رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

خطة «تصحيح المسار».. «الهيئات الاقتصادية» و«إعادة الهيكلة»


16-8-2025 | 22:27

.

طباعة
تقرير: محمد زيدان

تشكل الهيئات الاقتصادية جزءا كبيرا من منظومة الدولة المصرية فى دعم التنمية الاقتصادية، ولكن خلال السنوات الماضية، واجهت هذه الهيئات العديد من التحديات، مثل زيادة عددها الكبير وتكرار بعض المهام بينها، بعضها يحقق أرباحا ويساهم بشكل جيد فى الاقتصاد، بينما تواجه الغالبية مشكلات مالية تزيد من الضغوط على الموارد المالية للدولة، وهنا تكمن أهمية إطلاق الحكومة خطة لإعادة هيكلة هذه الهيئات الاقتصادية، فى إطار رحلة شاملة لتصحيح المسار وتحسين الأداء، بما نال استحسان خبراء الاقتصاد والذين وضعوا روشتة لمساندة الحكومة فى سرعة تنفيذ خطتها.

صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3994 لسنة 2022 بتشكيل اللجنة العليا للهيئات الاقتصادية، والتى أوكل إليها وضع خطة متكاملة ذات توقيتات وإجراءات تنفيذية محددة لإعادة هيكلة تلك الهيئات، بهدف السيطرة على المصروفات، وتعظيم الإيرادات، وتحقيق نقطة التعادل المالى، بما يمكنها من تمويل التزاماتها دون الاعتماد على الموازنة العامة للدولة حيث تقوم هذه الخطة على دمج الهيئات ذات الأنشطة المتشابهة، وإلغاء أو إعادة تنظيم الهيئات التى فقدت فعاليتها، بهدف تقليل التكرار والازدواجية، وتحويل الهيئات الخاسرة إلى كيانات رابحة تساهم فى دعم الموازنة بدلاً من استنزافها.

وفى هذا السياق، أوضح الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادى، أن «إعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية تمثل خطوة محورية نحو تحسين الأداء المالى للدولة»، مشيرًا إلى أن «الدمج بين الهيئات ذات الأنشطة المتقاربة سيؤدى إلى ترشيد الإنفاق، وزيادة الإنتاجية، وتجنب تكرار الأدوار والمهام، نجاح هذه الخطة مرهون بوجود إدارة محترفة قادرة على استغلال الأصول، وتبنى سياسات تشغيل حديثة».

«د.عادل»، أكد أن «التحول من الخسائر إلى الأرباح يتطلب إرادة سياسية واضحة، ومتابعة دقيقة من الأجهزة الرقابية، تطوير هذه الهيئات لا يقتصر على إعادة الهيكلة أو الدمج، بل يتطلب رؤية شاملة تهدف إلى تعظيم العائد من أصول الدولة، وتحويل الهيئات الخاسرة إلى هيئات قادرة على تحقيق أرباح، بما يخفف العبء عن الموازنة العامة، كما أن تطوير الهيئات الاقتصادية المصرية يعد ضرورة استراتيجية لتعزيز كفاءة الجهاز الإدارى للدولة، وتحسين جودة الخدمات العامة، وتحقيق التنمية المستدامة، وهذه الخطوة تمثل إحدى الركائز الأساسية فى خطة الإصلاح الإدارى والمالى التى تنتهجها الدولة خلال الفترة الحالية».

«عامر»، أضاف: تنقسم الهيئات الاقتصادية فى مصر إلى ثلاثة أقسام رئيسية وهى «الهيئات ذات الطبيعة الخاصة، والهيئات الخدمية، والهيئات العامة»، والهيئات ذات الطبيعة الخاصة تشمل هيئة قناة السويس، وهيئة موانئ البحر الأحمر، وهيئة البريد، وهذه الهيئات تقدم خدمات عامة تحقق أرباحا وتسهم فى دعم الموازنة العامة للدولة دون أن تشكل عبئا ماليًا عليها، أما الهيئات الخدمية، مثل هيئة السكك الحديدية، وهيئة التأمين الصحى، وهيئة النقل العام، فقد أنشئت لتقديم خدمات للمواطنين، لكنها فى المرحلة الأخيرة تحولت إلى هيئات تسعى للحد من الخسائر، بالإضافة إلى ذلك، هناك هيئات تم إنشاؤها لتقديم خدمات للجمهور دون تحقيق أى أرباح، مثل هيئة الأبنية التعليمية، وهيئة الاعتماد، وهيئة الدواء.

ولفت الخبير الاقتصادى، إلى أن «الدولة رأت ضرورة إعادة هيكلة هذه الهيئات الاقتصادية، من خلال دمج الهيئات ذات الطبيعة المتشابهة فى هيئة واحدة موحدة، بهدف تحويلها إلى هيئات اقتصادية تسعى لتحقيق الأرباح، أو على الأقل تتحمل أعباء نفسها دون تحميل الموازنة العامة خسائر إضافية، كما تشمل خطة إعادة الهيكلة دمج هيئات مماثلة مثل هيئة موانئ البحر الأحمر، وهيئة موانئ الإسكندرية، فى هيئة واحدة موحدة، تحت مسمى تحدده الدولة، بهدف تحقيق تكامل أفضل فى إدارة الموانئ، وزيادة كفاءتها التشغيلية، وتعظيم العائد الاقتصادى، بما يساهم فى تعزيز تنافسية القطاع وتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة».

وتابع: كما تشمل خطة إعادة الهيكلة دمج جميع هيئات النقل المختلفة فى هيئة واحدة موحدة، بهدف توحيد الجهود وتحسين كفاءة تقديم الخدمات النقلية للمواطنين، بالإضافة إلى ذلك، سيتم دمج جميع هيئات المجتمعات العمرانية الجديدة، والتى تضم خمس هيئات حالياً، فى هيئة واحدة تحت مظلة متكاملة تضمن التنسيق الفعال فى التخطيط والتنمية العمرانية، وتحقيق الاستفادة المثلى من الموارد والإمكانات المتاحة، ويسهم هذا الاندماج بشكل كبير فى ترشيد الإنفاق وتعظيم الاستفادة من الموارد والإيرادات التى تحققها هذه الهيئات، خاصة هيئة الأوقاف التى تمتلك أصولا ضخمة تدر إيرادات تقدر بأكثر من 30 مليار جنيه.

ويهدف هذا التوحيد إلى تحسين إدارة هذه الموارد وتعزيز قدرتها على دعم الاقتصاد الوطنى بشكل مستدام، من خلال تحسين الكفاءة التشغيلية وتقليل الهدر المالي، ويعتمد هذا التركيز على ستة محاور رئيسية، هى: أولاً: الإصلاح المؤسسى والإدارى، حيث رأى «د.عادل»، أن الإصلاح المؤسسى والإدارى يمثل الخطوة الأولى فى مسار تطوير الهيئات العامة المصرية، مشيراً إلى أن إعادة الهيكلة تعد ضرورة حتمية، تبدأ بدمج الهيئات المتشابهة فى الوظائف والأنشطة لتقليل التكرار فى المهام والحد من الهدر فى الموارد، وصولًا إلى إلغاء الهيئات التى انتهى دورها أو فقدت مبرر وجودها، بما يضمن تركيز الجهود على الهيئات القادرة على تقديم قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد الوطنى.

كما أكد على أهمية مراجعة وتحديث الهياكل التنظيمية للهيئات بوضوح، مع تحديد المسئوليات والاختصاصات بدقة لمنع تضارب الصلاحيات وتعزيز الانضباط المؤسسى، إلى جانب تطبيق مبادئ الشفافية والمساءلة فى جميع المستويات الإدارية، وإنشاء مجالس رقابة فعالة تضم جهات مستقلة، بما يضمن تحقيق أعلى مستويات الحوكمة والانضباط فى إدارة الموارد العامة.

ثانياً: التحول الرقمى وتكنولوجيا المعلومات فهو يمثل ركيزة أساسية فى تطوير الهيئات الاقتصادية حيث يتيح تحسين كفاءة العمل وتسهيل حصول المواطنين على الخدمات، ويبدأ ذلك برقمنة الخدمات والإجراءات الإدارية، بما يشمل تبسيط الخطوات وتقليل المستندات المطلوبة، وإنشاء بوابات إلكترونية موحدة تتيح إنجاز المعاملات عن بعد بسرعة وشفافية، كما يتطلب الأمر تطوير قواعد بيانات وطنية موحدة وربطها بين مختلف الهيئات لتحقيق التكامل وتحديث المعلومات بشكل دورى.

ثالثاً: بناء القدرات وتدريب الكوادر، فتنمية العنصر البشرى تمثل حجر الأساس لنجاح خطط تطوير الهيئات الاقتصادية، موضحاً أن ذلك يتطلب تبنى برامج تدريب مستمرة تستهدف إكساب الموظفين المهارات الإدارية والتقنية اللازمة، وترسيخ مبدأ «الموظف المتعلم مدى الحياة» لمواكبة التطورات المتسارعة.

رابعاً: الإصلاح التشريعى وهو يمثل أحد الأعمدة الرئيسية لنجاح عملية تطوير الهيئات الاقتصادية، إذ يتطلب الأمر مراجعة شاملة للقوانين واللوائح المنظمة لعمل هذه الهيئات، والعمل على تعديل أو استبدال التشريعات القديمة التى لم تعد تواكب متطلبات العصر وتشكل عائقا أمام التطوير، ومن الضرورى إصدار قوانين جديدة تدعم مبادئ الحوكمة الرشيدة، وتعزز الشفافية والمساءلة، وتتيح تبنى التحول الرقمى بكفاءة، بما يسهم فى تهيئة بيئة تشريعية مرنة تدعم الابتكار وتحفز الاستثمار فى مختلف القطاعات، كما أكد على أهمية منح مرونة أكبر فى اللوائح الداخلية للهيئات الاقتصادية، من خلال تفويض بعض الصلاحيات لرؤسائها ومديريها التنفيذيين بما يتيح تسريع وتيرة العمل واتخاذ القرارات فى الوقت المناسب، دون الإخلال بمبادئ الرقابة والمساءلة.

