خلال الأيام المنقضية شهدت أروقة الأمم المتحدة، كعادة سبتمبر من كل عام، زخمًا سياسيًا واسعًا بين حضور على مستوى القادة أو ممثلي الدبلوماسية للدول. وقد سيطرت القضية الفلسطينية وما يحدث في غزة على كلمات الوفود، فبرغم ما يجري على الأرض في غزة منذ أكتوبر 2023 من إبادة ومحاولة تهجير للشعب الفلسطيني، تصدّرت القضية المشهد الدولي، ولم يعد أحد قادرًا على غض الطرف عن جرائم الإبادة الجماعية وتجويع الأطفال.
ورغم المحنة، نرى نور المنحة في الاعترافات المتتالية بالدولة الفلسطينية من دول غربية ظلّت لعقود طويلة الداعم الأكبر لإسرائيل، وكانت أول من اعترف بها وأعطاها الوعود بسرقة الأرض واستبدال شعبها بآخر، كما حدث في وعد رئيس الوزراء البريطاني بلفور عام 1917 مقابل دعم العصابات اليهودية في الحرب العالمية الأولى.
ولم تنقطع أي دولة غربية عن مساندة إسرائيل منذ اليوم الأول، فقد كان السلاح الفرنسي أساسًا لنواة جيش الاحتلال في العدوان الثلاثي وفي حرب 1967 ضد العرب.
لكن ما جرى منذ بداية العدوان على غزة أفقد الأكاذيب الإسرائيلية بريقها، ولم يعد يجدي معها خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة.
فقد تجلّى الرفض الدولي في خروج الوفود من القاعة، وفي حالة العزلة التي يفرضها العالم اليوم على الكيان المحتل.
هذا العدوان هدم سردية تاريخية عاش عليها اليهود قبل قيام دولتهم عام 1948، وهي السردية القائمة على الاضطهاد. وهكذا أضاع نتنياهو ما بناه بن جوريون وأعوانه على مدار عقود.
وأصبح قادة العالم لا يملكون أمام شعوبهم سوى الاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقه في دولته، والتأكيد أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد للخروج من دوامة الصراع القائم.
أما الموقف الأمريكي، فلا يمكن فصله عن الجانب الإسرائيلي منذ نشأتها، فإسرائيل جزء لا يتجزأ من سياساتها، ولم تنحز أمريكا يومًا إلى قضية عادلة على مدار تاريخها.
ومن ثم، أصبح التحرك من خلال تكتلات إقليمية بعيدًا عن القطبية الأحادية أمرًا حتميًا للخلاص من الهيمنة الأمريكية التي لم تخدم سوى مصالح إسرائيل.
ولم يعد هناك مجال لأن تربط أي دولة مصيرها بحليف كالولايات المتحدة؛ فإذا تعارضت المصالح يصبح الحلف خنوعًا للأقوى.
ولهذا تحرص الدول الصاعدة على تشكيل تكتلات ثنائية أو أوسع، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، اقتصاديًا وعسكريًا، للتخلص من الهيمنة الأمريكية، وتحرير قراراتها وسياساتها الخاصة، ولو بدرجات متفاوتة بحسب تأثير كل فاعل.