رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

لا إشغالات.. لا عشوائية.. لا تكدس مروريًا .. ثلاثية تطوير «العتبة والموسكى»


28-8-2025 | 14:56

.

طباعة
تقرير: رحاب فوزى

تعد منطقة العتبة والموسكى من أقدم وأشهر الأسواق الشعبية فى مصر والشرق الأوسط، وعلى مدار أكثر من قرن، شكلت الأزقة والحارات هناك مزيجا فريدا من التجارة والعمارة والتاريخ، فكانت المنطقة فى الماضى مقصدا للأجانب والمصريين على حد سواء، حيث تتجاور المحال العتيقة مع المسارح ودور السينما والمبانى الخديوية، لتشكل صورة مصغرة من القاهرة الملكية، التى كانت حلمًا، لكل الزائرين.

وبمرور العقود، وفى ظل انتشار العشوائيات وغياب الدور الرقابى والتنظيمى للمكان، تراجعت ملامح المنطقة أمام مشكلات متراكمة مزمنة، مثل الازدحام المرورى الخانق، التكدس غير المنظم للباعة الجائلين، وغياب الصيانة عن المبانى التاريخية، وهو ما دفع الحكومة لإطلاق خطة تطوير شاملة تعيد لها بريقها المفقود.

وعن ملامح خطة التطوير، قال الدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة، إن «المشروع من البداية كان يستند إلى عدة محاور رئيسية، أولها تطوير البنية التحتية بالكامل، ثم إحلال وتجديد شبكات المياه والصرف الصحى والكهرباء، ثم إنشاء شبكات حديثة للاتصالات والإنترنت لدعم النشاط التجارى، وكانت المشكلة الأكبر فى تنظيم الأسواق والباعة الجائلين وإنشاء أسواق حضارية بديلة تستوعب آلاف الباعة، بعيدًا عن الطرق الرئيسية وتوزيع الأكشاك بشكل منظم مزوّد بالخدمات الصحية والأمنية، وهنا ظهرت الحاجة الملحة لإخلاء الشوارع الرئيسية مثل شارع الموسكى والعتبة من العشوائيات لعودة السيولة المرورية، وأصبح الحفاظ على التراث المعمارى هو الشغل الشاغل، من ترميم المبانى الخديوية والمسارح القديمة مثل مسرح العتبة، إلى دهان الواجهات بلون موحد يعكس الطابع التراثي، وتسجيل المبانى ذات القيمة التاريخية ضمن قائمة الحفاظ على التراث العمراني».

«د. إبراهيم»، انتقل بعد ذلك للحديث عن النقل والمواصلات، موضحًا أنه تم بالفعل ربط المنطقة بمحطات المترو (العتبة، العتبة الجديدة، والعتبة الأزهر)، ثم الخطوة التالية هى تشغيل أوتوبيسات كهربائية صغيرة داخل الشوارع الضيقة، وتخصيص جراجات متعددة الطوابق لاستيعاب السيارات، مع توفير ممرات المشاة والتسوق السياحى دون معاناة، وهو ما سوف يتحقق بالخطوات التى تتمثل فى تخصيص شوارع مثل شارعى الرويعى والموسكى لتكون بازارات مفتوحة للمشاة دون عوائق وإنشاء لافتات تعريفية سياحية باللغتين العربية والإنجليزية، مشددًا على ضرورة تطبيق مخطط الدولة للرقى بالمنطقة واستحضار روح الحضارة فيها، واستغلال التراث الشعبى للمنطقة فى جذب السياحة، مثل الصناعات اليدوية والمنتجات المصرية.

وأكد المحافظ الانتهاء الكامل من كافة أعمال المرافق والبنية التحتية ورفع كفاءة وإحلال شبكات المرافق، التى يتم تنفيذها بالمنطقة المستهدفة، وذلك بنسبة 100 فى المائة، وجارٍ الانتهاء الكامل من أعمال طلاء واجهات عدد من العمارات ذات الطراز والطابع المعمارى المتميز المطلة على شوارع العسيلي، والجوهرى وامتداده، ويوسف نجيب، من بينها بنايات شهيرة مثل تيرينج وبريموس، وبالطبع غير مسموح بأى تشوهات بصرية على واجهات العمارات التى يتم تطويرها ورفع كفاءتها ورفع أى أسلاك على واجهاتها للحفاظ على الشكل الحضارى والجمالى لها، مع إزالة أى إشغالات فى المنطقة فورًا، وعدم السماح بأى عشوائية، ومنع أى إشغالات أو خروج لأصحاب المحال عن حدودهم.

