رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مخطط التطوير مستمر من «السيدة» لـ«الحسين».. مقامات «آل البيت».. طريق «الأكابر»


4-9-2025 | 14:45

.

طباعة
إشراف: وليد عبدالرحمن

وراء صخب القاهرة وزحامها الممتد، تنبض مدينة أخرى خفية، لا تُرى بالعين وحدها بل تحس بالقلب، قاهرة آل البيت. هناك حيث تنتشر الأضرحة والمقامات، يتحول المكان إلى ملاذ للقلوب المثقلة، ومرآة لوجدان المصريين عبر القرون.

هنا حيث تتشابك الحكايات مع الأزقة الضيقة والدروب القديمة، تقف مقامات آل البيت كجزر مضيئة في بحر من الضجيج. ليست مجرد مبانٍ أثرية تزين المشهد العمراني، ولا محطات للزيارة العابرة فحسب، بل هي ذاكرة حية وملاذ دائم، يلوذ إليه الناس في لحظات التعب والرجاء، بحثا عن الطمأنينة التي لا تمنحها الجدران وحدها، بل الأرواح التي تعيش في وجدان المصريين منذ قرون.

حين تخطو داخل مسجد الإمام الحسين، أو تمر على مقام السيدة زينب، أو تتوقف عند ضريح السيدة رقية أو السيدة عائشة، تجد نفسك وقد تركت وراءك القاهرة الصاخبة بكل أزماتها وأسواقها وزحامها، ودخلت عالماً آخر. هناك يتراجع هدير السيارات، وتذوب أصوات الباعة، لتحل مكانها همسات الدعاء وأنفاس الذاكرين. المباخر تتصاعد برائحة البخور، والمآذن تعلن الصلاة، والوجوه المتعبة القاصدة من بعيد تنعكس عليها لحظة رضا، كأنها وجدت في هذا المكان شيئاً من السكينة المفقودة.

المقامات هنا ليست مجرد حجارة أو زخارف من فضة وخشب محفور، بل «حضن» كبير يساوي بين الناس جميعاً. الغني يقف بجوار الفقير، والمرأة العجوز بجوار الشاب، والطفل بجوار الرجل، وكلهم يمدون أياديهم بالدعاء. حتى في ازدحام الأضرحة، وسط مئات الواقفين، لا تسمع ضجيجاً عالياً، بل خيطاً خفياً يوحد الجميع، كأن الأرواح نفسها تصطف بانتظام غير مرئى.

ما يميز علاقة المصريين بهذه المقامات ليس فقط ارتباطهم الديني والروحي، بل حضورها كجزء من نسيج الحياة اليومية. فهي أماكن للعبادة والتلاقي، وأيضا ساحات للاحتفال والذكر والإنشاد. في الموالد، تكتسب الأضرحة حياة إضافية؛ تختلط أصوات المداحين بضحكات الأطفال، وتلتقي عربات الحلوى مع حلقات الذكر، ليصبح المكان عرساً شعبياً يضج بالبركة والكرم. إنها مساحة تمتد من الروح إلى الجسد، ومن العبادة إلى الاجتماع.

في هذا الملف، نقترب من هذه العوالم بخطوات هادئة، نرصد تفاصيلها الصغيرة وكأنها قطع فسيفساء تكوّن صورة أوسع لقاهرة آل البيت. من مقام السيدة رقية الذي يُستقبل فيه الزوار بابتسامات ودموع، إلى مسجد السيدة عائشة حيث تتقاطع الحكايات الشعبية مع المرويات التاريخية، ومن حضن السيدة زينب الذي لا يخلو من الزائرين في أي وقت، إلى ساحة الإمام الحسين التي تبقى قلب القاهرة الروحي النابض.

هذه المقامات تحمل في طياتها أسراراً وذاكرة، لكن الأهم أنها ما زالت تمنح الحاضر معنى خاصا. فهي ليست آثاراً تُزار مرة واحدة، بل محطات دائمة يجد فيها الناس عزاء وشفاء وتذكيراً بأن وسط الزحام الكبير هناك دوماً مساحات صغيرة للسكينة.

إنها القاهرة كما يراها عشاقها؛ مدينة الوجدان والذاكرة، مدينة لا تُختصر في بناياتها أو شوارعها، بل في تلك اللحظات الخالدة عند أضرحة آل البيت، حيث يلتقي التاريخ بالروح، ويجد الإنسان نفسه من جديد.

 

أخبار الساعة