رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

سيناريوهـــــــــات «اقتصاد ما بعد صندوق النقد»


6-9-2025 | 15:33

صندوق النقد الدولى

طباعة
تقرير: بسمة أبوالعزم

أيام قليلة تفصلنا عن طرح الحكومة للمسودة النهائية لرؤيتها لتنمية الاقتصاد حتى عام 2030 على مجلس الوزراء تمهيدا لإطلاق حوار مجتمعى بشأنها لمدة 60 يومًا، ليبدأ الاقتصاد المصرى مرحلة جديدة من الإصلاح بعد انتهاء اتفاق صندوق النقد الدولى بنهاية 2026، ورغم تنوع سيناريوهات خبراء الاقتصاد لمرحلة ما بعد انتهاء اتفاق «الصندوق»، فإنهم أجمعوا على قدرة الاقتصاد المصرى فى المرحلة القادمة فى الاعتماد على إمكانياته الذاتية لاستكمال الإصلاح الهيكلى مع تحديد قطاعات بإمكانها حل أزمة الفجوة التمويلية دون الرجوع إلى عباءة صندوق النقد مرة أخرى.

 

«رغم انتهاء اتفاق مصر الحالى مع الصندوق بنهاية 2026، فإن المتابعة مستمرة حتى استرداد كامل التمويلات التى حصلت عليها مصر ضمن البرنامج وذلك وفقا لما يعرف بمراجعة «المادة الرابعة» التى تطبق على جميع الدول الأعضاء بالصندوق»، هذا ما كشفه الدكتور محمد معيط، المدير التنفيذى بصندوق النقد الدولى، فى تصريحات إعلامية سابقة، مؤكدا أن «لكل دولة الحق الكامل فى تحديد شكل علاقتها بالصندوق بعد انتهاء الاتفاق سواء بالاكتفاء بالمراجعة الدورية، أو الدخول فى برنامج جديد، أو العمل بما يعرف بمرحلة «ما بعد البرنامج» والقرار يكون نابعا من الدولة وفقا لأولوياتها واحتياجاتها التمويلية».

استعدادات الحكومة لمرحلة ما بعد قرض صندوق النقد الدولى جاءت مبكرة، وهو ما يؤكد على الحرفية فى إدارة الملف الاقتصادى، فإعلان رئيس الوزراء طرح خطة وطنية متكاملة تستند إلى الرؤية المصرية حتى 2030، وهنا تتغير التوجهات الحكومية من الاعتماد على الدعم الخارجى والتركيز على القدرات الداخلية للاقتصاد المصرى والاستفادة من الموارد المحلية واستثمار نتائج البنية التحتية التى تم تجهيزها طوال السنوات الماضية، وهذا ما اتفق معه خبراء الاقتصاد الذين أكدوا على قدرة الاقتصاد المصرى على استكمال مسيرة الإصلاح والنجاح منفردا، ولكن بشروط محددة مع تحديد مجموعة من القطاعات يجب التركيز عليها خلال الفترة القادمة لتكون قاطرة النهوض الاقتصادى والمساهمة فى تخفيف حدة أزمة الفجوة التمويلية.

الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادى، قال: هناك ثلاثة سيناريوهات لما بعد انتهاء اتفاق الصندوق، أولها «سيناريو الاستقرار والتحسن»، ويأتى من خلال استمرار الإصلاحات الاقتصادية للدولة بشكل منفرد، فالحكومة ملتزمة بتوصيات صندوق النقد دون اتفاق جديد ولكن سيتم الاستمرار على خفض عجز الموازنة وتحرير بعض السلع المدعمة وزيادة موارد الدولة، وهنا يستمر تحسن واضح فى مؤشرات الاقتصاد عبر انخفاض تدريجى للتضخم وتحسن قيمة الاحتياطى النقدى الأجنبى وتحسن نسبى للجنيه مقابل الدولار، وبالتالى هناك استمرار للثقة الدولية من استكمال خطوات الإصلاح، أيضا التركيز على التوسع فى الاستثمارات الأجنبية المباشرة خاصة فى قطاعات الطاقة والنقل والصناعات التصديرية، وهناك استمرار فى تعزيز الشمول المالى ورقمنة المدفوعات والتمويل متناهى الصغر، وبالتالى النتيجة المباشرة تقليل الاعتماد على قروض أجنبية جديدة وهو ما تفكر فيه الدولة حاليا.

وأضاف: يتمثل السيناريو الثانى فى «الاعتماد المتجدد» أى الاتفاق على تجديد البرنامج مع صندوق النقد أو إحدى المؤسسات الدولية الأخرى، مع استمرار المساعدات التمويلية بشكل مشروط لتحقيق الإصلاحات الهيكلية، ويتم اللجوء إلى ذلك مع وجود بعض المشكلات مثل ارتفاع الدين الخارجى لكن مع قدرة الدولة على السداد سيحدث نمو اقتصادى، لكن بوتيرة أبطأ من السيناريو الأول، وهنا سيكون هناك اعتماد جزئى على الخارج مع الحفاظ على استقرار اقتصادى نسبى.