وأفاد «صابر»، أن «مستقبل القاهرة التاريخية يبدأ من تطوير العتبة والموسكى، وهو جزء من رؤية أشمل لإحياء قاهرة المعز، التى تضم مشروعات موازية فى الدرب الأحمر، شارع المعز، وسور مجرى العيون»، لافتًا إلى أن «الهدف هو تحويل قلب العاصمة إلى متحف مفتوح يجمع بين التجارة، والسياحة، والثقافة».

بدوره، قال المهندس خالد صديق، رئيس صندوق التنمية الحضرية: لا بد من دفع وتيرة الأعمال الجارية للانتهاء من كافة أعمال التطوير وفقا للجدول الزمنى المحدد، مع مراعاة الظروف الاجتماعية للباعة وأصحاب المحال الموجودين فى الشوارع المستهدفة بالتطوير، ويوازى ذلك أيضًا تطوير شبكات الصرف الصحى والمياه، وإنشاء شبكة للحريق تستخدمها الحماية المدنية للتدخل السريع حال وجود حرائق، كما يتم تجهيز وإنشاء طاولات خشبية، سيتم تثبيتها فى الشوارع المطورة، مع تواجد دائم للجان من أجل متابعة منع عودة العشوائية مرة أخرى إلى المكان، بالإضافة إلى دهان واجهات العقارات المطلة على الشوارع التاريخية.

وأضاف: تمت إزالة الوصلات العشوائية من خلال شركة الكهرباء، بالتزامن مع أعمال التطوير الجارية فى شوارع الجوهرى والعسيلى ويوسف نجيب، بعد إخلائها من الباعة بشكل مؤقت، كما تم الانتهاء تقريبا من تطوير البنية التحتية، مع إنشاء شبكة للحماية المدنية، وستتم إعادة تبليط الشارع بعد الانتهاء وإعادة الباعة الجائلين مرة أخرى بنظام مختلف.. وستكون الرقابة صارمة دائمًا، ولجان فرض الانضباط 24 ساعة بالشوارع لمنع عودة العشوائية، وسيتم تعميم هذا النموذج على كل الشوارع المستهدفة بشكل تدريجي، على أن يتم الانتهاء من تطوير الشوارع التى تم إخلاؤها خلال 3 أشهر.

وعن التحديات على أرض الواقع، أكد اللواء إبراهيم عبدالهادي، نائب المحافظ للمنطقة الغربية، أنه «رغم الحماس الرسمى، فإن المشروع لا يخلو من التحديات، لعل أهمها كان رفض بعض الباعة الجائلين لفكرة النقل إلى أسواق بديلة خوفًا من فقدان زبائنهم، علمًا أن أعدادهم بالآلاف حرفيًا ودون مبالغة، ثم ارتفاع تكلفة الترميم للمبانى التاريخية التى أُهملت لعقود، ثم علاج الزحام المرورى المستمر فى محيط منطقة العتبة بسبب موقعها المركزى وصعوبة غلق الشوارع نهائيًا، وهو ما نفذت منه الدولة بالفعل جزءا كبيرا ومهما، والغريب أن السكان الأصليين للمكان رحبوا بحملات التجديد والتطوير جدًا، لدرجة أن بعض السيدات قابلن قوات المرافق بالزغاريد»، واصفًا ذلك: «إذن إحنا ماشيين صح»، مع مصلحة المواطن الذى يريد العيش فى سلام ونظافة وأمن، وأن ينعم ببنية تحتية بلا مشكلات وشوارع تصلح للمشى والتسوق دون أزمات أو تكدس وزحام وباعة جائلين، يكتظ بهم المكان.

