«الأمن الغذائى»، واحد من الملفات التى تلقى اهتمامًا واضحًا من القيادة السياسية من خلال تعزيز التصنيع المحلى، وهو ما عبر عنه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أكثر من مناسبة، كان آخرها خلال فعاليات موسم حصاد القمح 2025، عندما تساءل عن سبب تأخر إنشاء مصنع لإنتاج لبن الأطفال فى مصر، بالرغم من احتياج السوق المحلى إلى نحو 45 مليون علبة سنويًا، ودعا الرئيس، المستثمرين ورجال الصناعة، إلى ضرورة اغتنام الفرصة والمشاركة فى تطوير هذا القطاع الحيوى، مؤكدًا أن تحقيق الاكتفاء الذاتى فى إنتاج اللحوم والألبان من شأنه أن يوفر حياةً كريمةً للمواطنين، ويقلل الاعتماد على الواردات.
وفى هذا السياق، قال الدكتور محمد شهاب، أستاذ الاقتصاد، نائب رئيس جامعة دمياط: فى عدد كبير من المناسبات تقوم القيادة السياسية بالتنبيه على الحكومة بضرورة التركيز أهداف تحقيق الاكتفاء الذاتى، خاصة فيما يتعلق بالسلع الاستراتيجية والأمن الغذائى التى تمس حياة المواطن المصرى وانطلاقًا من أهمية هذا الموضوع. فقد أعاد الرئيس مرة أخرى الحديث عن أولوية توفير سلعتى اللحوم والألبان وإعادتها بقوة إلى المشهد الاقتصادى، منبهًا بضرورة توفير هذه السلع الاستراتيجية والضرورية للمواطن المصرى.
وأضاف: اهتمام الرئيس لا ينصب فقط على الجيل الحالى، ولكنه يهدف إلى بناء الجيل القادم وبناء المستقبل، وعلى سبيل المثال اللحوم الحمراء والألبان وهى من السلع التى تأتى على قوائم الطعام رغم ارتفاع أسعارها مقارنة بمتوسط دخل الفرد، وفى ظل زيادة سكانية متنامية وحدوث العديد من التغيرات المناخية التى أدت إلى شراسة الأمراض الوبائية مما دفع عددًا كبيرًا من مربى الماشية إلى العزوف عن التربية والإنتاج.
«شهاب» أشار إلى أهمية زيادة توفير اللحوم والألبان، موضحًا أنه «على الدولة أن تقوم بالتوسع الرأسى أولًا فى الإنتاج من خلال تحسين الصفات الوراثية للسلالات لرفع كفاءتها الإنتاجية ورفع مستوى الرعاية والتغذية وزيادة التلقيح الصناعى لزيادة وتحسين السلالات المحلية مع الاهتمام بالتوسع الأفقى من خلال زيادة أعداد الأبقار والجاموس، أيضًا العناية بالخدمات البيطرية وتربية أجيال جديدة من طلاب كلية الطب البيطرى يكونون على قدرٍ من الوعى الكافى وخبرة بكيفية التعامل مع الأزمات وتطوير منظومة الإنتاج من اللحوم والألبان».
وأضاف: كما يجب العمل على زيادة مراكز التلقيح لرفع الإنتاجية من اللحوم والألبان، والأهم من ذلك التوسع فى مراكز تجميع الألبان والتوصل لحلول علمية وعملية لرفع جودة الألبان وتطوير مراكز ونقاط تجميع الألبان بالمواصفات القياسية العالمية، حتى يتم توريدها إلى المصانع ثم المستهلك النهائى، هذا إلى جانب التوسع فى تطبيق الأبحاث العلمية التى تفيد فى تطوير منظومة الإنتاج الحيوانى والتربية المستمرة للحيوانات والتوعية للمربين، كما يجب التوسع فى الحد من السلالات المحلية قليلة الإنتاجية، سواء اللحوم والألبان ومحاولة زيادة السلالات الأجنبية عالية الإنتاج أو عمل خلط لهذه السلالات.
بدوره، أوضح الدكتور السيد خضر الخبير الاقتصادى، أن زيادة الاستثمارات فى الثروة الحيوانية ضرورية لتحقيق التنمية المستدامة، ولها أهمية كبيرة على عدة أصعدة من خلال تحسين الأمن الغذائى وتعزيز الاستثمارات فى الثروة الحيوانية إنتاج اللحوم والألبان مما يُسهم فى توفير الغذاء للسكان وتقليل الاعتماد على الاستيراد، أيضًا زيادة الدخل القومى وتطوير الثروة الحيوانية يساهمان فى زيادة الإنتاجية، وبالتالى تحسين الاقتصاد الوطنى من خلال زيادة الصادرات، إلى جانب توفير فرص عمل من خلال إنشاء مشاريع فى هذا القطاع يخلق فرص عمل جديدة. مما يقلل معدل البطالة ويزيد من مستوى المعيشة.
كذلك، أشار إلى أن تنمية الريف ودعم الثروة الحيوانية يسهمان فى تطوير المناطق الريفية، مما يُعزز التنمية المستدامة ويقلل من الهجرة إلى المدن. تحسين صحة المواطن من خلال زيادة إنتاج اللحوم والألبان ذات الجودة العالية تؤدى إلى تحسين التغذية والصحة العامة للمواطنين. أيضًا يُسهم فى زيادة إنتاج اللحوم والألبان مما يضمن تلبية احتياجات السكان الغذائية.

وأوضح «خضر»، أن زيادة الدخل القومى تُعزز من الناتج المحلى الإجمالى من خلال زيادة الإنتاجية والمساهمة فى الصادرات، أيضًا توفر وظائف مباشرة وغير مباشرة فى المزارع والمصانع وسلاسل التوزيع، وكذلك الاستمرار فى تحسين مستوى المعيشة، حيث تؤدى إلى زيادة الدخل للمزارعين والعمال فى القطاع مما يرفع من مستوى المعيشة، أيضًا تنمية المناطق الريفية من خلال تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى المناطق الريفية مما يقلل من الفقر والهجرة إلى المدن إلى جانب تحسين الصحة العامة زيادة إنتاجية الثروة الحيوانية من خلال توفير منتجات غذائية غنية بالعناصر الغذائية، مما يُسهم فى تحسين صحة المواطنين.
ونوه بأن تعزيز الاستدامة حيث يسهم الاستثمار فى تقنيات جديدة فى تحسين كفاءة الإنتاج وتقليل الأثر البيئى، أما عن أسباب عدم إقامة مصانع فى مصر حيث إن التكلفة العالية تحتاج إقامة المصانع إلى استثمارات كبيرة، مما يشكل عائقًا أمام المستثمرين، لافتًا إلى أن الاعتماد الكبير على الاستيراد يمكن أن يؤدى إلى عدم تحفيز الاستثمار المحلى مع الاستمرار فى تقديم حوافز تشجيعية للقطاع الخاص لزيادة حجم الاستثمارات فى هذا القطاع الحيوى لزيادة القدرة الإنتاجية والمساهمة فى تحقيق الاكتفاء الذاتى، وتحسين واستقرار مستوى الأسعار وتقليل فاتورة الاستيراد بشكل كبير.
من جهته، أوضح الدكتور عمرو يوسف، أستاذ الاقتصاد والتشريعات المالية والضريبية المساعد بأكاديمية الإسكندرية، أن مسألة تأمين الغذاء تُعد من الأمور الاستراتيجية ومعيارًا معتبرًا فى مدى تقدم الدولة فى ملف التنمية الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء، وذلك بسد العجز من الإنتاج المحلى بغيره من المنتجات الدولارية، وفى ظل التزايد المستمر فى الاستهلاك نتيجة عدة عوامل أهمها الزيادات السكنية مما يعمل على الأمر على توليد الكثير من الضغوط غير العادية على هيكل المصروفات والنفقات داخل موازنة الدولة وإفساح المجال نحو توفير وتخصيص الموارد المالية الدولارية لاستيراد تلك المنتجات.
كما لفت إلى أنه من بين أهم تلك المنتجات والتى تتكبد الدولة مشقة البحث عن السلال الدولارية هى منتجات الألبان واللحوم، حيث بلغ حجم الواردات من اللحوم ما يجاوز عدد المليارى دولار، فضلًا عن أكثر من مليار دولار آخر لسد احتياجات المواطنين من منتجات الألبان مما يعكس حجم الواردات من تلك السلع فقط لعدم كفاية المنتج المحلى وتحقيق الإشباع المطلوب.

