رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«زين العابدين».. موطن البركة


4-9-2025 | 17:45

داخل مسجد زين العابدين

طباعة
تقرير: رحاب فوزى

منذ اللحظة الأولى التى تقترب فيها من مسجد زين العابدين بحى السيدة زينب، يلفت انتباهك طابعه المعمارى الفريد، القباب ناصعة اللون والمئذنة الممشوقة تعكس مزيجا من الطراز العثمانى والروح المصرية الأصيلة.

مع أول خيوط الصباح، دخلت المسجد، وكان الهدوء يملأ أرجاءه، رائحة البخور تفوح فى الأجواء ولا تجد مصدرها، وصوت التلاوة يتردد من أحد الأركان، ليمنحك شعورا بأنك فى حضرة مكان لا يشيخ.

المسجد يضم مقام الإمام زين العابدين بن على، رابع أئمة آل البيت، ما يجعله مقصدا للزائرين من مختلف أنحاء مصر والعالم الإسلامي، وخلال جولتي، لاحظت أن الزوار لا يقتصرون على المصلين فقط، بل هناك منْ جاء بدافع الحب والروحانية، يتبركون بالمقام أو يلتقطون صورا للزخارف البديعة التى تزين جدرانه.

الجانب الأكثر لفتا للنظر هو الساحة الخارجية للمسجد، حيث يجتمع البسطاء والتجار والبائعون وفئات من طبقات مختلفة، فتشعر وكأنك أمام لوحة حية تجمع بين الدين والحياة اليومية، هذا التداخل بين الروحانى واليومى هو ما يجعل زيارة مسجد زين العابدين تجربة إنسانية فريدة، تتجاوز حدود المكان لتصبح رحلة داخل الذات.

وأنت تغادر المسجد، ستجد نفسك محمّلًا بقدر من السكينة، وكأنك تركت خلفك ضجيج القاهرة الصاخب، فهى زيارة لا تُنسى، وتجربة تستحق أن تكتب عنها صفحات طويلة.

يقع المسجد فى حى السيدة زينب بمنطقة زينهم بالقاهرة، وبه نقش تأسيسى يعود إلى عام 549 هجريا 1154 ميلاديا من العهد الفاطمي، رغم أن البناء الفاطمى الأصلى لم يبق منه إلا عقد واحد فى الواجهة الداخلية، حدثت به بعض التجديدات الرئيسية حيث أُعيد بناؤه عام 1805 خلال عهد عثمان أغا مستحفظان وأُنشئ فيه مدفن ومقصورة خلال القرن 19، وكسيت واجهته بالقيشانى 1886، وجددت الواجهة الكاملة أثناء حكم الملك فاروق 1944، وأُجريت توسعات به عام 1999.

المقام والباب السرى

يحتوى المقام على ضريح يضم رأس ابنه الإمام زيد بن على فقط، وليس للإمام زين العابدين ذاته، الذى دفن بالبقيع. وارتبط المسجد بروحانية المكان وبمقام له باب سرى وهو من حجر بازلتى دهن بالأخضر، له حكايات شعبية عديدة حول صلاحيته للعبور والبركة، والمسجد مزار لمريدى آل البيت ومحبى الإمام زين العابدين، ويقام فيه احتفال مولد سنوى فى شهر شعبان.

ويشير الحاج محمد، أحد حراس المكان، إلى أن المسجد شُيد على أنقاض معبد يهودي، وأن الإمام زين العابدين دخله من خلال حجر سري، وهو ما ألهم لاحقًا قصة تحويله إلى مسجد مقدس يعتبر اليوم من أبرز المعالم التاريخية الإسلامية فى القاهرة.

يمتد المسجد على مساحة تقارب 4600 متر مربع، ويتسع لنحو 5200 مصلٍ، ما يجعله واحدًا من أكبر مساجد العاصمة. أما القبة التى تعلو الضريح فتعود إلى العصر المملوكى فى القرن الثامن الهجري، وتحتوى على مقصورة حديدية مزخرفة من القرن الثالث عشر الهجري، وتُعد نموذجًا بارزًا لفنون صناعة الحديد بمصر. كما يزين عتب باب القبة بلاطات قيشانى عثمانية زرقاء، ما زالت تحتفظ بجمالها ورونقها رغم مرور القرون.

