«فلسطين القضية الأولى»، أحد الثوابت المصرية التى لم تحِد عنها مصر مصر منذ عشرات السنين، وخاضت فى سبيل ذلك عشرات بل مئات المعارك السياسية والدبلوماسية فى مشارق الأرض ومغاربها؛ من أجل الدفاع عن حق الفلسطينيين فى أرضهم ودولتهم، وواجهت بكل حكمة ومهارة المخططات الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، فما بين تحركات لوقف حرب الإبادة ومحاولات تهجير الفلسطينيين من أرضهم إلى انتزاع الاعترافات الدولية من جانب دول العالم، كان الدور المصرى حاضرًا وبقوة لإجهاض وإفساد كل مشروعات دولة الاحتلال بشأن فلسطين، ونجح فى إفساد كل المخططات، وهو ما عبّرت عنه كل المؤسسات الأممية تارة، والتكتلات السياسية تارة أخرى، مشيدة بالدور المصرى، انطلاقا من دور القيادة السياسية وتحركات المؤسسات المصرية، التى تكللت جهودها بنجاح واضح فى حشد دول العالم لمساندة القضية الفلسطينية من خلال حل الدولتين والإصرار على إحلال السلام فى منطقة الشرق الأوسط والاعتراف بالدولة الفلسطينية من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم الاعتراف الأوروبى المتوالى من دول أوروبا التى طالما ساندت إسرائيل فى أوقات سابقة بشكل يؤكد دور مصر وفاعلية مفاوضيها وحكمة القيادة السياسية ومثابرتها على مدار أكثر من عام لوقف حرب الإبادة الجماعية على غزة، بل وعلى جهودها المخلصة منذ 7 عقود من الزمن لنصرة شعب فلسطين ومساعدته على تقرير المصير والحصول على حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة على أرضه التاريخية.
السفير محمد العرابى، وزير الخارجية الأسبق، أكد أن القضية الفلسطينية مكون رئيسى فى السياسة الخارجية المصرية، وفى الاستراتيجية المصرية؛ من أجل الحفاظ على أمنها القومى، وبالتالى هذا الأمر نعيش فيه ونعيش معه لفترة قادمة، ولذلك فإنه ليس من الغريب أن تكون الخارجية المصرية مع الحدث وتواكبه وتضعه فى إطاره الصحيح، مشددًا على أن مصر لديها رصيد قوى فى تأييد ودعم القضية الفلسطينية، مشددا على أنه لن يستطيع أحد فى أن يشكك فى الدور المصرى لدعم القضية الفلسطينية تحت أى ظرف من الظروف، وباعتراف إقليمى وفلسطينى ودولى لأهمية الدور المصرى والإشادة به.
ولفت «العرابى» إلى أن الجهود المصرية لا تتوقف على المستوى الرئاسى أو مستوى وزير الخارجية لدعم القضية الفلسطينية، وتقف حائط صد أمام محاولات تصفية القضية، مؤكدا أن وجوه مَن رفعوا لافتات ضد الدولة المصرية فى تل أبيب معروفة، مشيرا إلى أن الموقف الأوروبى يمر بمراحل مختلفة وبتوجهات مختلفة، وذلك منذ بداية القضية الفلسطينية وحتى يومنا هذا، حتى وصل إلى موقف متغير تمامًا عما كان فى السابق، وداعم لحقوق الشعب الفلسطينى، نتيجة جهود الدولة المصرية التى تمكنت خلال الآونة الأخيرة، وخاصة منذ السابع من أكتوبر وحتى يومنا هذا، من نقل حقائق للمجتمع الدولى وإلى الدول الأوروبية من وجود خط اتصال دائم مع الدول الأوروبية.
وأوضح أن «الجهود المصرية تمكنت من وضع حقائق القضية الفلسطينية وتطوراتها أمام الدول الأوروبية، وليس فقط أمام طرف واحد فى الدول الأوروبية وحتى أمام المجتمع الدولي، وبالتالى لاحظنا تغيرًا فى مواقف العديد من الدول الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية، وهذه التغيرات بدأت بصورة إيجابية لدعم القضية الفلسطينية ورفض الاعتداءات الإسرائيلية».
فى حين، أكد السفير رخا أحمد، مساعد وزير الخارجية الأسبق، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، أن «مصر تبذل أقصى جهد ممكن لإقناع الولايات المتحدة الأمريكية أنها تكون وسيطًا بالفعل من أجل وقف إطلاق النار والإبادة الجماعية والحصار والقتل والتجويع فى غزة سواء بالسلاح أو المرض؛ لأن ذلك كله يؤثر على عملية السلام والاستقرار فى المنطقة».