وأكد أن جهود الدولة تأتى فى فتح ملف تصنيع اللحوم وكذا منتجات الألبان فى مقدمة اهتمامات الدولة بل قطاع يبحث بجدية عن استثمار واعد، خاصة بامتلاك مصر المقومات الأساسية له والنجاح تلك المشروعات الحاضنة لتلك الصناعات يجب معها أيضًا تشجيع الزراعات الخاصة بالحبوب والأعلاف، حيث إن أكبر مشكلة تواجهها هذه الصناعات هى مسألة توافر الأعلاف وبأسعار تنافسية، وذلك لن يتأتى إلا من خلال مشروعات قومية تخدم بعضها البعض، فضلًا عن تنقية السلالات الجيدة كثيفة الإنتاج. ولأهمية تلك المشروعات نرى أنها من أهم نقاط جذب العمالة، فضلًا عن الاستغناء عن السلع الدولارية والتى هى بطبيعتها مَن صنعت فجوات التضخم المتتالية لتؤثر بعد ذلك على مستوى عام الأسعار بعيدًا عن الاضطرابات الخارجية وتغييرات سعر الصرف الأجنبى.
فى حين رأى الدكتور عمرو عرفة، مدرس التمويل والاستثمار بأكاديمية وادى العلوم، أنه فى ظل التحديات الاقتصادية وارتفاع تكاليف الاستيراد، يجب أن تسعى مصر إلى تعزيز إنتاجها المحلى من اللحوم والألبان من خلال الاعتماد على السلالات الحيوانية غزيرة الإنتاج وإنشاء مصانع متطورة للتجهيز والتصنيع ويُعد استخدام سلالات مثل الهولشتاين والفريزيان فى إنتاج الألبان والأنغوس والسمنتال فى إنتاج اللحوم. فمضاعفة كميات الإنتاج تساهم فى تلبية احتياجات السوق المحلى وتقليل الفجوة بين العرض والطلب، كما أن إنشاء مصانع محلية لتجهيز اللحوم ومنتجات الألبان يُسهم فى رفع القيمة المضافة للمنتجات وتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد الحيوانية.
وأوضح أن «اللحوم تُعد من أكبر بنود الواردات المصرية، حيث تتجاوز فاتورة الاستيراد السنوية مليار دولار، وبالتالى فإن تقوية الإنتاج المحلى يمثل خطوة استراتيجية نحو تقليل الاستيراد، مما يُسهم فى توفير فرص عمل جديدة من خلال الصناعات القائمة على الإنتاج الحيوانى من لحوم وألبان، وكذلك توفير العملة الصعبة وتعزيز الأمن الغذائى الوطنى، ولتحقيق هذه الأهداف يجب تكامل الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص من خلال توفير الدعم الفنى والمالى وتسهيل الاستثمار فى مجال الثروة الحيوانية والتصنيع الغذائى».
ولفت إلى أن مشكلة إنتاج الألبان الأساسية فى مصر هى نفس مشكلة اللحوم والدواجن، وهى عدم توفر الأعلاف للمربين ومعظم الأعلاف الموجودة هى عن طريق الاستيراد سواء الذرة الصفراء أو فول الصويا الإنتاج المحلى منها لا يغطى 30 فى المائة، إذاً الحل يكمن بزيادة المساحة المنزرعة حتى نقلل الاستيراد من الخارج ويجد المربون أعلافًا بأسعار مناسبة، وينعكس ذلك على كم الإنتاج من الدواجن واللحوم الحمراء وكميات الإنتاج من الألبان، وذلك باستيراد أصناف وسلالات من الخارج إنتاجها أعلى بكثير، مما أدى لتشجيع المزارعين وأيضًا يشجع زيادة المعروض فى الإقبال على إقامة مصانع للألبان.
من جانبه أكد الدكتور مدحت عنيبر أستاذ الاقتصاد الزراعى بمركز البحوث الزراعية، أن مصر تعانى من فجوة فى الثروة الحيوانية وإنتاج الألبان بكميات تكفى الاستهلاك المحلى، والسبب الأساسى هو الأعلاف نظرًا إلى محدودية الأرض الزراعية تكون المفاضلة بين زراعة المحاصيل مثل القمح أو البرسيم، محصول علف الاثنين دورة شتوية، وأكبر المحاصيل الشتوية فى المساحة القمح 3 ملايين وربع المليون هذا العام، والبرسيم حوالى 2 مليون فدان ومعها الفول البلدى وبقية المحاصيل الشتوية تبلغ نسبة الاكتفاء الذاتى من اللحوم الحمراء 50 فى المائة تقريبًا وزيادة مساحة محاصيل الأعلاف سوف تكون على حساب المحاصيل الأخرى والتوسع الأفقى المستهدف 4.5 مليون تمت زراعة نصفها حتى الآن سوف يساهم فى علاج المشكلة.
«عنيبر»، أشار إلى أن الدولة تتجه حاليًا إلى معالجة هذه المشكلة عن طريق زيادة الثروة الحيوانية عمومًا وتم إنشاء العديد من المزارع فى مختلف المناطق والعديد من مصانع الأعلاف وزيادة المساحة المزروعة من الذرة الشامية الصفراء ومن فول الصويا وهما أساس الأعلاف 75 فى المائة من الذرة الصفراء و15 فى المائة من فول الصويا و10فى المائة حسب نوع الإنتاج، سواء لحومًا حمراء أو الألبان أو الدواجن أو الأسماك، ولدينا مركز متخصصة فى كل مجال على حد سواء إنتاج اللحوم الحمراء أو الألبان أو الدواجن والأسماك والمراكز المتخصصة فى إنتاج وإحلال السلالات.
وقال الدكتور هشام إبراهيم، أستاذ التمويل والاستثمار، إن احتفالات الدولة بعيد العمال هذا العام جاءت مختلفة، إذ جرت فى مواقع الإنتاج لا فى القاعات المغلقة، مشيرًا إلى أن افتتاح عدة مصانع فى قطاعات متنوعة يؤكد دخول مصر إلى مجال الصناعة بقوة، مؤكدًا أن من أبرز هذه القطاعات الصناعات الثقيلة والإلكترونيات والصلب، وأن هذه المجالات تُمثل أهمية استراتيجية وتُسهم بشكل كبير فى خفض الاعتماد على الواردات وزيادة حجم التصدير.
وأضاف «إبراهيم»، أن الدولة تعمل على تذليل العقبات التى واجهت المستثمرين لسنوات، عبر تسريع إصدار التراخيص وتوفير الأراضى الصناعية، بالإضافة إلى إطلاق الرخصة الذهبية لتيسير الإجراءات، مشيرًا إلى أن نسبة مساهمة قطاع الصناعة فى الناتج المحلى بلغت 14 فى المائة حاليًا، مع استهداف الوصول إلى 20 فى المائة بحلول 2030، وهو ما سيُسهم فى خلق فرص عمل جديدة وتحقيق نمو اقتصادى مستدام.
وقال الدكتور محمد الشوادفى، أستاذ الإدارة والاستثمار: هناك جهود تُبذل لتوطين الصناعة فى مصر، وذلك من خلال تيسيرات لجذب صغار وكبار المستثمرين، هذه التيسيرات تستهدف توسيع نطاق توطين الصناعات المختلفة؛ بحيث تشمل كل المحتويات التصنيعية وكل أنواع رجال الأعمال الذين يرغبون فى التصنيع.
وتابع «الشوادفى»، أن من ضمن الأهداف هو أن يكون هناك إحلال محل الواردات والعمل على استغلال الموارد المحلية، وفى نفس الوقت أن يكون أكبر جزء من التصنيع موجهًا إلى السوق الخارجية، حتى يمكن أن يدعم الموازنة العامة للدولة ويحقق فائضًا من النقد الأجنبى. وأكد أن تلك الأهداف تأتى ضمن استراتيجية دولة لتنمية الاقتصاد والعمل على إعادة هيكلته، وأن يكون قادرًا على المنافسة وقائمًا على الخلق والابتكار، لأن توطين الصناعة فلسفة تحتاج إلى مجهودات كثيرة، كما أن الدولة حريصة على تخفيض الفاتورة الاستيرادية خلال الفترة المقبلة، من خلال التوسع الأفقى والرأسى فى المشروعات الزراعية الكبيرة.
وأوضح أن هذه الخطوة تهدف إلى مضاعفة الإنتاج الزراعى، مما يُساهم فى تحقيق الاكتفاء الذاتى من السلع الغذائية وتقليل الاعتماد على الاستيراد، مشيرًا إلى أن زيادة الإنتاج الزراعى لا تقتصر فقط على تلبية الاحتياجات المحلية، بل تهدف أيضًا إلى التوسع فى التصدير، مما يعزز الاقتصاد الوطنى ويقلل من العجز التجارى، كما أن تنمية القطاع الزراعى ستساهم فى خلق فرص عمل جديدة وتحقيق نمو اقتصادى مستدام.