وفى الوقت الذى تتباين فيه الرؤى حول قانون الانتخابات ونظام القوائم المغلقة، يتفق الجميع على أن المنافسة فى مقاعد النواب الفردية ستكون أكثر سخونة، بحكم ضيق الدوائر وارتفاع سقف التوقعات لدى الناخبين، وهو ما يجعل هذا الاستحقاق اختبارا حقيقيا لقدرة الأحزاب على إقناع الشارع ببرامجها ومرشحيها، حيث كثفت الأحزاب، وفى مقدمتها «مستقبل وطن» و«الوفد» و«الحرية المصرى» و«العدل»، اجتماعاتها الداخلية لتحديد أسماء المرشحين الذين سيتم الدفع بهم فى دوائر المحليات، وتشير مصادر حزبية إلى أن هناك تركيزا على الدفع بوجوه شابة بجانب النواب الحاليين، أصحاب الشعبية فى دوائرهم؛ لضمان استمرار الثقة الانتخابية.
وبينما يواصل كل حزب وضع استراتيجيته الخاص به، بدأت بعض الكواليس تتحدث عن إمكانية تشكيل تحالفات انتخابية جديدة، على غرار التجربة السابقة «القائمة الوطنية»، فأحزاب مثل التجمع والإصلاح والتنمية تدرس خياراتها، ما بين الانضمام لتحالف يضمن لها مقاعد تحت القبة، أو خوض المنافسة بشكل منفرد على بعض المقاعد الفردية، حيث تتجه غالبية الأحزاب إلى تكثيف تواجدها بين الناخبين، عبر تنظيم ندوات ولقاءات مباشرة مع المواطنين، إلى جانب الاعتماد على الحملات الإلكترونية ومنصات السوشيال ميديا، ووسائل التواصل الاجتماعي، وذلك من أجل التعريف ببرامجها وأولوياتها التشريعية.. وهنا ركزت أغلب الكيانات الحزبية، على ملفات بعينها وضعتها فى مقدمة برامجها، مثل التنمية الاقتصادية، دعم الفلاح، وقضايا الشباب، بينما تركز أحزاب أخرى على ملفات الحماية الاجتماعية وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية.
فى البداية، أكد المهندس حسام الخولي، نائب رئيس حزب مستقبل وطن، أن «مستقبل وطن» لا يتعامل مع الانتخابات المقبلة باعتبارها مجرد موسم طارئ، وإنما امتداد لعمل مستمر على مدار السنوات الماضية، مضيفًا أن «الحزب لديه استعداد دائم، خاصة مع وجود نائب رئيس الحزب والأمين العام أحمد عبدالجواد».
«الخولى»، أكد أن «الحزب شهد عملية تنشيط وتنظيم واسعة وصلت إلى تأسيس أمانات فى كل قرية على مستوى الجمهورية، وهو ما جعلنا نغطى مصر بالكامل»، واصفًا الحزب بأنه أصبح بمثابة «ماكينة انتخابية مستدامة»، سواء فى وقت الاستحقاقات أو خارجها، من خلال التواجد بجانب المواطن وخدمة احتياجاته عبر فعاليات دورية، تكاد تكون أسبوعية، وليست شهرية.
كما أوضح أن «الحزب وضع معايير دقيقة لاختيار مرشحيه فى انتخابات مجلس النواب المقبلة، حيث تم تشكيل لجنة خاصة لبحث ودراسة المرشحين، وقد اجتمعت اللجنة بالفعل، وبدأت فى وضع مرشحيها بناء على معايير الكفاءة، والشعبية، والنزاهة، والشفافية».
نائب رئيس حزب مستقبل وطن، لفت إلى أن هذه الضوابط هى الأساس الذى نحدد من خلاله الأسماء التى سيتم الدفع بها فى السباق الانتخابي، حتى نضمن أن يمثل الحزب كوادر قادرة على خدمة المجتمع وتحقيق مطالبه بجدية.
«الخولى»، أكد أن موقف الحزب من القوائم الانتخابية يقوم على مبدأ المشاركة لا الاستحواذ، «الوضع العام بالنسبة لنا فى مسألة القوائم أننا نتبنى منذ البداية مبدأ المشاركة وعدم الاستحواذ، رغم أن الحزب يمتلك القدرة على خوض الانتخابات، سواء عبر القوائم، أو المقاعد الفردية بشكل منفرد، لكننا نرى أن المصلحة الوطنية تقتضى أن تكون هناك مشاركة واسعة، لا أن يستأثر طرف واحد بالمشهد، فالاستحواذ لا يخدم مصر ولا يخدم الحياة السياسية ولا يساهم فى بناء تجربة ديمقراطية حقيقية، لذلك نحن نتجه إلى المشاركة فى قوائم مشتركة، انطلاقًا من قناعة أن التنوع أفضل للبلاد وللحياة الحزبية فى المستقبل»، على حد قوله.
