في وقتٍ تواجه فيه النظم الصحية حول العالم ضغوطا غير مسبوقة، تتراوح ما بين الارتفاع المتسارع في كلفة العلاج واتساع رقعة الأمراض المزمنة والوبائية، نجحت مصر في أن تقدم نموذجا مختلفا ومتفردا، يرتكز على الوقاية والكشف المبكر والعلاج المجاني، من خلال منظومة المبادرات الرئاسية للصحة العامة، التي تحولت خلال سنوات قليلة إلى أعظم مشروع صحي شامل في تاريخ الدولة المصرية، ليس فقط بحجم ما قدمته من خدمات، بل بعمق تأثيرها الاجتماعي والاقتصادي والإنساني.
فلم تعد الصحة في مصر مجرد خدمة علاجية تقدّم عند المرض، بل أصبحت حقا إنسانيا أصيلا ومشروعا وطنيا متكاملا، تقوده الدولة برؤية استباقية تضع المواطن في صدارة أولوياتها.
ومنذ إطلاق السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، لمبادرات الصحة العامة، شهدت البلاد نقلة غير مسبوقة في مفاهيم الوقاية والكشف المبكر والعلاج، انعكست مباشرة على جودة حياة ملايين المواطنين، ورسخت مبادئ العدالة الصحية وإتاحة الخدمات المجانية للجميع، في واحدة من أضخم وأهم التجارب الصحية الشاملة في المنطقة، التي حظيت بإشادة دولية واعتماد أممي باعتبارها نموذجا يُحتذى به.
فمنذ إطلاق الرئيس السيسي للمبادرات الرئاسية في 2018 وحتى عام 2025، قدمت المبادرات الرئاسية للصحة العامة في مصر أكثر من 241.5 مليون خدمة صحية مجانية استفاد منها 94 مليون مواطن، ضمن منظومة متكاملة ضمت 15 مبادرة رئيسية، غطّت مختلف مراحل الحياة، من قبل الولادة وحتى الشيخوخة، ولبّت احتياجات الفئات السكانية كافة دون تمييز.. هذا الإنجاز الكبير توج بحصول المبادرات الصحية المصرية على جائزة الأمم المتحدة للأمراض غير السارية لعام 2024، في اعتراف دولي بحجم التأثير الذي أحدثته التجربة المصرية على أرض الواقع.
ففي أكتوبر 2018، أطلق السيد رئيس الجمهورية المبادرة الوطنية للقضاء على فيروس سي والأمراض غير السارية، كأول مبادرة صحية شاملة تنفذ في جميع محافظات الجمهورية، مستهدفة القضاء على فيروس سي، وتقليل آثاره السلبية على صحة الإنسان وإنتاجيته، وضمان حقه في الحياة الكريمة.
ووفقا للبيانات الرسمية فقد بلغت نسبة الإصابة بفيروس سي عام 2015 نحو 4.4%،انخفضت النسبة إلى أقل من 1% بحلول عام 2022.. وتم فحص أكثر من 60 مليون مواطن وعلاج ما يزيد على 4 ملايين مصاب وتحقيق وفر اقتصادي مباشر يقدر بنحو 15.9 مليار جنيه كعائد استثماري (ROI).. وفي أكتوبر 2023، حصلت مصر على إشادة منظمة الصحة العالمية بعد الوصول إلى فئة Golden Tier، لتصبح أول دولة في العالم تقترب من القضاء التام على فيروس سي، وتتحول التجربة المصرية إلى نموذج إقليمي ودولي في مجال الصحة العامة، يمكن تصديره إلى القارة الإفريقية.
كما جسدت المبادرات الرئاسية توجه الدولة نحو الاستثمار في الإنسان منذ سنواته الأولى، عبر عدد من المبادرات النوعية، من أبرزها القضاء على فيروس سي بين أطفال المدارس، حيث بلغ إجمالي عدد الطلبة المفحوصين حتى العام الدراسي الحالي 17,253,765 طالبا بتكلفة 423 مليون جنيه، من بينهم 1.8 مليون طالب خلال العام الحالي، وأسفرت الجهود عن اكتشاف 19,825 حالة إيجابية تم تحويلها لتلقي العلاج، كما تم علاج أمراض سوء التغذية بين أطفال المدارس، وتم فحص نحو 60,851,306 طالبا بجميع محافظات الجمهورية حتى عام 2025، وكشفت نتائج العام الدراسي (2024–2025) عن نسب إصابة بلغت 8.3% بالسمنة، و9.4% بالأنيميا، و3.8% بالتقزم، ما يعكس أهمية التدخل المبكر وتحسين أنماط التغذية.
الكشف المبكر عن ضعف وفقدان السمع لدى حديثي الولادة.. تم فحص 88,757,559 طفلا خلال أول 28 يوما من الولادة، بالتزامن مع تحليل الغدة الدرقية، حيث تلقت الحالات المكتشفة العلاج، ما بين 20,734 حالة علاج دوائي، و12,396 تركيب سماعة طبية، و3,078 عملية زراعة قوقعة.. كما تم الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية لحديثي الولادة حيث بلغ إجمالي عدد الأطفال المفحوصين 670,926 طفلا، مع إحالة 4,760 حالة لاستكمال الرعاية والعلاج.
وقد أكدت مبادرة دعم صحة المرأة التزام الدولة بحماية صحة الأسرة المصرية، حيث تم تسجيل 64,854,712 زيارة واكتشاف 35,666 حالة مؤكدة بالإصابة.
كما شملت الجهود مبادرة العناية بصحة الأم والجنين، التي بلغ إجمالي الفحص بها 3,527,441 سيدة، بما يضمن متابعة الحمل والحد من المضاعفات الصحية.
وضمن توجه عالمي تدعمه أحدث الأبحاث الطبية، نفذت الدولة مبادرة فحص وعلاج الأمراض المزمنة والاكتشاف المبكر للاعتلال الكلوي حيث تم فحص 19,621,321 مواطنا واكتشاف 7,053,929 حالة محتملة لارتفاع ضغط الدم 4,576,462 حالة اعتلال كلوي،2,519,523 حالة مرض سكر.
كما تم علاج أطفال الضمور العضلي حيث تم فحص 26,901 حالة، وإحالة 1,863 طفلا للعلاج، وحقن 44 حالة بالعلاج الجيني (Zolgensma)، الذي تصل تكلفة الحقنة الواحدة إلى 2.1 مليون دولار، مع العمل حاليا على توفير العلاج للأطفال فوق سن السنتين.
وشملت المبادرات الرئاسية الكشف المبكر عن سرطان الكبد وفحص 118,920 مواطنا، وإحالة 5,280 حالة للعلاج واكتشاف 2,911 إصابة والكشف المبكر عن الأورام السرطانية وتنفيذ 14,446,731 استبيانا، واكتشاف حالات بسرطانات الرئة والقولون والبروستاتا.
وامتدت مظلة الرعاية إلى الرعاية الصحية لكبار السن حيث تم فحص 2,004,114 حالة، وإحالة 1,054,879 حالة للعلاج.
كما تم فحص 4,381,932 شخصا مقبلين على الزواج واكتشاف آلاف الحالات الوراثية وكذلك إطلاق مبادرة صحتك سعادة للصحة النفسية، والتي شملت فحوصات التوحد، وإدمان الألعاب الإلكترونية، والاستبيانات النفسية المختلفة.
كما شهدت الفترة الأخيرة إطلاق مبادرات مستحدثة، من بينها برنامج التدخل السريع لإزالة رجفان القلب البطيني،المبادرة الوطنية للتوعية بالموت المفاجئ والتدريب على استخدام جهاز مزيل الرجفان الخارجي الآلي AED تحت شعار «بإيدينا ننقذ حياة».
ومنذ 2018 وحتى نهاية نوفمبر 2025، تم تنفيذ 2,766,547 عملية جراحية ضمن مبادرة القضاء على قوائم الانتظار، بتكلفة بلغت 29 مليارا و566 مليون جنيه، شملت أدق التخصصات الطبية.
وفي إطار رؤية الدولة المصرية لبناء إنسان سليم صحيا، وتعزيز ركائز التنمية البشرية المستدامة، جاء إطلاق المبادرة الرئاسية «الألف يوم الذهبية لتنمية الأسرة المصرية» ليجسد توجها وطنيا شاملا يستهدف دعم الأسرة منذ اللحظات الأولى لتكوينها، وتحسين مؤشرات صحة الأم والطفل، اعتمادًا على أحدث النماذج العلمية والتوصيات الدولية في مجالات الرعاية الصحية والوقاية المبكرة.
وحققت المبادرة الرئاسية «الألف يوم الذهبية» حزمة واسعة من الإنجازات، كان في مقدمتها استحداث المشورة الأسرية المتكاملة من خلال مشاركة المهام وتحقيق التغطية بمراكز المشورة الأسرية بنسبة 89%. وشملت هذه المنظومة تأهيل مقدمي المشورة الأسرية من الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان، لتقديم الدعم النفسي والصحي والمعلوماتي للأمهات والأسر، بدءًا من مرحلة ما قبل الزواج.
وفي هذا الإطار، تم افتتاح 4200 غرفة مشورة أسرية، إلى جانب تدريب وتشغيل 12 ألف مقدمة مشورة أسرية على مستوى الجمهورية.
كما تم إصدار الاستراتيجية الوطنية لدعم الولادة الطبيعية وتخفيض العمليات القيصرية غير المبررة طبيا (2022–2027)، والتي أسهمت في خفض معدلات الولادة القيصرية داخل المستشفيات الحكومية إلى 61%، مع استمرار العمل على الوصول إلى مستهدفات أكثر طموحًا تتمثل في 35% للبكرية و40% للمتعددة بحلول عام 2027.
وضمن جهود تحسين خدمات ما حول الولادة، شهدت مصر إحياء تخصص القبالة من خلال إصدار الاستراتيجية الوطنية للقبالة (2024–2029)، وتدريب وترخيص نحو 1000 قابلة، إلى جانب إنشاء البورد المصري للقبالة وإعادة إدراج تخصص القبالة بكليات التمريض عام 2023.
كما تمت إعادة إصدار القرار الوزاري المنظم للقبالة، ووضع برنامج تدريبي للقابلات لمدة 18 شهرًا وفق أحدث توصيات الاتحاد الدولي للقابلات.
وشملت الجهود أيضا تنفيذ برنامج تطوير رعاية حديثي الولادة وإنشاء مراكز تميز لخدمات ما حول الولادة لدعم الولادة الطبيعية وتطوير خدمات حديثي الولادة عام 2023، فضلًا عن إطلاق البرنامج القومي لتحويل المنشآت الصحية إلى منشآت صديقة للأم والطفل عام 2025، والبرنامج القومي للوقاية من التقزم وسوء التغذية في مايو 2025، إلى جانب إطلاق الشرعة الدولية المصرية لتسويق بدائل لبن الأم عام 2024.
وفي إطار سعي الدولة لتطوير وتحسين الخدمات العلاجية، تم تقديم خدمات علاجية مجانية لـ 19,138,878 مواطنًا من خلال 17,565 قافلة طبية متنقلة بجميع المحافظات خلال الفترة من عام 2014 وحتى نهاية الربع الثالث من عام 2025، بإجمالي 47,914,385 خدمة طبية.
كما جرى تحويل 208,624 حالة إلى المستشفيات لاستصدار قرارات علاج على نفقة الدولة وإجراء الجراحات اللازمة من خلال المجالس الطبية المتخصصة.
كما شهدت منظومة رعاية الأطفال تطورا ملحوظا، حيث ارتفع عدد الحضانات من 2850 حضّانة عام 2014 إلى 3825 حضّانة عام 2025، إلى جانب تطوير خدمات الرعايات المركزة وزيادة أعدادها من 2831 رعاية مركزة إلى 3800 رعاية مركزة، من بينها 836 رعاية مركزة للأطفال.. وتم افتتاح 250 قسم علاج طبيعي بالمستشفيات، و352 قسمًا بمراكز طب الأسرة حتى الربع الثاني من عام 2025، بهدف تطوير خدمات التأهيل والعلاج الطبيعي وتعزيز الوصول إليها، من بينها افتتاح وحدة علاج طبيعي لذوي الهمم بمحافظة بني سويف.
كما جرى توفير جهازين جديدين للقسطرة القلبية بمحافظة البحيرة، بقيمة 23 مليون جنيه لكل جهاز، ضمن خطة الارتقاء بتجهيزات المستشفيات وزيادة القدرة الاستيعابية لوحدات القسطرة.
وفي إنجاز دولي، فاز مستشفى صدر دمنهور بـ الجائزة الماسية من المنظمة الدولية للجلطات (World Stroke Organization) عن الربع الأول من عام 2025.
وشهدت خدمات الغسيل الكلوي توسعا كبيرا، حيث ارتفع عدد مراكز الغسيل من 276 مركزا عام 2014 إلى 387 مركزاعام 2025، وزاد عدد ماكينات الغسيل من 5489 ماكينة إلى 9040 ماكينة خلال الفترة ذاتها.
كما تم التوسع في قاعات الغسيل لاستيعاب أعداد أكبر من المرضى، ليزيد عدد مرضى الغسيل الكلوي من 20,745 مريضًا عام 2014 إلى 28,025 مريضًا عام 2025، مع إدخال خدمات تخصصية جديدة شملت فصل البلازما والغسيل البريتوني.. وشملت الجهود تفعيل خدمة القسطرة المخية بمستشفى دمنهور التعليمي بمحافظة البحيرة لعلاج حالات السكتات الدماغية.
كما بلغ إجمالي قرارات العلاج على نفقة الدولة 1.6 مليون قرار بتكلفة 3 مليارات جنيه خلال العام المالي 2014/2015، ليستفيد منها نحو مليون مريض.
وتواصل التوسع ليصل إجمالي قرارات العلاج على نفقة الدولة إلى 4,018,378 قرارًا بنهاية يوليو 2025، استفاد منها 2,404,320 مريضًا، بتكلفة تجاوزت 27 مليار جنيه مصري.
وخلال الربع الأول من العام المالي 2025/2026، تم إصدار 1.095 مليون قرار علاج بتكلفة 9 مليارات جنيه، إلى جانب إصدار قرار علاج واحد بالخارج على نفقة الدولة، وقرار علاج واحد بالخارج على نفقة الهيئة العامة للتأمين الصحي بتكلفة 23,311 دولارا.
وفي إطار خطة البرنامج القومي لمكافحة الدرن، تم فحص 3910 مرضى غسيل كلوي داخل 51 مركزا بمحافظات الغربية، المنوفية، القاهرة، الفيوم، سوهاج، مع تقديم العلاج الوقائي للحد من تحول الحالات إلى الدرن النشط، والكشف المبكر عن مرض الدرن الكامن بين مرضى الغسيل الكلوي؛ لذا فإن ما تحقق عبر المبادرات الرئاسية للصحة العامة لم يكن مجرد أرقام، بل تحول جذري في فلسفة الرعاية الصحية، نقل مصر من علاج المرض إلى الوقاية منه، ومن الاستجابة المتأخرة إلى التدخل المبكر، ومن الأعباء الصحية إلى الاستثمار في الإنسان، لتصبح التجربة المصرية اليوم نموذجا عالميا يحتذى به في بناء أنظمة صحية عادلة ومستدامة.