رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«التعليم فى مرمى ترامب» «هارفارد» تحترق بنيران صديقة


4-5-2025 | 14:31

.

طباعة
تقرير: سلمى أمجد

فتحت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب النار على العديد من الجامعات فى جميع أنحاء الولايات المتحدة بخفض التمويل؛ إذا لم تجرِ تغييرات فى سياساتها التعليمية وتخضع لإشراف حكومى واسع النطاق. واستخدمت الإدارة الأمريكية تهمة «معاداة السامية» ذريعة لتأجيج هجومها الأوسع على الجامعات وحملة الترحيل الجماعى للطلاب الأجانب، مما صعّد من التوترات فى جميع أنحاء الأوساط الأكاديمية الأمريكية. وعلى نقيض بعض الجامعات التى رضخت لمطالب البيت الأبيض، قاومت «هارفارد» سياسات «ترامب» الاستبدادية.

وقد تضمنت حملة «ترامب» على الجامعات إجراء تغييرات جذرية فى آليات الإدارة والتوظيف والتدريس، ووضع أقسام وبرامج معينة تحت التدقيق الخارجى. فضلًا عن الإبلاغ عن الطلاب الأجانب الذين يرتكبون انتهاكات سلوكية على الفور إلى السلطات الفيدرالية فى إشارة إلى المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين التى اندلعت بالجامعات الأمريكية العام الماضي. وهو ما رفضته «هارفارد» واعتبرته تعديا على استقلاليتها، وانتهاكا للحقوق الدستورية.

نتيجة لذلك، قامت إدارة «ترامب» بتجميد أكثر من 2.2 مليار دولار من المنح، و60 مليون دولار من قيمة العقود المخصصة للجامعة المرموقة. ولم تقف الأمور عند هذا الحد بل تجاوز الخلاف التمويل الفيدرالى إلى التهديد بحرمانها من الإعفاء الضريبى، وحظر قبول الطلاب الأجانب، الذين يشكلون 27.2 فى المائة من طلاب الجامعة خلال السنة الدراسية الحالية، وفقًا لموقع الجامعة الإلكترونى.

كما اتهم «ترامب» الجامعة العريقة بأنها «مؤسسة معادية للسامية ويسارية متطرفة» تشكل «خطرًا حقيقيًا على الديمقراطية الأمريكية» بعد رفعها دعوى قضائية ضد إدارته فى أحدث تصعيد بين المؤسسة التعليمية والحكومة. المعركة بين ترامب وهارفارد هى بداية لحرب بين الحكومة الفيدرالية والتعليم العالى. حيث لم يتقصر الأمر على هارفارد، بل حددت فرقة العمل الحكومية المعنية بمعاداة السامية ما لا يقل عن 60 جامعة تخضع للتدقيق.

وسعى مسئولو ترامب إلى إلغاء تأشيرات أكثر من 525 طالبًا وعضوًا فى هيئة التدريس والباحثين فى أكثر من 80 جامعة وكلية أمريكية. هذا التطبيق الصارم لقوانين الهجرة أثار الذعر فى الحرم الجامعى، حيث تم اعتقال عدد من الطلاب الذين شاركوا فى احتجاجات تنتقد إسرائيل.

على سبيل المثال، قضت محكمة بترحيل محمود خليل، طالب مؤيد للقضية الفلسطينية بجامعة كولومبيا، بالرغم من تمتعه بإقامة قانونية، وعدم إشارة الحكومة إلى أى مزاعم بارتكابه أى نشاط إجرامى. كل ما سبق تسبب فى تشكك الطلاب من إمكانية الدراسة فى هذه الأجواء ما انعكس على زيادة طلبات الالتحاق من الطلاب المقيمين فى الولايات المتحدة إلى الجامعات الكندية.

واستكمالًا لمساعيه، وقع «ترامب» أمرًا تنفيذيًا يهدف إلى تغيير عملية اعتماد الجامعات. وفقًا لتصريحات ويل شارف، سكرتير موظفى البيت الأبيض، يسيطر على النظام الحالى جهات خارجية تعتمد على معايير أيديولوجية بدلًا من الجدارة والأداء، مما دفع الإدارة إلى التدخل لإصلاحه. هذا القرار أثار مخاوف من الحرمان من المساعدات المالية. كما وقع الرئيس أمرًا يلزم الجامعات بالإفصاح عن قبولها لهدايا أجنبية كبيرة.

وقد تسبب الضغط الذى يمارسه ترامب فى إشعال انتفاضة أكاديمية غير مسبوقة حيث وقع أكثر من 150 جامعة وكلية أمريكية بيانًا مشتركًا احتجاجًا على «التدخل السياسي» من قبل إدارة ترامب فى النظام التعليمي. وشدد البيان على أهمية حرية التعبير وتنوع الأفكار فى العالم الأكاديمي، مشيرًا إلى الرفض التام لأى قيود أو رقابة أو تهديدات بالطرد. كما شهدت الولايات موجة احتجاجات واسعة ضد سياساته.

ولم تكن خطوات «ترامب» مفاجئة، فلطالما انتقد مؤسسات التعليم العالى واصفًا إياها بأنها معادية للمحافظين. ويرجع ذلك إلى الاعتقاد بأن النظام الليبرالى مسئول عن نشر نظام معادٍ لأمريكا. ويظهر ذلك جليًا فى استطلاعات الرأى التى تشير إلى أن الثقة فى التعليم العالى آخذة فى التراجع مع مرور الوقت بين الأمريكيين من جميع الخلفيات السياسية، ويعزى ذلك جزئيًا إلى اعتقاد متزايد بأن الجامعات تدعم أجندة سياسية. وكان هذا التراجع حادًا بشكل خاص بين الجمهوريين.

كما تثير ممارسة الإدارة سلطتها الرئاسية على نحو أوسع نطاقًا قلقًا بالغًا بشأن تأثيرها على سيادة القانون، وحرية التعبير، والدستور. ويرى بعض الخبراء أن هذا الشعور بالقمع الذى يمهد به ترامب يهدد بخنق أجواء النقاش المفتوح الذى ينعش جامعة صحية. كذلك تهديدات ترامب بوقف تمويل الجامعات تُعرض للخطر الأبحاث العلمية والطبية الرائدة عالميًا فى الأمراض الخطيرة مثل السرطان والزهايمر. بينما يرى آخرون أن الهجوم الثقافى على المؤسسات يعد وسيلةً مفيدة لصرف الانتباه عن فوضى حربه التجارية وفشل مبادرته للسلام فى أوكرانيا حتى الآن.

ومنذ ولايته الأولى، يسعى ترامب إلى السيطرة على التعليم علمًا بأن نظام التعليم فى الولايات المتحدة يتميز باستقلالية كبيرة عن لوائح الحكومة الفيدرالية، واللامركزية. وقد باءت محاولته بإغلاق وزارة التعليم آنذاك بالفشل، لكنه استكمل أجندته بإصداره أمرًا تنفيذيًا فى ولايته الثانية يوجه وزيرة التعليم ليندا ماكماهون بالبدء فى تفكيك الوزارة ما يعاظم الشعور بوقوع صدام دستورى وشيك؛ حيث سيتحول الصراع الحالى إلى معركة سياسية وقضائية طاحنة.

وفى تحليل خاص لـ«المصور»، وصف الدكتور إحسان الخطيب، أستاذ السياسة بجامعة مورى ستايت، وعضو الحزب الجمهورى الأمريكى، ما يحدث بصراع حزبى وأيديولوجى بين الجمهوريين المحافظين والديمقراطيين الليبراليين؛ لأن أغلب أساتذة الجامعات يميلون إلى الليبرالية، وينتخبون الحزب الديمقراطى. وبالتالى هناك موقف سلبى من الجمهوريين بالنسبة للجامعات لاعتقادهم أنهم يعلمون الطلاب بانحياز لا بحيادية. إضافة إلى اعتقاد اللوبى اليهودى أن الجامعات تنحاز إلى الفلسطينيين.

وأكد «الخطيب» أن هناك حالة ذعر فى الجامعات بين الطلاب الأجانب من إغضاب الإدارة إذا ما عبروا عن إعجابهم أو شاركوا منشورا لا يتناسب مع التوجه الحالى، وهناك منْ يحاول محو الماضى فى وسائل التواصل الاجتماعى. والجامعات فى حيرة، والمشكلة أنه لا يمكن مواجهة ترامب إلا ككتلة واحدة. فالمواجهة فرادى كارثة لهم. كما أشار إلى أن هناك ضغطا مالياعلى الجامعات؛ لأن الحكومة الفيدرالية أهم ممول للأبحاث فى الجامعات ومراكز الأبحاث العديد منها يتم إغلاقه إذا لم يكن هناك تمويل من الحكومة. والوضع الآن مؤسف ومرشح للأسوأ حيث توقف التشغيل فى العديد من الجامعات، وتوقفت أبحاث.

وبسؤاله عن التداعيات، يرى «الخطيب» أنه لن يكون هناك تداعيات اقتصادية فى المدى المنظور. ولكن سياسيًا قد يستطيع الحزب الديمقراطى استخدام ملف الجامعات لتشجيع ناخبيه للمشاركة بكثافة فى الانتخابات النصفية فى 2026. وربما تشجع هارفارد بقية الجامعات أن تتمرد على ترامب.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة