رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«نبوءة القاهرة»

28-8-2025 | 12:41
طباعة

أثبتت الأيام، وأكدت الوقائع، أن الدولة المصرية بقيادتها الحكيمة ومؤسساتها الوطنية هى الأكثر دراية، والأعمق فى الرؤية، والأفضل فى وضع السيناريوهات، والأجدر فى توقع النتائج عند التعامل مع توابع ملف الصراع العربى الإسرائيلى، وفى القلب منه القضية الفلسطينية قضية القضايا العربية، فالقاهرة هى الأقدر على كشف مخططات تل أبيب الخبيثة، وفضح مكائدها الحقيرة، والتصدى لدسائسها الشريرة، وهذا يرجع للخبرة المتراكمة، والمعرفة المتجمعة، والتجارب المتتابعة خلال أكثر من 80 عاما هى عمر المؤامرة الصهيونية على الدول العربية، وفىمقدمتها أرض فلسطين، التى دفعت من أجلها مصر ثمنًا غاليًا من دماء وأرواح أبنائها الأبرار فى معارك عدة، وحروب متتالية منها الخفى، والمعلن معروف للجميع من حرب 1948 وصولا لنصر أكتوبر المجيد فى 1973، وحتى فى زمن السلم لم تتوقف خيوط التآمر الإسرائيلى على الأمن القومى المصرى، وبالممارسة الماهرة، والتخطيط المحكم، والتنفيذ المحترف مع الكفاءة فى الأداء نجحت القيادة المصرية فى ترويض دعاة الحرب ومعتادى سفك الدماء ومدمنى سرقة الأراضى فى دولة الاحتلال، ومع كل انفجار جديد للأوضاع فى الأراضى الفلسطينية يسارع المفاوض المصرى بحصار النيات الصهيونية، وإطفاء حرائقها، وعلاج مضاعفاتها لحماية القضية الفلسطينية من التصفية، وتمهيد الأجواء لحل الدولتين كمبدأ مصرى ثابت لا يتغير ولا يتبدل. 

فى كل مرة تتصاعد فيها وتيرة الهجمات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية، سواء كانت من غير سبب بهدف تسريع الخلاص من الفلسطينيين لوأد حلم الدولة الفلسطينية أو باتخاذ سلطات الاحتلال عمليات المقاومة غير محسوبة التداعيات، كما حدث فى 7 أكتوبر 2023 كذريعة لتصفية القضية، وتحويل المخيمات والمناطق إلى أماكن غير صالحة للحياة، نجد الدولة المصرية منذ البداية حاضرة بأجهزتها السيادية وجهاتها الرسمية وظهيرها الشعبى ترصد وتحلل تحركات قادة الدم فى تل أبيب وأعوانهم، وتنبه قبل الجميع إلى مداخل الخطر الصهيونى، وتحذر من تبعات توسيع دائرة العمليات العسكرية، وتتنبأ بالخطط الماكرة لحكومة الاحتلال، وتخمن برامجها المخادعة، وتخبر مسبقا بما يدور فى عقول المتطرفين داخل دوائر صنع القرار الإسرائيلى، وفى كل أزمة بين الفلسطينيين والكيان المحتل، تتحقق نبوءات القاهرة بالزيادة وليس بالنقصان، وهو ما حصل بالفعل خلال أيام وليالى حرب غزة الثقيلة على النفس، الكئيبة على القلب من هول وحشية جيش الاحتلال، وما يرتكبه من جرائم الإبادة الجماعية، والمجازر البشعة، وحتى مؤامرة التجويع الممنهج لإجبار المواطنين على النزوح القسرى خارج القطاع، وهو ما اضطر الأمم المتحدة لإعلان المجاعة رسميا فى غزة مؤخرًا، فى أول إعلان من نوعه فى منطقة الشرق الأوسط.

وهذا الإعلان الأممى المسبب خير رد على جماعة الإخوان الإرهابية وأفرعها فى الدول الغربية، الذين يدعون كذبا وزورا بالتحالف مع الصهاينة أن الدولة المصرية تعطل المساعدات الإغاثية إلى الأشقاء فى غزة، فها هو توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، يؤكد من جنيف أن المجاعة كان من الممكن تفاديها لوتسنى لمنظمات الأمم المتحدة إدخال المساعدات الغذائية التى تتكدس عند الحدود بسبب العرقلة الممنهجة من إسرائيل، وإنها لحظة عار جماعى، فالمجاعة فى غزة نتيجة مباشرة لإجراءات الحكومة الإسرائيلية، والوفيات الناجمة عن التجويع فى غزة قد تمثل جريمة حرب هى القتل العمد، وفى نفس الاتجاه الواضح كالشمس، أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، أنه «لا يمكننا السماح باستمرار هذا الوضع من دون عقاب، وتجويع الناس لأغراض عسكرية جريمة حرب، وبصفتها القوة المحتلة يقع على عاتق إسرائيل التزامات لا لبس فيها بموجب القانون الدولى، بما فى ذلك واجب ضمان وصول الغذاء والإمدادات الطبية للسكان، وكفى أعذارا، نحتاج إلى وقف فورى لإطلاق النار، والإفراج الفورى عن جميع الرهائن، ووصول إنسانى كامل ودون قيود».

