وحتى الآن لم ترد عليهم واشنطن ولو بمجرد طمأنتهم أنها حريصة على التوصل إلى صفقة مع حماس، يتم بموجبها تحرير ذويهم الذين لم يُعرف تحديدا كم منهم على قيد الحياة، وكم منهم لقى مصرعه بسبب قصف قوات الاحتلال لكل أرجاء غزة الآن، وسعيها إلى التوسع فى السيطرة على أراضى القطاع.
وهذا أمر مثير لأن مفاوضات الهدنة قد وصلت إلى طريق مسدود، حيث قال وزير الدولة القطرى للشئون الخارجية إنه محبط، وإن كان قد أكد استمرار جهود الوسطاء لتحريك المفاوضات وسحبها من الطريق المسدود الذى وقعت فيه بعد أن تقدمت حكومة نتنياهو باقتراح تعرف أن «حماس» سترفضه، لأنه لا يتضمن وقفًا مستدامًا لإطلاق النار، ولا انسحابًا لقوات الاحتلال من أراضى القطاع، وأيضًا نزع سلاح حماس، ومغادرة قادتها القطاع إلى خارج الأراضى الفلسطينية كلها.. وقد ردت «حماس» باستعدادها للإفراج عن كل المحتجزين الإسرائيليين فى غزة مقابل الوقف المستدام لإطلاق النار بضمانات دولية وليست أمريكية فقط، والانسحاب من كل أراضى القطاع.. غير أن نتنياهو أعلن رفضه عرض «حماس» هذا، ورفضه كل ما يعطّل أو يقيّد حكومته فى العودة إلى الحرب بعد تحرير كل المحتجزين الإسرائيليين فى القطاع، بما فى ذلك الضمانات الدولية التى تطلبها حماس، لأن مثل هذه الضمانات الدولية خاصة إذا صدرت عن مجلس الأمن ستقيّد إسرائيل فى العودة للقتال، واستئناف الحرب، وستكون ملزِمة لإسرائيل، وتهددها بفرض عقوبات عليها إذا ما عادت للحرب وقتها.
وتشارك أمريكا إسرائيل رفضها للضمانات الدولية التى تطلبها «حماس» للتأكد، وكل ما أبدت استعداده لها هو تضمين الصفقة الجديدة المنتظرة اقتراحا ببدء مفاوضات المرحلة الثانية للاتفاق السابق للهدنة، غير أن «حماس» ترى أن ذلك كان موجودا فى الاتفاق السابق، وخرقته حكومة نتنياهو، واستأنفت الحرب مجددا، وفرضت حصارا على القطاع وأهله، وأغلقت كل المعابر، وأوقفت تدفّق المساعدات الإغاثية لأهله لتجويعهم؛ حتى يرضخوا ويقبلوا بالهجرة التى يسمونها طوعية.
وبذلك بلغت جهود الهدنة طريقا مسدودا الآن، والمثير أن الوسيط الأمريكى الذى قيل إنه حريص على التوصل إلى وقف لإطلاق النار قبل زيارة ترامب الخليجية -لا يحرك ساكنا لتحريك جهود المفاوضات بممارسة الشعب على حكومة نتنياهو للعودة إلى مسار الهدنة مجددا الذى ابتعدت عنه بالتوغل فى أراضى القطاع، وتكثيف عدوانها على أهله، وزيادة المساحة التى تسيطر عليها فى القطاع لتصل إلى النصف. وكل ذلك بدعوى الضغط على «حماس» لتقبل بالإفراج عن كل المحتجزين لديها مقابل فتح المعابر وتدفق المساعدات الإغاثية لأهل القطاع، لتحقيق النصر الكامل والتام.. بينما ما يحدث على الأرض هو تنفيذ عملى ومتسارع لمخطط التهجير القسرى الذى يسمى «طوعى» لأهالى غزة.
وعدم تحرك واشنطن لإخراج مفاوضات الهدنة من الطريق المسدود الذى علقت فيه الآن -يُبين أنها غير مكترثة بوقف الحرب البشعة ضد أهل غزة سواء قبل أو بعد زيارة ترامب الخليجية، ربما لأنه متأكد أنه يعود منها محملا بما يريده ويرضاه حتى ولو كانت هذه الحرب مستمرة وقائمة أثناء زيارته هذه... لذلك ليس متوقعا أن تقبل واشنطن أن تخوض بنفسها مفاوضات مع «حماس» للتوصل إلى صفقة هدنة جديدة، كما طلب والد الإسرائيلى الذى يحمل الجنسية الأمريكية والذى لا يعرف مصيره بعد قتل القوات الإسرائيلية أحد حراسه كما أعلنت «حماس».. ويعزز ذلك أن واشنطن أبعدت المسئول الذى تباحث بشكل مباشر مع «حماس» لأنها لم يرُق لها نتائج مباحثاته.
إن واشنطن منذ رفض «حماس» مقترح ويتكوف الأخير للتوصل إلى صفقة جزئية لم تفعل شيئا لدفع مفاوضات الهدنة؛ عقابا لـ«حماس» لرفضها الاستجابة لمقترح مبعوث ترامب فى المنطقة.. بل إنها سكتت ولم تعلن دعمها للمقترح المصرى الأخير الذى رفضته إسرائيل ضمنا وتقدمت باقتراحها الذى يجرد «حماس» من سلاحها وهى تعرف أنه يصعب قبولها إياه.. وبسبب هذا كله انزلقت مفاوضات الهدنة فى طريق مسدود الآن، لن ينتشلهم منه إلا تحرك أمريكى للضغط على نتنياهو على الأقل ليقبل بالاقتراح المصرى الذى تجاوبت معه حماس».
