فى تصعيد جديد، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، فى بيان لها، رفض وإلغاء تأشيرات أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك الشهر المقبل. وحمّل وزير الخارجية، ماركو روبيو، منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية مسئولية تقويض جهود السلام، والسعى إلى «اعتراف أحادى الجانب بدولة فلسطينية مفترضة». كما اتهمتهم الخارجية الأمريكية بشنّ «حرب قانونية» على إسرائيل عن طريق لجوئهم إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية.
هذه الخطوة أشاد بها وزير الخارجية الاسرائيلى جدعون ساعر، واصفًا إياها بـ«الجريئة». كما وجّه الشكر للرئيس الأمريكى دونالد ترامب ونظيره الأمريكى روبيو لوقوفهما بجانب إسرائيل، بدورها، أعربت الرئاسة الفلسطينية، فى بيان لها نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، عن «أسفها العميق واستغرابها» من القرار، مؤكدة أنه «يتناقض بشكل واضح مع القانون الدولى واتفاقية مقر الأمم المتحدة، لا سيما أن دولة فلسطين عضو مراقب فى الأمم المتحدة»، وطالبت الإدارة الأمريكية بإعادة النظر والتراجع عن هذه الخطوة. كذلك تأمل الأمم المتحدة فى أن تلغى واشنطن حظر دخول الفلسطينيين إلى الجمعية العامة.
وجاءت هذه الخطوة فى الوقت الذى أعلنت فيه فرنسا والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا عن خططها للاعتراف بالدولة الفلسطينية فى الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة، لتنضم بذلك إلى 147 دولة اعترفت بالفعل من أصل 193 دولة عضوًا فى الأمم المتحدة، كما تأتى هذه الخطوة فى خضم أزمة مجاعة تجتاح قطاع غزة، وهجوم إسرائيلى وحشى أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين من أكتوبر 2023.
أعاد منع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) من الحضور وإلقاء خطابه السنوى فى الجمعية العامة إلى الأذهان ما حدث فى عام 1988، عندما رفضت الولايات المتحدة منح تأشيرة دخول لزعيم منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك ياسر عرفات، وكان هذا قبل أن تعترف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية خلال اتفاقيات أوسلو عام 1993. ونتيجة لحظر عام 1988، نقلت الأمم المتحدة جلسة مقررة للجمعية العامة من نيويورك إلى جنيف حتى يتمكن عرفات من التحدث.

تعليقًا على ما سبق، أوضح الدكتور طارق وهبى، خبير العلاقات الدولية، لـ«المصور»، أن هذه ليست المرة الأولى التى تحرم فيها واشنطن قيادات من السلطة الفلسطينية من تأشيرات دخول قبيل اجتماعات الأمم المتحدة، وما حدث بلا شك مخالف لميثاق الأمم المتحدة، فعلى الرغم من أن الدول لها سيادتها، فإن هناك شروطًا داخل الميثاق لها علاقة بالدول التى توجد فيها مقرات للأمم المتحدة مثل جنيف، والنمسا، ونيويورك، تنصّ على عدم جواز منع أى دولة عضو أو مراقب من حضور جلسات الجمعية العامة.
كما أشار «وهبى» إلى الارتباطات السياسية المتعلقة بهذه الواقعة، حيث ترغب الولايات المتحدة الأمريكية فى صبّ غضبها على كل الدول التى تريد الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ووجود السلطة الفلسطينية داعم للمبادرة «الفرنسية - السعودية» للاعتراف بفلسطين. وعلى الرغم من أن واشنطن تحاول وضع عراقيل أمام الممثلين الفلسطينيين، فإنه فى إطار ميثاق الأمم المتحدة لا تستطيع أن تذهب بعيدًا فيما يتعلق بهذه الخطوة.
وأكمل «وهبى» أن ما تستطيع واشنطن القيام به هو إصدار نوع من التأشيرات المشروطة بالخروج فورًا بعد انتهاء الجمعية العامة، وعدم التنقل بحرية، وقد قامت أمريكا بهذا مع بعض الدبلوماسيين السوفييت سابقًا.
وفى ولايته الأولى عام 2018، ألغى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب التمثيل الفلسطينى بدفع من «أيباك» (AIPAC)، المنظمة اليهودية فى أمريكا. كما حاول أيضًا وقف المساعدات المالية والغذائية فى ذلك الوقت. وبعد ذلك جاءت ولايته الثانية مع حرب بدأت بها حركة «حماس»، ولأنه يريد أن يبرهن على صداقته المتينة مع إسرائيل، وأنه الداعم الأول لها؛ اتجه ترامب إلى تكسير أجنحة فلسطين.
كما ذكر «وهبي» أن منظمة التحرير الفلسطينية عُزلت منذ أن لم تستطع التوصل إلى اتفاق مع الإسرائيليين بشأن مواضيع عديدة تتعلق بالحدود والاستيطان. وإسرائيل استعملت الغرب، وبالتحديد الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، لتقول إن هناك بعض الفصائل «إرهابية»! .. وهى كلمة نسبية؛ فعندما تقتل إسرائيل لا يُعد هذا إرهابًا، لكن عندما يقوم أى فصيل فلسطينى بالدفاع عن نفسه فهذا إرهاب! وللأسف الشديد، المرحلة الحالية خطرة جدًا، خاصة ما يسمى بغزو «غزة» من جديد من قبل الجيش الإسرائيلي، مما يبعد شبح أى مفاوضات حقيقية أو فعالة للوصول إلى حل ما.

من جانبه، قال الدكتور صلاح عبدالعاطى، رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن الشعب الفلسطيني، لـ«المصور»، إن حرمان واشنطن للسلطة الفلسطينية وقيادات منظمة التحرير الفلسطينية من تأشيرات الدخول قبيل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هو «بلطجة» وتعدٍّ على «القانون الدولى» وعلى حقوق دولة المقر، الملزمة باحترام كافة التأشيرات، بمن فى ذلك خصومها وأعداؤها. فالأمم المتحدة ليست لأمريكا وحدها بل لكافة دول العالم. وهدف واشنطن هو الضغط من أجل تقليص التمثيل الدبلوماسى وإيقاف الاعترافات الدولية المتتالية، بالإضافة إلى منع الرئيس الفلسطيني، الممثل للدولة الفلسطينية، من إلقاء خطاب مباشر يعلن فيه عن التطورات على أرض الواقع، والتحلل من قيود واتفاقات «أوسلو»، والبناء على مقاربات القانون الدولى.
وأكد «عبد العاطى» أن هذا القرار جزء من مخطط أمريكى يتجاوز ويخالف كافة القوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية واتفاقيات «فيينا» للعمل الدبلوماسي. ويأمل من الأمم المتحدة التدخل لوقف مثل هذه البلطجة، وإلا ربما يُصار إلى عقد اجتماع الجمعية العامة فى جنيف كما جرى مع ياسر عرفات. لكنه ذكر أن تحرك الرئيس أبو مازن ربما لا يؤثر فى هذا المستوى بدعوة الجمعية العامة للانعقاد فى جنيف، وقد تجرى مناقشات مع الولايات المتحدة ومفاوضات ما قبل زيارته من أجل أن يرضخ للاشتراطات الأمريكية الجديدة، وهو هدف آخر للولايات المتحدة، أو دفع الرئيس الفلسطينى نحو «العزلة» طالما أن الضغوط تثمر باتجاه تقديم مزيد من التنازلات، كما شدد أن المطلوب الآن تدخل من الأمم المتحدة لضمان حصول الوفد الفلسطينى على التأشيرات، باعتبارها حقًا له ولكل الدول المشاركة فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.