الأضحية شعيرة إسلامية من شعائر الله، التى أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نعظمها، لأن تعظيمها دليل على تقوى القلوب وإخلاصها لله سبحانه وتعالى، حيث قال الله جل وعلا: «ذَلِكَ ومَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فإنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ»، فالنحر إقامة لهذه الشعيرة، والأضحية فداء وصدقة، وإطعام، بل من أفضل الصدقات والقربات لله سبحانه وتعالى، حيث بيَّن النبى صلى الله عليه وسلم أن أفضل الصدقة إطعام الطعام، كما أنها تحوى جانبًا مهمًا وهو صلة الأرحام، من خلال الإهداء فكلُّ مُضَحٍّ يأكل من أضحيته، ويهدى، ويتصدق لقوله تعالى: «فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ». وقوله تعالى: «فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»،
فالقانع السائل المتذلل، والمعتر المتعرض للعطية من دون سؤال، وقد جاء فى التفاسير وأطعموا مما تذبحون أو تنحرون هنالك من بهيمة الأنعام من هديكم وبُدنكم البائس، وهو الذى به ضرّ الجوع والزمانة والحاجة، والفقير الذى لا شيء له، وعن سلمة بن الأكوع رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلّم قال: «كلوا وأطعموا وادخروا»، والإطعام يشمل الهدية للأغنياء والصدقة على الفقراء، فعن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلّم قال: «كلوا وادخروا وتصدقوا»، وروى أن زيد ابن الأرقم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذه الأضاحى؟ فقال رسول الله: سُنَّة أبيكم إبراهيم صلاة الله وسلامه عليه، فقال زيد: فمالنا منها؟ قال عليه السلام: بكل شعرة حسنة. قالوا: يا رسول الله، كالصوف؟ قال «بكل شعرة من الصوف حسنة».
فالأضحية من هدى النبى عليه الصلاة والسلام، وقربة إلى الله لها ثواب عظيم تصل إلى أن له بكل شعرة تعلو تلك الذبيحة أجر، وتحويل الأضحية إلى مال بأن يتصدق بثمن الأضحية قد يحرم بعض البيوت الفقيرة التى تنتظر العيد لتمتلئ أوانيهم باللحوم، ودلَّ على ذلك فعل النبى عندما ذبح كبشين من أفضل الكباش وهو يقول «هذا عن فقراء أمة محمد، وهذا عن محمد وأهل بيته» فتكون بذلك توسعة على المسلمين، ولذلك فقد شرع الرسول صلى الله عليه وسلم اجتماع الناس واشتراكهم فى ذبيحة كبيرة ليعم الخير ويزداد النفع فأمر سبعة من أصحابه كانوا معه، فأخرج كل واحد منهم درهما واشتروا الأضحية وقالوا: يا رسول الله: لقد أغلينا بها، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: إن أفضل الضحايا أعلاها وأسمنها، وأمر رسول الله فأخذ رجل برجل، ورجل برجل، ورجل بيد ورجل بيد، ورجل بقرن، ورجل بقرن، وذبحها السابع وكبروا عليها جميعا»، ومن السنة فى الذبح أن يكون بعد صلاة العيد لقول الله تعالى يقول المولى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول النبى: «ما عمل بن آدم عملا يوم النحر أحب إلى الله من إراقة دم...»، فتلك شعيرة لها فضل عظيم واظب عليها النبى صلى الله عليه وسلم، فهى وسيلة للتوسعة على النفس والبيت، وإكرام الجار والضيف، والتصدق على الفقير، وكلها مظاهر للسرور بما أنعم الله به عليه.
ولقد شرعت الأضحية تقربًا إلى الله عز وجل لإطعام المساكين فهى من الأعمال التى اختصّ بها هذا الشهر فلا تكون إلا فى أربعة أيام فى السنة يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة، تقربًا إلى الله تعالى فى أيام النحر، وإحياءً لسنة أبينا إبراهيم الخليل عليه السلام، فالله عزّ وجلّ لا يناله من المسلم فى أضحيته إلا التقوى، فلن ينال لحومها ولا دماؤها، فهو القائل جل وعلا: «لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ» وهنا يحضرنى تفسير إمام الدعاة شيخنا العلامة الشيخ محمد متولى الشعراوى حين يقول: إن الناس قبل الإسلام حين يذبحون للأوثان يُلطّخون الصنم بدماء الذبيحة، كأنهم يقولون له: لقد ذبحنا لك، وها هى دماء الذبيحة، وفى هذا العمل منهم دليل على غبائهم وحُمْق تصرفهم، فهم يروْن أنهم إذا لم يُلطِّخوه بالدم ما عرف أنهم ذبحوا من أجله، وهنا ينبه الحق -سبحانه وتعالى- إلى هذه المسألة: {لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا.. } أى لا يأخذ منها شيئًا، وهو سبحانه قادر أنْ يعطى الفقير الذى أمرك أنْ تعطيه، ويجعله مثلك تمامًا غير محتاج، إنما أراد سبحانه من تباين الناس فى مسألة الفقر والغنى أن يُحدِث توازنًا فى المجتمع، فتتدخّل الشرائع السماوية فتأخذ من القوى وتعطى الضعيف، وتأخذ من الغنى وتعطى الفقير وساعتها، نقضى على مشاعر الحقد والحسد والبغضاء والأَثَرة، ليتحقق فينا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشدُّ بعضه بعضًا».
وختامًا على المضحى مراعاة الآداب التى قلَّ مَن يعمل بها، والتى منها عدم ذبح الحيوان أمام آخر ينظر إليه؛ لما فيه من إيذاء للحيوان، وتنظيف مكان الذبح، فضلا عن سلامة الأضحية من العيوب الفاحشة، التى تنقص الشحم، أو اللحم، إلا ما استثنى وقد قال النبي: «أربعٌ لا تُجزئُ فى الأضاحيِّ: العَوراءُ، البيِّنُ عورُها، والمريضةُ، البيِّنُ مرَضُها، والعرجاءُ، البيِّنُ ظَلَعُها، والكَسيرُ، الَّتى لا تنقَى».