وأكد «عبدالهادى»، أن الهدف ليس إزالة هوية العتبة، بل العكس، نحن نعيد المنطقة إلى أصلها، ونجعلها أكثر جذبا للسياحة، مشددًا على أن العتبة والموسكى ثروة قومية، ومشروع التطوير سيحولهما إلى قلب تجارى وحضارى حديث عصري، يحافظ على روحها القديمة.

أصوات من قلب العتبة

ومن جانبها، أجرت «المصوّر» جولة ميدانية، والتقت عددا من المواطنين والباعة، منهم «عم حسين»، صاحب محل أقمشة منذ 40 عاما، ويعانى من الباعة الجائلين الذين احتلوا المكان منذ سنوات وحرموا الناس المعيشة فى أمان، حيث بدأ حديثه، قائلًا: «إحنا نفسنا المنطقة تتطور، بس المهم ميضيعوش روح العتبة، اللى عمل عنها إسماعيل يس، أفلام لسه عايشة معانا وبنتفرج عليها وننبسط ونضحك.. والعتبة اللى فيها الزبون بييجى عشان يحس بالجو الشعبي، لو اتعملت مولات زجاج وكافيهات بس، مش هيبقى فيه فرق بيننا وبين أى منطقة تانية»، مطالبًا بالحفاظ على روح العتبة القديمة وإعادة أمجادها.

أما شريف عبدالقادر، شاب يعمل بائعًا متجولًا، فقال: «أنا هنا من 10 سنين، جيت من بلدى مع أولاد عمى اللى شغالين هنا برضو من سنين، وفجأة قالوا هيعملولنا سوق بديل مجهز، لو فعلا فى كهربا وحمام وأمان، يبقى أحسن لينا من قعدة الشارع، إحنا عايزين نشتغل فى مكان منظم، بس الأهم ميبعدوش الزبون عننا، أنا هنا بادفع فلوس عشان ألاقى المكان اللى أقف فيه، زوجتى وأمى باعوا ذهبهم عشان آخدها وأحجزها، ومفيش مشكلة إن يبقالى محل نضيف فى مكان منظم وحلو، مش كل شوية الحكومة تيجى تقول لنا إننا غلط»، معلقًا: «وفروا لنا البديل، ونحن موافقون».

بينما قالت نجيمة رزق، التى ورثت عن زوجها محلًا للملابس فى منطقة العتبة منذ سنوات، وهى تديره وتقوم بالإنفاق على الأبناء والأحفاد أيضًا: «مفيش أجمل ولا أحلى ولا أنضف من اللى بيعمله الريس والحكومة حاليًا فى العتبة، المنطقة كانت عروسة منورة بيجيلها زوار من كل بلاد الدنيا، يصوروها ويتصوروا فيها ومع أهلها، دلوقتى بييجى أجانب من باكستان والهند وبلاد منعرفش مكانها كلهم تجار جايين يشتروا أو يبيعوا كأنهم ليهم ديون عندنا»، متسائلة: «أين الوجه الحقيقى للعتبة الخضراء؟ أين شوارعها الحلوة ومبانيها الأثرية؟ لا نراها إلا وقت الفجر عندما يغادرها الباعة ويتركونها سيئة الأرض، تحيطها المخلفات والقمامة، ويظل عمال المحليات ينظفونها عدة ساعات متواصلة.. والله حرام». وتابعت: «أنا المحل بتاعى عمره أكثر من 100 سنة، كان السواح بييجوا يتصوروا جنبه وجواه، حاليًا محدش بيشوفه من الزحمة، والأخلاق بقت وحشة، واللى بيحصل دلوقتى من الحكومة نضافة وتطوير، لأن دى مصر الحقيقية النضيفة الحلوة المنظمة اللى أهلها كلهم أخلاق ولاد البلد وشهامة بتحكى عنها كتب التاريخ، كلهم راحوا وسط طوفان الباعة اللى فارشين الأرض وبيأجروها من بلطجية وسماسرة، والحل الصح هو تصدى الدولة ليهم، وأتمنى ربنا يمد فى عمرى، وأشوف كل مراحل التطوير للمنطقة، أشوف وشها الحلو يرجع تانى».