«بنشترى بواقى زيت الطعام ؛ بواقى زيت الفراخ ؛ بواقى زيت السمك ؛ بنشترى بواقى الزيت الكيلو بـ35 جنيه»

نداء نسمعه داخل بيوتنا جميعاً عبر مكبرات صوت سيارات تجوب شوارع القرى والمراكز والأحياء في كل محافظات مصر لجمع الزيوت المستعملة من المواطنين وذلك بعد ارتفاع أسعار الزيوت بأنواعها فى مصر، وصاحب ذلك النداء ظهور مصانع «بير سلم» تقوم بتجميع زيت الطعام المستعمل والهالك وإعادة تدويره مرة أخرى لبيعه بالأسواق بأسعار أقل نسبياً، وظهرت أسماء جديدة وكثيرة لأنواع زيت لم يسمع عنها المواطن المصرى من قبل، وواكب ذلك حملات من وزارة التموين وظهور أخبار عن ضبط كميات كبيرة من الزيوت المستعملة فى أكثر من محافظة.

 

ورغم تلك الحملات إلا أن مكبرات الصوت مازالت مستمرة فى الشوارع وبزيادة لسعر الشراء مما يؤكد أن حملات وزارة التموين ليست كافية للحد من انتشار تلك الظاهرة رغم أن الجميع على علم بأن استخدام تلك الزيوت المستعملة يؤدي إلى أمراض خطيرة مثل أنواع من السرطان وأمراض القلب وانسداد الشرايين والفشل الكلوي، كما تؤدي إلى خلل في الجهاز المناعي نتيجة لاستخدام مادة للتبييض لإعادة الاستخدام.

وهنا يخرج علينا بعض المنتفعين ليزعموا أن الهدف من شراء الزيوت المستعملة خدمة الاقتصاد الوطني بإعادة استخدامها بعد التنقية في صناعة الصابون والجلسرين أو ببيعها لمصانع الوقود الحيوي للحفاظ على البيئة وتحقيق استفادة مالية للمواطنين من المخلفات وعدم إلقائها بالمواسير والصرف الصحي منعاً لتراكمها وانسدادها في بعض المناطق.

ما يحدث خطر حقيقى على صحة المصريين ويجب على جميع الأجهزة الرقابية التعامل مع تلك الظاهرة بخطة مدروسة وليس بحملات وزارة التموين فقط، ورغم مناقشة تلك الظاهرة الخطيرة داخل البرلمان بطلب إحاطة لاستيضاح سياسة الحكومة لدعم إعادة تدوير زيوت الطعام المستعملة لإنتاج الوقود العضوي فقط دون زيوت الطعام، مازال النداء «نشترى بواقى الزيت» مستمراً ومنتشراً .

الأرقام تؤكد أن مصر تستورد نحو 97 في المائة من احتياجاتها للزيت من الخارج، ولا تنتج سوى 3 في المائة، بحسب ما أعلنته وزارة التموين، ويصل حجم الاستهلاك نحو 2.4 مليون طن سنوياً، بمعدل 20 كيلوجراماً للفرد وفقاً للإحصاءات الرسمية

وهذه الأرقام الرسمية دليل قوى على أننا لا ننتج وقوداً عضوياً أو حتى نصدره لأى دولة ولكن للحق يجب أن نعترف أن الدولة تتحرك وتفكر ففى الشهر الماضى عقد وزراء البترول والبيئة والطيران المدني في مصر اجتماعاً تنسيقياً لبحث آليات تنفيذ المشروع الوطني لإنتاج وقود الطائرات المستدام (SAF) باستثمارات تصل إلى 530 مليون دولار أمريكي، وتقود الشركة المصرية لإنتاج وقود الطائرات المستدام (ESAF) هذا المشروع العملاق، حيث تم الانتهاء من إعداد دراسات الجدوى الخاصة به بالتعاون مع بنك التنمية وإعادة الإعمار الأوروبي (EBRD) الذي يعتمد على أحدث تقنيات المعالجة الهيدروجينية المتقدمة لتحويل زيوت الطعام المستعملة والمخلفات الزراعية إلى وقود طائرات صديق للبيئة، حيث مستهدف أن يتم تحويلها باستخدام تقنيات المعالجة الهيدروجينية المتقدمة لإنتاج 120 ألف طن سنوياً من وقود الطائرات المستدام وسيتم توجيه الإنتاج لتلبية احتياجات السوق المحلي والتصدير للخارج.

المشروع يعزز من مكانة مصر بصفتها مركزاً إقليمياً لإنتاج الوقود المستدام وتوزيعه، وتترجم التزاماتها الدولية في مجالات الاستدامة والبيئة، من خلال خفض الانبعاثات الكربونية، ودعم التحول لمصادر الطاقة النظيفة في القطاعات الحيوية.

المشروع يقام على مساحة 100 ألف متر مربع في موقعه المقابل لميناء الدخيلة، وهنا نطرح عدداً من الأسئلة المشروعة، أولها: هل الحكومة قادرة على مواجهة مصانع بير السلم؟ هل الحكومة وضعت خطة لكيفية حصولها على زيت الطعام المستعمل؟ هل الحكومة قادرة على منافسة سماسرة شراء الزيت بمكبرات الصوت؟

الحقيقة أننى لا أملك إجابات عن تلك الأسئلة ولكن على الحكومة أن تخرج علينا لتوضح رؤيتها فى الإجابة عن تلك التساؤلات والتى تحتاج إلى تكثيف جهود التعاون بين الوزارات والمحافظين إن كانوا يريدون نجاح المشروع، وهنا يجب أن نقول إن وزارة التنمية المحلية بقيادة الدكتورة منال عوض عليها دور فعال على أرض الواقع، ليس من خلال المحافظين فقط ولكن من خلال كل رئيس مجلس مدينة ورئيس حى وحتى فى القرى.

مشروعات التدوير فى مصر حتى الآن تسير بخطوات مقبولة وبعضها جيدة جداً مثل الاستخدام الأمثل للمياه وإعادة الاستفادة منها أو حتى فى مشروع تدوير القمامة.

ويكفى أن تعلم عزيزى القارئ أن مصر تمتلك إمكانات هائلة للاستفادة من خدمات إعادة التدوير، كما سنت الدولة تشريعات داعمة لمجال إدارة النفايات وعلى رأسها القانون 202 لسنة 2020 الخاص بتنظيم المخلفات ولائحته التنفيذية الصادرة عام 2022، علاوة على توفير الإطار المؤسسى المعنى بهذه السوق، حيث تم إنشاء جهاز تنظيم إدارة المخلفات عام 2015، بهدف تنظيم كافة العمليات المتعلقة بإدارة المخلفات، بالتعاون مع الوزارات والجهات المعنية محلياً ودولياً، بجانب تشجيع وجذب الاستثمار أو ذلك ضمن مؤشر الأداء البيئى العالمي فى هذا المجال.

وقد تكللت الجهود المصرية بتصدر مصر الدول العربية فى المؤشر الفرعى الخاص بإعادة تدوير المخلفات، جاءت فى المرتبة الـ 14 عالميًا والأولى عربياً من حيث معدلات إعادة التدوير لعام 2023، مقابل المرتبة الـ 42 عالمياً فى عام 2022

على الحكومة أن تعلن عن استراتيجيتها وخطتها للتعامل مع هذا المشروع المهم الذى يحمى صحة المصريين أولاً قبل أن يشجع الاستثمار ؛ فالدولة تدفع مليارات الجنيهات لعلاج الشعب من الأمراض وخاصة مرض السرطان الذى لا يستطيع المواطن أن يتحمل تكلفته وعلاجه ؛ وعليها نشر حملات توعية للمواطنين من خطر سماسرة مكبرات الصوت الذين يعملون لصالح مصانع بير السلم.

وأقترح على الحكومة بوزاراتها المختلفة أن تقوم بالتعاون مع التحالف الوطنى للعمل الأهلى وحياة كريمة وتكافل وكرامة بتوفير (تروسيكل) لعدد من المستحقين بالرعاية للعمل لشراء الزيت المستعمل من المواطنين كل فى منطقته أو قريته أو مدينته بزى موحد، على أن يحصل، كلّ منهم على كارنيه مخصص صادر من مجلس المدينة، وذلك بهدف تنظيم عملية الشراء بالإضافة إلى توفير فرص عمل شريفة لمن يستحق.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة