رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

المفكر الكبير د. عبدالمنعم سعيد: الرئيس السيسى يدير أزمة التهجير بـ«حكمة بالغة»


7-2-2025 | 20:42

المفكر الكبير د. عبدالمنعم سعيد: الرئيس السيسى يدير أزمة التهجير بـ حكمة بالغة

طباعة
حوار: أحمد جمعة

على مرأى ومسمع من العالم أجمع، جاءت الرسائل المصرية بعلم الوصول: «لا للتهجير، ولن نشارك فى ظلم».. كاشفة عن موقف مصرى ثابت لا يقبل المساومة، يرفض التهجير القسرى لأهل غزة ويدافع عن حقوقهم المشروعة.

 

فى نظر المفكر السياسى الكبير الدكتور عبدالمنعم سعيد، فإن الرئيس عبدالفتاح السيسي، أدار ملف التعامل مع مقترحات تهجير الفلسطينيين بـ«حكمة بالغة»، إدراكًا منه بالثوابت التاريخية للدولة فى رفض تصفية القضية، وحفاظًا فى الوقت ذاته على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.

 

«سعيد» فى حواره لـ«المصوّر»، أكد أن رفض التهجير يجب أن يكون منطلقًا لوضع «بذور» عملية سلام واسعة، تتخذ خطوات على الأرض لتحقيق هذا الهدف، بمشاركة عربية، وبحضور الولايات المتحدة كلاعب رئيسى فى المنطقة.. وحول تفاصيل رؤيته لهذا الأمر وموقفه من ملفات أخرى كان الحوار التالي:

الرئيس الأمريكى دونالد ترامب طرح مقترحًا لتهجير الفلسطينيين.. كيف نتعامل مع ذلك؟

 

نسير بالطريقة التى يدير بها الرئيس السيسى هذا الموقف، بأن نمزج الكلام المبدئى الذى نقول فيه موقفنا مع الوضع فى الاعتبار أننا أصحاب علاقة وثيقة واستراتيجية مع الولايات المتحدة ولا يمكن أن نغفل ذلك، والرئيس السيسى نجح فى هذا المزج، عبر إعلان موقف مصر الصارم تجاه قضية التهجير، لكنه فى ذات الوقت كان حريصا على الإشارة لمشروع السلام، فقال إننا «نتوقع من الولايات المتحدة أن تتشارك فى مشروع كبير للسلام بالمنطقة»، ثم فى المرة الثانية كان حريصا على تعزية الرئيس ترامب والشعب الأمريكى فى حادث تصادم طائرتين فى واشنطن.

 

وبالتالى فالمواقف المصرية تعتمد على مبدأ التوازن، لكن يجب أن ننظر جميعا إلى عملية السلام الكبرى، ببدء وضع «بذور» لمشروع سلام كبير بالمنطقة، وأن نضع ملف التهجير جانبًا لأن فى جزء رئيسى من عملية السلام هو إقامة الدولة الفلسطينية تتعايش مع الدولة الإسرائيلية، وهذا ما يجب أن يتم وأرى أننا نسير فى اتجاهه.

 

لكن مع الاتزان فى الموقف المصرى.. لا يزال «ترامب» يواصل ضغوطه لتنفيذ التهجير!؟

 

كل هذا يتوقف على ما نقوم نحن به، وأن نتخذ مسارا عاجلًا للدعوة للسلام بالمنطقة، وهذا ما قامت به مصر بالفعل، ووضح ذلك فى اجتماع وزراء الخارجية العرب بداية هذا الأسبوع بمناشدة المجتمع الدولى فى هذا الصدد، لاسيما القوى الدولية والإقليمية، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من أجل بدء التنفيذ الفعلى لحل الدولتين، لأننا لو لم نقم بهذه الخطوات السريعة سيواصل «ترامب» حديثه عن التهجير وطرح رؤى جديدة على هذه الشاكلة، ولن تنجح أى حملات معنوية ضد الولايات المتحدة، لكننا نحتاج لوضعه فى مسار يشعر خلاله بأنه يمكن أن يؤدى دورًا، لأنه مهتم بأن يكون فى بؤرة الأحداث، ولا يجب أن نغفل أنه استثنى مصر من قطع المساعدات الأمريكية قبل أن يطرح رؤيته «السيئة» بشأن التهجير، وأيضا نضع فى اعتبارنا أنه «بيخبط» فى كل دول العالم، سواءً كندا أو الدنمارك أو حلف شمال الأطلسى أو المكسيك، ومع ذلك فهو «بيخبط» فى الأمريكان ذاتهم، ويمارس ما يمكن تشبيهه بحالة «انتقام» من الحكومة الفيدرالية، وتغيير لشكل القواعد والمؤسسات بشكل مفاجئ، وبالتالى لديه مشروع كبير داخلياً وخارجياً.

 

مع كل هذه التصرفات أو «التخبيط»، كيف تصف هذه الحالة الترامبية؟

 

هذا اختيار أمريكى نجح فيه «ترامب»، ولدينا 4 سنوات من هذا البرنامج الداخلى والخارجي، وبالتالى فكل قائد سياسى له نمط معين، وترامب خارج لتوه من أكبر انتصار فى التاريخ الأمريكى المعاصر، فمنذ الرئيس كيندى لا أرى شخصا استطاع أن يكون حوله كل هذا الزخم مثل ترامب حالياً.

 

«ترامب» جاء بلون سياسى مختلف تماما، فهو يريد لونًا وطريقة جديدة للحكم والإدارة داخلياً وخارجيا، وسار خلفه الشعب الأمريكى الذى انتخبه بأغلبية لم يكن يتصورها أحد سواءً الجمهوريون ذاتهم أو الديمقراطيون، فضلا عن قدرته على إحداث تغيير واسع فى الحزب الجمهورى نفسه، بما فى ذلك نجاح المقربين منه فى انتخابات الكونجرس، وقام بخلطة سياسية جديدة نجح عبرها فى أن يجعل أعضاء الكونجرس موالين له، بما يمكنه من تمرير قراراته، كما طوّع الكثيرين منهم وزير الخارجية الحالى ماركو روبيو الذى كان معارضا له لكنه نجح فى احتوائه وضمه لحكومته.

 

الرئيس السيسى حذر من أن تهجير الفلسطينيين يعنى نقل القتال إلى سيناء.. فى رأيك ما تبعات التهجير على الأمن القومى لمصر والمنطقة بأكملها؟

 

بالقطع هذا صحيح، والجميع يدرك ذلك، وأيضا هناك نظرة أخرى للتهجير، فمصر لديها 9.5 مليون لاجئ ومهاجر، وذاب فينا اللاجئون الفلسطينيون من 48، وهناك خطر للجوء وما يسببه من أزمات اقتصادية واجتماعية، لكن الأمر أكثر أهمية، أن وضع الفلسطينيين فى سيناء فهذا يعنى نقل القتال إلى المنطقة، وسيستمرون فى النضال، فما الموقف إذا جرى إطلاق صاروخ من سيناء صوب إسرائيل؟!.. هل يدفع تل أبيب للرد ومن ثم تكون بداية حرب جديدة؟!.. وبالتالى خطابات الرئيس السيسى عن التهجير كانت ذكية وأظهرت كافة التهديدات اللاحقة، ولا ننسى أنه لم يغفل قضية السلام وأهميتها بالنسبة للمنطقة، وأكد أهمية دور الولايات المتحدة وترامب فى دعم عملية السلام حتى نغلق ملف التهجير.

 

هل كان مشهد عودة سكان غزة لديارهم أبلغ رد على دعوات التهجير؟

 

الحقيقة أن أكبر رد على التهجير، هو ما فعله الغزاويون أنفسهم ويجب أن نعترف بذلك، فعندما عادوا بهذا الشكل الملحمى فهم ساروا فى الاتجاه المضاد لهذه الفكرة، وأعتقد أن هذا ما أثار غيظ «ترامب»، ودعا لترحيلهم بهذا الشكل، وبالتأكيد فنحن نسير فى الطريق السليم، فمصر تريد «تغيير الموقف، ولا نريد تسجيل موقف فحسب»، لأننا سجلنا موقفنا منذ البداية برفض التهجير وسط تأييد عربى ودولى لذلك، وبالتالى مصر حاليا تفتح الطريق لبدء عملية سلام جادة لأن الحديث عن حل الدولتين فقط غير كافٍ طالما لم ندخل فى عملية سلمية تؤدى لحل الدولتين.

 

وسط هذا الوضع الملبد بالغيوم.. كيف تتعامل مصر مع أسوأ السيناريوهات؟

 

لا يوجد ضغط علينا، هناك موقف حدث وتم الرد عليه، وبالتأكيد هناك تفكير على المستويات الأكبر للتعامل مع أى سيناريوهات مستقبلية وهذا وضع طبيعي، لكن بشكل عام علينا استكمال مشروع التنمية المصرى بشكل جاد، للدرجة التى لا تجعلنا فى حاجة لأحد، فالمفترض أن يقوم مجتمعنا معتمدا على ذاته وليس على «السلف»، وهذا يجب أن يكون هدفنا القومى بغض النظر عن أى أحداث سياسية محيطة، فمصر لديها إمكانات كبيرة ويجب أن نحسن استغلالها.

 

وعلى الرغم من تصريحات «ترامب»، فهو بالتأكيد يعى قيمة مصر ودورها فى المنطقة وبإفريقيا، وهذا ما دفعه لاستثنائها من قرار وقف المساعدات الأمريكية الخارجية، والدور المصرى لا غنى عنه لأسباب جيوسياسية وتاريخية واقتصادية وثقافية.

 

هل تعتقد أن الظهير الشعبى سيكون له دور فعال فى التصدى لهذه المخططات؟

 

الطريقة التى يدير بها الرئيس السيسى هذا الموضوع «بالغة الحكمة»، فقال موقفنا بكل صراحة ووضوح، دون أن يدفع مصر لـ«خناقة»، على الرغم من محاولات بعض المتطرفين وجماعة الإخوان الإرهابية لتصويرها على أنها خلاف كبير بين الإدارة الأمريكية والإدارة المصرية وهذا غير صحيح، كما أن التظاهر الذى حدث قبل أيام كان رسالة بالموقف الشعبى من هذه القضية.

 

نحن نتعامل مع الموقف باتزان ولا ينبغى أن نتخلى عنه، فالرئيس السيسى أكد على عملية السلام باعتبارها الحل المثالى لإنهاء كل هذا الصراع، كما أن الإدارة الأمريكية ذاتها منفتحة على تصورات بدلا من التهجير، فمستشار ترامب الخاص لشئون الرهائن (آدم بوهلر)، قال إن على مصر والأردن أن يقترحا حلولا، ومشروعا للسلام، وجاء الاجتماع السداسى العربى ليؤكد الدفع بعملية السلام، وبالتالى هناك قدر من «المرونة» مع الموقف الصلب ضد التهجير، فمصر «صلبة فى المضمون.. ناعمة فى الشكل»، وهنا يتم تحديد درجة «السخونة» التى نتعامل بها فى هذا الموقف، وهذا موضوع تقدره الإدارة السياسية لـ«ضبط درجة الحرارة مع الإدارة الأمريكية».

 

الاجتماع السداسى العربى بالقاهرة أكد رفض التهجير.. ما المطلوب مستقبلا من الدول العربية لمواجهة هذه المخططات؟

 

رغبتى الشخصية أن يكون هناك تحضير لمشروع سلام شامل فى المنطقة، وأن تكون هناك قمة للإعلان الرسمى عن هذا المشروع، وما نريده فى التعامل مع إسرائيل، ويجب أن نتذكر أن حل الموضوع لا يقف عند حدود إقامة دولة فلسطينية، بل ضمان عدم تجدد الصراع مع إسرائيل حتى لا نعود لنقطة الصفر وحتى لا ترفض إسرائيل هذا المبدأ، وأن يكون هناك تقدير بأن الطرف الآخر يجب أن نتعامل معه بحزم حينما لا يأخذنا فى الاعتبار ويتصرف بأمور هوجائية، مثل حديث بعض المتطرفين منهم عن وجود الجيش المصرى فى سيناء!، وبالطبع فمثل هذا الحديث وتلك الترهات نرفضها بشكل كامل وحاسم، كما يجب أن نأخذ فى اعتبارنا أن مصر لديها مشروع وطنى للتنمية وبناء الجمهورية الجديدة، وبناء هذا المشروع لن يتم فى حالة توتر وصراعات وحروب.

 

فى رأيك.. ما المحاور الرئيسية لعملية السلام التى تنتظرها؟

 

المحور الأول هو استدامة وقف إطلاق النار وتبريد حالة السخونة التى تصاعدت منذ 7 أكتوبر 2023، ثم تبدأ عملية إعادة الإعمار، ووقف الاستيطان، وفى المقابل ولكى نكون جادين فيما نطرحه ستكون هناك درجة من الحديث عن إسرائيل بشكل طبيعى مثلما نتحدث عن بريطانيا على سبيل المثال، وهذا هو الطريق للسلام وليس للحرب، بوجود دولتين فلسطينية وإسرائيلية متجاورتين تماما، وسيكون هناك أساس للتعاون مثل اتفاقية «باريس» التى وقعت بناءً على اتفاق أوسلو، وكان منها الحصول على أموال المقاصة التى تجمعها إسرائيل.

 

مصر توازن بين موقفها الصارم ضد التهجير وعلاقتها الاستراتيجية بأمريكا، مؤكدة ضرورة إطلاق مشروع سلام شامل يحقق التعايش الفلسطينى الإسرائيلى

أخبار الساعة

الاكثر قراءة