لقد حاولت مجموعة أثرياء العالم من مجموعة العشرين التعبير عن رأيها من قبل أن هناك حالة من التأجيج ولابد من منع حالة التباين فى ملف التجارة العالمية تفاديا لإثارة الحروب التجارية، خصوصًا مع مآلات الخطر الجيوسياسي..
فهناك تهديد حقيقى يهدد النمو الاقتصادى العالمى بشكل مباشر وخطير ويعمل على تآكل الثقة الدولية، وهنا توجد إشكالية فى إعلان النوايا الأمريكية..
من ينظر إلى هذا الملف يجد أن الإدارة الأمريكية وضعت الصين نصب أعينها اقتصاديا وتجاريا ودول الاتحاد الأوروبى وكندا والمكسيك وجرينلاند وفنزويلا فى المديين القصير والبعيد، والواضح والجلى أن الترتيب تم وبأعصاب باردة فى عمل توليفة الرسوم الجمركية، فالصفقة الناجحة من وجهة نظر ترامب أن يكسب ويخسر الجميع، الكل يعلم أن واردات الصين من أمريكا تبلغ 563 مليار دولار سنويًا، ولم يفلت منه إدراك أن هناك استراتيجية وضعتها الصين لعام 2025 بشأن «صنع فى الصين»، وأن أمريكا لم تعد تستطيع مواجهة عدم العدالة فى الملف الاقتصادى بين الصين وصادراتها إلى أمريكا، ولكن هل يتوقف ترامب عند هذا الحد كى يحدث التوازن الاقتصادى بين الصين وأمريكا، حيث يوجد عجز ضخم لصالح الصين فى الميزان التجارى الأمريكى، وهنا نقول إن ترامب لا يلقى بالا باتفاقية التجارة الحرة أو أى معاهدات دولية، وإذا نظرنا إلى الجانب الآخر من العالم فإن الصين تنظر إلى قرارات ترامب الحمائية على أنها نوع من الابتزاز التجارى بفعل فرض هذه الرسوم الجمركية، لقد شعر المجتمع الدولى أنها سياسات تؤدى إلى رالى عالمى نحو القاع بهذه السياسة، وهناك بلا شك حالة من التداخل بينهما بنسبة كبيرة، وفى حالة غرق أحد هذه الاقتصادات سيغرق الكل.
ليست الصين فقط فى الزاوية الضيقة وإنما هذا الاتحاد الأوروبى أيضا وميزانه التجارى مع أمريكا، خصوصًا ألمانيا وهو يقول إنهم لا يشترون سياراتنا الأمريكية فى حين تشترى أمريكا السيارات الألمانية، والسؤال الهام: هل هو اختبار للقوة تقوده الولايات المتحدة الأمريكية من الصين إلى أوروبا إلى بقية الدول فى كل أنحاء العالم ليعلن بداية فصل جديد من الحروب التجارية؟، وهنا تبرز (فكرة الحروب القومية الاقتصادية من جديد).
لقد تحدث الأمين العام لغرفة التجارة العالمية جون دينبتون عن أن الاقتصاد العالمى والأسواق فى حالة صدمة، فهناك هبوط عنيف طال أسواق المال وانخفاض حاد فى العقود الآجلة بسبب القلق من الركود الاقتصادى وتعميق الخسائر.
لقد دخلنا حربا عواقبها وخيمة، ولكن (المواطن الأمريكى يتألم أولا)، فالشركات الأمريكية التى تستورد المنتجات الصينية أو غيرها التى يريد ترامب فرض السياسات الحمائية عليها سوف تضطر إلى تحميل المستهلك الأمريكى هذه الزيادات، والتى قد تكلف الأسرة الأمريكية المتوسطة حوالى أكثر من 2600 دولار، وهذا يمثل تحديا كبيرا لملف التضخم.
نقاط ضعف فى الاقتصادات الناشئة ومصر منها تبرز فى ظل كل هذه السيناريوهات المتداولة لحركة التجارة العالمية وعلى مصر وشركائها التجاريين تخفيف الآثار السلبية لهذه الحروب التجارية بتنويع حقيبتها الاقتصادية التجارية سريعا، إضافة إلى تحسين القدرة التنافسية بأقصى سرعة، وكذلك تسريع آلية الشراكات الاستثمارية التى تعتمد على الموقع الجغرافى، والأهم تسريع وتيرة إنجاز مزيد من الإصلاحات لتيسير حركة التجارة العالمية أى التكيف الاستراتيجى والمشاركة الاستباقية للتغلب على التوترات التجارية..
وعلى مصر الاستفادة الفعلية من الفرص المحتملة فى بيئة تجارة عالمية تتسم بالتغيير ولا تأخذ أى وقت باستراحة المحارب، فالوقت لايسعفنا أبدا وإعداد الأسلحة التى سنواجه بها الحروب التجارية، ودراسة الأفق الزمنى للمستثمرين سريعًا، ولابد من التوفيق بين التحديات والمخاطرة والأمر الواقع.
وفى مجمل الأمر أن السياسات الحمائية لها تأثير سلبى ليس على الأسواق الدولية فقط، وإنما على الأسواق الناشئة بصفة خاصة، مما يؤدى إلى اضطراب سلاسل التوريد العالمية وتباطؤ النمو الاقتصادى المباشر، وقد تضطر الشركات الأمريكية إلى البحث عن مواقع جديدة للإنتاج خارج الأسواق الأمريكية، إضافة إلى تقليل الجاذبية للسوق الأمريكى بالنسبة للشركات الصينية وغيرها، وهنا يبرز الحاجز النفسى للاقتصادات الناشئة مثل مصر أن طبيعة المدرسة الاقتصادية، التى ينتهجها فريق العمل الاقتصادى الأمريكى هى سياسة جون مينر كنز أبو الاقتصاد فى خفض الاستثمار الحكومى، وهنا يشهر الاقتصاد الأمريكى سيفه بسحب الاستثمارات المباشرة من العالم، فماذا أعدت الفرق الاقتصادية المصرية أولا والدول الناشئة بوجه عام، خصوصًا هناك بعد لافت للنظر وهو التأثير على دول الخليج، وهو وارد مع الضغط على الاقتصاد الصينى بفعل التوترات التجارية بين أمريكا والصين، لذلك سوف نجد بعض دول الخليج تذهب لزيادة استثماراتها فى السوق الأمريكى فقد يقل الطلب على النفط الخليجى وترامب يريد إغراق العالم بالنفط الأمريكى، وهنا قد تتجه الصين إلى الأسواق الناشئة وتغير بوصلتها، ولكن هناك عقبة أمام الأسواق الناشئة، ونحن معهم بالطبع وهو ذهاب جماعى بسبب السياسات الحمائية للمستثمرين إلى الدولار والسندات الأمريكية كملاذ آمن.
وهنا لابد أن يكون لدينا خطة واضحة المعالم مستقبلية واستباقية، لأن فرض ضرائب على واردات أمريكا من الدول النامية سيسبب خفض الطلب على منتجات الدول النامية، مثل مصر ومن هنا خفض العملة المحلية والصورة الفنية الأوسع هى ارتفاع عائد السندات الأمريكية، ما يعنى عودة شبح التضخم من جديد ونخرج من سيناريو الفيدرالى الأمريكى وسعر الفائدة وخطته لخفض التضخم إلى تجمع بريكس، والأمر الواقع يفرض نفسه، وهو أن يأخذ تجمع بريكس قرارات ترامب بعين الاعتبار كذلك تهديداته لأن السياسات الحمائية أربكت الأسواق والعملات الرئيسية، فهناك غموض بشأن المستقبل الاقتصادى العالمى، فالدول النامية تائهة والاتحاد الأوروبى يرتجف والصين تستعد وروسيا تتهيأ.
لا ننسى أن الاقتصادات الناشئة هى عصب الاقتصاد العالمى
وإن تدفقات الاستثمارات المباشرة حول العالم لهذه الاقتصادات، ونحن منهم كانت فى عام 2024 تبلغ 980 مليار دولار وبوجه عام يدخل الدولار بصورة مباشرة فى عمليات التمويل المباشرة للتدفقات الرأسمالية للدول النامية، والسؤال الآن: هل تستطيع هذه الدول امتصاص هذه الصدمة إن حدثت حرفيا، خصوصا أن الربع الأخير من عام 2024 خرجت من العالم حوالى 19 مليار دولار إلى السوق الأمريكية؟
نعود مرة أخرى إلى البريكس ونحن أعضاء بها، خصوصًا أن المجموعة لم تصدر إلى الآن عملة موحدة وبعد تراجع السعودية عن الانضمام للبريكس لابد لدول البريكس أن تأخذ المبادرة لإصدار عملتها الموحدة حتى نستطيع مقاومة صعود الدولار والحروب التجارية والسياسات الحمائية الجديدة لترامب، والتى أربكت المشهد الاقتصادى العالمى وعملية الاستقرار المالى للاقتصادات العالمية والناشئة التى سوف تتحمل خسائر ومنها الدول، التى لن تستطيع إيصال منتجاتها إلى الأسواق العالمية، وهنا لابد من تشكيل فريق لإدارة أزمة وابل الحروب التجارية فعصر التجارة العادلة لن يأتى أبدا، خصوصًا أننا كنا ننتظر عودة حركة التجارة العالمية لوضعها الطبيعى، وأن يفلح حارس الازدهار فى أن يغير المسار ويعود الأمر إلى المرور الطبيعى من قناة السويس المستهدفة جبرا.
علينا مواجهة الحقيقة أن أمريكا عندما تجد نفسها تغرق فلابد أن تأخذ الجميع معها، وهذا ما حدث بسياسة التشديد النقدى لمن نصب نفسه لهذا المشروع التخطيطى ووضع التوليفة السحرية لإعادة التشكيل فى الملعب العالمى.
لقد فضل ترامب تغيير مسار التجارة الدولية من أجل المصلحة الأعلى وهى السيطرة التجارية، التى لا تتوافق مع قواعد التجارة العالمية، فالأمر فى حقيقته هو قيود وليس رسوما، فترامب يتصرف كسيد العالم بمنهج استعمارى فى حرب بحسابات الربح والخسارة لا يوجد فيها منتصر الكل خاسر، وقد تكون هذه المحنة فرصة لنا حتى ندعم منتجنا المحلى ونغير بوصلتنا بمجموعة عمل تدير ملف التجارة العالمية لتفتح أسواقا جديدة فى أوروبا التى وقعت فى مرمى ترامب وتفصيلاته، كذلك ومصر لها شأن آخر فهى تستورد بما قيمته 5,1 مليار دولار من أمريكا، وتصدر بما قيمته 2,6 مليار دولار، وهنا نحن الأكثر استيرادا..
وهنا نحن من أهم الوجهات التى تستقبل منتجات دول شرق آسيا التى لن تجد غيرنا وبأسعار مناسبة لنا وفى نفس الوقت أمريكا فرضت 10 فى المائة فقط على المنتجات المصرية وهى فرصة لزيادة صادراتنا إلى أمريكا بجودة تنافسية تقلل فجوة الميزان التجارى بيننا وبين الأمريكان..
الأمر المهم أن القيادة المصرية أعدت بنية تحتية ومزايا لوجستية وعمالة مدربة تمكن الاستثمارات المباشرة التى تخرج من أمريكا أو غيرها لتكون على أرض مصر، ومن هنا يتم تغيير الأولويات وإعادة هيكلة الاقتصاد المصرى فى تموضع جديد وسط معترك الحروب التجارية..
إن تغير خارطة الطريق لحركة التجارة الدولية والسيطرة الكاملة على سلاسل الإمداد هى خطة تم وضعها بدقة عبر القوى العظمى ويتم فيها موت الدول بطريقة بطيئة بدلًا من تغيير الحدود السياسية بالقوة، وتبدأ هذه الظاهرة بفقدان الدول الصغرى السيطرة على سياستها الخارجية لصالح دولة أخرى أو فى قول آخر تنازل الدول طوعًا عن التصرف بوصفها دولة مستقلة على مسرح السياسة الدولية فى مستهل عصر الدول الحديثة، وقد كان أحد أسباب (موت الدول) وتفشى هذه الظاهرة هو انهيار هذه الدول أمام منطق استخدام القوة القتالية الصريحة وعدم قدرة هذه الدول على تحديث جيوشها وتطوير قوتها القتالية، وهذه الظاهرة يعانى منها ربع دول العالم من الموت البطيء، ولكنه موت عنيف، لأن الأمر يمثل اعتداء على سلاسل الإمداد وحركة التجارة لهذه الدول التى لا تستطيع التصرف فى هذه الحالة كدول مستقلة فى النظام العالمى.
إذا نظرنا إلى الخريطة العالمية للتجارة الدولية وتم ربطها بما يحدث حاليا فى السودان الشقيق، ومن قبلها مشاكل تايوان والصين وروسيا وأمريكا، سواء أحداثا ذات مواجهات مباشرة أو غير مباشرة ومن خلال الحروب التجارية الجديدة محل نظرنا، فهناك عدد من الدول فى العالم هى دول واقعة بين دول متنافسة تجاريًا أو على وجه الخصوص هى تعانى من (خطر الاستحواذ).
إن اللاعبين الأساسيين فى اللعبة الدولية تخطوا مرحلة الاستيلاء على الأراضى وأصبح التفكير الحقيقى هو الثروات الطبيعية، وأهميتها وتغيير مسار التجارة الدولية، لقد نصب الكبار الدول الصغيرة فى مصيدة الطموحات التوسعية التجارية، وعلى الدول أن تلتزم وتصبح جزءًا من اللعبة الاقتصادية العالمية، وبشكل يصعب خرقه، وإلا تعرضت للعقوبات الدولية مثلًا أو الحصار الاقتصادى كجزء من مصلحة الدول الكبرى.
وتوسعت معها الأهداف التوسعية للاستيلاء على الاقتصادات وحفزت الدول العظمى لتجنب المواجهات العسكرية المباشرة، لأن (الدول أصبحت سلعة تقيم حسب مواردها وكل دولة هى من تحاول الدفاع عن نفسها حتى تكون فى مأمن من السقوط الحر مع الخريطة الجديدة، التى تم تشكيلها والترقب مستمر والمفاجآت مستمرة.
لا شك أن سلاسل الإمداد وحركة التجارة الدولية لن تعود إلى سابق عهدها ولن تنتهى أزمات التوريد، فالأزمة تهدأ فى منطقة وتندلع الأزمة فى منطقة أخرى ومع زيادة الأهداف التوسعية بدأت الأحداث تتصاعد فى السودان لتغيير خريطة التجارة فى البحر الأحمر، كما تغيرت فى البحر المتوسط والمحيطات وأصبحت التداعيات الأعمق تأتى فى الطريق وكيفية تأثيرها فى تحولات حركة التجارة الدولية، والتى أعادت تشكيل الاقتصاد العالمى (فالحروب وحدها ليست المسؤولة الوحيدة عن تغيير حركة التجارة الدولية، ولكن تم ترتيب العقوبات الاقتصادية لتزيد العقبات أمام التجارة العالمية بعد عصر العولمة الاقتصادية).
تغيرت خريطة أسواق السلع الأساسية مثل النفط والصلب والألومنيوم والأسمدة والحبوب، وبالتالى ضعف الإمدادات فى زمن المطبات الاقتصادية..
ومن دواعى الحيرة والتساؤلات البيانات تشير إلى أن التوقعات تسير فى اتجاه ظهور نظام عالمى جديد لسلاسل التوريد، خاصة السلع التى تعتمد عليه الدول بشكل يومى بحيث تكون أقرب إلى تحالفات عالمية، ولكنها إقليمية بعد انكشاف أخطار الاعتماد على السلاسل العالمية، كما اتضح فى أزمة الرقائق خلال الخلاف بين أمريكا والصين وبعدها أزمة الحبوب والغذاء التى أثرت فى أسعار القمح والحبوب عالميًا..
لقد تفككت سلاسل التجارة العالمية، واستطاعوا تعطيل سلاسل الإمداد التى خططوا لها مسبقًا للإضرار بالنمو المحلى والدولى.. فإذا كان العالم يرى الذهاب إلى تكتلات منفصلة فسيكون هناك ثمن باهظ يجب دفعه وسيكون هذا الثمن مرتفعًا بشكل خاص نسبة للاقتصادات المفتوحه وعلى نطاق واسع بالنسبة لدول العالم النامية، لقد تغيرت خريطة التجارة الدولية بالفعل لمنطقة آسيا والمحيط الهادى، وها هى الحروب التجارية الجديدة تطل على العالم الذى خسر إلى الآن حوالی 3 فى المائة من حركة تجارته، وفى حالة قطع التجارة فى القطاعات المتضررة من عقوبات الرقائق الأمريكية على الصين، وإذا تم رفع الحواجز غير الجمركية فى مناطق أخرى إلى مستويات من حقبة الحروب الباردة.
إن الدول والقوى العظمى تنجرف نحو خريطة تجارة جديدة وتغمض عينيها قصدًا عن الخسائر التى تلحق بها..
لقد عمقت الحرب الروسية الأوكرانية الفجوة بين العرض والطلب عالميًا ونجحت فى ارتفاع أسعار الطاقة، وحدث التشابك الاقتصادى وخفضت القوة الشرائية، وأصبحت هنا التجارة الدولية أداة أساسية للضغط على الدول كأنها عقوبات غير مباشرة للعالم الذى يحاول التخلص من خريطة التجارة الدولية المعدة سلفًا فقد فهم العالم موخرًا إما الخروج عن الخط المرسوم، وإما مزيد من التجويع والتدمير الاقتصادى الذى هو أشد من التدمير العسكرى، لذلك كان هنرى كيسنجر يحذر العالم وأمريكا بالذات.
لابد من حلول جذرية للحاق بكفاءة الإمدادات والارتقاء لسلاسل الإمداد للفرار من خريطة التجارة الدولية الجديدة والسياسات الحمائية، وعلينا أن ننجو من هذا الزحف لتحويل الاقتصاد الإفريقى إلى بوصلتنا فهى سوق تضم أكثر من 1,3 مليار شخص، ويمكن لهذه السوق أن تغير ديناميكية اللعبة العالمية وتدفع بالتصنيع والابتكار ورسم الخرائط الجديدة كنقطة تحول نحو تغيير قواعد اللعبة.