ويحسب للقيادة المصرية، والرئيس عبدالفتاح السيسى شخصيا أنه تنبأ من البداية، بكل الحيل الإسرائيلية للضغط على أهل قطاع غزة من أجل التهجير القسرى، وحذر من مؤامرة التجويع الممنهج لفرض واقع يدفع الناس إلى الهروب من أراضيهم بحثا عن المأكل والمشرب وليس الأمان والطمأنينة، ففى أول تعليق على أحداث طوفانالأقصى عبر بوضوح بيان وزارة الخارجية عن موقف القيادة المصرية بالتحذير من مخاطر التصعيد بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، ومطالبة الاحتلال بوقف اعتداءاته وأعماله الاستفزازية بحق الشعب الفلسطينى والالتزام بقواعد القانون الدولى، ثم تتابعت تحركات القاهرة لمحاصرة النيران الإسرائيلية باتصالات رئاسية مع قادة وزعماء الدول العربية والقوى الإقليمية والعواصم الغربية والمنظمات الأممية والدولية، وكان القاسم المشترك فيها وسيظل أن حل الدولتين هو أساس إرساء الأمن والاستقرار المستدام بالمنطقة، ولا بديل عن تسوية شاملة للقضية الفلسطينية وفقا لمرجعيات الشرعية الدولية، مع الدفع بكل السبل إلى خفض التصعيد وتحقيق التهدئة ووقف المواجهات العسكرية حقنا للدماء وحماية للمدنيين، وضروة السماح بوصول المساعدات إلى قطاع غزة دون قيد أو شرط، فقد سارع الهلال الأحمر المصرى بتجهيز المساعدات الطبية والإنسانية اللازمة لتقديمها للفلسطينيين، وفى 10 أكتوبر أى بعد 3 أيام فقط من تصاعد المواجهات وصلت أول شحنة مساعدات كدفعة أولى بلغت حمولتها 2 طن من المستلزمات الطبية للهلال الأحمر عبر معبر رفح، الذى لم يغلق يوما واحدا من الجانب المصرى على مدى 22 شهرا متواصلة.

ويوما وراء يوم، تجلت قدرة القاهرة بالأفعال الموثقة بالصوت والصورة على استباق الأحداث، وقراءة المشهد، وتقديم الحلول قبل فوات الأوان فى مواطن عدة، وفعاليات كثيرة، يصعب حصرها، ففى قمة القاهرة للسلام 21 أكتوبر 2023 قدم الرئيس السيسى فى كلمته للحضور من الرؤساء والملوك والوفود الدولية والأممية المشاركة صورة طبق الأصل لما حدث خلال الشهور التالية، وكتب روشتة العلاج للمضاعفات قبل وقوعها، ولو كان هناك رجل رشيد فى صفوف حكومة دولة الاحتلال أو الإدارة الأمريكية من بايدن لترامب ما كانت تلك الخسائر البشرية والمادية الرهيبة قد حدثت سواء بين الفلسطينيين أو الإسرائيليين، لكنها الحماقة أعيت من يداويها، وشهوة الانتصار، وحب البقاء فى السلطة الذى تملك مجرم الحرب نتنياهو وشلته من عصابة الحكم على شاكلة سيموتريتش وبن غفير.

فقد أكد الرئيس السيسى «أن مصر تدين، بوضوح كامل، استهداف أو قتل أو ترويع كل المدنيين المسالمين وفى الوقت ذاته، تعبر عن دهشتها البالغة من أن يقف العالم متفرجًا على أزمة إنسانية كارثية يتعرض لها مليونان ونصف المليون إنسان فلسطينى، فى قطاع غزة يُفرض عليهم عقابٌ جماعىٌ وحصارٌ وتجويــع وضــغوط عنيفــة للتهجير القسرى»، مضيفا بلغة كاشفة لا تقبل التأويل «إن مصر، منذ اللحظة الأولى، انخرطت فى جهود مضنية آناء الليل وأطراف النهار.. لتنسيق وإرسال المساعدات الإنسانية، إلى المحاصرين فى غزة، ولم تغلق معبر رفح البرى فى أى لحظة إلا أن القصف الإسرائيلى المتكرر لجانبه الفلسطينى حال دون عمله».