وفى عهد الملك فاروق، تم تجديد واجهة المسجد بالكامل مع المحافظة على الباب القديم والنص التاريخي، كما شهد المسجد توسعات وترميمات شاملة طوال القرن العشرين، بما فى ذلك أعمال فى 1999.

عن قصة الحجر الغامض أو الباب السرى كما يطلقون عليه، قال أحد القائمين على خدمة زوار المكان، إنه يوجد داخل المسجد حجر من البازلت الأسود، طلى باللون الأخضر، يقع بجوار المقام، ويسمى غالبا الباب السرى؛ حيث يقال إن الإمام زين العابدين استخدمه للاختفاء عبره، وبصماته لا تزال ظاهرة عليه، وهناك رأى آخر بأن الحجر قطعة من الكعبة أُحضرت فى العصر العثمانى تكريما لجهود المصريين فى إعادة بناء الكعبة بعد انهيار جزء منها بسبب السيول، وهناك من يقولون إنه جزء من بناء قديم، وهو باب قديم مزود بمقبض حديدى محاط بحلقة من الجرانيت.

رأس الإمام زيد

على الرغم من الاعتقاد السائد بأن الإمام على زين العابدين لم يُدفن فى مصر، بل وورى الثرى فى البقيع، فإن روايات متداولة بين زوار المسجد منذ عقود – كما تروى الشيخة فاطمة، وهى من أقدم زائرات المكان وتجاوز عمرها التسعين – تؤكد أن الضريح القائم فى القاهرة يضم رأس ابنه الإمام زيد بن على فقط. وتشير الحكاية إلى أن الإمام زيد قُتل، ثم أُرسل رأسه إلى مصر حيث وُضع على منبر مسجد عمرو بن العاص، قبل أن يأخذه المصريون ويدفنوه فى هذا الموضع، ليُبنى عليه المقام لاحقًا. وبفضل ما يحمله المكان من رمزية روحية وطاقة وجدانية، ظل مقصدًا لمحبى آل البيت، ومركزًا لإقامة الموالد والاحتفالات السنوية، خصوصًا فى ذكرى مولده خلال شهر شعبان.

تضيف الشيخة فاطمة: «لو جيتى هنا فى وقت المولد مش هتلاقى مكان تقفى فيه، هتلاقى أجواء روحانية شعبية وإنشاد، وحلقات ذكر، وأطفال مع عائلاتهم، وبائعى حلوى وسبح وناس كلها بركة بتعطيها لمن يحتاجها بلا مقابل. أنتم تعيشون أصعب مراحل الزمن وآخره ولا أتمنى أن أعيش أكثر فلا يوجد فى الدنيا ما لم أختبره طالما أستطيع أن أزور المسجد والضريح هنا، وأتمنى أن أموت هنا أثناء زيارتى له لذلك أنتظم فى الزيارة».

تروى السيدة نبوية -بائعة بمحيط المكان- أنه فى أحد الأيام تعرض الضريح لحريق خفيف بسبب ماس كهربائى فى مايو 2017، مما أدى إلى تلف بعض الأقمشة والمقصورة الخارجية، وقامت وزارة الآثار بترميم الضريح، واستعاد أحبابه من المصلين والزوار فى مارس 2018، ضمن خطة لتطوير الموقع بالكامل.

وتشير إلى «أن الناس كانوا ينتظرون افتتاح المكان بفارغ الصبر وكانوا يأتون لزيارته من الخارج ويبكون طمعا فى الدخول ويدعون الله أن يكتمل التطوير، وهناك من يأتى طالبا الشفاء أو الندم على أعمال سابقة أو لمجرد الدعاء، وأنا نفسى أنتظر حتى يهدأ المكان وأبادر بالفضفضة بكل ما فى قلبى وأظل أبكى وأفضفض حتى ينتهى البكاء، وأبدأ حياتى من جديد»، تعلق: «أنا باجى هنا عشان أفضفض مش عشان اشتغل بس».

الاكثر قراءة