كذلك، أشار نائب رئيس مستقبل وطن، إلى أن الحزب يستعد أيضًا للتحركات الميدانية والجماهيرية قبيل فتح باب الترشح، مضيفًا أنه «من الطبيعى أنه قبل الانتخابات ستكون هناك مؤتمرات شعبية، كما حدث فى انتخابات مجلس الشيوخ، لكن هذه المرة سيكون العدد أكبر نظرًا لزيادة عدد الدوائر فى النواب، وستشمل المؤتمرات المراكز والمحافظات كافة، بما يضمن التواصل المباشر مع المواطنين وطرح برامج مرشحينا أمامهم بشكل واضح».
«الخولى»، لفت إلى أن موقف الحزب من نظام الانتخاب سبق وأن طرحه خلال جلسات الحوار الوطني، حيث شدد على أهمية المزج بين نظامى القائمة والفردى؛ لأن مصر لا يمكنها أن تستغنى عن المقاعد الفردية، فطبيعة الشعب ترتبط بالنائب الفردى الذى يعرفه عن قرب ويتعامل معه بشكل مباشر، فى المقابل، وجود القوائم أمر حتمي، ليس فقط لاختلاف طبيعة التمثيل، وإنما لأن الدستور نص على حصص إلزامية (كوتة) لشرائح محددة، فلدينا 25 فى المائة مقاعد مخصصة للمرأة، أى ما يعادل ربع البرلمان على الأقل، بالإضافة إلى تمثيل الأقباط، وذوى الاحتياجات الخاصة، والمصريين فى الخارج، والعمال والفلاحين، والشباب، هذه الفئات لا يمكن ضمان تمثيلها إلا من خلال نظام القوائم المطلقة، الذى حدده الدستور لضمان التوازن والتمثيل العادل داخل البرلمان.
بدوره، أكد المهندس ياسر قورة، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، أن «الحزب بدأ مبكرًا فى الإعداد لخوض انتخابات مجلس النواب المقبلة، وخلال الفترة الماضية كان هناك توجيه من رئيس الحزب الدكتور عبدالسند يمامة، إلى رؤساء لجان المحافظات ببدء تلقى طلبات الترشح للمقاعد الفردية، وبالفعل بدأت اللجان العمل على هذا الملف، وقد تلقى الحزب عددا كبيرا من الترشيحات، بما يضمن أن يكون لحزب الوفد حضور قوى على معظم الدوائر، إن لم يكن جميعها، فى مقاعد الفردى بالانتخابات القادمة».
«قورة»، أضاف: فى مقاعد مجلس الشيوخ لم يكن لدينا عدد كبير من المرشحين على الدوائر، نظرًا لأن الدائرة فى مجلس الشيوخ كانت على مستوى المحافظة بالكامل، وليست على مستوى دائرة أصغر كما هو الحال فى مجلس النواب، لافتًا إلى أن أغلب المرشحين لدى الوفد لم يكن لديهم الاستعداد لخوض انتخابات بهذا الحجم والاتساع الكبير، وهو ما يفسر محدودية مشاركة «بيت الأمة» فى الشيوخ، مقارنة بالاستعداد الحالى لمجلس النواب.
وتابع: الحزب يعتبر انتخابات النواب المقبلة معركة استعادة المكانة التاريخية، كما أن الوفد يسعى إلى تقديم مرشحين ذوى ثقل جماهيرى وبرامج واضحة تعكس رؤية الحزب فى دعم الدولة المصرية ومصالح المواطنين، فالدوائر أصغر حجمًا، لكن فى المقابل التنافسية أعلى بكثير، والحزب اليوم لا يسعى فقط لتسجيل حضور شكلى فى المنافسة، وإنما يعمل على استقطاب أكبر عدد من المرشحين الذين يتمتعون بقبول شعبى وحضور قوى فى الشارع، كما أن الوفد قادر بالفعل على تحقيق مطالب المواطنين، وأن تكون مشاركة أعرق الأحزاب المصرية فاعلة ومثمرة، لا مجرد مشاركة شكلية، بلا مقاعد حقيقية.
ومن جهته، قال محمد عطية الفيومي، النائب الأول لرئيس حزب الحرية المصري: الحزب كان فاعلًا فى انتخابات مجلس الشيوخ عبر أنشطة ولقاءات هادفة، مضيفًا أن تجربة انتخابات «الشيوخ» كانت فرصة مهمة فى تهيئة الأجواء، عملنا خلالها مجموعة من الفعاليات واللقاءات، استهدفنا عن طريقها حثّ المواطنين على الخروج والمشاركة، خاصة أن نسبة الإقبال فى انتخابات الشيوخ بطبيعتها قليلة، لذلك لزام علينا أن يكون هناك دافع للجمهور، وأن نعرفهم بالمرشحين والبرامج وأهمية المشاركة، كما أن هذه التجربة ستكون قاعدة يبنى عليها الحزب استراتيجيته فى انتخابات النواب المقبلة.
وتابع: نحن جزء من «القائمة الوطنية من أجل مصر»، التى تضم 12 حزبا، إلى جانب تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، ونعمل معًا كفريق واحد لتشكيل قائمة قوية قادرة على تمثيل المصريين فى البرلمان بدورته الجديدة، والحزب عمل فى إطار التحرك الجماعى لهذا الائتلاف، وفعالياته ممتدة فى الريف والمدن بجميع المحافظات، وهو ما يمنح القائمة الوطنية انتشارا واسعا وقدرة على الوصول للناخب فى كل مكان.
وأضاف «الفيومى»، أن «انتخابات النواب بطبيعتها أكثر سخونة، خاصة فى المقاعد الفردية، لأن الدائرة هنا صغيرة ومعروفة وتضم مرشحين اثنين أو ثلاثة فقط، مما يجعل المنافسة شديدة جدًا ويزيد من نسبة الإقبال، على عكس مجلس الشيوخ الذى تكون فيه الدائرة، محافظة بأكملها، وبالتالى تقل حدة المنافسة، كما أن انتخابات النواب تختلف تمامًا عن تجربة الشيوخ، ففى الأخيرة ركزنا على التوعية وحث الناس على المشاركة، لكن فى «النواب» يكون الحديث عن برنامج واضح يتم تقديمه للمواطنين، ومرشحين مقبولين جماهيريًا، منوهًا بأن الناخب فى استحقاقات النواب سيختار على أساس البرنامج والوجوه التى يثق فيها داخل دائرته».
ووجه «عطية» رسالة إلى الناخبين، قائلا: نأمل أن تكون المشاركة فى الانتخابات المقبلة أوسع من أى وقت مضى، وأدعو كل المواطنين أن يخرجوا ويمارسوا حقهم فى التصويت، لأن ذلك جزء أساسى من بناء الجمهورية الجديدة، من المهم أن يشعر كل مواطن أن مصر بلده التى يعيش فيها، وأن كل إنجاز يتحقق على أرضها مردوده فى النهاية يعود عليه وعلى أسرته.
فى حين كشف على أبو حميد، مدير الحملة الانتخابية لحزب العدل، تفاصيل مشاركة الحزب فى الانتخابات المقبلة، وقال: الحزب سيكون حاضرًا ضمن تحالف «القائمة الوطنية»، أما بالنسبة للنظام الفردى فتم تجهيز نحو 105 مرشحين فى 85 دائرة، لكن ما زلنا فى مرحلة التصفية لاختيار الأفضل وفق معايير الحزب، وقدرة المرشح على تنفيذ خطتنا الانتخابية، منوهًا بأن الحزب سيعلن القائمة النهائية للمرشحين مع بداية شهر سبتمبر المقبل.
وأضاف: استراتيجية الحزب تركز على التواجد بقوة فى المناطق التى يتمتع فيها بثقل جماهيري، وكذلك المناطق المؤثرة التى تدعم رؤيتنا وخطتنا الانتخابية، بما يضمن للحزب حضورا فعالا داخل البرلمان القادم، وحتى الآن لدى الحزب تحالف سياسى مع المصرى الديمقراطى والإصلاح والتنمية، وقريبًا سنعقد اجتماعا لتحديد شكل التحالفات الانتخابية النهائية، وبناءً عليه سيتم إصدار القرار الخاص بالتحالفات أو التنسيقات مع الأحزاب الأخرى.
«أبوحميد»، تحدث كذلك عن موقف الحزب من قانون الانتخابات الحالي، مشيرًا إلى ما قاله النائب عبدالمنعم إمام، خلال اجتماع التحالف، «كنا نتمنى أن تكون القوائم المغلقة أقل عددًا، وأن نبدأ فى التحول نحو القوائم النسبية، لأن القوائم المغلقة تهدر أعدادا كبيرة من الأصوات، نأمل بعد خمس سنوات أن يحدث تغيير فى هذا النظام لإعطاء فرصة أكبر للأحزاب الفاعلة، فالقوائم النسبية تدعم الحياة الديمقراطية فى الدولة، وإذا كان هناك سبيل لتعديل القانون فى الفترة البرلمانية المقبلة، فسنكون من الداعمين لذلك».