وبخبرة القائد المتمرس فى جولات ترويض المخططات الإسرائيلية الخبيثة، مع فهم عميق للشخصية الفلسطينية لفت الرئيس السيسى انتباه القادة الحاضرين لقمة السلام والرأى العام العالمى إلى خطورة قبول استخدام الضغط الإنسانى، للإجبار على التهجير، وأن مصر تجدد التشديد، على الرفض التام، للتهجير القسرى للفلسطينيين، ونزوحهم إلى الأراضى المصرية فى سيناء، لأنه تصفية نهائية للقضية الفلسطينية، مع التأكيد أنه يخطئ فى فهم طبيعة الشعب الفلسطينى، من يظن، أن هذا الشعب الأبى الصامد، راغب فى مغادرة أرضه، حتى لو كانت هذه الأرض تحت الاحتلال، أو القصف.. وبإنعاش الذاكرة قليلا ندرك أن كل نبوءات الرئيس السيسى تحولت إلى واقع، فالمؤامرة الإسرائيلية رغم تتابع محطاتها من الهجمات الضارية إلى ارتكاب أبشع المجازر وحتى انتشار المجاعة فى غزة بشهادة الأمم المتحدة لم تفلح ولن تفلح فى تمرير مخطط التهجير، بلازداد صمود الشعب الفلسطينى تمسكا بأرضه وعرضه.

ولم تحد مصر أبدًا عن موقفها الثابت كالجبال فى مساندة القضية الفلسطينية، وجسد ذلك من جديد الرئيس السيسى فى كلمته بالجلسة الافتتاحية للقمة العربية الطارئة فى العاصمة الإدارية، مارس الماضى، بحضور عربى حاشد مع حضور قوى لرؤساء الاتحاد الإفريقى، المجلس الأوروبى، منظمة التعاون الإسلامى، وسكرتير الأمم المتحدة، ورؤساء المنظمات الدولية والإقليمية، استجابة لنداء فلسطين، عندما أكد الرئيس السيسى أن ذاكرة الإنسانية ستتوقف طويلا، أمام ما حدث فى غزة، لتسجل كيف خسرت الإنسانية قاطبة، وكيف خلف العدوان على غزة، وصمة عار فى تاريخ البشرية، كما أن هذه الحرب الضروس على قطاع غزة، استهدفت تدمير أوجه وسبل الحياة، وسعت بقوة السلاح، إلى تفريغ القطاع من سكانه، وكأنها تخير أهل غزة، بين الفناء المحقق أو التهجير المفروض، وهو الوضع الذى تتصدى له مصر، انطلاقا من موقفها التاريخى، الداعم لحقوق الشعب الفلسطينى على أرضه، وبقائه عليها عزيزا كريما حتى نرفع الظلم عنه، ولا نشارك فيه، وأعاد الرئيس التذكير بقناعته الكاملة بقدرات الفلسطينيين على وأد مخطط التهجير وهزيمة مؤامرة التجويع بقوله: «لقد أوهنت الممارسات اللاإنسانية، التى تعرض لها أهلنا فى فلسطين عزائم البعض، إلا أننى كنت دائما، على يقين بثبات وبسالة الشعب الفلسطينى الأبى، الذى ضرب مثالا فى الصمود والتمسك بالأرض، ستقف عنده الشعوب الحرة، بالتقدير والإعجاب، إن عزيمة الشعب الفلسطينى، وتمسكه بأرضه.. هو مثال فى الصمود، من أجل استعادة الحقوق، وكما هو معلوم بالضرورة تكرر هذا الموقف المشرف فى كل المحافل المصرية والعربية والدولية التى شاركت فيها، بل كانت القاهرة هى الفاعل الرئيسى بها دعمًا للقضية الفلسطينية.

بل إن مصر بشهادة الجميع، صاحبة الرؤية الوحيدة لليوم التالى للحرب عبر خطة شاملة، واستراتيجية متكاملة، فلديها تصور وافٍ لإعادة إعمار غزة خلال 3 سنوات دون خروج فلسطينى واحد من أرضه، وتحول ذلك لخطة عربية بالتوافق بين القادة العرب فى القمة الطارئة حول فلسطين، كما استقرت بالتعاون مع الأشقاء فى فلسطين، على تشكيل لجنة إدارية من الفلسطينيين المهنيين والتكنوقراط المستقلين، توكل إليها إدارة قطاع غزة، لتكون مسئولة عن الإشراف على عملية الإغاثة، وإدارة شئون القطاع لفترة مؤقتة، تمهيدا لعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، مع تدريب الكوادر الأمنية الفلسطينية، التى يتعين أن تتولى مهام حفظ الأمن داخل غزة، خلال المرحلة المقبلة، مع حشد الدعم الإقليمى والدولى لخطة الإعمار، لحفظ حق الشعب الفلسطينى فى إعادة بناء وطنه، وضمان بقائه على أرضه، والسير بالتوازى فى مسار خطة للسلام تشارك فيها دول المنطقة، وبدعم من المجتمع الدولى، للوصول إلى تسوية عادلة وشاملة ومستدامة للقضية الفلسطينية، لأنه كما أكد الرئيس السيسى مراراً وتكرارًا، الحديث عن التوصل إلى السلام فى الشرق الأوسط، دون تسوية الصراع الإسرائيلى الفلسطينى هو لغو غير قابل للتحقق.

حمى الله مصر وشعبها وقيادتها 

ومؤسساتها الوطنية من كل سوء..