«د.عادل»، أوضح أنه «يأتى السيناريو الأخير وهو التعسر وعدم الاستقرار ويحدث إذا تراجعت الحكومة عن استكمال الإصلاحات مع تراجع الثقة الدولية وخروج بعض الاستثمارات والتدفقات النقدية وعودة الضغط على الجنيه وعودة ارتفاع أسعار السلع، وحينها تزيد احتمالية اللجوء إلى صندوق النقد بشروط أكثر تشددا بما يزيد العبء على المواطن، وبالرغم من تنوع التوقعات إلا أن السيناريو الأخير شبه مستحيل حدوثه فى ظل التحسن الاقتصادى، وبالتالى المستقبل مرهون ببعض العوامل أهمها قدرة الدولة على تنويع مصادر الدخل القومى، وكفاءة إدارة الدين الخارجى وجدولة السداد، كذلك تحقيق العدالة الاجتماعية للتخفيف على الطبقة الوسطى ومحدودى الدخل، أيضا التوسع فى جذب الاستثمار المحلى والأجنبى، فبعد انتهاء 2026 مصر أمام خيارين إما الاستمرار فى الإصلاح والبناء والاعتماد بشكل أقل على الديون الخارجية، أو الدخول مرة أخرى فى دورة جديدة من الاتفاقيات والاقتراض بشروط أصعب».

وتوقع «د.عادل»، أن تكون مصر على موعد مع السيناريو الثانى «الاعتماد المتجدد»، وذلك عبر توقيع برنامج إصلاحى جديد مع الصندوق أو إحدى المؤسسات الدولية ولكن بشروط غير متعسرة، لأنه يقوم على الاعتماد الجزئى على التمويل الخارجى مع الحفاظ على الاستقرار الاقتصادى النسبى.

على صعيد آخر أكد الدكتور محمد البهواشى، الخبير الاقتصادى، أن «هناك سيناريوهات متعددة للمرحلة القادمة، فالتجديد مرة أخرى ليس مستبعدًا للحصول على حزمة تمويلية جديدة، لكن التوقع الأكبر أن الحكومة ترغب فى الاعتماد الذاتى للاستمرار فى الإصلاح، فهناك توجه قوى للاستفادة من موارد مصر والرشادة فى التعامل مع الموارد، ليكون هناك برنامج اقتصادى إصلاحى وطنى بالكامل يتناسب مع ظروف الدولة، فلا ننكر أن هناك ضغوطا أحيانا من قيادة الصندوق لتنفيذ الروشتة الخاصة به، الأمر الذى كان يدفع القيادة السياسية للتدخل أحيانا لتخفيف العبء والأثر على محدودى الدخل، فمصر قادرة فى المرحلة القادمة على الاعتماد على نفسها، فلدينا بنية تحتية قوية ومشروعات قومية دائمة فنحن نعمل وفقا للتنمية المستدامة، فخلال الفترة القادمة سيقل الإنفاق الاستثمارى الحكومى ليتركز الأمر على مصاريف التشغيل والصيانة».

«البهواشى»، لفت إلى أن «أهمية قرض الصندوق الفترة الماضية تكمن فى احتياجنا شهادة ثقة من الصندوق لنكتسب ثقة المؤسسات العالمية والمستثمرين الأجانب، وبالفعل حصلنا على شهادة الصندوق وحاليا مؤسسات التصنيف الائتمانى والبنك الدولى، والصندوق وغيرها من المؤسسات الدولية تؤكد على ثقتها فى تحسن الاقتصاد المصرى ومعدلات النمو وهبوط التضخم وتحسن أداء الجنيه، كما أن العديد من الشركات الدولية بدأت فتح مشروعاتها فى مصر».

كما شدد «د.محمد»، على أنه «لا داعى للقلق من الفجوة التمويلية التى كان يشارك قرض الصندوق فى سدادها، فالفترة الماضية شهدت تحسنا فى موارد النقد الأجنبى خاصة تحويلات المصريين بالخارج، وهنا تأتى أهمية تعظيم هذه الروافد، فيجب جذب رؤوس أموال المصريين فى الخارج لاستثمارها بالداخل فيمكن للبنوك الوطنية فتح فروع بالخارج لها محفظة استثمارية تخص المصريين العاملين بالخارج، أيضا يجب التركيز أكثر على قطاع السياحة فهو من أسرع القطاعات القادرة على تحصيل إيرادات جديدة، فرغم التنوع فى المحفظة السياحية لدينا وإدخال عنصر جديد وهو الساحل الشمالى الغربى والمتحف الجديد، لكننا ما زلنا بحاجة إلى المزيد من الاستثمار الفندقى عبر برامج تحفيزية، فما شهدناه خلال الفترة الماضية من تسويق للعلمين الجديدة ساهم بقوة فى الترويج لمشروع رأس الحكمة، وبالطبع مطلوب المزيد من التسويق للعين السخنة وساحل البحر الأحمر لزيادة عدد السائحين بالشتاء فى تلك المناطق، وبالتالى البرامج التمويلية يمكن التغلب عليها، فلا ننكر أنها ستكون مهمة شاقة لكن يمكن التعامل معها».

وأضاف: لضمان نجاح الاعتماد الذاتى يجب الاستمرار فى تعظيم الاستفادة من المكون المحلى والسعى للقضاء على فجوة انعدام الثقة بين القطاع غير الرسمى والحكومة، مع السعى للاهتمام بمطالب المستثمرين وحل مشكلات الرسوم المتنوعة لكافة الجهات الحكومية، كما يجب عمل سيستم مستقل لإصدار الرخص الذهبية بأقصى تيسيرات، بعيدا عن انتظار موافقات رئيس الوزراء أسوة بدبى وغيرها من الدول الناجحة استثماريا، كما يجب مواجهة البيروقراطية من خلال الاستفادة بالحوكمة والرقمنة التى تسير نحوها الدولة، خاصة أن الحكومة أكدت على رغبتها فى عدم مزاحمة القطاع الخاص، فبعد انتهائها من مشروعات البنية التحتية بدأت الدولة فى التخارج من المشروعات والعمل على تيسير إجراءات الاستثمار لزيادة روافد العملة الصعبة وزيادة الإنتاج وفرص العمل وهناك استمرار فى هذا المجال.