رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

بتسجيل قصر الأمير عمرو إبراهيم كتراث عربى فريد من نوعه.. مصــر تواصــل حمايـــة هويتها المعمارية


10-8-2025 | 19:56

.

طباعة
بقلـم: أمانى عبدالحميد

فى خطوة جادة ومحمودة فى سبيل حماية ما تملكه مصر والدول العربية من تراث إنسانى لا مثيل له فى العالم. وفى وقت تتصاعد فيه التهديدات التى تواجه المدن العربية وتراثها المعمارى من تحولات عمرانية جامحة، وصراعات مسلحة، وأخطار التغير المناخي. جاءت مبادرة منظمة «الألكسو» بإطلاق ما أسمته بـ«سجل التراث المعمارى والعمرانى فى الوطن العربى» بمثابة إعلان ثقافى رفيع يكرس الذاكرة العربية المشتركة. ويؤسس لخريطة إنقاذ تحفظ ما تبقى من معالم الجمال والهوية. وبالطبع كانت مصر، كما يليق بتاريخها ومكانتها، فى صدارة الدول التى تجاوبت مع تلك المبادرة. ليتصدر مبنى متحف الخزف الإسلامى أو قصر الأمير عمرو إبراهيم بالزمالك كأحد أول المعالم المسجلة رسميًا ضمن السجل. ويكون شاهدا على التفاعل المثمر بين الجهد المحلى والإرادة الثقافية العربية الجماعية.

 

«سجل التراث المعمارى ليس أداة لحصر الأبنية فقط، هو وثيقة انتماء لكل مواطن عربى»، تلك بعض من كلمات د. محمد ولد أعمر، المدير العام لمنظمة «الألكسو»، تحدث بها ليصف تلك المبادرة الجادة التى قررت منظمة التربية والثقافة والعلوم العربية إطلاقها كخطوة حقيقية، فى سبيل حماية ما تبقى من التراث العربى المعمارى الذى بات مهددا بخطر الاندثار، مردد بقوله: «نحن نوثق ذاكرة الجدران التى رأت أحلام الأجيال، وصمتت حين انهارت المدن، ونريد لها أن تتكلم من جديد».

وهى الخطوة التى نتج عنها تسجيل 29 مبنى معماريا تراثيا، وفى مقدمتها قصر الأمير عمرو إبراهيم مقر متحف الخزف الإسلامى ومركز الجزيرة للفنون التابع لوزارة الثقافة، ليكون أول مبنى تراثى مصرى يتم توثيقه ضمن السجل المعمارى والعمرانى للتراث العربى، وهو القرار الذى اتخذته منظمة «الألكسو» الأسبوع الماضى بمدينة بيروت خلال ختام أعمال الاجتماع العاشر للمرصد الحضرى التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.

وشكلت قرارات تلك الدورة محطة فارقة فى مسار حماية التراث المعمارى العربى والعمرانى، بل إنها ستلعب دورا كبيرا فى تعزيزه عن طريق تدشين أول سجل عربى للتراث المعمارى وإدراج الممتلكات الثقافية ضمنه لحمايتها من الاندثار. السجل تضمن 19 موقعا دفعة أولى من المبانى التراثية التى تحاكى شخصية كل مدينة وهويتها، وتحوى على سبيل المثال: مدينة فاس العتيقة المغربية، البلدة القديمة فى القدس، والبلدة القديمة بالخليل، والجامع العمرى الكبير فى البلدة القديمة بمدينة غزة بدولة فلسطين، بلدة الخبراء، قلعة القشلة بالمملكة العربية السعودية، أبراج الكويت، جامع آل حمود بسلطنة عمان، برج برزان موقع مروب الأثرى بدولة قطر، الجامع الأموى بدمشق، دار الاتحاد بدولة الإمارات، مدينة مليانة القديمة بالجزائر، المعالم التاريخية على نهر دجلة بجمهورية العراق، موقع أزكى الأثرى بالجمهورية الإسلامية الموريتانية، صهاريج عدن بالجمهورية اليمنية، وقرية تونين بدولة ليبيا، إلى جانب جامع الزيتونة المعمور بالجمهورية التونسية.

ومن المنتظر إدراج عشرة مواقع عربية أخرى خلال الدورة المقبلة بعد أن وافقت المنظمة العربية على الملفات المرشحة لإقرارها. وتتضمن مواقع تمثل تراثا معماريا وعمرانيا داخل كل من السعودية، قطر، سلطنة عمان، العراق، لبنان، والأردن.

وفى قلب حى الزمالك، لا تغفل العين ذلك المبنى ذا الطراز المعمارى المميز بتفاصيله وزخارفه الهندسية التى تأسر المارين. فهو ليس مجرد مبنى متحفى أو قاعة عرض للفنون التشكيلية أو حتى قصر ملكى قديم، لكنه مبنى فريد من نوعه يحمل قيمة معمارية متميزة، وينتمى إلى الطراز الإسلامى المملوكى النادر، ويقع وسط جزيرة الزمالك التراثية التى تحتضن عددا من المبانى التاريخية وتحمل تنوعا فى الطرز المعمارية، فضلا عن موقعها الجغرافى المميز وسهولة الوصول إليها، على حد وصف الجهاز القومى للتنسيق الحضارى التى سبق أن أدرجها ضمن المناطق المتميزة معماريا وذات الطابع الفريد.

ويعتبر القصر الفخيم مثالا جيدا لما يمكن أن نطلق عليه وصف «التوظيف الثقافي» الجيد، حيث تبدأ حكاية القصر مع الأمير عمرو إبراهيم الذى ينتمى إلى الأسرة الملكية المصرية. شيّده مع بدايات القرن العشرين ليكون سكنا خاصا به، لكن فى عام 1999 آل القصر إلى وزارة الثقافة، التى قررت بدورها إعادة توظيفه كمتحف يعرض فنون الخزف الإسلامى، وذلك ضمن خطة لتطوير متحف الفن الإسلامى تبناها الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، وكانت تقضى بتوزيع عدد من مقتنيات المتحف الموجود بمنطقة باب الخلق. وتأسيس عدد من المتاحف الإسلامية النوعية مثل متحف للأبواب، الأسلحة. وفى المقدمة كان متحف الخزف الإسلامى الذى يحتضن المشكاوات وعددا من مقتنيات الخزف والزجاج الأثرية، إلى جانب إقامة عدد من قاعات العرض للفنون التشكيلية داخل بدروم القصر، علاوة على استخدام الحديقة الخلفية موقعًا لتقديم العروض الفنية أو المسرحية، ليكون بذلك أول موقع تاريخى وثقافى وفنى يجمع بين التراث المعمارى والتوظيف الثقافى والفنى المناسب لقيمة القصر الملكي.

وفى عام 2010، قررت وزارة الثقافة غلق أبواب المتحف أمام الزيارة وخضوعه لمشروع ترميم وتطوير، وبعد 14 عاما أعادت افتتاحه العام الماضى 2024 ليبدأ فى ممارسة دوره المرسوم له كمتحف لفنون الخزف الإسلامي.

ويحتل المتحف الدورين الأرضى والأول من قصر الأمير عمرو إبراهيم، ويعتبر تصميمه المعمارى مميزا؛ نظرا لأنه يجمع بين عدة طرز معمارية منها المغربى، والتركى، والأندلسى، علاوة على تأثره الكبير بالطراز الكلاسيكى الأوروبى.

وتحتضن غرف القصر الملكى قاعات العرض المتحفي، الذى يتبع قطاع الفنون التشكيلية برئاسة د. وليد قانوش، ويحتوى القصر على مجموعة قاعات ضخمة تتوسطها القاعة الرئيسية، أو كما يطلق عليها قاعة البهو، ويعتبر سقفها الذى يتخذ شكل القبة الملونة البديعة من أجمل ما يمكن رؤيته داخل مبنى القصر؛ حيث تنتمى القبة فى طرازها إلى قباب العصر المملوكى، وتحتضن فى رقبتها عدد 16 شباكا من الجص معشقة بالزجاج الملون، ثم يتدلى من وسطها ثريا من النحاس بديعة للإضاءة، وفى أركانها يتدلى أربع من مشكاوات النحاس الفريدة، كما توجد فوق جميع أبواب القاعات فى البهو زخارف إسلامية مميزة، وتتوسط قاعة البهو نافورة من الرخام الملون، ويعلوها ومن أجمل ما يراه الزائر داخله أعمال الخرط العربى الثرية، والأسقف والحوائط المحلاة بالزخارف والمقرنصات الجصية المليئة بالعناصر الزخرفية النباتية والهندسية والكتابات التى تتخذ تشكيلات متداخلة ومتراكبة.

كما يحتضن داخله عددا من القاعات المتخصصة فى مختلف فنون الخزف والزجاج. ومن أقدمها قاعة الخزف الفاطمى، وقاعة الخزف التركى، وقاعة الخزف المصرى المملوكى، وقاعة الخزف الإيرانى. بالإضافة إلى مكونات القصر الأصلية التى تحوى مجموعة نادرة من الخزف السورى والعراقى وغيرها من التحف الفنية المميزة.

وعلى الرغم من غلق أبواب المتحف سنوات، فإن مركز الجزيرة للفنون الذى يحتل بدروم القصر لم يتوقف عن ممارسة دوره فى احتضان معارض الفن التشكيلى بشكل دورى؛ لذا لم يكن مستغربا أن يقع اختيار وزارة الثقافة لمبنى متحف الخزف الإسلامى والذى يحتضن مركز الجزيرة للفنون ليكون أول مبنى تقوم مصر بتسجيله كتراث معمارى عربى متميز. وهو على حد وصف د. أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة: «إضافة نوعية إلى رصيد مصر الثقافى والمعمارى على المستوى العربى»، الذى أكد أن ما يبذله الجهاز القومى للتنسيق الحضارى من مجهودات حققت لمصر التقدير الإقليمى لما تمتلكه من مخزون حضارى متنوع.

وهو ما أكدته كلمات المهندس محمد أبو سعدة، رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى خلال حضوره اجتماع «الألكسو» ببيروت؛ الذى وصف نجاح مصر فى إدراج مبنى المتحف بأنه «خطوة محورية نحو حماية الهوية الثقافية والتاريخية داخل الدول العربية من الاندثار أو الضياع عبر تسجيل التراث المعمارى والعمرانى»، مرددا بقوله: «تلك الخطوة من شأنها تعزيز مكانة التراث كمكون حى فى ذاكرة الأمم»، وتساهم فى التعريف بما تملكه الدول العربية من كنوز على الصعيدين المحلى والعالمي. وذلك خلال مشاركته فى الاجتماع العاشر الذى حضرته وفود الدول العربية لتناقش سبل تعزيز التعاون المشترك لصون الإرث الحضارى العربى والتحديات التى تواجهه، خاصة المشكلات التى تعانى منها المنطقة العربية ككل، وفى مقدمتها الكوارث الطبيعية، والنزاعات المسلحة، والتوسع العمرانى غير المنضبط.

وكان المجلس الاقتصادى والاجتماعى التابع لجامعة الدول العربية قد أعد ما يعرف باسم «سجل التراث المعمارى والعمرانى العربي». جاء فيه قائمة طويلة تضم عددا من المواقع التراثية. ومن بعدها أعلنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» تدشين السجل فى مايو 2024 فى حفل رسمى احتضنته العاصمة التونسية، بحضور ممثلى وزارات الثقافة والهيئات المعنية بالتراث من مختلف الدول العربية. وجاءت الوثيقة التأسيسية للسجل لتؤكد أن الهدف ليس فقط التوثيق أو الفهرسة، بل إعادة إدماج التراث فى حياة المجتمعات، بوصفه ركيزة للهوية وركنًا من أركان التنمية المستدامة.

    كلمات البحث
  • قصر
  • فريد
  • مصر
  • الامير
  • حماية

الاكثر قراءة