رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

اللواء محمد إبراهيم الدويرى: خطوط مصر «الحمراء» واضحة .. و«نتنياهو» يعيش «أوهام التوسع»


21-8-2025 | 19:26

اللواء محمد إبراهيم الدويرى نائب المدير العام للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية

طباعة
حوار: أحمد جمعة

على وقع حرب مفتوحة فى قطاع غزة، وأوهام يروج لها رئيس وزراء الكيان المحتل، بنيامين نتنياهو تحت شعار «إسرائيل الكبرى»، لا يزال الإقليم يقف أمام واحدة من أبرز «لحظات الخطر» فى تاريخه الحديث؛ تهديد مباشر بتصفية القضية الفلسطينية، ومحاولة فرض واقع جديد يمتد أثره إلى عمق الأمن القومى العربى، وفى القلب منه «المصرى». يكشف اللواء محمد إبراهيم الدويرى، نائب المدير العام للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، فى حوار مع «المصور» خطوط القاهرة الحمراء فى مواجهة أى مشروعات توسعية أو خطط تهجير تمس سيناء، ويقرأ دوافع نتنياهو لتوقيت طرح «إسرائيل الكبرى»، ويحلل أبعاد المخاطر التى تحملها تلك «المشروعات الصهيونية».

مصر أكدت أنها لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية وتجسيد ما يسمى «إسرائيل الكبرى».. كيف تقرأ تلك الرسائل المصرية للتصدى لهذه المشروعات الصهيونية؟

أهم ما يميز المواقف المصرية أنها مواقف واضحة تمامًا ولا تقبل أى شك أو تأويل، ومن ثم فإن الأوهام التى يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلى تسويقها بشأن «إسرائيل الكبرى» ليست فقط مرفوضة تمامًا ولكننا على استعداد للتصدى لها بكل الوسائل المتاحة ولن نسمح بها تحت أى ظرف، وعلى «نتنياهو» أن يعلم أن هذه الأوهام أو مشروعاته التوسعية المتطرفة سوف تسقط حتمًا أمام قوة وصلابة الدولة المصرية قيادة وشعبًا ولن نسمح لإسرائيل أو لأى دولة أيًا كانت أن تمس سيادتنا وسلامة أراضينا.

ما تفسيرك للتوقيت الذى اختاره «نتنياهو» للحديث عن خطة «إسرائيل الكبرى»؟

«نتنياهو» حرص على أن يتحدث عن إسرائيل الكبرى فى توقيت شعر فيه - بغرور غير مسبوق - إنه حقق لإسرائيل إنجازات إقليمية عندما قام بتدمير قطاع غزة وقتل السكان الأبرياء وقام بنفس العمليات فى الضفة الغربية، بالإضافة إلى تدمير الجيش السورى واحتلال أجزاء من الأراضى اللبنانية والسورية، بالإضافة إلى ضرب المنشآت النووية الإيرانية بالتعاون مع الولايات المتحدة، إلا أنه تناسى تمامًا أن كافة هذه العمليات العسكرية سوف تزيد من حجم العداء لإسرائيل على المستويين الإقليمى والدولى ولن تحقق لها الاستقرار والأمن الذى تنشده.

من منظور الأمن القومى.. كيف تقرأ أهداف «نتنياهو» من مثل هذه التصريحات؟

لا بد أن نأخذ تصريحات «نتنياهو» بمنتهى الجدية، حيث إن إسرائيل فى جوهرها كانت مشروعًا تحقق على الأرض، وبالتالى فمهما كانت طبيعة المشروعات الإسرائيلية واعتبارها مجرد أوهام إلا أننا يجب أن نتعامل معها من خلال خطة متكاملة تأخذ فى اعتبارها كافة الاعتبارت السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، فالمساس بالأمن القومى المصرى يعد خطًا أحمر لا يمكن لنا أن نتهاون فيه، وهذه هى الرسالة التى يجب أن تكون قد وصلت لإسرائيل بصورة مباشرة.

إلى أى مدى يرتبط هذا الطرح بمسار الصراع الحالى فى غزة والضفة الغربية، وبمحاولات «تهويد القدس» وتوسيع الاستيطان؟

من الواضح أن هذا الطرح الإسرائيلى لم يأتِ من فراغ، بل جاء متكاملًا مع السياسات والإجراءات المتطرفة والعمليات العسكرية التى تتم فى غزة والضفة الغربية، وكذلك قطار الاستيطان الذى ينهش الأرض الفلسطينية ولا سيما فى مدينة القدس، ولعل المشروع الاستيطانى «E 1» يُعد خير دليل على أن هناك خطة إسرائيلية لضم الضفة الغربية أو على الأقل أجزاء كبيرة منها، وبالتالى الوصول إلى مرحلة تصفية القضية الفلسطينية.

كيف تنظر لتفاعل الدول العربية مع هذا التوجه الإسرائيلى، وهل تتوقع أن يكون هناك موقف عربى موحد؟

الموقف العربى إزاء تصريحات «نتنياهو» اتسم بأنه كان متناغمًا، وأجمع على رفضها رفضًا تامًا، ومع التقدير الكامل لهذه المواقف إلا أنه من الضرورى أن تتعامل الدول العربية مع هذه التصريحات بالقدر الذى يتناسب مع خطورتها، وفى رأيى أن الوقت قد حان لبلورة موقف عربى قوى موحد يمثل فى مجمله حائط صد أمام أية مشروعات توسعية إسرائيلية، كما أنه بات من الأهمية أن يتم توجيه رسائل قوية لإسرائيل بأننا لن نقف موقف المتفرج إزاء مثل هذا الطرح الذى يؤثر فى جوهره على الأمن القومى العربى.

فى المقابل.. لماذا لم يكن هناك موقف أمريكى إزاء حديث «نتنياهو» عن «إسرائيل الكبرى»؟

رغم ضرورة أن نواصل مخاطبة الولايات المتحدة باعتبارها الدولة الوحيدة فى العالم القادرة على الضغط على إسرائيل، أرجو ألا نراهن كثيرًا على إمكانية حدوث تغيير فى الموقف الأمريكى تجاه إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالإدارة الجمهورية الحالية التى تتبنى كافة المواقف الإسرائيلية تجاه كل قضايا المنطقة، ومن ثم فإن الرهان الأهم والأنسب يجب أن يكون على قوة الموقف العربى وليس على احتمالات الموقف الأمريكى أو على أى مواقف أخرى .

كيف يمكن للدبلوماسية المصرية التحرك بشكل استباقى لقطع الطريق على أى ترتيبات إسرائيلية أحادية الجانب؟

تتحرك الدبلوماسية المصرية بشكل مكثف وتتعامل بموضوعية مع كافة الأحداث والتطورات التى تشهدها المنطقة، وذلك على مسارين متوازيين.. الأول تحرك فردى يؤكد على المواقف المصرية، والثانى مسار جماعى تم بالتنسيق مع الدول العربية من أجل أن يكون هناك موقف عربى تجاه هذه الأحداث، وبالتأكيد فالدبلوماسية المصرية حققت الكثير من النجاحات ولكن لا تزال هناك تحديات جسام سوف نشهدها خلال المرحلة المقبلة.

مصر واجهت خلال الأيام الأخيرة مجموعة من الأكاذيب ومحاولات التشويه بشأن موقفها من غزة ومعبر رفح.. ماذا وراء هذه الحملات، ولماذا اشتعلت الآن على وجه التحديد؟

يتمثل قدر مصر فى أنها دولة عظيمة تتعامل مع الجميع بكل مصداقية وشفافية، ولكن سيظل هناك من يحاول تشويه الدور المصرى المميز وهذا أمر علينا أن نتوقعه، أما الاتهامات التى يتم توجيهها إلى مصر بشأن معبر رفح فكلها اتهامات زائفة باطلة كاذبة لأن الجميع يعلم أن معبر رفح المصرى مفتوحًا على الدوام، أما معبر رفح الفلسطينى فإن إسرائيل دمرته تمامًا ثم احتلته بقواتها العسكرية، وبالتالى فإن دخول المساعدات من معبر رفح المصرى مباشرة إلى المعبر الفلسطينى ومنه إلى داخل غزة يعد أمرًا مستحيلًا، ولكن الواقع الراهن يشير إلى أن المساعدات تدخل من معبر رفح المصرى بالفعل ومنه إلى معبر كرم أبوسالم ثم إلى داخل غزة .

بعض قادة حركة حماس أطلقوا تصريحات «استفزازية» تجاه مصر، ثم مؤخرًا استقبلت القاهرة وفدًا من الحركة.. كيف تقرأ موقف الحركة وكيف تفرّق مصر بين موقفها من القضية الفلسطينية الثابت وعلاقتها مع حماس؟

تعودت الدولة المصرية العظيمة أن تشهد مواقف وتصريحات سلبية من بعض قيادات حماس مثلما حدث مؤخرًا من رئيس وفدها التفاوضى، وهو أمر يرتبط فى رأيى بوجود خلافات سواء داخل الحركة أو بين الحركة والقوى الشعبية والفلسطينية الأخرى، ولكن رغم ذلك فإن مصر لم ولن تقف أمام مثل هذه التصريحات لأن لديها هدفًا أسمى وهو مصلحة الشعب الفلسطينى، وتقوم ببذل جهود مضنية من أجل وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات رغم كافة العقبات التى تضعها إسرائيل وغيرها أمام هذه الجهود.

ما التداعيات المنتظرة إزاء اعتزام إسرائيل احتلال قطاع غزة؟

خطة إسرائيل بشأن احتلال مدينة غزة تحمل فى طياتها مخاطر عديدة أهمها ليس فقط تدمير ما تبقى من القطاع، ولكن الأخطر هو التوجه نحو تهجير سكان المدينة الذين يزيد عددهم على حوالى 800 ألف مواطن إلى جنوب القطاع الذى يتكدس فيه حاليًا أكثر من مليون مواطن، وبالتالى فإن هذه العملية سوف تزيد من حجم الكارثة الإنسانية فى القطاع وستؤدى إلى متغير سلبى جديد لا تدرك إسرائيل المدى الذى يمكن أن يصل إليه الوضع حينئذ.

كيف تمثل الخطة الإسرائيلية تهديدًا جديدًا للأمن القومى المصرى؟

من المؤكد أن خطة احتلال غزة تمثل تهديدًا للأمن القومى المصرى، حيث إن تهجير سكان المدينة إلى مناطق بالجنوب سيصل بعدد السكان المتواجدين فى مدينة رفح الفلسطينية أوبالقرب منها إلى حوالى 2 مليون مواطن، ثم الأمر الذى يجب أن نقف عنده أنه مع استمرار عمليات القتل والتجويع فإن احتمالات نزوح هذه الأعداد الغفيرة إلى الحدود المصرية ومنها إلى سيناء هربًا من الموت والجوع واردة، وبالتالى سوف يكون ذلك متغيرًا خطيرًا يتطلب معالجة تتناسب مع هذه المخاطر.

وما «خطوط القاهرة الحمراء» إذا ما نفذت إسرائيل عملية «احتلال كامل» لقطاع غزة؟

مشروع تهجير سكان غزة إلى سيناء يعد بمثابة الخط الأحمر الذى لن تسمح به مصر، ومن ثم تتحرك الدولة المصرية وتبذل كل الجهود الممكنة وهناك وفود قطرية وفلسطينية فى القاهرة من أجل التوصل إلى صفقة تهدئة تحول دون قيام إسرائيل بتنفيذ عملية احتلال غزة، أى أن مصر تسابق الزمن من أجل هذه الفرصة التى قد تكون الأخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

مصر تعمل على مسارات متوازية بشأن اليوم التالى فى غزة.. ما أبرز ملامح تلك المسارات؟

طرحت مصر منذ فترة رؤيتها بالنسبة لليوم التالى أى عقب انتهاء الحرب على غزة وقد تبلورت هذه الرؤية فى الخطة المصرية التى وافقت عليها الدول العربية بالإجماع فى مؤتمر القمة العربى الطارئ الذى عقد بالقاهرة فى الرابع من مارس 2025، وأصبحت بالتالى خطة عربية حيث تتضمن ثلاثة محاور رئيسية المحور الأول، الجانب الفنى المتعلق بوضع آليات تنفيذ عملية إعادة الإعمار دون تهجير سكان غزة، والثانى جانب أمنى يتعلق بوجود قوات فلسطينية ولا مانع من أن تكون معها قوات دولية لحفظ الأمن، أما الجانب الثالث فهو المتعلق بالأفق السياسى وبدء التفاوض بين الأطراف المعنية من أجل التوصل إلى حل الدولتين.

برأيك.. ما «مصفوفة الأولويات» العاجلة للأمن القومى المصرى حيال غزة حاليًا؟

مصفوفات الأمن القومى واضحة تمامًا وتشمل مجموعة من المبادئ الرئيسية أههما الحيلولة دون تهجير سكان غزة إلى سيناء أو الخارج طوعًا أو قسرًا، وكذلك الوقوف أمام كافة المحاولات التى تبذلها إسرائيل بهدف تصفية القضية الفلسطينية.. ولا شك أن هذه المبادئ تتطلب أولًا أن يتم إنهاء الحرب فى غزة وهذا هو ما تقوم به مصر الآن.

