فى وقت تعانى فيه المصانع والشركات من حالات تعثر مالية وتواجه شبح الإغلاق، يبرز من العتمة نور مضيئ يرشدنا إلى طريق النجاح، وهنا نجد أن مصنع «قادر» والذى يعود تاريخ تدشينه إلى عام 1949 ظل واقفا بشموخ طيلة هذه المدة أمام أعتى التحديات الاقتصادية محليا وعالميا، لذلك التقت «المصور» اللواء مهندس عمرو عبدالعزيز، رئيس مجلس إدارة مصنع قادر، متحدثاً عن تاريخ المصنع الذى يمتد لـ76 عاما .. وما هو الدور الاستراتيجى له ضمن منظومة الهيئة العربية للتصنيع؟ وما أبرز مراحل تطوره التاريخية؟
كيف جاءت فكرة تأسيس المصنع؟
يعتبر مصنع قادر واحداً من أقدم المصانع المصرية بل والشرق الأوسط أجمع، يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1949-1948، وكانت فكرة إنشاء المصنع تعود للملك فاروق حيث رأى أنه يجب أن نستفيد من الجانب الألمانى لإنشاء مصنع فى مصر عوضا عن الخسائر التى تكبدناها نظير المشاركة فى الحرب العالمية الثانية، وعندما أنشئ المصنع كان يحمل اسم مصنع طائرات هليوبوليس ولازال المصنع إلى يومنا هذا يطور من قدراته وإمكانياته لمواكبة أحدث نظم التصنيع العالمية فى الوقت الذى توقفت فيه العديد من المصانع التى تزامن إنشاؤها مع مصنع قادر، وفى بداية إنتاج المصنع كانت خطوط الإنتاج قائمة على إنتاج الطائرات الخشبية طراز «بوكر» وهى طائرة ألمانية واستمر المصنع فى الإنتاج حتى ستينيات القرن الماضى ليشهد المصنع عمليات تطوير فى خطوط إنتاجه لإنتاج الطائرة التوكانو والتى تمتاز بالهيكل المعدنى، لذلك فتاريخ إنشاء المصنع يعتبر قائما على الصناعات الخشبية ثم تم تطويره لتصنيع هياكل معدنية للطائرات، ليحقق المصنع بعد ذلك فى عام 1962 إنجازا بإنتاج أول مدرعة مصرية الصنع بنسبة 100فى المائة إن العربة الوليد إنتاج المصنع شاركت فى حرب أكتوبر 1973، فكما تأثر مصنع قادر بالحرب العالمية الثانية ساهم بالتأثير فى حرب أكتوبر 1973 ثم دشن الرئيس جمال عبدالناصر مصنع طائرات حلوان لتؤول إليه صناعة الطائرات وكذا تم إنشاء مصنع صقر المختص بتصنيع الذخائر ومصنع المحركات فى حلوان المسئول عن صناعة وعمرات محركات الطائرات.
كيف استفادت مصر من مصنع قادر بعد نصر أكتوبر 73؟
استغلت القيادة السياسية المصرية عقب نصر أكتوبر مصنع قادر وغيره من المصانع المصرية سابقة الذكر للمساهمة فى المنتجات المحلية الصنع، وكذا استغلت الدولة المصرية حالة الاتحاد التى شهدها العرب خلال حرب أكتوبر 1973 لتنشئ هيئة عربية للتصنيع وهى هيئة دولية تتبع جامعة الدول العربية باستثمارات عربية قائمة على أربعة مصانع عملاقة فى مصر شكلت نواة الهيئة العربية للتصنيع، وهى «مصنع قادر ومصنع صقر ومصنع الطائرات ومصنع المحركات»، ليصل الآن إجمالى عدد مصانع الهيئة إلى 14 مصنعا، وعقب انسحاب الدول العربية اعتراضا على إبرام مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل استمرت الهيئة العربية للتصنيع تقوم بدورها بسواعد أبنائها المصريين فى مصانعها المختلفة، وكان لازما على مصنع قادر أن يقوم بتطوير إمكانياته وقدراته الإنتاجية خاصة فى مجال صناعة العربات المدرعة فقام المصنع بتطوير العربة الوليد وتوسعت لتنتج المركبة الفهد وتطور المصنع ليقوم بتطوير المركبة الفهد، فضلا عن إنتاج المركبة قادر 1 وقادر 2، فقد شهد المصنع تنويعا كبيرا فى كافة تجهيزات المركبات المتعلقة بالاستخدامات العسكرية.
كم يبلغ حجم إنتاج المصنع؟
المصنع له حجم إنتاج ضخم من الصناعات الدفاعية، والغالبية العظمى من إجمالى إنتاج المصنع من الصناعات الدفاعية يتم تصديرها للخارج ويتراوح حجم الصادرات من إنتاج المصنع من الصناعات الدفاعية مابين10 إلى20 مليون دولار سنويا كما يتوسع المصنع فى إنتاج العديد من المنتجات المدنية المميزة كسيارات الإطفاء معتمدة من الحماية المدنية وسيارات نقل الأموال المعتمدة لدى البنك المركزى المصرى، ودائما ما يحرص المصنع على اعتماد منتجاته من جهات الاعتماد المختلفة.
هل تعتمد تقنيات المصنع على تحويل تكنولوجيا أم ابتكار محلى؟
بداية من عام 1984، شرع المصنع فى إنتاج المركبة الفهد، وهى تعتبر واحدة من أبرز ناقلات الجند المدرعة ذات العجل، والتى اعتمدت عليها القوات المسلحة المصرية والشرطة المدنية بشكل كبير؛ نظرا لما تمتاز به من قدرات عالية وخفة حركة ومستوى حماية جيد جدا ضد الأعيرة النارية، الأمر الذى أدى إلى التوسع فى استخدامها فى مجالات كمكافحة الإرهاب، وعندما تأثرت إمدادات الصلب المدرع للمصنع، والذى يستخدم فى تصنيع جسم المركبة، أعاد المصنع استخدام هيكل العربة الوليد المدرعة إنتاج المصنع مع تطويره فى إنتاج المركبة التمساح بالتعاون مع القوات المسلحة المصرية، واستمرت أعمال التطوير فى هيكل المركبة التمساح لتصنيع طرازات مختلفة منها، وهو ما تحقق بإنتاج التمساح «1» و«2».
كيف تضمنون جودة المنتجات وفق المعايير الدولية؟
دائما ما نعتمد داخل المصنع على كافة اشتراطات الجودة ومعاييرها، وذلك لنصل إلى منتج نهائى له مواصفات عالمية حتى يتثنى لنا تصديره للخارج وتحقيق عائدات اقتصادية كبيرة للدولة المصرية، وعلى سبيل المثال، قمنا بتطوير الفهد بزيادة تدريعها من الأسفل حتى تكون قادرة على مواجهة العبوات الانفجارية والناسفة وذلك بالاعتماد على شاسيه له معدلات جودة أعلى وهو من طراز «تترا»، كما أنه كان يتم الاعتماد على المقاعد الداخلية الممتصة للصدمات من الخارج والتى كانت تكلفتها عالية نظرا لقدرتها على حماية الأفراد داخل المركبة أثناء التعرض لموجات انفجارية كبيرة، وتمكنا فى مصر بعقول وسواعد أبنائها من تصميم كرسى محلى الصنع بنسبة 100فى المائة قادر على امتصاص الصدمات بشكل أكبر 3 مرات من المصنع فى الخارج، واستمر المصنع فى اتباع سياسة ورؤية الدولة المصرية فى تعظيم المكون المحلى داخل المنتجات ليقوم المصنع بالاعتماد على شركات مصرية فى صناعة الزجاج المدرع الذى يستخدم فى نوافذ العربات المدرعة كالفهد مع التوجه لمصانع وزارة الإنتاج الحربى لاستخدام الصلب المدرع الذى ينتج داخل مصانع مصرية لنصل فى الأخير إلى نسبة 75فى المائة من مكونات العربة الفهد هى مكونات محلية الصنع.
كيف يدعم المصنع التنمية المحلية من خلال توظيف الكوادر الفنية وتدريبها؟
مصنع قادر يتبنى كافة الكوادر الشابة المصرية لإيمان إدارة المصنع بأن أعظم الثروات المصرية هى الشباب المصرى، لذلك لا يقتصر احتواء المصنع على العناصر الشابة فى مجالات الهندسة فقط بل يفتح المصنع أبوابه أمام الكوادر الشابة من كليات الإعلام والتجارة والحاسبات والمعلومات من أجل التدريب داخل المصنع كل فى تخصصه، بل يتبنى المصنع أيضا كافة الأفكار والابتكارات الشابة التى يقدمها الشباب المصرى سواء من حملة المؤهلات العليا أو الدبلومات الفنية، وخاصة تلك الأفكار والابتكارات التى لها عوائد اقتصادية مجدية.
كم يبلغ حجم العمالة داخل المصنع؟
يصل عدد العاملين داخل المصنع إلى 1500 عامل بشكل مباشر، ولكن يتعامل المصنع مع قدر كبير جدا من العمالة غير المباشرة فى مختلف المبادرات والمشروعات التى يقدمها المصنع، وعلى سبيل المثال، قدم مصنع قادر مبادرة للشباب المقبل على الزواج «افرش بيتك» وذلك لمساندة الشباب المصرى فى ظل ارتفاع أسعار الأجهزة والأثاث المنزلى، حيث يقدم المصنع نموذجا لفرش المنزل كاملا بسعر 100 ألف جنيه فقط تشمل مطبخا وغرفة نوم وركنة وغرفة سفرة مع وجود إمكانية لتقسيط بنكى يصل حتى 100 شهر، وعندما زاد الإقبال على تلك المبادرة ارتفع تعامل المصنع مع عدد لا محدود من العمالة غير المباشرة.
ما أوجه التصدير لمنتجات المصنع؟
قام مصنع قادر بتصدير أول مركباته فى تسعينيات القرن الماضى لدولة الكويت فى صفقة شملت ما يقارب من 140 عربة، كما قام المصنع أيضا بتصدير إنتاجه للجزائر والكثير من الدول الإفريقية، حيث شاركت العربة الفهد مع قوات حفظ السلام فى كل من مالى والكونغو ومؤخرا قام المصنع بتصدير 20 عربة إلى بوروندى وكذا بوركينا فاسو، كما قام المصنع بتصدير إنتاجه لإحدى الشركات الفرنسية التى تقوم بتسليح قوات حفظ السلام، كما قام المصنع أيضا بتصدير عدد من المنتجات المدنية كسيارات الإطفاء التى تم تصديرها للملكة العربية السعودية.
ما خطط التوسع المستقبلية؟
المصنع يتوسع حاليا فى زيادة نسب المكون المحلى فى كافة منتجاته مع إيمان المصنع بأن الاستمرارية تستلزم التطوير الدائم فى نشاط المصنع وإنتاجه، لذلك بدأ المصنع مؤخرا فى تصنيع مركبات التنقل الخفيفة بداية من الدراجة الكهربائية والسيارات الجولف والدراجات الهوائية بجوده عالية، خاصة فى مكون البطارية والذى يعتبر هو المكون الرئيسى فى وسائل النقل الكهربائية.

