لك أن تتخيل، عزيزى القارئ، أن كاتب الكلمات هو الشاعر الغنائى الكبير حسين السيد الذى كتب أشعارًا خالدة فى الحب والوطنية لأعظم المطربين والمطربات، وقد قام بتلحين الأغنية موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بنفسه. تلك الأغنية التى مرّ عليها اليوم 63 سنة خرجت للنور فى ذروة التنافس بين قطبى الكرة المصرية، فكانت رسالة لنبذ التعصب الرياضى، وأن كرة القدم تجمع ولا تفرق.
مع الأخذ فى الاعتبار أن كرة القدم فى مصر فى بدايتها كان لها دور وطنى محفّز ضد الاحتلال من خلال المباريات التى كانت تجمع لاعبى الأهلى والزمالك فى فريق واحد ضد الفرق الإنجليزية، وهو الأمر الذى استمر لسنوات حتى بعد انتهاء الاحتلال وإعلان الجمهورية، وكانت مثل تلك المباريات المشتركة تُقام أمام الفرق العالمية الكبرى.
الجمهور هو كلمة السر واللاعب رقم واحد فى معادلة الرياضة المصرية. ومثال بسيط جدًا: فريق بيراميدز حصد لقب السوبر الإفريقى، ومن قبله كأس الكونفدرالية وبطولة دورى أبطال إفريقيا للمرة الأولى فى تاريخه، ومع ذلك لا يوجد أى اهتمام إعلامى يُذكر بهذا الإنجاز، لأنه لا يملك جمهورًا فى الشارع.
ولك أن تتخيل لو أن فريق الأهلى أو الزمالك هو من حقق هذا الإنجاز، لرأيت أفراحًا فى الشارع المصرى كما حدث من قبل، واهتمامًا فى كل البرامج الرياضية والسياسية بهذا النجاح. فأى نادٍ يستطيع أن يشترى أغلى اللاعبين ويُكوِّن فريقًا قويًا، لكنه لا يستطيع أن يشترى المشجع المصرى مهما حصد من بطولات؛ فعشق الجمهور المصرى للأهلى والزمالك ليس بسبب البطولات فقط، بل لانتمائهم وحبهم الحقيقى للنادى.
فقطبا الكرة المصرية هما وجها العملة، لا ثالث لهما، وحتى الأندية الشعبية مثل الإسماعيلى والاتحاد والمصرى والمحلة وغيرها من الأندية ذات الجماهيرية الجغرافية الشعبية، ستجد أن جماهيرها أيضًا تشجع الأهلى أو الزمالك بجانب فرقهم. وحتى مع تجربة أندية الشركات أو الأندية الخاصة ستجد أنها تفتقد أهم عنصر، وهو الجماهير، رغم مرور سنوات على إنشائها، وحتى أصحاب تلك الأندية أنفسهم يشجعون الأهلى أو الزمالك.
هذا الكلام ليس بجديد أو غريب على أحد فى مصر، ولكن التساؤل الذى يطرح نفسه: هل تعى مؤسسات الدولة وتُقدّر حجم وشعبية وقوة الأهلى والزمالك؟
فاسما الأهلى والزمالك ليسا مجرد أسماء أندية، بل هما تاريخ مصر الرياضى الممتد لأكثر من قرن من الزمان، ولهما نصيب كبير كجزء أساسى من القوة الناعمة المصرية على مستوى المنطقة بأكملها.
وإن كان عدد سكان العالم يزيد على 8 مليارات نسمة، فلا شك أنه بأقل تقدير ربع سكان العالم يعرفون اسمى الأهلى والزمالك. فهل تعمل الحكومة المصرية والقائمون على الرياضة فى مصر على دعم استقرارهما وتعظيم الاستفادة منهما؟
أنا أهلاوى ومتعصب بحب النادى الأهلى، ولكن لا يعنى هذا أننى ضد نادى الزمالك، بل على العكس، كمواطن مصرى أدعو إلى إنقاذ نادى الزمالك من أزمته المالية. وعلى الحكومة ووزارة الشباب والرياضة التدخل لحل أزمات النادى، ولا يدّعى أحد أن الشعب أولى بتلك الأموال من لاعبى النادى الذين يحصلون على ملايين، لأن هذا فكر قاصر.
فحل أزمة الزمالك ليس فى ضخ الأموال فقط، ولكن بوضع خطة لاستثمار حقيقى يُدرّ أرباحًا تسدد ميزانية النادى.
على سبيل المثال: أرض أكتوبر، نعم هناك خطأ من جانب إدارة النادى فى التعامل معها، ولكن ليس معنى الخطأ أن نقضى أو نسهم فى القضاء على هذا الكيان الكبير الذى لا يمكن تعويضه أو الوصول إلى ما وصل إليه عبر التاريخ.
الرياضة فى مصر بحاجة ضرورية إلى وجود حلول فعّالة وسريعة، وإلى ضوابط صارمة على الأندية. فإن كان القانون الجديد للرياضة حلًا على المدى البعيد من خلال شركات الأندية، فيجب أن تكون هناك حلول سريعة لإنقاذ أندية مثل الزمالك والإسماعيلى من عثراتهما المالية بأفكار مبتكرة، وليس فقط بضخ أموال.
ولا ينادى أحد بفكرة تبرع الجمهور للنادى، فالجمهور العظيم لن يتأخر عن ناديه، ولكن من الطبيعى أن يرفض التبرع حتى ولو بمائة جنيه للاعب يتقاضى 10 أو 20 مليون جنيه فى السنة، وهذه حقيقة تكشف عن كارثة خطيرة تعانى منها الرياضة فى مصر، وهى سقف أسعار اللاعبين، التى يجب أن يكون لها حد معقول كما يحدث فى الدوريات الكبرى العالمية.
مع الأخذ فى الاعتبار أننا لسنا من تلك الدوريات، فلماذا الصفقات الخرافية بهذه الأرقام دون دراسة العائد منها؟
فنحن فى مصر نطبق الاحتراف دون احترافية، دون أى استثمار مدروس، والحلول كثيرة وموجودة ولكنها تحتاج إلى شجاعة فى القرارات لتطبيقها.
فأولى خطوات العلاج تبدأ من قطاع الناشئين، ليس على الورق فقط، بل بمشاركتهم مع الفريق الأول بعدد محدد من مباريات الدورى، وإتاحة الفرص لهم للاحتراف فى سن مبكرة، بجانب تقليل أعداد المحترفين الأجانب فى الفرق، ولتكن البداية بتخفيض العدد إلى ثلاثة فقط.
ولا يقول أحد إن اللاعب الأجنبى مهم فى الدورى المصرى، فلنا سابقة فى الماضى بمنع وجود حراس مرمى أجانب، وهو ما أسهم فى ظهور أسماء عظيمة لحراسة المرمى والاستفادة من خبراتهم فى المنتخب الوطنى.
المشاكل كثيرة ولها حلول ليست مستحيلة، ولكن علينا أن نعترف بالأخطاء أولًا، ونجتمع لوضع حلول قابلة للتنفيذ، وليس مسكنات لتهدئة الأوضاع.
فمثلًا، مشاكل الزمالك والإسماعيلى المالية ليست جديدة، ولكنها قديمة، والتعامل معها كان بنظام المسكنات على مدار سنوات حتى تفاقمت. واليوم يجب وضع خطط مدروسة سواء من الرابطة أو الاتحاد أو الوزارة أو حتى الحكومة.
ونماذج الحلول متاحة فى العديد من الدوريات الأخرى، وما علينا إلا أن نختار الحلول التى تتناسب معنا ونتفق عليها، ولنعلم أن إنقاذ ناديى الزمالك والإسماعيلى هو البداية الحقيقية لتطوير الرياضة المصرية.