من واقع متابعتك.. من يُجهض المفاوضات المتكررة للهدنة فى غزة.. أطماع حكومة نتنياهو المتطرفة أم تشبث حماس بمواقفها؟

لا شك أن إسرائيل تعد المسئولة أساسًا عن تعثر المفاوضات الخاصة بالتهدئة، بل إن نتنياهو كان – ولا يزال - يتدخل بنفسه لفرض شروط جديدة بما يؤدى إلى عدم التوصل إلى الاتفاق، ولكن من الضرورى أن أُشير إلى أن المطلوب أيضًا من حماس فى بعض الأوقات أن تضع مصلحة الشعب الفلسطينى فى المقام الأول، وأن تقدم بعض المرونات من أجل وقف الكارثة الإنسانية وحرب الإبادة التى يتعرض لها السكان فى غزة وهذه هى مسئوليتها التى أتمنى أن تكون على قدرها.

كيف يمكن تفكيك مأزق تمسك حكومة نتنياهو بنزع سلاح حماس.. فى حين تتشبث حماس بإنهاء شامل للحرب قبل تسليم الرهائن؟

من الواضح أن الموقف أصبح الآن أكثر تعقيدًا، حيث تتمسك إسرائيل بضرورة نزع سلاح حماس وسلاح المقاومة الفلسطينية من أجل وقف الحرب، وذلك فى مقابل رفض حماس هذه المطالب الإسرائيلية، وبالتالى أصبح الموقف يتطلب طرح أفكار جديدة تؤدى إلى جسر الهوة بين هذه المواقف المتعارضة، مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك توجهًا إقليميًا ودوليًا لنزع سلاح حماس وتسليمه للسلطة الفلسطينية، وهو الأمر الذى سيكون محورًا للنقاش والبحث حول كيفية تنفيذ ذلك خلال المرحلة المقبلة.

تل أبيب وواشنطن يرغبان فى إبعاد حماس نهائيًا عن حكم غزة سياسيًا وأمنيًا.. هل للحركة دور فى خطة «اليوم التالي» وهل هى جادة فى الخروج من المشهد؟

كافة المعطيات والشواهد الراهنة تشير إلى أن حماس سوف تكون خارج أى إطار للحكم فى قطاع غزة فى اليوم التالى، ولكن يتبقى أمران الأول مدى إمكانية قبول حركة أن تتحول إلى حركة سياسية، والثانى كيف سيتم حل معضلة نزع سلاح حماس بل وسلاح القطاع ككل.

إزاء إعلان الكثير من الدول الأوروبية اعتزامها الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. هل يغير ذلك شيئًا على أرض الواقع؟

اعتراف بعض الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية واعتزام دول أخرى اتباع نفس النهج خلال المرحلة المقبلة هو أمر إيجابى للغاية يعيد قدرًا من الزخم للقضية الفلسطينية، رغم ذلك فإن الأمر يتطلب أن يتحول هذا الاعتراف النظرى إلى واقع عملى يتم ترجمته من خلال استئناف المفاوضات السياسية عقب انتهاء الحرب ومناقشة قضايا الوضع النهائى، حتى يتم تحقيق حلم الدولة الفلسطينية على أرض الواقع وليس من خلال البيانات فقط، وعلى المستوى الشخصى، فإنى أقترح أن يتم استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قبل نهاية عام 2025 تحت رعاية الولايات المتحدة، وأتمنى أن يتم التعامل مع هذا الاقتراح بالجدية المطلوبة.

هل يُجهض «ترامب» ومن خلفه «نتنياهو» حلم «إقامة الدولة الفلسطينية»؟

تهدف كافة الإجراءات التى تقوم بها إسرائيل إلى الحيلولة دون إقامة الدولة الفلسطينية، أما الأمر المؤسف فإن الولايات المتحدة التى كانت فى يوم من الأيام تمثل شريكًا كاملًا وفاعلًا فى المفاوضات وإقرار السلام فى المنطقة، أصبحت اليوم تتخذ موقفًا متحيزًا لصالح إسرائيل وتتبنى بشكل كامل لمواقفها التى تعوق إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

الاكثر قراءة