وأضاف أن «مصر تحاول بكل الوسائل إدخال المساعدات، وكما نرى هناك 5 آلاف شاحنة منتظرة دخول غزة، لكن إسرائيل هى مَن تمنع دخولها من الجانب الآخر، لأنها دمرت معبر رفح من الناحية الفلسطينية، وكلما تم التوصل إلى تسوية يقبلها الجانب الفلسطينى، بادر رئيس وزراء إسرائيل بوضع عقبة فى كل مرة».
كما أشار إلى أن المقترح المصرى الأخير هو نفسه المقترح الذى قدمه مبعوث الرئيس الأمريكى ويتكوف، لكن من الواضح أن إسرائيل لا تريد الوصول إلى اتفاق، مؤكدا أن مصر تسير فى خط تحقيق السلام والاستقرار فى المنطقة، لكن إسرائيل مستمرة فى عمليات الحرب والتدمير لأنها تريد مع الولايات المتحدة إخلاء قطاع غزة من أكبر عدد من السكان للأسف الشديد.
مساعد وزير الخارجية الأسبق، أضاف أن الدور المصرى يرفض ذلك شكلا وموضوعا، ويحذر من نتائجه على عملية السلام والاستقرار، ودائما يؤكد أنه لا أمن ولا استقرار فى المنطقة دون إقامة الدولة الفلسطينية، موضحا أن خطط إسرائيل لاحتلال مدن غزة تجهض عمليات وقف إطلاق النار، وإعادة الإعمار، لأنه لن تتم إعادة الإعمار إلا بانسحاب إسرائيل من قطاع غزة حتى تستطيع الشركات العمل بحرية وأمان، وفى نفس الوقت تحتاج إلى العمال الفلسطينيين الذين سيقومون بتنفيذ هذا الإعمار، ولذلك حذرت مصر من خطط احتلال غزة لأنها عمل خطير، وهناك خلاف داخل إسرائيل نفسها على القيام به، ولذلك فإن تحذير مصر حقيقى لأنه خطير على الأمن والاستقرار فى المنطقة، مشيرا إلى أن مصر تقوم بدور كبير يحتاج إلى الدعم الإقليمى والدولى، وزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى الأخيرة إلى السعودية كانت إحدى الوسائل الممكنة للحصول على هذا الدعم، خاصة أن هناك مصالح مشتركة بين السعودية وأمريكا تحتاج إلى الحماية.
كما شدد على ضرورة التأكيد على أهمية وقف إطلاق النار والتخلى عن فكرة تهجير الفلسطينيين، ونأمل ذلك لأن الجانب الأمريكى لم يقُم بدور فعال فى هذا الاتجاه حتى الآن، مطالبا بضرورة مواجهة مخطط إسرائيل الكبرى الذى يعتبر تحديًا خطيرًا أيضا يجب مواجهته من الدول المهمة فى الإقليم، مثل مصر والسعودية وتركيا وإيران.
بدوره، قال السفير على الحفنى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن مصر كانت دائما مطمعًا لدول أخرى منذ الدولة المصرية القديمة، وتصدت لهذه الأطماع وخرجت خارج حدودها، وشنت حروبًا على أعداء كانت تطمع فى ثروات دول المنطقة، وكانت تعتدى على شعوب المنطقة العربية والشرق الأوسط، وكان لها انتصارات كبيرة مسجلة فى التاريخ.
وأضاف «الحفنى»، أن «مصر تقدر طوال تاريخها قيمة السلام والأمن والاستقرار لأنه يرتبط بمصالح الشعوب والدول، وبالتالى هذه مسئولية مصر مقتنعة بها على مر التاريخ، ومن هنا يأتى موقفنا فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة وفلسطين كلها، والآن نرى خططًا لتقسيم الضفة الغربية وفصل الفلسطينيين بعضهم عن البعض الآخر وتفتيت فلسطين، والعودة لاحتلال قطاع غزة، ومشروعات تهدد المسجد الأقصى والوجود الفلسطينى فى القدس الشرقية، كل ذلك تستهجنه وترفضه مصر ونعبر عن هذا مرارا وتكرارا، ونستمر فى اتخاذ هذا الموقف سعيا إلى السلام».
مساعد وزير الخارجية الأسبق، شدد على أن مصر دائما تقدر قيمة السلام لأنها مرتبطة دائما بالتنمية ومصالح الشعوب، وتسعى باستمرار لرفع مستوى معيشة الشعب المصرى والشعوب الأخرى منها الفلسطينى بكل تأكيد، مشيرا إلى أن الكيان الإسرائيلى لا يبالى إطلاقا بموقف المجتمع الدولى ويتعامل بازدراء مع الدول والشعوب قاطبة، ونحن موقفنا واضح برفض أى تهجير للشعب الفلسطينى ليس فقط لسيناء، وإنما لأى مكان آخر فى العالم، لأن ذلك ببساطة يساوى تصفية القضية الفلسطينية، وبالتالى نحن ملتزمون تاريخيا بنصرة الشعب الفلسطينى ودعمه فى نيل حقه فى تقرير المصير وإنشاء دولته، ولن نحيد عن هذا الموقف رغم الضغوط والتحديات والأزمات التى يتم افتعالها للإضرار بمصر وشعبها، مؤكدا أن ذلك الموقف تمليه علينا مسئوليتنا والتزاماتنا التاريخية، وسنستمر فى التزامنا به مهما كانت الضغوط والإغراءات.
وأوضح «الحفنى»، أن مصر تتحرك بشكل فردى كدولة وفى إطار جماعى من خلال عضوياتنا فى المنظمات الدولية من أجل دعم هذا الموقف، ونحن مقبلون على اجتماعات الأمم المتحدة السنوية قريبا، وسنشهد اجتماعات غير مسبوقة، ونتوقع اعتراف الكثير من الدول بفلسطين.
من جهتها، قالت الدكتورة إيمان زهران، أستاذ العلوم السياسية، إن مصر تقود جهودا إنسانية وسياسية لدعم قطاع غزة، مضيفة أن التحركات المصرية منذ أحداث 7 أكتوبر 2023 حتى الآن تسير ضمن خطة ممنهجة، بدأت من مؤتمر القاهرة للسلام، ولا تزال تتلقى إشادات ورسائل دولية حول خريطة الطريق المصرية.
وتابعت أن مرور القوافل الإنسانية تحت اسم «زاد العزة» يعكس بشكل واضح استمرار الرؤية المصرية فى دعم غزة ومواجهة أزمة المجاعة المتفاقمة هناك، موضحة أن الجهود المصرية تؤتى ثمارها فى عرقلة المشروع الإسرائيلى فيما يتعلق بتصورات الهيمنة والتطورات الإقليمية للسيطرة على أكبر مساحة جغرافية، هذا إلى الزخم التى أحدثته الرسائل المصرية والتحركات، سواء على مستوى الدبلوماسية الرئاسية أو على مستوى وزير الخارجية أحدثت صدى، حيث انتزعت القاهرة اعترافات دولية من جانب القوى الكبرى فى الاتحاد الأوروبى بالدولة الفلسطينية على سبيل المثال.
«زهران»، لفتت إلى أن قضية غزة تحولت إلى بؤرة توتر، تستقطب الجماعات المتطرفة فى العالم العربى ومنطقة الشرق الأوسط، محذرة من إمكانية امتداد هذه التوترات إلى أوروبا والولايات المتحدة، مشيرة إلى أن التحركات المصرية نجحت فى عرقلة المشروع الإسرائيلى الرامى إلى فرض هيمنة إقليمية وتوسيع النفوذ الجغرافي، مؤكدة أن الزخم الدبلوماسى المصري، سواء عبر مؤسسة الرئاسة أو وزارة الخارجية، أدى إلى انتزاع اعترافات دولية بدور مصر، خصوصًا من الاتحاد الأوروبي، ما يعكس مكانة القاهرة الإقليمية والدولية فى هذا الملف المعقد.
من جانبه، قال الدكتور محمود السعيد، أستاذ العلوم السياسية، إن الرئيس عبدالفتاح السيسى تحدث مرارا وتكرارا بشأن الأوضاع فى غزة، وجاءت كلماته فى كل مرة تحمل رسائل تحذيرية واضحة موجهة إلى المجتمع الدولى بشأن خطورة الأوضاع فى الشرق الأوسط، كما شملت رسائل موجهة إلى الداخل المصرى فى ظل ما وصفه بـمحاولات استهداف الجبهة الداخلية ونشر الشائعات فى إطار حروب الجيلين الرابع والخامس، كما أن القيادة السياسية المصرية تلعب دورا محوريا ورياديا منذ سنوات، ومصر كانت ولا تزال الدولة الوحيدة التى نجحت فى كبح التصعيد الإسرائيلى خلال الاعتداءات المتكررة على قطاع غزة، وكان أبرزها تدخلها لوقف العدوان عام 2014 بعد حرب استمرت أكثر من 55 يومًا.
كما أشار إلى أن القاهرة نجحت فى تحويل الحشد الدولى إلى مواقف عملية، مستشهدا بزيارة رئيسى وزراء إسبانيا وبلجيكا لمعبر رفح، ومشاهدتهما للواقع الإنسانى بأنفسهما، ما دفع برلمانات أوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية. كما لفت إلى التنسيق المصرى الفرنسي، وزيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون للقاهرة، والتى نتج عنها اتفاق حول ضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين، مؤكدا أن القاهرة لا تكتفى بالبيانات، بل تتحرك بفاعلية سياسية ودبلوماسية، مع تنسيق وثيق مع الدول العربية، لا سيما السعودية وقطر، لصياغة رؤية موحدة ودفع المجتمع الدولى نحو حلول واقعية.
وفيما يتعلق بدخول المساعدات إلى غزة، شدد على أن مصر لم تغلق معبر رفح أبدا، وإنما كانت العراقيل من الجانب الإسرائيلى الذى قصف المعبر أكثر من مرة، فى محاولة لمنع دخول المساعدات، كما أن القاهرة أصرت على ربط خروج مزدوجى الجنسية عبر المعبر بإدخال المساعدات الإنسانية.
وأشار إلى أن مصر تعمل من خلال خلية نحل على الأرض، مؤسسات رسمية وشباب مدنيون، يبيتون أمام المعبر من أجل ضمان دخول الإغاثة، فى حين أن إسرائيل، باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال، تتحمل المسئولية القانونية والأخلاقية عن تجويع أكثر من 2.4 مليون فلسطيني، موضحا أن المجتمع الدولى بات يدرك مسئولية الاحتلال فى منع الإغاثة، بعد مشاهد الاستيطان والتطرف الإسرائيلى على الأرض، لافتا إلى قيام مستوطنين إسرائيليين بمنع شاحنات المساعدات من المرور حتى خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكى الأسبق أنتونى بلينكن، ما اضطره لإلغاء زيارته لمعبر كرم أبوسالم.
وأكد أن الرئيس السيسى وجه رسالة مباشرة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، باعتباره القادر على الضغط على إسرائيل لوقف العدوان والسماح بإدخال المساعدات، مؤكدا أن القاهرة تدرك خطورة المرحلة وتسعى لاحتواء التصعيد وتجنب زعزعة الاستقرار الإقليمي.
بدوره، قال الدكتور أحمد سيد أحمد، خبير العلاقات الدولية، إن مصر لعبت دورًا محوريًا وحاسمًا فى حماية القضية الفلسطينية من مخططات التصفية، والتحرك المصرى اعتمد على استراتيجية متكاملة وواضحة تعمل على خمسة مسارات متوازية، ولولا الدور المصرى الداعم، لكانت القضية الفلسطينية فى مهب الريح، خاصة بعد 7 أكتوبر الذى سعى من خلاله اليمين الإسرائيلى المتطرف إلى تمرير مخطط تهجير الفلسطينيين والقضاء على كافة مقومات الدولة الفلسطينية.
وأشار إلى أن هذه الاستراتيجية شملت مسارًا إنسانيًا محوريًا قادت من خلاله مصر جهود الإغاثة، وقدمت أكثر من 70 فى المائة من حجم المساعدات، مع الإبقاء على معبر رفح شريان حياة للقطاع، وبالتوازى مع الجهود الإغاثية، تحركت مصر بقوة على المسارين السياسى والدبلوماسى لوقف نزيف الدم الفلسطينى والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، كما عملت على حشد الدعم الدولى الذى أعاد القضية إلى قلب أجندة المجتمع الدولى وغيّر المواقف العالمية لصالح الحق الفلسطينى.
وأضاف الخبير الاستراتيجى، أن مصر لم تغفل المسار القانوني، حيث دعمت دعوى جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، بالإضافة إلى دورها الإعلامى والسياسى فى فضح جرائم الاحتلال وكشف سردياته الزائفة أمام الرأى العام العالمى، معتبرا أن نجاح هذه الاستراتيجية المصرية هو ما يفسر الهجوم الذى يشنه اليمين المتطرف فى إسرائيل على الدور المصرى؛ لأن مصر شكّلت صمام أمان للقضية الفلسطينية وأجهضت مخططاتهم، فى وقت يشهد فيه الداخل الإسرائيلى نفسه انقسامًا متزايدًا وشعورًا بالخطر من سياسات حكومته المتطرفة.