خامساً: تعزيز الرقابة والمتابعة والتقييم لضمان نجاح تطوير الهيئات الاقتصادية، حيث يجب وضع مؤشرات أداء رئيسية (KPI) واضحة وقابلة للقياس، تستخدم لتقييم أداء الهيئات بشكل دورى ومنهجى، مع نشر تقارير الأداء بشفافية أمام الجهات الرقابية والجمهور كخطوة ضرورية لتعزيز المساءلة، وتحفيز الهيئات على تحسين جودة خدماتها وتحقيق أهدافها بكفاءة أكبر، كما شدد على أهمية وجود آليات فعالة لاستقبال شكاوى المواطنين والتعامل معها بجدية وسرعة.

سادساً: تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدنى والاستفادة من خبرات الشركات المتخصصة عبر التعاقد معها لتقديم خدمات محددة أو استشارات فنية يمكن أن يرفع من جودة الأداء ويوفر حلولا مبتكرة، كما يشدد على دعم مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) باعتبارها آلية فعالة لتعزيز الاستثمار وتوفير الموارد المالية، بما يسهم فى تنفيذ مشروعات تنموية مستدامة وتوسيع نطاق الخدمات المقدمة للمواطنين، إضافة إلى أهمية إشراك مؤسسات المجتمع المدنى فى عمليات الرقابة والمتابعة.

ومن جانبه أوضح الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادى، أن للهيئات الاقتصادية فى مصر تاريخاً طويلاً ويمكنها إذا أحسنت إدارتها أن تحقق عوائد مالية تسهم فى دعم الموازنة العامة للدولة، وأن هذا الاختلاط بين الطابعين الاقتصادى والخدمى فى العديد من الهيئات أدى أحياناً إلى تداخل الأدوار، ما استدعى ضرورة إعادة النظر فى هيكلها وآليات عملها لضمان الاستغلال الأمثل لموارد الدولة.

وأشار «جاب الله»، إلى أن هذه الهيئات عانت على مدار السنوات الماضية من زيادة أعداد العاملين بها عن طاقتها الفعلية، مما رفع من أعباء الأجور على حساب التطوير والاستثمار، وأبعد بعض الهيئات عن أهدافها الرئيسية، وقد تعاملت الدولة مع هذا الملف من منطلق دراسة حالة كل هيئة على حدة، بهدف تحديد نقاط القوة والضعف فيها، ووضع خطط إصلاح تتناسب مع طبيعتها ونشاطها، سواء من خلال إعادة الهيكلة أو الدمج أو التحويل إلى هيئات اقتصادية قادرة على تحقيق الربحية وتحمل أعبائها الذاتية دون الاعتماد على الموازنة العامة، وهناك نماذج لهيئات اقتصادية شهدت تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، مثل الهيئة القومية للبريد التى توسعت فى خدماتها المالية واللوجستية وحققت قفزات فى الإيرادات، وهيئة قناة السويس التى نجحت فى زيادة عوائدها عبر تطوير المجرى الملاحى وتنفيذ مشروعات استراتيجية عززت من مكانتها كممر تجارى عالمى.

وأضاف: فى المقابل، ما زالت بعض الهيئات الاقتصادية تواجه تحديات كبيرة، مثل الهيئة الوطنية للإعلام (ماسبيرو)، التى رغم كونها هيئة اقتصادية، فإن إيراداتها الحالية لا تكفى لتغطية التزاماتها التشغيلية، وهو ما يدفع الدولة إلى بذل جهود حثيثة فى الفترة الأخيرة لتطويرها وإعادة هيكلتها بهدف استعادة دورها الإعلامى وتعزيز قدرتها على تحقيق عوائد مستدامة، وفى إطار الإصلاح، يبرز ملف هيكلة العمالة كإحدى القضايا الجوهرية، إذ تواجه بعض الهيئات الاقتصادية فائضا كبيرا فى أعداد العاملين يفوق احتياجاتها الفعلية، مما يثقل كاهلها بتكاليف إضافية ويؤثر على كفاءتها التشغيلية، بينما تعانى هيئات أخرى من نقص فى الكوادر المؤهلة، ما يعوق قدرتها على التوسع وتقديم خدمات ذات جودة عالية، ومن هنا، يصبح ضبط هيكل العمالة وتوزيعها بشكل متوازن خطوة أساسية لضمان نجاح أى خطة إصلاح شاملة.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة