في ظل التصعيد المستمر في الأراضي الفلسطينية، وخاصة في قطاع غزة، ومع قرابة عامين من العدوان الإسرائيلي، تتوالى الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية من عدة عواصم غربية، من أبرزها فرنسا وبريطانيا، حيث باتت أكثر من 150 دولة تعترف بالدولة الفلسطينية، بما يعكس حالة الزخم الذي تكتسبه القضية الفلسطينية في الوقت الراهن.
وأكد سياسيون أهمية وجود الآليات التنفيذية والضغط الفعلي على الاحتلال لوقف آلة الحرب المستعرة، وإعادة الاعتبار لحل الدولتين بعد سنوات من الجمود، وذلك في ظل دعم لا محدود من قبل الإدارة الأمريكية للاحتلال.
آلية ضغط فعالة
قال الدكتور مختار غباشي، مدير مركز الفارابي للدراسات السياسية، إن الانعكاس الحقيقي للتحركات الدولية والاعتراف بالدولة الفلسطينية يتوقف على وجود آلية ضغط فعالة يمكن من خلالها التأثير على إسرائيل، وكذلك على الولايات المتحدة الأمريكية، لدفعهما نحو قبول قيام الدولة الفلسطينية.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أمس، لم تتحدث عن دولتين أو عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل تهرّب من الأمر برمّته، موضحا أن التحرك الدولي وبحث حل الدولتين مهم على الجانب القانوني والدبلوماسي، لكنه يفتقر إلى الحسم والفعالية ما لم يُترجم إلى إجراءات عقابية واضحة ضد إسرائيل، وربما قبلها ضد الولايات المتحدة، لتدفعهما نحو الالتزام الفعلي بإقامة الدولة الفلسطينية.
وأكد أن التحرك الحالي يثير التساؤلات "هل الدول التي عجزت حتى الآن عن إدخال الطعام والدواء لمليوني إنسان جائع في غزة، قادرة على إنشاء دولة ذات سيادة وحدود وسلطة حاكمة؟، أم أن هذه التحركات مجرد إجراءات نظرية لامتصاص الغضب وتهدئة الشارع؟".
وأضاف أنه في الوقت نفسه فالاعتراف البريطاني أو الفرنسي بالدولة الفلسطينية، تحول تاريخي في مواقف هاتين الدولتين، لكن الأهم هو كيفية تحويل هذا الاعتراف إلى خطوات عملية على أرض الواقع، خاصة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي، وغياب أي تغيير فعلي في السياسات أو على الأرض.
وشدد على أهمية تحويل مخططات وأفكار اليوم التالي للحرب والمبادرات المقترحة لوقف إطلاق النار في غزة، إلى أفعال جادة، والأفعال لا تأتي من خلال الضغط الدبلوماسي الناعم فقط، بل من خلال استخدام الدبلوماسية الخشنة، أي توظيف العلاقات والمصالح الدولية للضغط الحقيقي على إسرائيل والولايات المتحدة.
وأكد أنه بينما يتحرك العالم للاعتراف بالدولة الفلسطينية، لا تزال إسرائيل تستمر في تهويد الأراضي المحتلة، وتدمير المخيمات، وتجويع الفلسطينيين وتهجيرهم من أراضي غزة، لذلك من المهم اتخاذ خطوات جادة فعلية رغمًا عن إرادة إسرائيل لوقف هذا العدوان.
إسرائيل تواصل التصعيد
ومن جانبه يقول الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية، أن الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية تعدّ تطورًا إيجابيًا ومعنويًا مهمًا، مضيفا أن هذه الاعترافات استفزت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، مما دفعهما إلى التصعيد أكثر، ربما في محاولة لإثبات أن هذه الاعترافات غير مؤثرة عمليًا.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن هناك زيادة في الاقتحامات بالضفة الغربية، وتسارعًا في عمليات الاستيطان، واستمرار تهجير الفلسطينيين من سكان غزة من مناطق شمال القطاع إلى الجنوب، مع إبادة البنية التحتية وتحويل القطاع إلى منطقة غير صالحة للحياة، مضيفا أنه تستمر التصريحات الإسرائيلية المتشددة التي تنكر إمكانية قيام دولة فلسطينية، بدعم أمريكي واضح، حيث أكدت واشنطن الموقف ذاته.
وشدد على أنه رغم أن هذه الاعترافات تُشكّل زخمًا رمزيًا وتعكس أن القضية الفلسطينية ما زالت حيّة في الضمير العالمي، فإنها لا تكفي وحدها، فبدون إجراءات تنفيذية وضغوط حقيقية سياسية أو اقتصادية من الدول التي اعترفت بفلسطين، لن يتحقق شيء ملموس، إذ يجب اتخاذ خطوات عملية توقف نزيف الدم الفلسطيني.
ولفت إلى أن الحديث عن "اليوم التالي للحرب" سابق لأوانه، وهو نوع من استهلاك الوقت، فكيف يمكن التحدث عن وضع خطط سياسية لغزة، بينما الحرب لم تتوقف أصلًا؟، فالأولى وقف العدوان أولًا، ثم بحث الحلول المستقبلية، موضحا أن مصر قدمت خطة متكاملة لإعادة الإعمار في غزة، وتبنتها الجامعة العربية، لكنها لم تُنفّذ حتى الآن بسبب استمرار العدوان على القطاع، لذلك يجب وقف العدوان أولا وبحث ما يريده الفلسطينيون أنفسهم.
وحذر من أن إسرائيل تواصل العدوان على القطاع ويوميا يسقط المزيد من الشهداء، المصابين، والمفقودين، ومزيد من تمزيق أوصال الأراضي الفلسطينية، وهدم أي إمكانية لقيام دولة ذات وحدة جغرافية وسياسية حقيقية، وبالتالي يجب وجود إجراءات وترجمة حقيقية على الأرض لتلك الجهود الدبلوماسية، سواء كانت أوروبية أو عربية، من خلال إرادة سياسية تجبر الاحتلال على التراجع.