المؤشرات السابقة انعكست بدورها فى عدداً من المسارات؛ فمرونة سعر الصرف انعكست فى غلق الفجوة السعرية فى السوق الموازى، وفى الوقت ذاته انتهت تراكمات طلبات الاستيراد مع زيادة التدفقات المالية القومية أو ما يُعرف بتحسين مصادر النقد الأجنبى، منها زيادة الصادرات بنسبة 20,5 فى المائة لتصل إلى 22,3 مليار من يناير حتى مايو فى 2025 مقابل 18,5 مليار دولار فى نفس الفترة فى 2024، وزيادة الإيرادات السياحية بنسبة 21,2 فى المائة لتسجل 8 مليارات دولار خلال النصف الأول من 2025، أما تحويلات المصريين فى الخارج فارتفعت بنسبة 59,6 فى المائة لتسجل 15,8 مليار دولار خلال الـ5 أشهر من 2025 مقارنة 9,9 مليار فى نفس الفترة 2024.
«أقوى أداء فصلى منذ ثلاث سنوات»، هكذا بدأ الدكتور مصطفى رضوان، أستاذ الاقتصاد والمالية العامة بجامعة المنصورة، حديثه قبل أن يضيف أن «الاقتصاد المصرى بحسب البيانات الحكومية سجل خلال الربع الثالث من العام المالى 2024-2025، معدل نمو بنسبة 4.8 فى المائة، وهو ما يُعد أقوى أداء فصلى منذ ثلاث سنوات، وأكثر من ضعف معدل النمو المحقق فى نفس الفترة من العام الماضى الذى لم يتجاوز 2.2 فى المائة».
وبحسب «رضوان»، فإن هذا التحول الإيجابى يرجع لعدد من العوامل الرئيسية، منها فاعلية الإصلاحات التى نفذتها الحكومة على صعيد السياسات الكلية والهيكلية؛ عبر التحسن المستمر فى أداء عدد من القطاعات الحيوية، وعلى رأسها الصناعات التحويلية غير البترولية، والسياحة (الممثلة فى المطاعم والفنادق)، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات؛ وفى الوقت ذاته ارتفاع الاستثمارات الخاصة بنسبة24.2 فى المائة فى الربع الثالث من العام المالى، مستحوذة على 62.8 فى المائة من إجمالى الاستثمارات الكلية المنفذة.
وتابع: وهو ما يعكس نجاح السياسات الحكومية فى توسيع قاعدة مشاركة القطاع الخاص فى التنمية، إلى جانب التزام الدولة بحوكمة الاستثمارات العامة لإتاحة مساحة أكبر للاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية.
الإصلاحات التى تبنتها الحكومة، حسبما أكد «د.مصطفى»، تتضمن العوامل الفاعلة فى تحسين رأس المال البشرى والمادى، كزيادة الاستثمارات فى التعليم والصحة (رأس المال البشرى)، والاستثمارات فى المعدات والأدوات (رأس المال المادى)، وجميعها عوامل تزيد من قدرة الاقتصاد على النمو؛ والاهتمام برأس المال البشرى نستطيع أن نرصده من خلال نمو عدد الجامعات الخاصة فى مصر كاستثمارات خاصة بالكامل أو بمشاركة حكومية فى العام الماضى بنحو 12 جامعة خاصة أهلية ستبدأ دراستها العام المقبل.
وأوضح أستاذ الاقتصاد والمالية العامة، أن هبوط عجز ميزان مصر التجارى غير النفطى بنسبة 18 فى المائة على أساس سنوى إلى 14.3 مليار دولار خلال النصف الأول من 2025، يرجع إلى دعم من الارتفاع الكبير فى الصادرات مُقارنةً بنفس الفترة من العام الماضى والتى وصل فيها العجز إلى 17.4 مليار دولار، فارتفاع الصادرات السلعية خلال الفترة من يناير إلى يونيو بنسبة 22 فى المائة إلى 24.50 مليار دولار، فى حين كان ارتفاع الواردات طفيفًا بنسبة بلغت 3 فى المائة إلى 38.82 مليار دولار، وهو ما نجح فى تعويض جزء من الانخفاض فى تدفقات الدولار الناجم عن تراجع إيرادات قناة السويس، وذلك بسبب الظروف الجيوسياسية المحيطة بمصر.
لم يغفل «د. مصطفى» تأثير هذه المؤشرات الإيجابية على تحسين التصنيف الائتمانى المصرى المرتقب، حيث قال: النمو الاقتصادى الإيجابى يُعزز التصنيف الائتمانى لمصر من خلال تحسين مؤشرات الأوضاع المالية، بجانب زيادة جاذبية الاقتصاد للاستثمارات الأجنبية، وتخفيض تكلفة الاقتراض، مما يعكس استقرارًا أكبر وقدرة على الوفاء بالالتزامات المالية، لكن هذا لا ينفى وجود نقاط ضعف فى الهيكل الاقتصادى مثل ارتفاع الدين، وبعض التحديات الداخلية والخارجية، يمكن أن تُقيد هذه التحسينات، بل إنها يمكن أن تُؤثر سلبًا على التصنيف الائتمانى إذا لم تتم معالجتها.
الاستمرار فى معدلات التحسن الاقتصادى يتطلب عملاً جاداً على مسارات متعددة، أمر آخر شدد عليه «د. مصطفى» بقوله: للحفاظ على النمو الاقتصادى المستدام فى مصر، يجب التركيز على عدة محاور رئيسية، تشمل تعزيز دور القطاع الخاص من خلال إتاحة الفرص، وضمان المنافسة العادلة، على أن يتم تحسين مناخ الأعمال من خلال تبسيط الإجراءات وخفض البيروقراطية.
وأكمل: هذا إلى جانب الحرص على ضمان الاستقرار الاقتصادى الكلى عن طريق خفض التضخم وعجز الميزانية، وتوسيع الحماية الاجتماعية للفئات المستحقة مع ترشيد الإنفاق، بالإضافة إلى تطوير الموارد البشرية ورفع كفاءة الاستثمارات العامة وتحويل هيكل الاقتصاد نحو قطاعات قابلة للتداول وذات قيمة مضافة.
من جانبه قال الدكتور خالد الشافعى، الخبير الاقتصادى، رئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية، إن «ما تم من إصلاحات فى الاقتصاد المصرى خلال الفترة الماضية له إيجابيات عدة، فقد استطاعت الحكومة أن تتجاوز كل التحديات وتعمل على زيادة النفقات من العملة الأجنبية على الرغم من نقص إيرادات قناة السويس نتيجة التوترات الجيوسياسية والتباطؤ فى سياسات الإمداد والتوريد، ورغم ذلك مازالت التدفقات الأجنبية موجودة فى كافة عناصر إيرادات الدولة من العملة الأجنبية».
وتابع: اليوم نشهد تدفقات استثمارية سواء مباشرة أو غير مباشرة لكل المشروعات، ونشهد توطين صناعات جديدة، وعددا من الاستثمارات الواعدة، بجانب فرص استثمارية تتنافس عليها كبرى المؤسسات المالية العالمية للاستثمار فى مصر، وهذا ينعكس على رواج استثمارى، ويسد العجز فى إيرادات قناة السويس، ويحدث وفرات فى العملة الأجنبية، وانخفاض قيمة هذه العملات خلال الفترة الماضية، وهو ما جعل بنك جولدمان ساكس يعلن أن الدولة المصرية مؤهلة، وأن الدولار مقيم بأكثر من قيمته الحقيقية، وأن القيمة العادلة للدولار أمام الجنيه عند 35 جنيها، كافة المؤشرات السابقة هى انعكاس لتصحيح المسار الذى أجرته الحكومة بجدية فى الفترة الماضية.
المكاسب من تحسن مؤشرات الاقتصاد المصرى بحسب «الشافعى»، تتمثل فى استقرار سعر الصرف، وانخفاض الأسعار تدريجيًا، وانخفاض معدلات التضخم، وانخفاض مرتقب لسعر الفائدة، ومزيد من توجيه الأموال نحو الاستثمار المباشر من خلال التمويلات اللازمة عبر البنوك العاملة فى الجهاز المصرفى للدولة، سواء لتمويل المشروعات الجديدة أو التوسعات فى المشروعات القديمة، وهو ما سينعكس فى زيادة حجم الناتج المحلى الإجمالى، وزيادة القدرات التنافسية للصادرات المصرية لآفاق أكبر وأرحب من ذلك.
كما لفت إلى أن تحسين المؤشرات الكلية للاقتصاد المصرى يتمثل فى تحسين حجم الإنتاج الإجمالى، وزيادة الصادرات، وزيادة الاستثمارات وغيرها فى كافة مجالات العمالة والاستثمار والصادرات والناتج المحلى، وبدورها ستؤثر هذه المؤشرات فى حجم الدين المحلى، وبالتالى هذه المؤشرات الإيجابية للاقتصاد سيكون لها مردود إيجابى على التصنيف الائتمانى المصرى.
وأكد «د. خالد»، أن المواطن المصرى سيشعر بهذا التحسن الاقتصادى من خلال انخفاض الأسعار، وزيادة المعروض فى الأسواق، وانخفاض التضخم، وهو ما سينعكس بشكل إيجابى فى الحياة اليومية على المواطن البسيط، هذا ما سيحدث قريبًا جدًا، كما سيستمر تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه المصرى.
وعن مراجعات صندوق النقد الدولى قال: مؤكد ستتأثر مراجعات الصندوق بهذه المؤشرات الإيجابية ومؤشرات التحسن الواضحة للجميع، فالمؤشرات كلها إيجابية.